ج1 - ف17
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الأول
17- (كانت ترى مجدّداً كلّ ما كانت روحها قد رأته في الله)
02 / 09 / 1944
يقول يسوع:
«كانت مريم تتذكّر الله. كانت تحلم بالله. كانت تعتقد أنّها تحلم. بينما لم تكن تقوم سوى بإعادة رؤية كلّ ما كانت روحها قد رأته في تألُّق سماء الله، في اللحظة التي خُلِقَت فيها للاتّحاد بالجسد الذي حُبِلَ به على الأرض. كانت تقتسم مع الله صفة مِن صفاته، ولو بطريقة متفاوتة جدّاً، كما تقتضيه العدالة، صفة التذكّر، الرؤية والتوقّع بفضل ذكاء قادر وكامل، لأنّ الخطيئة لم تكن قد جَرَحَتها.
لقد خُلِقَ الإنسان على صورة الله كمثاله، وإحدى صفات التشبّه هذه تكمن في إمكانيّة الروح على التذكّر، على الرؤية وعلى التوقّع. هذا ما يفسّر إمكانيّة قراءة المسـتقبل، هذه القدرة التي تُمارَس بمشيئة الله، غالباً بطريقة مباشرة، وأحياناً بتذكّر يقوم كالشمس، في ذات صبح، منيراً نقطة محدّدة مِن أُفُق الدهور، محفوظة غالباً في قلب الله. إنّها أسرار أكثر سموّاً مِن أن تستطيعوا فهمها بالكامل.
ولكن تصوّروا، هذا الذكاء الخارق، هذا الفكر الذي يعرف كلّ شيء، وهذه العين التي ترى كلّ شيء، وهذا الذي خَلَقَكم بفعل إرادته، وبنفحة مِن حبّه اللامتناهي بجعلكم أبناءه بأصلكم، وكذلك أبناءه بمصيركم، فهل يستطيع إعطاءكم شيئاً مختلفاً عنه؟ إنّه يعطيكموه بجزء لا متناه في الصغر، لأنّ الخليقة لا تستطيع أن تستوعب الخالق، ولكنّ هذه القسمة تامّة وكاملة رغم صغرها اللامتناهي.
يا للكنز، الذكاء الذي يمنحه الله للإنسان، لآدم! والخطيئة قد قلّصته، ولكنّ تضحيتي قد أعادته إلى ما كان عليه، وفَتَحَت روائع الذكاء، أنهُره، وعِلمه. آه! سناء النفس البشريّة المتّحدة بنعمة الله، مُقتسِمة معه سِعة معارفه!... النَّفْس البشريّة المتّحدة بالله بواسطة النعمة.
لا يوجد شكل آخر للمعرفة. فليتذكّر ذلك أولئك الذين يبحثون بفضول عن الأسرار التي تتجاوز القدرات البشريّة، إنّ كلّ معرفة مِن هذا النوع لا تأتي مِن نَفْس في حالة النعمة، لا يمكن أن تأتي إلاّ مِن الشيطان -وكلّ نفس تتصدّى لشريعة الله حيث الأوامر واضحة جدّاً ليست في حالة النعمة- ومِن الصعب أن تُماثِل الحقيقة في المقياس الذي تُنسَب فيه إلى البراهين الإنسانيّة، ولا تُماثِلها أبداً في المقياس الذي تُنسَب فيه إلى فائق البشر، لأنّ الشيطان هو أبو الكذب ويجرّ معه ما استطاع على درب الكذب. لا توجد طريقة أخرى لمعرفة الحقيقة غير تلك المتأتّية مِن عند الله. إنّه يكلّمنا، ويقول ويعيد إلى ذاكرتنا، كما الأب يعيد إلى ذهن ابنه ذكرى تتعلّق بالمنزل الأبويّ، ويقول لنا: "هل تذكر يوم فعلتَ الشيء الفلاني معي، رأيتَ هذا وسمعتَ ذاك؟ هل تذكر يوم قبّلتكَ عند رحيلكَ؟ هل تَذكُر يوم رأيتَ الشمس لأوّل مرّة تسطع مِن وجهي على روحكَ البِكر، المخلوقة حديثاً والطاهرة أيضاً لأنّها خارجة للتوّ منّي، والشوائب التي انتَقَصَت منكَ فيما بعد؟ هل تتذكّر يوم أدركتَ بخفقان حبّ مِن قلبكَ ما هو الحبّ؟ ما هو سرّ كياننا وتصرّفنا؟" وهنا حيث تتوقّف القدرة المحدودة للإنسان في حالة النعمة، هو ذا روح العلم الذي يُثقِّف يتحدّث.
