ج8 - ف20
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الثامن
20- (ما يحدث في المدن العشر واليهوديّة)
22 / 01 / 1947
إنّ خبر وجود يسوع في أفرايم قد انتشر، ربّما لأنّ السكّان أنفسهم قد تباهوا بذلك، أو لأسباب أخرى أجهلها، حيث أصبحوا كُثُر مَن يأتون في طلب يسوع: مرضى، وهم الأكثريّة، بعض المحزونين وكذلك أناس يرغبون برؤيته. إنّني أُدرك ذلك لأنّني أسمع الاسخريوطيّ يقول لمجموعة مسافرين آتين مِن المدن العشر: «المعلّم ليس هنا. أنا ويوحنّا موجودان هنا، والأمر هو ذاته. قولوا إذن ما تريدون ونحن نُلبّيكم.»
«إنّما أنتما لن تستطيعا أبداً تعليم ما يعلّمه هو.» يعترض أحدهم.
«إنّنا هو آخَران يا رجل. تذكّر ذلك دائماً. إنّما إن كنتَ تريد حصراً سماع المعلّم، فعاود المجيء قبل السبت وعد إلى بيتكَ بعدها. إنّ المعلّم هو الآن معلّم حقيقيّ. ما عاد يتكلّم على كلّ الدروب، ولا في الأحراج أو على الصخور كمتشرّد، ولا في أيّ وقت كأنّه خادم. هنا هو يتكلّم في السبت كما يليق به. وحسناً يفعل! لأجل ما جناه باستنفاذه نفسه إرهاقاً ومحبّةً!»
«إنّما نحن لا ذنب لنا إذا ما اليهود...»
«الجميع! الجميع! اليهود وغير اليهود! كنتم وستكونون كلّكم متشابهين. هو كلّه لكم، وأنتم لا شيء له. هو يعطي. أنتم لا تعطون، ولا حتّى الصدقة الّتي تُعطى للمتسوّل.»
«إنّما نحن لدينا التقدمة له. ها هي إن كنتَ لا تصدّقنا.»
يوحنّا، الّذي بقي صامتاً إنّما متألّماً على نحو ظاهر، والّذي ينظر بعينين متوسّلتين ومعاتبتين، أو بالأصحّ لائمتين، ما عاد قادراً على الصمت. وفيما يهوذا يهمّ بمدّ يده لأخذ التقدمة، يضع يده على ذراع زميله ليمنعه، ويقول له: «لا يا يهوذا. هذا لا. أنتَ تعلم أمر المعلّم.» ويلتفت إلى مَن أتوا ليقول: «إنّ يهوذا قد أساء التفسير وأنتم قد أسأتم الفهم. ليس هذا ما كان يريد قوله زميلي. ولكن فقط تقدمة إيمان صادق، محبّة صادقة، هي ما علينا كلّنا، أنا، رفاقي، أنتم، أنّ نعطيها مقابل الّذي يمنحنا إيّاه المعلّم. عندما كنّا نجول عبر فلسطين، كان يَقبَل تقدماتكم، لأنّها كانت ضروريّة لنا في تنقّلاتنا، ولأنّ الكثير مِن المتسوّلين كانوا متواجدين على طريقنا، أو كنّا نعلم بمصائب مخفيّة. والآن، هنا، لسنا بحاجة إلى شيء -ولتُحمَد العناية الإلهيّة على ذلك- ولا نصادف متسوّلين. استعيدوا، استعيدوا تقدمتكم وأعطوها باسم يسوع للتعساء. إنّها رغبات ربّنا ومعلّمنا، وأوامره للّذين يمضون منّا للتبشير عبر المدن. ومِن ثمّ إذا كان برفقتكم مرضى، أو أنّ أحداً ما بحاجة حقيقيّة للتحدّث إلى المعلّم، فقولوا ذلك. وأنا سأبحث عنه في المكان الّذي ينعزل فيه للصلاة، ذلك أنّ لروحه توقاً عظيماً للاستغراق في التأمّل في الربّ.»
إنّ يهوذا يتمتم بشيء ما بين أسنانه، لكنّه لا يبدي معارضة علنيّة. يجلس قرب الموقد المشتعل كما لتجاهل الأمر.
«في الحقيقة… ليس لدينا حاجة مُلِحّة. لكنّنا علمنا بأنّه كان هنا، فعبرنا النهر كي نأتي لنراه. إنّما إنّ كنّا أسأنا التصرّف...»
