ج5 - ف69
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الخامس/ القسم الثاني
69- (صَوب جبل أَدُمِّيم)
07 / 02 / 1946
«إلى أين نمضي والليل يهبط؟» يتساءل الرُّسُل فيما بينهم. ويتحدّثون عمّا حصل. ولكنّهم لا يقولون شيئاً بصوت مرتفع كي لا يُثقِلوا على المعلّم كثير الانشغال بشكل جليّ.
يهبط الليل بينما هُم يسيرون خلف المعلّم مشغول البال. إلاّ أنّ قرية تظهر أسفل سفح سلسلة جبال مُسنَّنة جدّاً.
«فلنتوقّف هنا لتمضية الليل.» يأمر يسوع. «أو بالحريّ توقّفوا أنتم هنا. فأنا ماض لأصلّي على هذه الجبال...»
«وحدكَ؟ آه! لا! لن تذهب بمفردكَ إلى جبل أَدُمِّيم! مع كلّ هؤلاء اللصوص المتربّصين، لا، لن تذهب هناك!...» يقول بطرس بإصرار.
«وماذا تريدهم أن يفعلوا لي؟ أنا لا أملك شيئاً!»
«لديكَ... ذاتكَ. أنا أتحدّث عن اللصوص الحقيقيّين، الذين يكرهونكَ. وحياتكَ تكفي بالنسبة إليهم. ينبغي لكَ ألاّ تُقتل مِثل... مِثل... هكذا، في كمين حقير. لمنح أعدائكَ إمكانيّة اختلاق لستُ أدري ماذا لإبعاد الجموع حتّى عن مذهبكَ.» يُجيب بطرس.
«سمعان بن يونا على حقّ، يا معلّم.» يقول يوضاس تدّاوس. «إنّهم قادرون على إخفاء جسدكَ والقول إنّكَ هربتَ، بعد أن فُضِحتَ. أو... أَخْذكَ إلى مكان مشبوه، إلى بيت إحدى العاهرات، للتمكّن مِن القول: "انظروا أين وكيف مات؟ في مشاجرة مِن أجل عاهرة". لقد كنتَ على حقّ بقولكَ: "اضطهاد مذهب يعني إنماء قدرته"، ولقد لاحظتُ على ابن غَمَالائيل الذي لم أُحِد نظري عنه أنّه كان يؤكّد ذلك برأسه أثناء قولك ذلك. إنّما يقال آنذاك بمنطق إنّ إلباس قدّيس ومذهبه لبوس السَّفَه هو السلاح الأضمن لإسقاطه ونزع احترام الجموع للقدّيس.»
«نعم، وينبغي ألاّ يَحدُث لكَ هذا.» يَختم برتلماوس.
«لا تُعرِّض نفسكَ للعبة أعدائكَ.» يُضيف الغيور. «فَكِّر بأنّكَ لن تكون أنتَ فقط، بل المشيئة التي أرسلتكَ، سوف تتلاشى بهذا التهوّر، ونَرى هكذا أنّ أبناء الظلمة، على الأقلّ مؤقّتاً، قد انتصروا على النور.»
«ولكن بلى! أنتَ لا تكفّ عن القول، وتطعن منّا القلب بقولكَ إنّه ينبغي لكَ أن تموت. أَذكُر لومكَ لسمعان بطرس، ولستُ أقول لكَ: "هذا لن يحدث أبداً". ولستُ أظنّني شيطاناً إذا ما قلتُ: "على الأقلّ ليحصل ذلك بطريقة تتمجّد بها، ولتكن خاتمة غير ملتبسة لشخصكَ المقدّس، وإدانة أكيدة لأعدائكَ. ولتَعلَم الجموع، ولتكن لها إمكانيّة الحصول على إشارات تسمح لها بإدراك الإيمان". هذا على الأقلّ، يا معلّم. فرسالة المكابيّين المقدّسة لم تَظهَر أبداً كما حين مات يهوذا بن متاتياس كبطل ومُخلِّص في ساحة القتال. هل تريد الذهاب إلى جبل أَدُمِّيم؟ فنحن أيضاً معكَ. نحن رُسُلكَ! وحيث تذهب، وأنتَ القائد، فينبغي لنا الذهاب، نحن حاشيتكَ.» يقول توما، وقليلة هي المرّات التي رأيتُه يتحدّث فيها ببلاغة عظيمة كهذه.