ولكن لامتلاك الروح، لا بدّ مِن النعمة، ولامتلاك الحقيقة والعلم لا بدّ مِن النعمة، لوجود الأب مع الذات لا بد مِن النعمة. إنّها الخيمة التي يُقيم فيها الأقانيم الثلاثة سَكَنهم، مكان الاسـتغفار حيث يُقيم الأزليّ ويتكلّم، ليس مِن قلب سحابة، ولكن بالكشف عن وجهه إلى ابنه الوفي.
القدّيسون يعيدون استذكار الله، الكلمات المسموعة في الفكر الخلاّق، التي يحييها الصلاح في قلوبهم لترفعهم كالنسور في تأمّل الحقيقة وفي معرفة الزمن.
كانت مريم الممتلئة نعمة. كلّ النعمة، الواحدة والثالوث، كانت فيها. كلّ النعمة، الواحدة والثالوث كانت تهيّئها كعروسة لحفل العرس، كسرير الزفاف مِن أجل ذريتها، كإلهيّة مِن أجل أمومتها ورسالتها. وهي التي تَختَتِم دائرة البنوة في العهد القديم وتَفتَتِح دائرة "الناطقة باسم الله" في العهد الجديد.
تابوت العهد الحقيقيّ لكلمة الله، وهي تنظر إلى أحشائها التي لم يمسّها أحد منذ الأزل، كانت تكتشف كلمات العلم الأزليّ وقد خطتها يد الله على قلبها المنزّه عن كلّ عيب، وتتذكّر مثل كلّ القدّيسين أنّها سَمِعَتها عندما كوّنها الله الآب، الخالق كلّ ذي حياة، مع نفسها غير المائتة. وإذا لم تتذكّر كلّ شيء عن رسالتها المستقبليّة، فَلِسَبب هو أنّ الله يترك في كلّ كمال إنسانيّ ثغرات، مَرَدّها إلى الحكمة الإلهيّة، وهي بمثابة الصلاح لخليقته، لأنّها تُقدّم لها فُرَصاً للاستحقاق. كان على مريم، حوّاء الثانية، أن تكتسب حصّتها مِن الاستحقاق لتكون أُمّ المسيح بصدق نيّتها الأمينة، تلك النيّة الصادقة التي أرادها الله حتّى مِن قبل المسيح ليجعل منه فادياً.
روح مريم كانت في السماء. وأخلاقها وجسدها على الأرض، وكان عليها أن تطأ بقدميها الأرض والجسد لتصل إلى الروح الذي يوحّدها بالروح الأسمى في عناق خصيب.
ملاحظة شخصيّة: طوال يوم أمس، كنتُ أفكّر في رؤيا إعلان موت الأهل مِن قِبَل زكريّا، لستُ أدري لماذا. وكذلك كنتُ أفكّر، على طريقتي، كيف سيُعالِج يسوع نقطة «تذكّر الله مِن قِبَل القدّيسين». وهذا الصباح، عندما بَدَأَت الرؤيا، قلتُ لنفسي: «سيقال الآن إنّ مريم يتيمة». وكان قلبي يعتصر... كان حزن الأيّام الأخيرة هو نفسه الذي اختبرتُهُ وأحسستُ به. بالعكس، لم تكن الرؤيا كما ظننتُ أن أرى وأسمع، ولا حتّى بتلميح بسيط.
هذا كان عزائي، لأنّي قلتُ لنفسي: لا شيء في أعماقي أنتظره، ولا حتّى تخمين بسيط لنقطة معيّنة. كلّ شيء يأتي بالضبط مِن مُعين آخر. يتوقّف خوفي المستمرّ... حتّى المرّة القادمة. بالفعل، لن يتوقّف عن مرافقتي ذلك الخوف مِن أن أُضلّل نفسي وأُضلّل الآخرين.