«لا أيّها الإخوة. ليس سيّئاً أن تحبّوه وأن تسعوا في طلبه، ولو كان ذلك صعباً ومُتعِباً، وإرادتكم الصالحة ستحظى بمكافأتها. سوف أُخبر الربّ بمجيئكم وهو حتماً سوف يأتي. إنّما إن لم يأتِ حقيقة، فسوف أحمل إليكم بركته.» ويخرج يوحنّا إلى الحديقة كي يذهب للبحث عن يسوع.
«دع عنكَ! أنا أذهب.» يقول يهوذا بفظاظة، وينهض ليهرع خارجاً.
يوحنّا ينظر إليه يمضي ولا يبدي أيّ اعتراض. يعاود الدخول إلى المطبخ حيث يتجمّع المسافرون. إنّه على الفور يقترح عليهم: «أنذهب لملاقاة المعلّم؟»
«إنّما إن لم يكن هو يريد...»
«آه! لا تعطوا أهمّية لسوء فهم، أرجوكم. إنّكم حتماً تعلمون أسباب وجودنا هنا. إنّ الآخرين هم مَن يجبرون المعلّم على هذه الإجراءات الاحترازيّة، وهي ليست حقّاً مشيئة قلبه. إنّ مشاعره هي دوماً ذاتها تجاهكم كلّكم.»
«نعلم. ففي الأيّام الأولى، بعد قراءة الإعلان، جرى بحث واسع عنه فيما وراء الأردن وفي كلّ المواضع الّتي كان يُعتَقد بأنّه موجود فيها. في بيت عَبرة كما في بيت عنيا، في بيلّا، وفي راموث جلعاد وكذلك في أماكن أخرى. ونعلم أنّ الأمر كان كذلك أيضاً في اليهوديّة والجليل. إنّ منازل أصدقائه كانت تحت رقابة شديدة لأنّ… وإن كان أصدقاؤه وتلاميذه كُثُراً، فأيضاً كُثُر هم مَن ليسوا كذلك، ويَظنّون أنّهم يخدمون العليّ باضطهادهم المعلّم. ثمّ توقّف التفتيش فجأة وانتشر خبر أنّه كان هنا.»
«إنّما ممّن علمتم أنتم ذلك؟»
«مِن تلاميذه.»
«رفاقي؟ أين؟»
«لا. لا أحد منهم. آخرون. جُدد. لأنّنا لم نرهم أبداً مع المعلّم ولا مع التلاميذ القدامى. حتّى إنّنا استغربنا مِن أنّه قد أرسل غرباء ليُخبروا عن مكانه، لكنّنا بعد ذلك أيضاً فكّرنا بأنّه قد فعل ذلك لأنّ الجدد لم يكونوا معروفين كتلاميذ من قِبَل اليهود.»
«أنا لا أعرف ما الّذي سيقوله لكم المعلّم. إنّما مِن جهتي فإنّني أقول لكم أنّه مِن الآن فصاعداً سيكون عليكم ألّا تثقوا إلّا بالتلاميذ المعروفين. كونوا حذرين. فالجميع في هذه الأمّة يعلمون بما حدث للمعمدان...»
«أنتَ تعتقد أنّ...»
«إذا ما يوحنّا، المكروه فقط مِن امرأة، قد قُبِضَ عليه وقُتِل، فكيف سيكون الأمر بالنسبة ليسوع، المكروه على السواء مِن قبل القصر الـمَلَكي والمعبد، ومِن الفرّيسيّين والكَتَبَة والكَهَنَة والهيروديّين؟ فكونوا إذن حذرين كي لا تندموا بعد ذلك… إنّما ها هو يأتي. هيّا بنا لملاقاته.»
...إنّها ليلة دامسة وبلا قمر، إنّما تضيئها النجوم. لا أستطيع القول ما هو الوقت، لعدم رؤيتي موقع القمر ولا في أيّ طور هو. أرى فقط أنّها ليلة صافية. أفرايم كلّها مختفية في حجاب الليل الأسود. كذلك السيل هو فقط صوت، ولا شيء آخر. زَبَده وبريقه مختفيان تماماً تحت القبّة الخضراء لأشجار الضفّة، الّتي تعيق حتّى هذا النور الآتي مِن النجوم.
