ج7 - ف226

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء السابع / القسم الثاني

 

226- (تعاليم للرسل في نوبة في الأيّام التالية)

 

12 / 11 / 1946

 

إنّها أيّام شتاء باردة وصافية. إنّ الرياح على قمّة التلّة حيث بنيت نوبة لا تتوقّف أبداً، إنّما تلطّفها الشمس الّتي مِن الشروق حتّى المغيب تداعب بأشعّتها المنازل والبساتين المخضوضِرة بالخضار الشتويّة. إنّها بساتين ملاصقة للمنازل، ذات مساكب صغيرة لخضار خضراء، وأخرى مِن لون الأرض حين تكون مرويّة جيّداً، مساكب عارية جاهزة لزراعة الخضار. إنّ العين، بمشاهدتها المحيط، حيث لا ترى اللون الرماديّ لأشجار الزيتون أو امتداد الصفوف المتعرّجة والهيكليّة للكروم العارية، فهي ترى حقولاً صغيرةً محروثةً، حتماً قد تمّ بذارها بالحبوب، جاهزةً للإنبات عند أوّل دفء للربيع الفلسطينيّ المبكّر، الّذي تدفّئه الشمس. أكاد أقول أنّه في الأيّام الصافية، كما هذا الّذي أتأمّله، يمكن الإحساس بدفء الربيع، دفء إنباتيّ، إلى درجة أنّ على أشجار اللوز المستندة على جدران للمنازل، البراعم تنتفخ على الأغصان، الّتي كانت منذ بضعة أيّام خلت، مجدبةً تماماً. براعم نبتت مباشرة على الأغصان القاتمة، هي كذلك قاتمة بعد، إنّما تشهد بالفعل على أنّ الحياة تنهض، وأنّ الاستيقاظ وشيك على الجذع الصلب.

 

في البستان الصغير الّذي ليوحنّا، خلف المنزل، هناك شريط أرض صغير مزروع، فيما تظلّل شجرة جوز شريط الأرض الذي بمحاذاته. وبالضبط في الشريط الصغير ترتفع شجرة لوز ضخمة، هي ربّما أكبر عمراً مِن المالك، وملاصقة للغاية للمنزل إلى درجة أنّها اضطرت في جزء كبير مِن الجذع لإطلاق الأغصان فقط إلى جهات ثلاث، حيث منعها عن الجهة الرابعة جدار المنزل الصغير. لكن في الأعلى تتشعّث الشجرة إلى مجموعة متشابكة مِن الأغصان، بحيث لا بدّ أنّها تُشكّل حينما تُزهِر سحابة خفيفة فوق الشرفة المتواضعة، هي خيمة ثمينة أجمل مِن قُبّة مَلَكيّة.

 

يسوع والرُّسُل، كي لا يبقوا خاملين، يعملون تحت الشمس التي تُفرِح وتُدفّئ. مَن هم خبراء بأعمال النجارة والأقفال، يصلحون أو يصنعون معدّات ومَغالق جديدة، بملابس قصيرة. آخرون يعزقون الأرض، يدعّمون خضاراً مغروسة حديثاً، يعزّزون سياج قصب يابس وزعرور أخضر يغلقان البستان مِن جانبين، أو يقلّمون شجرتي الجوز واللوز، أو يربطون محاليق دالية عنب قد فكّتها ريح الشتاء. لقد لاحظتُ أنّه لا خمول حيث يتواجد يسوع. فهو، الأوّل، يُعلّم جمال العمل اليدوي، عندما تكون أنشطة تبشيريّة أخرى مُعلّقة. اليوم أيضاً يعمل يسوع مع ابنيّ عمّه على إصلاح باب كان أسفله مهترئاً ومزلاجه نصف مفكوك. في حين أنّ فيلبّس وبرتلماوس يعملان بمقصّات كبيرة ومناجل على أشجار مثمرة عتيقة، فيما يصلح الصيّادون حبالاً وأغطيةً قديمة، منهم مَن يرتقها بغرز… ذكورية جدّاً، ومنهم مَن يقوم بتركيب حلقات وبكرات، ربّما بغية إنشاء ستارة للشرفة تفيد في الصيف.

