ج10 - ف22
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء العاشر
22- (وداع يسوع لأُمّه قبل الصعود إلى الآب)
22 / 02 / 1944
أرى الغرفة حيث تقيم مريم. لقد اختفت أدوات الآلام.
العذراء جالسة تقرأ. لا بدّ أنّها كتابات مقدّسة، لأنّها بالتأكيد لا تقرأ شيئاً آخر في اللّفافة الّتي تحملها بين يديها. ما عادت معذّبة. وجهها أكثر سكينة ممّا كان عليه قبل الآلام، أكثر نضوجاً. لم يعد ذلك الوجه المفجوع. إنّه الآن جليل إنّما صافٍ.
يبدو أنّه الصباح، فالشمس تدخل الغرفة الصامتة مِن النافذة المفتوحة، إنّما يمكن رؤية أنّ الحديقة، المحاطة بأسوار عالية، الّتي تطلّ عليها النافذة، ما تزال منتعشة بالندى.
يدخل يسوع. ما يزال مرتدياً الرداء الرائع نفسه الّذي كان يرتديه في صباح القيامة، وجهه يبعث نوراً، وجراحه شموساً صغيرة. مريم تركع مبتسمة، ثمّ تنهض وتُقبّل يده اليمنى. يسوع يضمّها إلى قلبه ويُقبّل جبهتها، يبتسم، ويطلب منها منحه قُبلة، وهي بدورها تطبعها على جبهته.
«أُمّي. وقت مكوثي على الأرض قد انتهى. سوف أصعد إلى أبي. لقد أتيتُ لأودّعكِ وداعاً خاصّاً، ولأُظهِر نفسي لكِ مرّة ثانية كما سأكون في السماء. لم يكن بإمكاني أن أُظهِر نفسي للناس بهذا الرداء الباهر. فما كان باستطاعتهم احتمال بهاء جسدي الممجَّد. إنّه يتخطّى قدراتهم كثيراً. إنّما لكِ، يا أُمّي، فنعم. وآتي لأُبهجكِ به مرّة أخرى. قَبِّلي جراحي، بحيث أتنسّم عَبَق شفتيكِ في السماء، وستبقى لكِ عُذوبة دمي عليهما.
ولكن كوني على ثقة، يا أُمّي، بأنّني لن أترككِ أبداً، سوف أكون خارج قلبكِ فقط لتلك الدقائق القليلة اللازمة لتقديس الخبز والخمر، وبعد انفصالي عنكِ بصعوبة، سوف أعود إلى قلبكِ، بمحبّة متشوّقة كتلك التي لكِ، أيا سمائي الحيّة الّتي أنا سماؤها.
لم نكن أبداً متّحِدَين كما سنكون عليه مِن الآن فصاعداً، قبلاً كان عجزي كما جنين، ثمّ طفولتي، ثمّ شقاء الحياة والعمل، ثمّ رسالتي، ثمّ الصليب والقبر، تبقيني بعيداً، وتمنعني مِن أن أقول لكِ كم أحبّكِ. إنّما الآن فسأكون فيكِ، ليس كمخلوق يتشكّل، ليس بالقرب منكِ وسط معوقات العالم الّتي تمنع اندماج اثنين يتحابّان. الآن سأكون فيكِ باعتباري الله، ولا شيء، لا شيء على الأرض ولا في السماء سيكون بمقدوره فصلي عنكِ، فصلكِ عنّي، أيا أيّتها الأمّ القدّيسة. سوف أبوح لكِ بكلمات حبّ وأمنحكِ ملاطفات بعذوبة فائقة الوصف، وأنتِ سوف تحبّينني عوضاً عن كلّ أولئك الّذين لا يحبّونني. آه! إنّك تملئين مقياس المحبّة الّتي سيحجبها العالم عن المسيح بمحبّتكِ الكاملة يا أُمّي. لذلك، أكثر منه وداع، سوف يكون لكِ منّي تحيّة مَن يخرج لبرهة، كخروجه لقطف ورود وزنابق مِن هذه الحديقة الـمُزهِرة.
إنّما سأجلبُ لكِ وروداً أخرى وزنابق أخرى مِن السماء، أكثر روعةً مِن تلك الّتي تفتّحت في هذه الحديقة. وسوف أملأ قلبكِ بها يا أُمّي، لأُنسيكِ نتانة الأرض، الّتي لا تريد أن تكون مقدّسة، ولأمنحكِ سلفاً عبق الفردوس المغتبط، حيث يتمّ انتظاركِ بكثير مِن المحبّة. والمحبّة، الّتي لا تحتمل الانتظار، سوف تأتي إليكِ بعد عشرة أيّام، تجمّلي بأجمل فرح لكِ، أيا أيّتها الأُمّ العذراء، لأنّ عريسكِ يأتي. انتهى الشتاء… الكُروم الـمُزهِرة تُطلِق شذاها، وهو يغنّي: "تفتّحي، أيا أيّتها الفائقة الجمال. تعالي، أيا عروسي، سوف تُتَوّجين." سوف يُتوّجكِ بناره، أيّتها القدّيسة، وسوف يجعلكِ مغتبطة بروحه، الّتي سوف تُبَثّ فيكِ بكلّ تألّقها، أيا مَلِكَة الحكمة، أيا مَلِكَته، يا من أحسنتِ فهمه منذ فجر حياتكِ وأحببتِه محبّة لم يحبّها مخلوق.
