ج7 - ف223
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء السابع / القسم الثاني
223- (عند مخاضة بيت عَبرة)
07 / 11 / 1946
«السلام لكَ يا معلّم.» يحيّي التلاميذ الرّعاة، الّذين تقدّموا في الأيّام السابقة، والّذين ينتظرون فيما وراء المخاضة مع المرضى الّذين جمعوهم، وآخرين راغبين بسماع المعلّم.
«السلام لكم. أتنتظرونني منذ وقت طويل؟»
«منذ ثلاثة أيام.»
«لقد تمّ استبقائي في الطريق. هيا بنا إلى المرضى.»
«لقد نصبنا خياماً لإيوائهم مِن دون الذهاب والمجيء مِن وإلى البلدات المجاورة. لقد أعطانا أصدقاؤنا الرّعاة حليباً مِن أجلهم، وهم الآن هنا مع قطعانهم بانتظاركَ.» يقول التلاميذ فيما يقودون يسوع تحت غيضة كثيفة، حيث يمكن أن تقوم مقام سقف لِمَن يأوي إليها.
هناك حوالي عشرين خيمة صغيرة منصوبة على أوتاد، أو مِن جذع إلى جذع، وتحتها المجموعة الصغيرة للمرضى التعساء الّذين ينتظرون، والّذين ما أن يُدرِكوا مَن هو الّذي يأتي، يُطلِقون الصراخ المعتاد: «يا يسوع، يا ابن داود، ارحمنا.»
يسوع لا يريد جعلهم ينتظرون طويلاً، وبإطلاله، أو بالأحرى، بانحنائه مِن خيمة إلى أخرى، حيث إنّ قامته الطويلة لا تسمح له بالوقوف داخلها، فإنّه يُدخِل في كلّ واحدة منها وجهه وابتسامته، الّتي هي بالفعل نعمة. الشمس الّتي وراءه تلقي بظلّها على المفارش والوجوه الهزيلة أو الأطراف الخاملة. لا يقول سوى جملة قصيرة: «السلام لكم أنتم الّذين تؤمنون.» ومِن ثمّ ينتقل إلى الخيمة التالية.
ويتبعه هتاف. هتاف يتكرّر كما تتكرّر عبارته، هتاف يتردّد في الخيمة الّتي يغادرها للتوّ، كما لو أنّه صدى الصوت الّذي خرج مِن الخيمة السابقة: «لقد شُفيتُ. هوشعنا لابن داود!» ومجموعة المرضى، الّتي كانت قبلاً ممددةً تحت الخيام المعتمة، تخرج وتتجمّع خلف خطوات المعلّم، مجموعة مبتهجة ترمي العصيّ والعكّازات، تلتفّ بأغطية المفارش المهجورة، تزيل الضمادات الّتي أصبحت عديمة الجدوى، وهي على الأخصّ تُهلّل فرحاً بالشفاء.
الجميع قد شفوا الآن. ويسوع يلتفت بابتسامته الأكثر عذوبةً ليقول: «إنّ الربّ قد كافأ إيمانكم. لنبارك صلاحه معاً.» ويُنشِد المزمور: "اِهْتِفِي لِلرَّبِّ يَا كُلَّ ٱلْأَرْضِ. اعْبُدُوا الرَّبَّ بِفَرَحٍ. ادْخُلُوا إِلَى حَضْرَتِهِ بِتَرَنُّمٍ. اعْلَمُوا أَنَّ الرَّبَّ هُوَ اللهُ. هُوَ صَنَعَنَا". إلى آخره.
يتبعه الناس بقدر ما يستطيعون. البعض، الّذين ربّما ليسوا مِن إسرائيل، يتبعون النشيد وهم ينغّمونه على شفاههم، إنّما قلبهم يُنشِد، ونور وجوههم يعبّر عن ذلك. إنّ الله حتّما يتقبّل هذا التنغيم المسكين بأفضل مِن الإنشاد الكامل والجلف لبعض الفرّيسيّين.
متّياس يقول ليسوع: «أيا ربّ، وأنتَ تتحدّث إلى الّذين ينتظرون كلمتكَ، ذَكِّر بعزيزنا يوحنّا.»
«كنتُ أفكّر بفعل ذلك، لأنّ هذا الموضع يعيد إلى قلبي، بأكثر حدّة بعد، وجه المعمدان.» ويصعد، محاطاً بالناس، إلى رقعة أرض مرتفعة، مكسوّة عشباً ناعماً، ويبدأ الكلام.
