ج2 - ف98
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الثاني / القسم الثاني
98- (يسوع في منطقة المياه الحلوة: "لا تَشتَهِ مُقتَنى غيركَ")
14 / 03 / 1945
«الله يُعطي لكلّ امرئ ما يُوافِقه. تلك هي الحقيقة. وما الضروريّ الـمُوافِق للإنسان؟ الأُبَّهة؟ عدد كبير مِن الخدّام؟ الأراضي التي لا يُحصى عدد حقولها؟ أَم الوليمة الممتدّة مِن غروب الشمس حتّى شروقها؟ لا. بل إنّ الضروريّ للإنسان هو سقف وقُوت وثَوب وما لا بدّ منه لاستمرار الحياة.
انظروا حولكم: مَن هُم الأكثر سعادة والأكثر سلامة؟ مَن ذا الذي يتمتّع بشيخوخة سليمة وهادئة؟ أَهُم الشهوانيّون؟ لا. بل إنّ الذين يعيشون بنـزاهة، يَعمَلون ويُسيطرون على شهواتهم، هؤلاء لا يَطالهم سُمّ الفُجور، ويبقون أقوياء، ولا سُمّ الولائم، ويَظلّون رشيقين، ولا سُمّ الحَسَد، ويَستمرّون مُتهلّلين. بينما مَن تسيطر عليه الرغبة في الحصول على المزيد دائماً، فإنّه يَقتل سلامه ولا يَسعَد، إنّما تكون شيخوخته مُبكّرة. إنّه يَحترق بنار الحقد والإسراف.
يمكنني ضمّ وصيّة لا تَسرِق إلى وصيّة لا تَشتَهِ مُقتنى غيركَ. لأنّه بالفِعل، الشّهوة الـمُفرِطة تَدفَع إلى السرقة. لا تَفصل الواحدة عن الأخرى سوى خطوة واحدة. هل كلّ رغبة هي غير مشروعة؟ لستُ أقول هذا. فربّ العائلة الذي، بِعَمله في الحقول والمصانع، يَرغَب في الحصول على ما يؤمِّن به قُوت أبنائه، بالحقيقة هو لا يُخطئ، بل بالعكس، إنّه يؤدّي واجباته كأب. ولكنّ الذي، على عكس ذلك، لا يَرغَب إلّا بالمتعة العُظمى والقُصوى، ويَستولي على ما يمتلكه غيره ليستمتع أكثر، فهذا يرتكب خطيئة.
الحَسَد! لماذا؟ ماذا تكون الرغبة بممتَلَكات الآخَر إن لم تكن جَشَعاً وحَسَداً؟ الحَسَد يُبعِد عن الله، يا أبنائي، ويُوحِّد مع الشيطان. ألا تُفكّرون بأنّ أوّل مَن رَغِب بما هو لغيره كان لوسيفوروس؟ لقد كان الأبهى بين رؤساء الملائكة، كان يتمتّع بالله. وكان عليه أن يَقنَع بذلك. إلّا أنّه حَسَدَ الله وأراد أن يكون هو له إلهاً، فأَصبَحَ الشيطان، أوّل شيطان. مثال آخر: آدم وحوّاء، لم يكن ينقصهما شيء، وكانا يستمتعان بالفردوس الأرضيّ، ويتمتّعان بصداقة الله، سَعيدَين بمواهب النّعمة التي جَعَلَها الله لهما. وكان عليهما أن يَقنَعا بذلك. ولكنّهما حَسَدَا الله على معرفته الخير والشرّ، فطُرِدا مِن جنّة عدن، وأَصبَحَ محكوماً عليهما مَقيتَين في عينيّ الله، الخاطِئَين الأوّلَين. المثال الثالث: قايين حَسَدَ هابيل بسبب صداقته مع الربّ، وأَصبَحَ القاتِل الأوّل. مريم أخت هارون وموسى، اشتَهَت أخاها وأَصبَحَت أوّل مَن أُصيبت بالبرص في تاريخ إسرائيل. أستطيع أن أَصحَبكُم خطوة خطوة عَبر حياة شعب الله كلّها، حيث تَرَون كيف أنّ الرغبة الـمُفرِطة جَعَلَت مِن صاحبها خاطِئاً، وجَلَبَت الويل للوطن. ذلك أنّ خطايا الأفراد تتراكم وتَجلب الوَيل والعقاب للأوطان. إنّها تُشبه حبّات وحبّات مِن الرمل تتراكم على مدى قُرون، وتُسبّب انهياراً يُغرِق البلاد ومَن فيها.