 

«ستكونين بحال ممتازة هنا يا إليز.» يَعِد بطرس وهو ينحني مِن جدار الشرفة الواطئ ليتحدّث إلى التلميذة العجوز، التي تغزل صوفاً وهي تستند إلى الجدار المشمس.

 

«نعم، حين تُربط الدالية وتُسوّى شجرة اللوز، سيكون بحقّ موضعاً جيّداً في الصيف.» يقول فيلبّس مِن بين أسنانه، حيث أنّ في فمه أَسَلات (قشّ تُصنع منه السلال والحصر) يربط بها المحاليق بالدعامات.

 

يسوع يرفع رأسه لينظر، فيما إليز ترفعه لتنظر إلى المعلّم وتقول: «مَن يدري إذا ما كنا سنكون هنا في الصيف...»

 

«لماذا ليس علينا أن نكون هنا يا امرأة؟» يَسأَل أندراوس.

 

«إنّما… لا أعلم… ما عدتُ أخطّط لمشاريع منذ… منذ أن رأيتُ أنّ كلّ توقّعاتي قد انتهت بقبر.»

 

«آه! إنّما يتوجّب أن يموت المعلّم كي نكفّ عن أن نكون هنا! والمعلّم منذ الآن قد اختار هذا الموضع مكاناً لإقامته. أليس كذلك يا معلّم؟» يَسأَل توما.

 

«هذا صحيح. إنّما صحيح أيضاً ما تقوله إليز.» يقول يسوع وهو يشتغل بالـمِسحَجَة جانب الباب الذي يصلحه.

 

«لكنّكَ شاب، وفوق كلّ شيء بصحة جيدة!»

 

«لا نموت فقط بالمرض.» يقول أيضاً يسوع.

 

«مَن يتحدّث عن موت؟ أنتَ يا معلّم؟ لكَ؟… بحقّ إنّ الكراهية تبدو هادئة منذ بعض الوقت. أُنظر، ما عاد أحد يزعجنا. إنّهم يعلمون بأنّنا هنا. لقد صادفناهم أيضاً بالأمس ونحن عائدون مِن المدينة بالمشتريات، ولم يزعجونا.» يقول برتلماوس.

 

«نعم. نحن أيضاً، فيما كنّا ذاهبين عبر القرى المجاورة للإعلام بأنّكَ هنا. لا إزعاج على الإطلاق. على الرغم مِن أنّنا صادفنا حِلقِيّا وسمعان، ومِن ثمّ صادوق وصموئيل، وأيضاً ناحوم مع دوراس بالضبط. لا بل قاموا بتحيّتنا. أليس كذلك يا يعقوب؟» يقول يوحنّا مخاطباً أخاه.

 

«نعم. ينبغي الإقرار بأنّ يهوذا الاسخريوطيّ قد أحسن العمل بحقّ فيما نحن كنّا ننتقده في قلوبنا. لم تعد مِن مضايقات، منذ أن عدنا إلى هنا! إنّ الوقائع قد أكّدت أقواله. يبدو أنّنا عدنا إلى زمن منطقة المياه الحلوة الجميل. إلى بداية ذاك الزمن… آه! لو كان ذلك صحيحاً!» يقول يعقوب بن زَبْدي.

 

«لو أمكن أن يكون ذلك صحيحاً!» يقول بطرس متنهّداً.

 

«لا يكون الزمن رائقاً دوماً عندما لا يدوّي الرعد.» تقول إليز بنبرة الحُكم وهي تدير مغزلها.

 

«ما الذي تودّين قوله بذلك؟» يَسأَل بطرس.

 

«أقول إنّ السكون العظيم، في موقع معرّض للزوابع، هو في بعض الأحيان تهيئة لعاصفة أخطر مِن أيّ وقت. عليكَ أن تعلم ذلك، وأنتَ الصيّاد.»

 

«إيه! أعلم ذلك يا امرأة! فالبحيرة هي في بعض الأحيان عبارة عن حوض هائل مليء بالزيت الأزرق. إنّما تقريباً دوماً، حينما يتدلّى الشراع ويكون الماء بغاية السكون، فإنّ العاصفة تكون مهيّأة، ومِن الأسوأ. إنّ ريح بحر ساكن هي ريح قاتلة للملاّحين.»

 

«همم! أجل. لهذا السبب، أنا لو كنتُ مكانكم، لكنتُ أحترس مِن الكثير مِن السكون، السكون الشديد!»

