ج7 - ف157

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء السابع / القسم الأول

 

157- (يسوع يتحدّث عن الـمُفضَّل)

 

31 / 07 / 1946

 

يقول يسوع:

 

«لقد أُعطِيَتْ هذه الصفحة الإنجيليّة، غير المعروفة والـمُفسِّرة لذوي القلوب المستقيمة. إنّ يوحنّا، وفيما كان يكتب إنجيله بعد سنوات عديدة، أَلـمَحَ بإيجاز إلى الحَدَث. مطيعاً بذلك لمشيئة معلّمه، إذ سَلّطَ الضوء على طبيعته الإلهيّة أكثر ممّا فَعَلَ أيّ إنجيليّ آخر، فكَشَفَ عن هذا التفصيل المجهول للبشر، وقد كَشَفَ عنه بالتحفّظ البتوليّ الذي كان يغلّف كلّ أقواله وأفعاله بحصافة وادعة ومتواضعة.

 

يوحنّا، الذي ائتمنتُه على أحداث حياتي الأشدّ وطأة، لم يُظهِر أيّ تباهٍ بسبب الأفضليّة التي كنتُ أخصّه بها، بل على العكس، وإذا ما قرأتموه بعناية، فسوف ترون بأنّه يبدو متألّماً مِن كشفها والقول: "يتحتّم عليَّ قول هذا لأنّها الحقيقة التي تمجّد ربّي، إنّما أرجوكم أن تسامحوني إذا ما كنتُ أنا الوحيد الذي يعرفها" ويَذكر بإيجاز التفاصيل المعروفة مِن قِبله وحده.

 

اقرأوا الفصل الأوّل مِن إنجيله، حيث يروي لقاءه بي: "كان يوحنّا المعمدان مجدَّداً مع اثنين مِن تلاميذه... والتلميذين، سَمِعا تلك الكلمات... وأندراوس، أخو سمعان بطرس، كان أحد الاثنين اللذَين سَمِعا كلام يوحنّا وتَبِعا يسوع. الأوّل الذي التقاه هو أندراوس..." إنّه لا يأتي على ذكر نفسه، على العكس هو يخفي ذاته خلف أندراوس الذي يسلّط الضوء عليه.

 

لقد كان معي في قانا ويقول: "يسوع كان مع تلاميذه... وتلاميذه آمنوا به." لقد كان الآخرون هم الذين بحاجة إلى الإيمان. هو كان يؤمن بالأساس. ولكنّه وَضَعَ نفسه مع الآخرين، كما لو أنّه كان بحاجة إلى معجزات كي يؤمن.

 

رغم أنّه كان شاهد على المرّة الأولى التي أطرد فيها الباعة مِن الهيكل، وعلى المحاورة مع نيقوديموس، وعلى حَدَث المرأة السامريّة، فهو لم يقل أبداً: "لقد كنتُ هناك"، ولكنّه يلتزم بالسلوك الذي تبنّاه في قانا ويقول: "تلاميذه" حتّى عندما كان وحده، أو مع آخر. وهو يتابع هكذا، دون الإتيان على ذكر اسمه، واضعاً رفاقه دائماً في الصدارة؛ كما لو أنّه لم يكن هو الأكثر وفاءاً، الوفيّ الدائم، والوفيّ على نحو كامل.

 

تذكّروا كيف أشار بكياسة إلى حَدَث العشاء الأخير، الذي ينتج عنه بأنّه كان هو الـمُفضّل المعروف كذلك حتّى مِن قِبَل الآخرين الذين يلجأون إليه عندما يريدون أن يستعلموا عن أسرار المعلّم: "وإذ ابتدأ الرُّسُل ينظرون إلى بعضهم البعض غير عارفين عمّن كان يقصد. أحد الرُّسُل، ذاك الذي أحبَّه يسوع، كان مستنداً إلى صدره. قد أومأ إليه سمعان بطرس وسَأَلَ: 'مَن هو الذي يقصده؟' وهو بدوره، ومع بقائه مستنداً إلى صدر يسوع، سَأَلَه: 'مَن هو إذاً يا ربّ؟'."