في أَمثِلَتي، أَورَدتُ كثيراً ذِكر الأطفال، لأنّهم رمز البساطة والسذاجة. أمّا اليوم فأقول لكم: اقتدوا بالطيور في تَحرُّرها مِن رغباتها. انظروا. هو فصل الشتاء الآن. لا يوجد في البساتين سوى القليل القليل مِن الغِذاء. ولكن هل تَراها تهتمّ بجمع مَخزون لها في الصيف؟ لا، إنّها تُولي الربّ ثقتها. وهي تَعلَم أنّ دودة صغيرة، حَبّة، كِسرة خبز، فَضلَة طعام، ذبابة صغيرة فوق الماء، يمكنها اصطيادها على الدوام لتقتات بها. وهي تعرف أنّه تُوجَد دائماً مِدخنة دافئة، أو نُدفة صوف تُؤويها، فتَقيها بَرد الشتاء. تَعرف أيضاً أنّه، عندما يحين موعد احتياجها للقشّ لبناء أعشاشها، وكمّية غِذاء أكبر مِن أجل صغارها، فسيكون في الحقول قَشّ زكيّ الرائحة، وغِذاء رَيّان في البساتين وعلى الأثلام. وسيمتلئ الجوّ والأرض بالحشرات. فتَصدَح بلطف: "شكراً لكَ أيّها الخالِق على ما وَهَبتَنا وما سوف تَهِبنا"، مُسرِعة في تصعيد الأوشعنا مِلء الحناجر، بينما، في موسم التّكاثُر، فإنّها تستمتع بوليفاتها وتَرَى أنسالها تتكاثر.
هل مِن مخلوق أكثر ابتهاجاً مِن العصفور؟ ومع ذلك، فما مِقدار ذكائه إذا ما قُورِن بالذكاء البشريّ؟ إنّه كحَصاة صَوّان أمام جَبَل. ولكنّه يعطينا درساً. الحقّ أقول لكم: إنّ الذي يعيش دُونما رَغبة دَنِسَة، فهو يمتلك بهجة العصفور، ويَثِق بالله ويرى فيه أباً. يبتسم للنهار الذي يُشرِق وللّيل الذي يَهبُط، لأنّه يَعلَم أنّ الشمس صديقته والليل مُربّيته. يَنظُر إلى الناس دون حقد، ولا يخشى انتقامهم لأنّه لا يُخطئ تجاههم. لا يَختَبِر خوفاً على صحّته ولا على نومه، لأنّه يَعرف أنّ الحياة النـزيهة تُبعِد الأمراض وتُؤمّن رائحة هانِئة. وفي النهاية لا يخشى الموت لأنّه يَعلَم أنّه حين يتصرّف بالشكل الحَسَن، فلا يمكن أن يحصل إلّا على ابتسامة الله. حتّى الـمَلِك يموت، وكذلك الغنيّ. فلا الصولجان يُبعِد الموت، ولا الفضّة يمكنها أن تشتري الخلود وعدم الموت. كما أنّ، في حضور مَلِك الملوك وربّ الأرباب، فالتيجان والفضّة ليست سوى تَفاهة، ولكنّ الشيء الوحيد الذي يتمتّع بقيمة عالية هي حياة عاشها المرء حسب متطلّبات الشريعة!
ماذا يقول هؤلاء الرجال هناك في الآخِر؟ لا تخافوا مِن أن تَقولوا وتُسمِعونا.»
«كنا نقول: أيّة خطيئة ارتَكَبَها أنتيباس؟ أهي السرقة أم الزّنى؟»
«لا أريد أن تَنظروا إلى الآخرين، بل إلى قلوبكم. وفي أثناء ذلك أقول لكم إنّه ارتَكَبَ خطيئة عبادة الأوثان، لأنّه عَبَدَ الجَّسَد وفَضَّله على الله، وكذلك الزّنى والسرقة والرغبة غير المشروعة، ومؤخّراً القتل.»
«هل سيَخلُص بكَ أنتَ أيّها الـمُخَلِّص؟»
«سوف أُخلِّص الذين يتوبون ويعودون إلى الله. أمّا غير التائبين فلن ينالوا الفِداء.»