 

«فإذن! إن كان هناك حرب فإنّنا نعاني لأنّ هناك حرب، وإن كان هناك سلام فإنّنا نعاني لأنّه مِن الممكن أن تحلّ حرب أشدّ وطأة بعد، فمتى نفرح؟» يَسأَل توما.

 

«في الحياة الأخرى. هنا الألم حاضر دوماً.»

 

«أوه! كم أنتِ باعثة على الكآبة يا امرأة! فإذن زمن فرحي بعيد جدّاً! إنّني أحد الأصغر! اغتبط يا برتلماوس، أنتَ الأقرب للتنعّم به. أنتَ والغيور.» يقول ممازحاً يعقوب بن زَبْدي.

 

«باعثة على الكآبة وحذقة يا امرأة! إيه! النساء المسنّات! لكنّهن يحزرن في بعض الأحيان. كذلك أُمّي، عندما تقول لأحدنا: "حَاذِر! إنّكَ على درب ارتكاب حماقة لهذا السبب أو ذاك"، فهي تـحزر دوماً.» يقول توما، المنحني ليحرث الأرض حراثة سطحيّة.

 

«النسوة حذقات أو أكثر دهاءً مِن ثعالب. نحن لا نساوي شيئاً بالمقارنة بهنّ، في فهم بعض الأمور التي نودّ ألّا يفهمنها.» يقول بطرس بأسلوب الحُكم.

 

«أنتَ أُصمت، إنّ لكَ امرأة تصدّقكَ حتّى لو قلتَ لها أنّ لبنان مصنوع مِن الزبدة. فما تقوله أنتَ هو شريعة بالنسبة لها. إنّها تنصت، تصدّق وتصمت.» يقول أندراوس لأخيه.

 

«نعم… إنّما أُمّها تعوّض عنها وعن مائة امرأة أخرى. يا لها مِن حيّة!»

 

الكلّ يضحكون، بمن فيهم إليز والرجل العجوز الّذي يساعد الشبّان بالعزق.

 

يعود الغيور، متّى ويهوذا الاسخريوطيّ.

 

«كلّ شيء قد أُنجِز يا معلّم. إنّنا متعبون. يا لها مِن جولة طويلة! لكنّني سأرتاح غداً. إنّه دوركم غداً.» يقول الاسخريوطيّ لأولئك الّذين يعزقون الأرض. ويمضي نحوهم حاملاً معولاً كي يعمل.

 

«إنّما إن كنتَ متعباً فلماذا تعمل؟» يَسأَله توما.

 

«لأنّ لديَّ شتلات عليَّ أن أغرسها. إنّ هذا المكان أجرد مثل رأس شخص عجوز، وهذا مؤسف.» يقول بأسلوب الحُكم وهو يغرز المعول في الأرض بضربات قدم نشطة.

 

«لم تكن كذلك في الأيّام الخوالي! إنّما بعدها… أشياء كثيرة قد ماتت، وبالنسبة لي لم تكن هناك جدوى في أن أعمل كي أعيد استصلاحها. فأنا عجوز، وعلاوة على كوني عجوزاً كنتُ مكسور القلب.» يجيب العجوز.

 

«إنّما أيّ حُفَر تحفر. أنّها حُفَر أشجار، لا حُفر غرسات كما تقول.» يلاحظ فيلبّس، الّذي ينزل بعدما ربط الدوالي.

 

«عندما تكون شجرة فتيّةً فهي تظلّ شتلة. إنّ شجيراتي هي كذلك. الوقت مناسب. لقد أكّد لي ذلك مَن أعطاني إيّاها. أتعلم مَن هو يا معلّم؟ إنّه ذاك المزارع قريب حِلقِيّا. إنّه ماهر بالزراعة. بستان! وزيتون! كان يجدّد قسماً مِن بستان الزيتون. فقلتُ له: "أعطني مِن هذه النبتات"، وقد سأل: "لِمَن؟"، "لرجل عجوز مِن نوبة يستضيفنا، إنّها ستفيد في جعلي أُكفّر عن كلّ العثرات الّتي سبّبتُها له"»

 

«لا يا بنيّ. لا بالنباتات، إنّما بسلوك صالح يمكن أن يحدث ذلك. ومع الله. أمّا أنا… فأنا أنظر، أصلّي وأغفر. لكن مغفرتي… مع ذلك أنا ممتنّ لكَ على النباتات… رغم أنّني… أتظنّ بأنّني سأستطيع أن آكل مِن ثمارها؟»

 

«لم لا؟ ينبغي الأمل دوماً. وحتّى الرغبة بالانتصار… وحينذاك ننتصر.»