«عمّاذا أتيتم تبحثون في هذا المكان؟ عن صحّة الجسد، أيا أيّها المرضى، وقد مُنِحت لكم. عن الكلمة الـمُبَشِّرة، وقد وجدتموها. لكنّ صحّة الجسد يجب أن تكون التهيئة للبحث عن صحّة الروح، كما أنّ الكلمة الـمُبَشِّرة يجب أن تكون تهيئةً لابتغائكم البرّ. الويل إذا ما كانت صحّة الجسد تقف عند حدود فرح اللحم والدم، مع بقائها خاملةً بالنسبة للروح!
لقد جعلتُكم تُسبّحون الرب الّذي أنعم عليكم بالصحة. إنّما، وقد مضى وقت الابتهاج، فيجب ألّا يتوقّف إظهار عرفانكم بجميل الربّ. وذلك يتجلّى بإرادة صادقة بأن تحبّوه.
كلّ هبة مِن الله لا تُعَدّ شيئاً، رغم أنّها مُـحَمَّلة بقوى فاعلة، إن لم تكن للإنسان إرادة مكافأة ذلك بوهب روحه الخاصّ لله.
هذا الموضع سمع كرازة يوحنّا. كُثُر منكم قد سمعوه بالتأكيد. كثيرون مِن إسرائيل قد سمعوه، إنّما لم تُسفِر في الجميع عن النتائج ذاتها، على الرغم مِن أنّ المعمدان قد قال للجميع الكلام نفسه. فكيف إذن كلّ هذا التباين؟ مِن أين يتأتّى؟ مِن الإرادة المختلفة للناس الّذين تلقّوا ذلك الكلام. بالنسبة للبعض قد هيّأهم بشكل حقيقيّ لي، وبالنتيجة لقداستهم. لآخرين على العكس قد هيّأهم ضدّي، وبالتالي لظلمهم. مثل صِياح خَفير (حارس) قد دَوَى، فانقسم جيش الأرواح، رغم أنّه لم تكن سوى صيحة واحدة. قسم منه قد تهيّأ ليتبع سيّده. وقسم قد تسلّح ودرس خططاً لمحاربتي أنا وأتباعي. ولأجل هذا سيكون إسرائيل مهزوماً، لأنّ مملكةً منقسمةً على ذاتها لا يمكن أن تكون قويّة، والغرباء يستفيدون مِن ذلك في إخضاعها.
هكذا هو الأمر في كلّ روح. في كلّ إنسان هناك قوىً صالحةً وقوىً غير صالحة. والحكمة تكلّم الإنسان بكلّيته، إنّما قلّة هم البشر هم الّذين يحسنون إرادة جعل جزء واحد يسود: الجزء الصالح. وأبناء الدهر هم الأقدر بالنسبة إلى إرادة اختيار جزء واحد وجعله يسود. هم بإمكانهم أن يكونوا أشراراً كلّيّاً عندما يريدون ذلك، ويُلقون كالثياب البالية الأجزاء الصالحة الّتي قد تقاوم فيهم.
أمّا الّذين ليسوا أبناء الدهر، والّذين لديهم اندفاع صوب النور، فلا يُحسِنون أن يقلّدوا أبناء الدهر إلاّ بصعوبة، ويُلقون عنهم، كثياب مرفوضة، الأجزاء الشرّيرة الّتي تحاول أن تقاوم فيهم. لقد قلتُ إن كانت عين سبب شكّ فلتُقلَع، وإن كانت يد سبب شكّ فلتُقطَع، لأنّه مِن الأفضل الدخول إلى النور الأبديّ مشوّهين، على الدخول إلى الظلمات الأبديّة بكلتا العينين أو بكلتا اليدين.