«قُلتَ إنّه سارق. ولكن ما الذي سَرَقَه؟»
«زوجة أخيه. فالسرقة لا تقتصر فقط على المال. بل السرقة كذلك هي انتهاك شرف إنسان أو عذريّة فتاة. واختطاف زوجة مِن زوجها هو تماماً مثل اختطاف ثَور مِن جار أو السطو على أشجاره. ثمّ إنّ السرقة إذا ما ازداد سوءها بالشّهوة أو شهادة الزُّور، تَستَفحِل بالزّنى أو النّجاسة أو الكذب.»
«والمرأة التي تزني، أيّة خطيئة تَقتَرِف؟»
«إذا كانت متزوّجة، فهي تقترف خطيئة الزّنى والسرقة حيال زوجها. وإذا كانت في سنّ الزواج، فالنّجاسة والسرقة حيال نفسها.»
«حيال نفسها؟ ولكنّها تتخلّى عمّا يخصّها!!»
«لا، بل إنّ الله خَلَقَ جسدنا ليكون هيكلاً للنَّفْس وهيكلاً لله. إذن، يجب المحافظة عليه خالياً مِن كلّ عَيب، وإلّا فتكون النَّفْس قد سُرِقت مِن صداقة الله ومِن الحياة الأبديّة.»
«إذن فالعاهرة لا يمكن أن تنتمي إلّا إلى الشيطان؟»
«كل خطيئة هي زِنى مع الشيطان. فالخاطئ كالمرأة التي تبيع نفسها، يستسلم للشيطان في أهواء غير مشروعة، يَأمَل منها فوائد دنيئة. جسيمة، جسيمة جدّاً هي خطيئة الدّعارة التي تجعل المرء يشبه الحيوانات النَّجِسة. ولكن هل تعتقدون أنّ أيّة خطيئة رئيسيّة أخرى هي أقلّ منها جَسامة؟ ماذا أقول عن عبادة الأوثان؟ ماذا أقول عن القتل؟ ومع ذلك فقد غَفَرَ الله للإسرائيليّين بعد عِجل الذهب. لقد غَفَرَ لداود خطيئته، خطيئته المضاعَفَة. فالله يَغفر لِمَن يتوب. وليكن التّكفير عن الخطيئة متناسباً مع عدد وحجم الخطايا، وأقول لكم إنّ الذي يتوب أكثر سوف يَحظى بغفران أكثر. بالفِعل، فالتوبة هي شكل مِن أشكال الحبّ، الحبّ الذي يَصلُح للخير. فالذي يتوب يقول لله في توبته: "لا أستطيع البقاء تحت وَعيد غضبكَ، إذ إنّني أحبّكَ وأريد أن أكون مَحبوباً". والله يحبّ الذي يحبّه. أقول لكم إذن: بالقَدر الذي يحبّ المرء يكون محبوباً. والذي يحبّ حبّاً كاملاً ينال غفراناً كاملاً.
تلك هي الحقيقة. اذهَبوا. إنّما اعلَموا أوّلاً أنّ على أبواب البلدة أرملة ومعها أولادها، وليس لديها ما تسدّ به رَمَقهم. طُرِدَت مِن بيتها بسبب الديون، وتستطيع أيضاً أن تقول "شكراً" لصاحب الـمُلْك، كونه اكتفى بطردها. لقد استَعمَلَت تقدمتكم في تأمين القُوت لهم. ولكنّهم في حاجة إلى مأوى. والرحمة هي التضحية، بل الذبيحة الأكثر قُبولاً لدى الربّ. كونوا صالحين وطيّبين، وأَعِدكم باسمه بالمكافأة.»
يتهامس الناس، يُبدون رأيهم، ويتناقشون.
في هذه الأثناء يشفي يسوع رجلاً أعمى، ويَستَمِع إلى عجوز قادمة مِن دوكو لترجوه الذهاب إلى بيت كنّتها المريضة. إنّها قصة مُبكية طويلة، لن أكتبها بسبب وَضعي الصحّي اليوم، فأنا شِبه ميتة.
الحمد لله أن انتهى كلّ شيء، ذلك أنّني لستُ في وَضع يَسمَح لي بالاستمرار، وقد أَلَـمَّت بي أزمة قلبيّة منذ ثلاث ساعات وما زالت، ولقد شَوَّشَت عليَّ حتّى بَصري.