أُمّي، إنّني أصعد إلى أبينا، وسأتركُ لكِ بركات ابنكِ، أيّتها الأُمّ المباركة.»
مريم تشعّ ببهجة في نشوتها، في الغرفة التي تلبث متألّقة بنور المسيح.
***
يقول يسوع:
«لا تجادلوا أيا أيّها البشر، إن كان ممكناً أم غير ممكن أن أغيّر ردائي. فأنا ما عدتُ ذاك الإنسان الخاضع للضرورات البشريّة. كان لديّ الكون كموطئ لقدميّ، وكلّ القوى كخدّام مطيعين. وإذا، كنتُ قادراً على التجلّي على جبل طابور عندما كنتُ الـمُبَشِّر، أفلن أكون قادراً، وقد أضحيتُ المسيح الممجّد، على التجلّي مِن أجل أُمّي؟ لا بل بالأحرى: أن أتغيّر أمام البشر وأظهر لها كما كنتُ عليه في ذلك الحين، إلهيّاً، مُمَجَّداً، متجلّياً، بدلاً مِن الإنسان الّذي أظهرتُه للجميع، أن تراني على حقيقة ما كنتُ عليه؟ لقد رأتني، الأُمّ المسكينة، متغيّراً بفعل التعذيب. وكان مِن العدل أن تراني متجلّياً بالمجد.
لا تجادلوا فيما إذا كان بإمكاني أن أكون حقيقةً في مريم. فإذا ما كنتم تقولون إنّ الله موجود في السماء وعلى الأرض وفي كلّ مكان، فلماذا يمكنكم الشكّ في إمكانيّة وجودي في السماء وفي الوقت ذاته في قلب مريم، الّذي كان سماءً حيّة؟ وإذا ما كنتم تؤمنون بأنّني موجود في القربان المقدّس، وبأنّني أسكن بيوت قرابينكم، فكيف يمكنكم أن تشكّوا فيما إذا كنتُ في بيت القربان هذا فائق الطهارة والاتّقاد الّذي هو قلب أُمّي؟ ما هي الإفخارستيا؟ إنّها جسدي ودمي المتّحدان مع روحي وألوهيّتي. إذاً، عندما كانت حبلى بي، ماذا كان في أحشائها غير ذلك؟ ألم تكن تحمل ابن الله، كلمة الآب وجسده، دمه، روحه وأُلوهيّته؟ ألا تمتلكوني يا ترى لأنّ مريم امتلكتني وهي الّتي منحتني لكم بعد أن حملتني تسعة أشهر؟
إذاً، وكما غادرتُ السماء لأسكن في أحشاء مريم، فهكذا، الآن وأنا أغادر الأرض، أختار مريم كما بيت قربان لي. وأيّ بيت قربان، وفي أيّة كاتدرائيّة، يمكن أن يوجد أجمل وأكثر قداسة مِن بيت القربان هذا؟
المناولة هي معجزة حبّ قد اجترحتُها مِن أجلكم، أيّها البشر. إنّما، على قمّة أفكاري عن المحبّة، كانت تتربّع فكرة محبّة لامتناهية بأن يكون بمقدوري أن أحيا مع أُمّي وأن أجعلها تحيا معي إلى أن نتّحد في السماء.
أوّل معجزة اجترحتُها لإسعاد مريم، في قانا الجليل. واجترحتُ المعجزة الأخيرة، بالأحرى المعجزات الأخيرة، مِن أجل تعزية مريم، في أورشليم، الإفخارستيا ووشاح فيرونيكا. هذه [الأولى]، لأسكب قطرة مِن العسل فوق مرارة المفجوعة. وتلك [الثانية]، لأجنّبها شعور أن يسوع ما عاد موجوداً على الأرض.
فكلّ شيء، كلّ شيء، كلّ شيء، وافهموا ذلك لمرّة، قد حظيتم به كان بفضل مريم! ويجب عليكم أن تحبّوها وتباركوها مع كلّ نَفَس مِن أنفاسكم. حجاب فيرونيكا هو أيضاً شوكة لنفوسكم المتشكّكة. قارنوا، أنتم الّذين تمضون قُدُماً في تفحّصاتكم الـمُجدِبة، أيا أيّها العقلانيّون، أيا أيّها الفاترون، أيا أيّها المتذبذبون في الإيمان، قارِنوا الوجه الّذي على الوشاح مع الوجه الّذي على الكَفَن. الواحد هو وجه لشخص حيّ، والآخر هو لشخص ميّت. لكنّ الطول، العرض، ملامح الوجه، الشكل، السِّمات الـمُميِّزة، كلّها متطابقة. طَابِقوا الصور. ستجدون أنّها متوافقة. إنّها أنا. أنا الّذي أردتُ أن أُذكّركم كيف كنتُ وكيف أصبحتُ بسبب محبّتي لكم. وإذا لم تكونوا ضالّين، أو لم تكونوا عمياناً، فهذان الوجهان يجب أن يكونا كافيين لجلبكم إلى المحبّة، إلى التوبة، إلى الله.
ابن الله يغادركم مباركاً إيّاكم هو والآب والروح القدس.»