ج4 - ف88
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الرابع / القسم الأول
88- ("يا معلّم، مريم أَرسَلَت في طَلَب مرثا")
22 / 07 / 1945
يَصِل يسوع، يُرافِقه الغيور، إلى بستان لعازر، في صبيحة صيف جميلة. لم يُشارِف الفجر بعد على نهايته، وكذلك كلّ شيء مُنتَعِش وباسِم.
والبستانيّ الذي هَرَعَ لاستقبال المعلّم، يُشير إلى هدب ثوب أبيض يتوارى خلف سياج ويقول: «لعازر ماض إلى تعريشة الياسمين، ومعه لِفافات يقرأها. سأناديه.»
«لا. سأذهب هناك وحدي.»
ويسير يسوع بِخُطى سريعة على درب يحدّه سياج مِن الزهور. العشب القصير الناعم المزروع على طول السياج يُخفِّف مِن وقع الخطوات، ويجتهد يسوع في الدوس عليها بالذات لِيُباغِت لعازر.
يُفاجِئه واقفاً واللِّفافات موضوعة على طاولة رخاميّة، وهو يُصلّي بصوت مُرتَفِع: «لا تُخيِّب أملي يا ربّ. غرسة الأمّل التي نَبَتَت في قلبي، اجعلها أنتَ تنمو. هَبْني ما طَلَبتُهُ منكَ، بدموعي، عشرة ومائة ألف مرّة. ما طَلَبتُهُ بأعمالي، بالمسامحة وبذاتي كلّها. هَبْني إيّاه بديلاً عن حياتي. هَبْني إيّاه باسم يسوعكَ الذي وَعَدَني بهذا السلام. هل يمكنه الكذب؟ هل عليَّ الظنّ بأنّ وَعدَه كَلِمَة باطلة؟ وسلطانه أدنى مِن هذه الخطيئة التي هي أختي؟ قُل لي يا إلهي كي أستكين، حُبّاً بكَ...»
«نعم، أقولُها لكَ!» يقول يسوع.
ويَلتَفِت لعازر بسرعة، ويَصيح: «آه! سيّدي! ولكن متى أتيتَ؟» وينحني لِيُقبِّل ثوب يسوع.
«منذ بضعة دقائق.»
«وحدكَ؟»
«مع سمعان الغيور، إنّما هنا، حيث أنتَ، فقد أتيتُ وحدي. أعرف أنّكَ تبغي أن تقول لي أمراً عظيماً. قُله لي إذاً.»
«لا. قبل ذلك أَجِبني على السؤال الذي طرحتُهُ على الله. وبحسب ردّكَ سوف أقول لكَ.»
«قُل لي، قُل لي ذلك الأمر الجَّلَل. يمكنكَ قوله...» ويبتسم يسوع، فاتحاً ذراعيه، داعياً إيّاه إليهما.
«يا الله العليّ! ولكن هل هذا صحيح؟ أنتَ تَعلَم إذن أنّ هذا صحيح؟» ويلتجئ لعازر إلى ذراعي يسوع ليُسرّ له بأمره الجَّلَل.
«لقد أَرسَلَت مريم في طلب مرثا إلى مَجدلا. ولقد ذَهَبَت مرثا مُضطَرِبة، خائفة مِن خَطْب عظيم... وبقيتُ هنا بمفردي، مع الخوف ذاته. ولكنّ مرثا أَرسَلَت لي، مع الخادم الذي رافَقَها، رسالة مَلأتني أملاً ورجاء. انظُر، إنّني أحملها هنا على قلبي. إنّني احتفظ بها هنا، لأنّها أثمن لديَّ مِن كنـز. لا تعدو كونها بضعة كلّمات، ولكنّني أقرأها بين الحين والحين، لأكون على يقين بإنّها كُتبَت جيّداً. انظر...» ويُخرِج لعازر مِن ثوبه لِفافة صغيرة مربوطة بشريط بنفسجيّ، ويفتحها. «أترى؟ اقرأ، اقرأ بصوت مُرتَفِع. عندما تقرأها أنتَ، يبدو لي الأمر مؤكَّداً أكثر.»
«أخي لعازر. لكَ السلام والبركة. لقد وَصَلتُ بسرعة وبظروف جيّدة. ولَم يَعُد قلبي يَخفق، خوفاً مِن مصائب جديدة، لأنّني رأيتُ مريم، مريمنا، بصحّة جيّدة، و... هل عليَّ أن أقول لكَ؟ إنّها أقلّ اضطراباً مِن قَبل. لقد بَكَت على صدري بكاء لا نهاية له... ثمّ، في المساء، وفي الغرفة التي قادتني إليها، سَأَلَتني أشياء وأشياء حول المعلّم. ليس أكثر مِن ذلك، في الوقت الحاضر. إنّما أنا التي أرى وجه مريم، وأسمع كلامها، فأقول إنّ الأمل قد وُلِدَ في قلبي. صَلِّ يا أخي، وليكن لديكَ رجاء. آه! لو كان ذلك صحيحاً! سأمكُث أكثر، لأنّني أُدرِك أنّها تريدني بقربها، كما لِأَدفَع عنها التجربة، ولكي تتعلّم... ماذا؟ ما قد حَصَلنا عليه نحن: صَلاح يسوع اللّامتناهي. لقد حَدَّثتُها عن تلك المرأة التي أتت إلى بيت عنيا... أرى أنّها تُفكِّر، تُفكِّر، تُفكِّر... يجب أن يكون يسوع عندنا. صَلِّ، أرجُ. وليكن الربّ معكَ.» يُعيد يسوع ثَني اللِّفافة، ويُعيدها.