«حقّاً! حقّاً! وإذا هاجموكَ، فعليهم مهاجمتنا أوّلاً.» يقول كثيرون.
«آه! لن يهاجمونا بسهولة! فإنّهم ما يزالون يُعالِجون حرق كلمات كلوديا و... هُم ماكرون، كثيراً جدّاً! فلن ينسوا التفكير بأنّ بنطس (البنطي) يعرف مَن يضرب لموتكَ. لقد فضحوا أنفسهم في عينيّ كلوديا، وسوف يُفكِّرون في ذلك لدراسة شِراك أكثر ضماناً مِن اعتداء مُبتَذَل. وقد يكون خوفنا غبيّاً. فلم نعد مجهولين مساكين كالسابق. الآن هناك كلوديا!» يقول الاسخريوطيّ.
«حسناً، حسناً... إنّما لا نعرّضنّ أنفسنا للضربة. ما الذي تبغي فِعله بعد ذلك على جبل أَدُمِّيم؟» يَسأَل يعقوب بن زَبْدي.
«الصلاة والبحث عن مكان نصلّي فيه جميعنا، في الأيّام المقبلة، لنتهيّأ إلى صراعات جديدة أكثر فأكثر ضراوة.»
«مِن الأعداء؟»
«ومِن الأنا فينا كذلك. فهو في حاجة كبيرة ليكون مُحصَّناً.»
«ولكن ألم تقل إنّكَ ذاهب إلى تخوم اليهوديّة وإلى ما وراء الأردن؟»
«نعم، وسوف أمضي إليها. إنّما بعد الصلاة. سوف أذهب إلى عَخُورَ ثمّ إلى أريحا عَبْر دوكو.»
«لا، لا يا رب! إنّها أمكنة مشؤومة لقدّيسي إسرائيل. لا تذهب إليها، لا تذهب إليها. أقول لكَ ذلك وأحسّه! شيء ما يقوله في داخلي: لا تذهب إلى هناكّ! أُحلّفك باسم الله، لا تذهب إلى هناكّ!» يهتف يوحنّا الذي يبدو على وشك فقدان وعيه كما لو أنّه أصيب بشعور خوف مُذهِل... الجميع ينظرون إليه إذ إنّهم لم يروه أبداً هكذا. ولكنّ أحداً لا يسخر منه. فلدى الجميع انطباع بأنّهم أمام حدث فائق الطبيعة، ويَصمتون باحترام. حتّى يسوع يصمت طالما لم يرَ يوحنّا وقد عاد إلى مظهره الاعتيادي وهو يقول: «ربي! كم تألّمتُ!»
«أعرف ذلك. سوف نمضي إلى كريت. ماذا يقول روحكَ؟» لقد صَعَقَني بعمق الاحترام الذي به يتوجّه يسوع إلى الرَّسول الـمُلهَم…
«أإليَّ توجّه سؤالكَ، يا ربّ؟ إلى الولد الأبله المسكين، وأنتَ الحكمة الكلّيّة قدسها؟»
«إليكَ، نعم. الأصغر والأعظم عندما، بتواضع، يَدخُل في تواصل مع الربّ، مِن أجل خير الإخوة. تكلّم...»
«نعم، يا ربّ. فلنذهب إلى كريت. فهناك نَجِد شِعاباً ضيّقة آمنة لنختلي في الله، والطرقات المؤدّية إلى أريحا وإلى السامرة قريبة جدّاً. وسنهبط لنجمع الذين يحبّونكَ ويؤمنون بكَ، وسنقودهم إليكَ، أو نأخذكَ إليهم، وأيضاً سنتغذّى بالصلاة بعدئذ... وسينـزل الربّ ليتحدّث إلى أرواحنا... ليفتح آذاننا التي تُنصِت إلى الكلمة، ولكنّها لا تفهمه بالتمام... وخاصّة ليجتاح قلوبنا بنيرانه. ذلك أنّنا فقط إذا ما التهبنا سنعرف الصمود في وجه استشهادات الأرض. إذ فقط إذا سبق لنا واختبرنا استشهاد الحبّ الكامل، سنتمكّن مِن أن نكون جاهزين لتلقّي تلك التي مِن الحقد البشريّ... يا ربّ... ماذا قلتُ؟»
«كلماتي، يا يوحنّا. لا تخف. إذن، فلنتوقّف هنا، وغداً، مِن الفجر، سنمضي إلى الجبال.»