 

«لا انتصار على الشيخوخة! ولا أرغب بذلك.»

 

«كذلك لا انتصار على أمور أخرى كثيرة. فلو كانت الرغبة تفيد في الامتلاك! لكنتُ أنا حظيتُ بأبنائي.» تتنهّد إليز.

 

«يا معلّم، إنّ كلام إليز يذكرني بسؤال قد طرحه علينا اليوم بعض الأشخاص في الطريق. كانوا يتساءلون، لأنّ حدثاً قد وقع في إحدى البلدات، إذا ما كان صحيحاً أنّ المعجزة هي دوماً دليل على قداسة. أنا قلتُ لهم بأن نعم. إنّما هم كانوا يقولون بأن لا، لأنّ في هذه البلدة، عند تخوم السامرة، مَن كان قد عمل أموراً خارقة لم يكن بالتأكيد بارّاً. لقد أسكتُّهم قائلاً إنّ الإنسان دوماً يسيء الحكم، وأنّ ذاك الّذي كانوا يقولون بأنّه ليس بارّاً، ربّما قد كان بارّاً أكثر منهم. أنتَ ماذا تقول؟» يَسأَل متّى.

 

«أقول أنّكم كلّكم على صواب، كلّ مِن جانبه. أنتَ بقولكَ أنّ المعجزة هي دوماً دليل على قداسة. فالأمر هو هكذا عموماً. وكذلك القول أنّه يجب ألاّ نحكم كي لا نخطئ. إنّما هم كذلك كانوا على صواب بالاشتباه بمصادر أخرى للخوارق الّتي قام بها الرجل.»

 

«أيّة مصادر؟» يَسأَل الاسخريوطيّ.

 

«تلك المظلمة. فهناك مخلوقات، هي عابدة للشيطان بالفعل لأنّها تعبد الكبرياء، وهي مِن أجل أن تفرض نفسها على الآخرين، تبيع نفسها لسيّد الظلمات كي تحظى به كصديق.» يجيبه يسوع.

 

«إنّما أيمكن ذلك؟ أليست هي أسطورة في البلدان الوثنيّة أنّ الإنسان يمكن أن يتعاقد مع الشيطان، أو مع أرواح شيطانيّة؟» يَسأَل يوحنّا مندهشاً.

 

«هذا ممكن. ليس كما يروى في الأساطير الوثنيّة. ليس بالمال أو بعقود مادّية. بل بالركون إلى الشرّ، بالاختيار، بوهب الذات للشرّ للفوز بساعة انتصار ما. الحقّ أقول لكم أنّ مَن يبيعون ذواتهم للملعون، كي يبلغوا هدفهم، هم أكثر عدداً ممّا نعتقد.»

 

«وينجحون؟ هل يحصلون حقّاً على ما يطلبون؟» يستفسر أندراوس.

 

«ليس دائماً وليس كلّ شيء. لكنّهم يحصلون على شيء ما.»

 

«وكيف يمكن ذلك؟ هل الشيطان قادر لدرجة أن يتمكّن مِن محاكاة الله؟»

 

«جدّاً... ولا شيء، إذا ما كان الإنسان قدّيساً. لكن في كثير مِن الأحيان يكون الإنسان شيطاناً بحدّ ذاته. نحن نحارب الاستحواذات الجليّة، الصاخبة، الصارخة. تلك يلاحظها الجميع… إنّها… مزعجة للأقارب أو للمواطنين، وهي فوق كلّ شيء ملموسة. والإنسان يُصدَم دوماً ممّا هو ثقيل الوطأة، ممّا يُكدّر حواسه. أمّا ما هو غير محسوس ولا يمكن إدراكه إلّا بما هو غير ماديّ، العقل والروح، فلا يلاحظه، وحتّى لو لاحظه، فلا يعيره اهتماماً، خصوصاً إن كان لا يؤذيه. إنّ هذه الاستحواذات الخفيّة تفلت إذن مِن قدرتنا كطاردي أرواح! وهي الأكثر أذيّة، لأنّها تعمل على الجزء الأكثر انتقاء، مع الجزء الأكثر انتقاء وعلى أجزاء أخرى منتقاة: مِن عقل لعقل، مِن روح إلى روح. إنّها كما حمأة (نتانة) مُفسِدة، غير محسوسة، حتّى اللحظة التي تُنذِر فيها حمّى المرض مَن تأثّر بها بأنّه قد أصيب.»