«يا معلّم...»
«سأذهب إلى هناك. هل يمكنكَ إخبار مرثا أن تأتي للقائي في كفرناحوم خلال خمسة عشر يوماً على الأكثر؟»
«نعم. أستطيع يا سيّدي. وأنا؟»
«أنتَ، سوف تَمكث هنا. كذلك مرثا، سوف أُعيدُها إلى هنا.»
«لماذا؟»
«لأنّ الـمُفتَدين لديهم حياء عميق، ولا شيء يؤثّر فيهم أكثر مِن نظرة أب أو أخ. وأقول لكَ: "صَلِّ، صَلِّ، صَلِّ".»
يبكي لعازر على صدر يسوع... ثمّ، بعد أن يَلتَقِط أنفاسه، يتحدّث مرّة أخرى عن قلقه وعن قُنوطه... «ها قد مضى ما يُقارِب العام وأنا أرجو... وأنا أقنُط... كم هو طويل زمن القيامة!...» أمّا يسوع فيدعه يتحدّث، يتحدّث ويتحدّث... حتّى لاحَظَ لعازر تقصيره في واجب الضيافة، فيَنهَض ليأخذ يسوع إلى البيت. ولكي يَصِلا إلى هناك، يمرّان بسياج مليء بالياسمين الـمُزهِر، وعلى التويجات تطنّ نحلات ذهبيّة.
«آه! لقد نسيتُ أن أقول لكَ... الشيخ العجوز الذي أرسلتَهُ إليَّ قد عاد إلى أحضان إبراهيم. لقد وَجَدَه مكسيمين جالساً هنا، مُسنِداً رأسه إلى هذا السياج، كما لو كان نائماً قرب خلايا نحل يعتني بها، وكأنّها بيوت يعجّ فيها أطفال مُذَهَّبون. هكذا كان يسمّي النحل. يبدو أنّها كانت تَفهَمه ويَفهَمها. أمّا الشيخ النائم بسلام ضميره الصالح، عندما وَجَدَه مكسيمين، فقد كان يكسوه وشاح ثمين مِن أجسام صغيرة بلون الذهب. لقد جَثَمَت كلّ النحلات على صديقها. وقد عانى الخُدّام كثيراً لِيُفرّقوها عنه. لقد كان طيّباً حتّى ليبدو أنّ طعمه كان عسلاً... ولقد كان نزيهاً حتّى ليبدو أنّه كان، بالنسبة إلى النحلات، بمثابة تُويَج ليس فيه فساد... وقد حَزِنتُ عليه. وكم تمنّيت أن أَكسَبه مدة أطول في بيتي. فقد كان بارّاً...»
«لا تبكِ عليه. إنّه في السلام، ومِن مَوقع السلام يُصلّي مِن أجلكَ، يا مَن لَطَّفتَ له أيّامه الأخيرة. أين دُفِن؟»
«في آخر الحديقة، بالقرب من خلايا النحل أيضاً. هيّا بنا آخذكَ إلى المكان...»
ويَمضِيان عَبْر غابة صغيرة مِن الغار، صوب خلايا النحل حيث يُسمع طنين نشيط…
----------------------------------------------------------------
23 / 07 / 1945 (الساعة الثامنة صباحاً.)
إنّه يهوذا الشَّاحب جدّاً الذي يَهبط مِن العربة مع السيّدة العذراء والنساء الأخريات التلميذات، أي المريمات ويُوَنّا وإليز…
...وبسبب الضوضاء التي حَصَلَت في البيت هذا الصباح، لم أستطع الكتابة في الوقت الذي كنتُ أرى خلاله، لذا فالآن، وقد أَصبَحَت الساعة الثامنة عشرة، لا يَسعني سوى قول ما أدركتُ وما سَمِعتُ. يعود يهوذا المتماثل للشفاء إلى يسوع المتواجد في جَثْسَيْماني، مع مريم التي عالَجَته، ويُوَنّا التي تصرّ أن تأتي النساء وكذلك المتماثل للشفاء إلى الجليل بالعربة. وبالمقابل، تَمكث يُوَنّا وإليز في أورشليم، لبضعة أيّام، لتعودا بعدئذ، إليز إلى بيت صور، ويُوَنّا إلى بِتّير. أذكُر أنّ إليز كانت تقول: «الآن لديَّ الشجاعة كي أعود إلى هناك، فحياتي لَم تَعُد بدون هدف. سأجعل أصدقائي يحبّونكَ.» وأذكر أنّ يُوَنّا أضافت: «وسأفعل أنا كذلك ضمن أملاكي، طالما يدعني خُوزي هنا. أمّا الأفضل في خدمتكَ فسيكون أتّباعكَ.»
كما أذكر أنّ يهوذا كان يقول إنّه لم يكن نادماً لكونه بعيداً عن أُمّه، حتّى في أسوأ أوقات مرضه، لأنّ «أُمّكَ كانت أُمّاً حقيقيّة لي، لطيفة ومُحِبّة، لن أنساها ما حييتُ.» الباقي، بالنسبة إلى الكلام، مشوّش، وإذن فلن أتحدّث عنه، لأنّني بذلك أكون أنا مَن يتكلّم وليس أشخاص الرؤيا.