 

وهو كذلك لا يأتي على ذكر اسمه كونه كان مدعوّاً إلى جَثْسَيْماني مع بطرس ويعقوب. إنّه حتّى لا يقول: "لقد تبعتُ الربّ." إنّه يقول: "لقد تَبِعَه سمعان بطرس وتلميذ آخر، وحيث أنّ هذا التلميذ الآخر كان معروفاً مِن قِبَل الكاهن الأعظم، فقد دخل مع يسوع إلى ردهة الكاهن الأعظم." لولا يوحنّا لما كنتُ حظيتُ بتعزية رؤيته هو وبطرس خلال الساعات الأولى للقبض عليَّ. لكنّ يوحنّا لا يتباهى بذلك. إنّه واحد مِن أهمّ الشخصيّات خلال ساعات آلامي، الرسول الوحيد الذي لم ينقطع عن الحضور هناك، المفعم حبّاً، المفعم عطفاً، الحاضر بشكل بطوليّ قرب المسيح، قرب الأُمّ، في مواجهة هيجان أورشليم، لقد كَتَمَ اسمه أيضاً في واقعة الصّلب الجليّة، وكلمات المسيح الـمُقبِل على الموت: "يا امرأة، هو ذا ابنكِ."، "هذه هي أُمّكَ." إنّه "التلميذ"، الذي بلا اسم، الذي لا اسم له سوى الذي صار مجده بعدما كان دعوته: "التلميذ".

 

وحتّى بعد منحه شرف أن يصبح "ابن" أُمّ الله، فإنّه لا يتباهى، وفي القيامة يقول مجدّداً: "بطرس والرسول الآخر (اللّذان حدَّثَتهما مريم لعازر عن القبر الفارغ) خَرَجَا ومَضَيا... لقد ركضا... لكنّ التلميذ الآخر ركض أسرع مِن بطرس ووصل أوّلاً، وانحنى ونَظَر... لكنّه لم يَدخُل..." لفتة تواضع راقٍ! هو، الـمُفضّل، المخلص، تَرَكَ بطرس، الرئيس، الحامل خطيئة الجُّبن، يَدخُل أوّلاً. لم يُدِنه. إنّه كاهنه الأعظم. لا وبل يدعم قداسته، "فالرؤساء" أيضاً قد يحتاجون، بل هم حقّاً بحاجة إلى رعايا كي يدعموهم. كَم مِن الرعايا هم أفضل مِن "رؤسائهم"! أيا أيّها الرعايا القدّيسون، لا ترفضوا أبداً أن تتعاطفوا مع "رؤسائكم"، الذين ينحنون تحت وطأة أثقال لا طاقة لهم على حَملها، أو الذين قد أعمتهم أو أسكرتهم أبخرة المجد. أيا أيّها الرعايا القدّيسون، كونوا مثل سمعان القيروانيّ لرؤسائكم، كونوا وأنتِ أيضاً يا يوحنّاي الصغير، ذلك أنّني أكلّمكِ نيابة عن الجميع، كلّ منكم "يوحنّا" الذي يَسبق ويُرشِد كلّ "بطرس"، ومِن ثم يتوقّف كي يدعه يَدخُل، احتراماً لمنصبه، والذي -آه! يا لها مِن تحفة تواضع!- وفي سبيل تجنّب إذلال كلّ "بطرس" غير قادر على الفهم والإيمان، فإنّهم يَصِلون إلى حدّ أن يَظهَروا وأن يجعلوا الناس يظنّون بأنّهم هم أيضاً فاترون ومُشكِّكون كما كلّ "بطرس".

 

اقرأوا الحدث الأخير عند بحيرة طبريّا. فها هو يوحنّا يكرّر مجدّداً السلوك الذي اتَّبَعَه مرّات عدّة، يتعرّف على الربّ في الإنسان الواقف على ضفّة البحيرة، وبعدما تشاركوا الطعام معاً، وبسؤال بطرس: "وماذا بشأنه؟"، فهو على الدوام "التلميذ"، لا أكثر.