المعمدان كان إنساناً مِن زمننا. كثيرون منكم قد عرفوه. اقتدوا بـمَثَله البطوليّ. هو، بدافع محبّة للربّ ولنفسه، قد ألقى بما هو أكثر مِن عين ويد، بحياته ذاتها، كي يكون وفيّاً للبرّ. كُثُر مِن بينكم كانوا ليصبحوا مِن تلاميذه، وسيقولون بعد إنّهم يحبّونه. إنّما تذكّروا أنّ المحبّة لله، والمحبّة للمعلّمين الّذين يقودون إلى الله، تَظهَران بالقيام بما عَلَّموه، بالاقتداء بصنائع برّهم، وبمحبّة الله بالذات كلّها، حتّى البطولة. وإذ ذاك، بالعمل هكذا، فإنّ عطيّتَي الصحّة والحكمة اللتين منحهما الله لا تبقيان غير فاعلتين، ولا تغدوان إدانة، بل بالأحرى سلّماً للصعود إلى مسكن أبي وأبيكم الّذي ينتظرنا جميعاً في ملكوته.
اعملوا، لأجل خيركم، اعملوا بحيث أنّ تضحية المعمدان: حياة كاملة مِن التضحية انتهت بالاستشهاد، وتضحيتي أنا: حياة كاملة مِن التضحية وتنتهي باستشهاد أعظم مئة ومئة مرّة مِن ذاك الّذي لسابقي، لا تبقيان غير فاعِلَتين بالنسبة لكم.
كونوا أبراراً، تحلّوا بالإيمان، تحلّوا بالطاعة لكلمة السماء، تجدّدوا في الشريعة الجديدة. لتكن البشارة الصالحة حقّاً صالحة بالنسبة لكم، بجعلكم صالحين وجديرين بالتنعّم بالصلاح، أيّ بالربّ العليّ، في يوم أبديّ. أَحسِنوا تمييز الرّعاة الحقيقيّين مِن الكَذَبَة، واتبعوا أولئك الّذين يعطونكم كلام الحياة الّذي تعلّموه منّي.
قريب هو عيد الأنوار، الاحتفال بتكريس الهيكل. تذكّروا أنّها لا قيمة لأنوار مصابيح كثيرة في تكريم الاحتفال والربّ، إذا ما بقي قلبكم بلا نور. النور هو المحبّة، وحامل مصباح النور هي إرادة محبّة الربّ بالأعمال الصالحة. تَذَكُّر تكريس الهيكل هو أمر حسن، إنّما أعظم بكثير وأفضل وأكثر قبولاً عند الربّ هو تكريس الروح ذاته للربّ، ومعاودة نذره بالمحبّة. أرواح بارّة في أجساد بارّة، ذلك أنّ الجسد يشبه الجدران الّتي تحيط بالمذبح، والروح هو المذبح الّذي ينزل عليه مجد الربّ. لا يمكن لله أن ينزل على مذابح مدنّسة بالخطايا الشخصيّة، أو بالاحتكاك بأجساد لدغتها الشهوة والأفكار الشرّيرة.
كونوا صالحين. إنّ صعوبة البقاء كذلك في تجارب الحياة المستمرّة يتمّ تعويضها مع فائدةٍ في المكافأة الآتية، ومنذ الآن، بالسلام الّذي يعزّي قلب الأبرار عند نهاية كلّ يوم مِن أيّامهم، حين يتمدّدون للراحة، ويجدون وسادتهم خاليةً مِن تأنيب الضمير، الّذي هو كابوس أولئك الّذين يريدون الاستمتاع بشكل غير شرعيّ، ولا يُحسِنون منح أنفسهم سوى اهتياج بلا سلام.
لا تحسدوا الأثرياء، لا تكرهوا أحداً، لا تشتهوا ما ترونه لدى الآخرين. كونوا راضين بحالكم، مفكّرين أنّ فِعل مشيئة الله في كلّ شيء هو المفتاح الّذي يفتح أبواب أورشليم الأبديّة.
إنّني أفارقكم. كُثُر منكم لن يرَوني بعد، لأنّني سوف أمضي كي أعدّ أمكنة تلاميذي… أبارك بالأخصّ أطفالكم، نساءكم اللواتي لن أراهنّ بعد. ومِن ثمّ أنتم، أيّها الرجال… نعم. أريد أن أبارككم… فبركتي سوف تفيد في عدم سقوط الأقوى، وإنهاض الأضعف. وفقط بالنسبة لأولئك الّذين سوف يخونونني، بكرههم لي، فستكون بركتي بلا قيمة.»
يباركهم جماعةً، ثمّ يبارك النسوة ويُقبّل الأطفال، ويعود على مهل صوب المخاضة مع الرُّسُل الخمسة الباقين معه، والتلاميذ الرعاة سابقاً.