 

«والشيطان يساعد؟ حقّاً؟ لماذا؟ ولماذا يدعه الله يفعل ذلك؟ وهل يدعه يفعل ذلك دوماً؟ حتّى بعد أن تملك؟» الجميع يسألون.

 

«الشيطان يساعد ليُتمّ الاستعباد. إنّ الله يدعه يفعل، لأنّ مِن هذا الصراع بين العَلاء والدنوّ، الخير والشرّ، تبرز قيمة المخلوق. القيمة والإرادة. سوف يدعه دوماً يفعل ذلك. كذلك بعد أكون قد رُفِعت. ولكن حينذاك سيكون الشيطان بمواجهة عدوّ عظيم جدّاً، وللإنسان صديقة قادرة جدّاً.»

 

«مَن؟ مَن؟»

 

«النعمة.»

 

«آه! حسناً! إذن بالنسبة لأهل زمننا، مِن دون النعمة، سيكون مِن الأسهل استعبادهم، إنّما سيكون السقوط أيضاً أقلّ جسامة.» يقول الاسخريوطيّ وهو لا يزال يعزق.

 

«لا يا يهوذا، الحُكم سيكون مماثلاً.»

 

«إنّه أمر غير عادل إذن، فإذا كنّا مُساعَدين على نحو أقلّ، فينبغي بالتالي أن تكون إدانتنا أخفّ.»

 

«لستَ مخطئاً تماماً.» يقول توما.

 

«على العكس هو مخطئ يا توما. فنحن أهل إسرائيل نتحلّى بالفعل بالكثير مِن الإيمان، الرجاء، المحبّة، والكثير مِن أنوار الحكمة، بحيث أنّه لا يمكننا أن نتذرّع بالجهل. وأنتم، بعد ذلك، أنتم الذين تحظون بالفعل بالنعمة معلّمة لكم منذ حوالي ثلاث سنوات، سوف تُدانون تماماً كما أهل الزمن الجديد.» يقول يسوع مشدّداً جدّاً على الكلمات، وناظراً إلى يهوذا، الّذي رفع رأسه وهو يحدّق في الفراغ، مستغرقاً تماماً.

 

ثمّ يهزّ يهوذا الاسخريوطيّ رأسه، كما لو أنّه كان يختم تفكيراً داخليّاً، ويَسأَل وهو يعيد غرز المعول في الأرض: «ومَن يُسلّم نفسه هكّذا للشيطان، ماذا يغدو؟»

 

«شيطاناً.»

 

«شيطاناً! فإذن إن أنا، على سبيل المثال، أقوم بأمور… أنتَ تنتقدها، كي أؤكّد أنّ الاتصال بكَ يمنح قدرةً فائقةً للطبيعة، فهل أصبح شيطاناً؟»

 

«أنتَ قلتَ.»

 

«إنّما آمل مع ذلك بحقّ ألّا تفعلها.» يقول أندراوس مذعوراً تقريباً.

 

«أنا؟ هه! هه! أنا أزرع الشجيرات لشيخنا.» ويهرع صوب الجهة الأخرى مِن البستان، ويعود بخمس نبتات تجعلها كتل التراب الّتي تلفّ الجذور ثقيلةً حتماً.

 

«إنّما هل أتيتَ مِن بيت حورون [بيت عور] بهذا الحِمْل على كتفيكَ؟» يَسأَل بطرس.