 

إنّه يتلاشى في كلّ ما يخصّه. إنّما إذا كان هناك ما يُقال بخصوص جَعْل كلمة الله المتجسّد يسطع بنور إلهيّ أكثر فأكثر تألّقاً، فيوحنّا عندئذ يرفع الحُجُب ويَكشف سرّاً.

 

في الفصل السادس مِن إنجيله يقول: "وعندما أَدرَكَ أنّهم يريدون إرغامه على أن يكون مَلِكاً، فقد انسحب إلى الجبل وحده." وقد كَشَفَ للمؤمنين تلك الساعة مِن حياة المسيح كي يَعلَموا بأنّ المسيح كان قد خَضَعَ لتجارب متشعِّبة ومعقّدة، وقد قاوَمَ بالسمات العديدة التي تميّزه كإنسان، كمعلّم، كمسيح،ـ كمخلّص، كمَلِك، وأنّ البشر والشيطان، المحرِّض الأبديّ للبشر، لم يَدَّخِروا أيّة حيلة كي يُضعِفوه، كي يُنهِكوه ويقضوا عليه. والشرور الشيطانيّة والبشريّة قد هاجمت ابن الإنسان، الكاهن الأزليّ، المعلّم والربّ، متخفّية خلف ذرائع تبدو صالحة، وكلّ انفعالات المواطن، الوطنيّ، الابن، الإنسان، قد أثيرت وجُرّبت لإيجاد نقطة ضعف يمكن استخدامها كرافعة.

 

آه! يا أبنائي، الذين لا تفكّرون سوى بتجربة البداية والتجربة الأخيرة، ولا تفكّرون سوى بـأنّ الجزء الأخير مِن عَمَلي الخلاصيّ هو "العناء"، وبأنّ ساعاتي الأخيرة هي المؤلمة، وأنّ فقط تجربتي الأخيرة هي المريرة والمخيّبة للأمل، حلّوا محلّي للحظة، وتخيّلوا بأنّه إليكم أنتم يُطلَب إحلال السلام مع مواطنيكم، معونتهم، إتمام التطهيرات الضروريّة لمنح القداسة لبلدكم المحبوب، إمكانيّة الإصلاح، استعادة وجمع أطراف إسرائيل المتناثرة، وضع حدّ للألم، العبوديّة والتدنيس. وأنا لا أقصد: حلّوا محلّي، معتقِدِين بأنّ تاجاً يُقدَّم لكم. إنّني فقط أقول أن يكون لكم قلبي كابن الإنسان لساعة واحدة وقولوا لي: كيف ستشعرون بعد ذاك العرض المغري؟ منتصرين أوفياء للفكر الإلهيّ، أم بالأحرى مهزومين؟ وهل كنتم ستصيرون بذلك أكثر قداسة وروحانيّة أكثر مِن أيّ وقت، أم ستُهلِكون أنفسكم بتبنّي التجربة أو الرضوخ للتهديدات؟ وبأيّ قلب كنتم ستخرجون، بعدما تتحقّقوا إلى أيّ حدّ قد دَفَعَ الشيطان بأسلحته كي يجرحني برسالتي ومشاعري، مُضللّاً تلاميذي الجيّدين على الدرب السيّئ، فارضاً عليَّ صراعاً مفتوحاً مع أعدائي، الذين كشفوا عن أنفسهم، وقد استشاطوا غضباً بعدما كُشِفت مؤامراتهم؟

 

لا تتفحّصوا بالفرجار والمكيال، بالمجهر والعلم البشريّ، لا تقيسوا بمنطق الكَتَبَة المتحذلِق، مُقدّرين، مجابِهين ومُجادِلين، إن كان يوحنّا قد أَحسَنَ القول، فما مدى صحّة هذا الأمر أو ذاك. لا تتفحّصوا عبارة يوحنّا حول واقعة الأمس كي تتيقّنوا فيما إذا كانت الظروف متطابقة. فيوحنّا لم يخطئ بسبب خَرَف شيخوخة، ولا يوحنّا الصغير (ماريا فالتورتا) أخطأت بسبب ضعف مَرَض. فالأخيرة روت ما رأت. والعظيم يوحنّا، قد روى ما كان يَعلَم بعد مضيّ سنين عديدة على الحَدَث، ورابطاً بدقّة الأماكن والأحداث معاً فقد كَشَفَ عن السرّ، الذي كان هو الوحيد الذي يعرفه، المسعى الخبيث لتتويج المسيح.