طائر ليليّ ينوح في مكان ما. ثمّ يصمت بسبب حفيف أوراق وصوت تَكَسُّر خيزران يقترب مِن المنزل، محاذياً السيل وآتياً مِن جهة الجبل. ثمّ يَظهَر مِن الضفة على المسلك الّذي يصعد نحو المنزل شكل طويل وضخم. يتوقّف لبرهة كما ليحدّد اتّجاهه. إنّه يحاذي الجدار متلمّساً إيّاه بيديه. يجد الباب. يتلمّسه ويتجاوزه. ينعطف، وهو ما يزال يتلمّس، عند زاوية المنزل إلى أن يصل إلى مدخل الحديقة. الزائر الليليّ يعمل عليه، يفتحه، يدفعه، يدخل. يحاذي الآن الجدران المطلّة على الحديقة. يلبث حائراً عند باب المطبخ. ثمّ يتابع وصولاً إلى الدرج الخارجي، يصعده متلمّساً ويجلس على الدرجة الأخيرة، ظلّ قاتم في العتمة. إنّما هناك، مِن جهة الشرق، السماء الليليّة، الّتي هي حجاب أسود يمكن تَبيّن أنّه كذلك فقط مِن خلال النجوم الّتي تخترقه، تبدأ بتغيير لونها، أي باتّخاذ لون يمكن للعين أن تُدرِك أنّه كذلك: رماديّ ضارب للزُرقة، يتبدّى ضباباً كثيفاً ومُدخِّناً، والّذي ما هو إلّا ضوء الفجر الّذي ينبلج. إنّها المعجزة اليوميّة المتجدّدة للنور الّذي يعود رويداً رويداً.
الزائر الّذي كان قد جثم على الأرض ككتلة مكسوّة بكلّيتها معطفاً داكناً، يتحرّك، يبسط ذراعيه، يرفع رأسه، يردّ الرداء قليلاً إلى الوراء. إنّه مَنَاين. مثل رجل عاديّ، يلبس ثوباً بنّياً ثقيلاً ومعطفاً مشابهاً. قماش خشن، لعامل أو مسافر، دون حلقات ولا أبازيم ولا حزام. حبل صوفيّ مَجدول يمسك الثوب عند الخصر. إنّه ينهض، يبسط قامته. ينظر إلى السماء، حيث يتقدّم النور سامحاً برؤية ما يحيط به. باب يُفتَح في الأسفل وهو يصرّ. مَنَاين ينحني مِن دون إحداث ضجّة كي يرى مَن يخرج مِن المنزل. إنّه يسوع، الّذي يعيد إغلاق الباب بتأنٍّ ويتوجّه نحو الدرج. مَنَاين يتراجع قليلاً ويتنحنح كي يلفت انتباه يسوع، الّذي يرفع رأسه ويتوقّف في وسط الدرج.
«هذا أنا يا معلّم. مَنَاين. تعال بسرعة لأنّ عليَّ أن أُكلّمكَ. لقد انتظرتُكَ...» يهمس مَنَاين وينحني مُحيّياً.
يسوع يصعد الدرجات الأخيرة: «السلام لكَ. متى جئتَ؟ كيف؟ لماذا؟» يَسأَل.
«أعتقد بأنّني قد وطئتُ هنا مباشرة بعد صياح الديك. لكنّني كنتُ في الدغل، هناك، منذ الهزيع الثاني ليوم أمس.»
«طوال الليل في الخارج!»
«لم تكن هناك طريقة أخرى للقيام بذلك. كان عليَّ أن أُكلّمكَ على انفراد. كان عليَّ أن أعرف الطريق للمجيء، والمنزل، وألّا تتمّ رؤيتي. لذلك فقد أتيتُ في النهار واختبأتُ هناك. رأيتُ الحياة تهدأ في المدينة. رأيتُ يهوذا ويوحنّا يعودان إلى المنزل. لا بل إنّ يوحنّا قد مرّ تقريباً بجواري بِحِمله مِن الحطب، لكنّه لم يرني، لأنّني كنتُ مختبئاً بشكل جيّد في الدغل. لقد رأيتُ، طالما كان الضوء كافياً للرؤية، امرأة عجوز كانت تدخل وتخرج، والنار الّتي كانت تتّقد في المطبخ، ورأيتُكَ تنزل مِن الأعلى مع نهاية الغروب. والباب يُغلَق. عندئذ أتيتُ في ضوء القمر الجديد وتحقّقتُ مِن الدرب. وحتّى دخلتُ إلى الحديقة. إنّ باب الحديقة هو غير ذي فائدة كما لو لم يكن موجوداً. لقد سمعتُ أصواتكم. إنّما كان عليَّ أن أتكلّم معكَ وحدكَ. وذهبتُ ثانيةً كي أعود عند الهزيع الثالث وأكون هنا. أعلم بأنّكَ تستيقظ عادة قبل الفجر كي تصلّي، وأملتُ بأنّكَ اليوم أيضاً ستفعل ذلك. إنّني أحمد العليّ لأنّ الأمر كذلك.»