 

«ممّا وراء جبعون، عليكَ أن تقول! هناك يوجد قسم مِن بساتين دانيال. يا لها مِن تربة رائعة. انظروا!...» ويفتّت بين أصابعه التراب الّذي يلفّ الجذور. ثمّ يحلّ الرباط الّذي يشدّ السوق الخمسة وهي كبيرة بحجم ذراع. اثنان فقط لهما بعض وريقات في أعلاهما. إنّها وريقات زيتون. «هو ذا. هذه ليسوع، وهذه الأخرى لمريم. فهما سلام العالم. إنّني أغرسهما أوّلاً لأنّني رجل سلام. هنا… وهنا.» ويضعهما عند طرفي شريط الأرض الصغير. «وهنا شجرة تفّاح، فتيّة وطيّبة كما شجرة عدن، كي أذكّركَ أيا يوحنّا، بأنّكَ أنتَ أيضاً تنحدر مِن أدم، ويجب ألاّ تندهش إذا ما… أمكنني أن أكون خاطئاً. حاذر، أنتَ، مِن الحيّة… وهنا… لا، هنا ليس حسناً. هناك، إلى الأمام، قرب الحائط، شجرة التين الفتيّة هذه. كيف يُعقَل ألّا توجد شجرة تين في البستان، حيث تنمو هنا مثل النجيل؟ وفي حفرة الوسط سوف نضع شجرة اللوز الفتيّة هذه. سوف تتعلّم مِن الشجرة المعمّرة هذه القدرة على الإنتاج. ها قد تمّ الأمر! وبستانكَ الصغير سوف يكون جميلاً في المستقبل… وسوف تتذكّرني وأنتَ تنظر إليه.»

 

«سوف أتذكّركَ على حدّ سواء، لأنّكَ كنتَ هنا مع المعلّم. كلّ شيء سوف يحدّثني عن هذا الزمن. وبالنظر إلى الأشياء سوف أقول: "هو، مثل ابن، أراد إعادة ترتيب منزلي!". إنّما… إن كنتُ أستطيع أن أرغب بما هو مختلف عمّا هو ربّما مكتوب بالفعل في السماء، فإنّني أودّ ألّا أضطر لتذكّر هذا الزمن الجميل جدّاً بالنسبة لي، الأجمل ممّا حين هذه الأشجار، الهَرِمة الآن، كانت فتيّةً، وكنتُ شابّاً أنا وكذلك زوجتي، وهنا كانت تلعب ابنتي الصغيرة… وكان يطيب لي الاعتناء بشجرة التفّاح وشجرة الرمان، شجرة التين ودالية العنب، لأنّ اليدين الصغيرتين لابنتي كانتا متلهّفتين لثمارها، وكان جميلاً رؤية زوجتي، جالسة في ظلّ الأشجار الأخضر، لتنسج أو لتغزل… لاحقاً… رحلت ابنتي… ونُسيَت تماماً!... ومرضت ثمّ ماتت زوجتي… لماذا ولِمَن الاعتناء بما كان جميلاً فيما مضى؟ وكلّ شيء قد مات، إلّا الشجرتين الهَرِمتين اللتين تَذكُران طفولتي… أودّ أن أموت قبل أن أضطرّ للتذكّر، بينما توجد هنا امرأة بارّة كما كانت ليا. أشكركَ على الأشجار، على العمل، على كلّ شيء. أشكر الجميع. لكنّني أسأل ربّي أن يقتلع نبتتي العتيقة مِن هذه الأرض، قبل أن تغرب ساعة السلام هذه بالنسبة ليوحنّا العجوز...»

 

«يسوع يدنو منه ويضع يده على كتفه، وديعاً ورصيناً معاً: «لقد أحسنتَ القيام بأمور كثيرة في حياتكَ المديدة. ولا يزال ينقصكَ أمر واحد: أن تقبل مِن الله ساعة الموت دون أن تطلب تقديمها أو تأخيرها دقيقة واحدة. لقد أذعنتَ لأمور كثيرة. لذلك الله يحبّكَ. أَحسِن الخضوع للأكثر صعوبةً: العيش حين الرغبة فقط بالموت. والآن لنعد إلى الداخل. فالشمس تهبط وراء الجبال، وسرعان ما يزداد البرد. السبت يبدأ. فيما بعد سوف ننهي الأعمال...» يعود إلى المنزل وقد التقط المنشار، الـمِسحَجة والمطرقة، فيما الآخرون يحزمون الأغصان المقطوعة، يروون الشجيرات المغروسة، يُركّبون الباب المعاد تجديده على مفصّلاته.