 

في تراقية، بعد أوّل معجزة لتكثير الخبز، بدأ الشعب يفكّر بتنصيب رابّي الناصرة مَلِكاً على إسرائيل. هناك كان مَنَاين، الكاتب، وكثيرون آخرون، وحيث أنّهم لم يكونوا كاملين روحيّاً إنّما مستقيمي القلب، فقد تقبَّلوا الفكرة ودَعَموها كي يُكرّموا المعلّم، كي يضعوا حدّاً للصراع الظالم ضدّه، مخطئين في تفسير الكتابات المقدّسة، خطأً انتشر في كلّ أرجاء إسرائيل وقد أعمته أحلام بمَلَكيّة بشريّة وأمل بتقديس الوطن الذي دَنَّسته أمور كثيرة.

 

وكثيرون، بما أنّ الأمر كان طبيعيّاً، قد رحَّبوا بالفكرة ببساطة، وكثيرون ادّعوا ترحيبهم بغية إيذائي. الكراهية تجاهي جمعت أولئك الأخيرين معاً، جاعلةً إيّاهم ينسون أحقاد الطبقات، التي لطالما فرّقتهم، وتحالفوا في سبيل إغرائي كي يضفوا المشروعيّة على الجريمة التي ضمروها في قلوبهم. لقد كانوا يعوّلون على ضعف وكبرياء مِن جهتي. وهكذا كبرياء وضعف، وبالنتيجة قبولي للتاج الذي عرضوه عليَّ، كان سيبرّر الاتّهامات التي كانوا مزمعين أن يطلقوها ضدّي. وبعد ذلك... وبعدها كانت هكذا اتّهامات لتفيد في منح السلام لنفوسهم الماكرة والخاضعة لتبكيت الضمير، لأنّهم كانوا يخاطبون أنفسهم، آملين بتصديق ذلك: "هي روما، لا نحن، مَن عاقب الناصريّ مثير الاضطرابات." التخلّص الشرعيّ مِن عدوّهم، الحال الذي كان عليه المخلّص بالنسبة لهم…

 

هذه هي أسباب المناشدة. وهذا هو المفتاح لأحقادهم الأقوى التي تبعوها. وهذا، أخيراً، هو درس المسيح السامي. هل فهمتموه؟ إنّه درس في التواضع، في البرّ، في الطاعة، في الشجاعة، في التعقّل، في الوفاء، في المغفرة، في الصبر، في الفطنة، في الثّبات، تجاه الله، تجاه رسالتي، تجاه أصدقائي، تجاه الحالمين، تجاه أعدائي، تجاه الشيطان، تجاه أولئك الذين هم أدواته في إغوائي، تجاه الأشياء، تجاه الأفكار. كلّ شيء يجب أن يُفحَص، يُقبل أو يُرفض، محبوباً كان أم لا، المهمّ نهاية الإنسان المقدّسة: السماء، مشيئة الله.

 

يا يوحنّاي الصغير. تلك كانت إحدى ساعات الشيطان بالنسبة لي. كما اختَبَرها المسيح، كذلك سوف يختبرها "المسحاء" الصغار. يجب تلقّيها وتجاوزها دون كبرياء ودون قنوط. هي ليست بلا غاية. بلا غاية صالحة. لا تخافي. حينذاك لا يتخلّى الله خلال تلك الساعات، بل يُعين الأوفياء. ثم تنزل المحبّة لتجعل مِن الأوفياء ملوكاً. وفيما خلا ذلك أيضاً، ما أن تنتهي ساعة الأرض، فإنّ الأوفياء يرتقون إلى الملكوت، في سلام إلى الأبد، ظافرين إلى الأبد…

 

سلامي، المكلّل بشوك، يا يوحنّا الصغير... سلامي...»