«إنّما ما هو سبب وجوب رؤيتي مع هكذا قدر مِن المصاعب؟»
«يا معلّم، إنّ يوسف ونيقوديموس يريدان أن يتكلّما معكَ وفَكَّرا أن يفعلا ذلك بطريقة تُجنّبهما كلّ رقابة، لقد حاولا ذلك في مرّات أخرى، إنّما لا بدّ أنّ بعلزبول يساعد أعداءكَ كثيراً. فقد كان عليهما دوماً أن يعزفا عن المجيء، لأنّ منزليهما لم يُتركا دون رقابة، كذلك منزل نيقي. لا وبل كان يُفتَرض أن تأتي المرأة قبلي. إنّها امرأة شُجاعة وقد انطلقت وحدها عبر أَدُمِّيم. إنّما قد تمّ تتبّعها وإيقافها قرب طلعة الدم، وهي، كي لا تكشف مكان إقامتكَ وتُبرّر المؤن الّتي كانت تحملها على دابّتها، فقد قالت: "إنّني أصعد إلى عند أحد إخوتي الموجود في مغارة على الجبال. إن أردتم المجيء، أنتم، الّذين تُعلّمون عن الله، فستقومون بعمل مقدّس، حيث إنّه مريض ويحتاج إلى الله". وبهكذا جرأة أَقنعَتهم بالمغادرة. لكنّها ما عادت تجرؤ على المجيء إلى هنا، وذهبت بالفعل إلى شخص تقول أنّه في مغارة، وأنّكَ قد عهدتَ به إليها.
«إنّها الحقيقة. إنّما كيف استطاعت نيقي بعد ذلك أن تُعلِم الآخرين بالأمر؟»
«بالذهاب إلى بيت عنيا. لعازر ليس هناك. إنّما الأختان موجودتان. هناك مريم. وهل مريم هي امرأة يرعبها أيّ شيء؟ لقد لبست ربّما كما لم تفعل يهوديت كي تذهب للمَلِك، وذهبت إلى الهيكل علناً مع سارة ونُعْمي، ومِن ثمّ إلى قصرها في صهيون. ومن هناك أرسلت نُعْمي إلى يوسف مع ما ينبغي قوله. وبينما… كان اليهود بمكر يذهبون إليها أو يُرسِلون إليها أشخاصاً… لتكريمها، بحيث كان بإمكانهم جميعاً رؤيتها، سيّدةً في منزلها، فإنّ العجوز نُعْمي، بملابس متواضعة، كانت تذهب إلى بيزيتا إلى عند الشيخ. وقد اتّفقنا بالتالي على إرسالي أنا -البدويّ الّذي لا يثير الشكوك إذا ما شُوهِد ممتطياً يحثّ الخطى مِن أحد مساكن هيرودس إلى آخر- إلى هنا لأقول لكَ أنّه في ليلة الجمعة-السبت، يوسف ونيقوديموس، الآتييَن الواحد مِن الرّامة والآخر مِن راما قبل المغيب، سوف يلتقيان في جفنا (Goféna) وينتظرانكَ هناك. إنّني أعرف المكان والطريق، وسوف آتي في المساء كي أصطحبكَ. يمكنكَ أن تثق بي. إنّما لا تثق إلّا بي يا معلّم. يوسف يُوصي بألّا يعرف أحد بلقائنا هذا. مِن أجل خير الجميع.»
«حتّى خيركَ يا مَنَاين؟»
«يا ربّ… أنا هو أنا. إنّما ليست لديَّ خيرات ومصالح عائليّة عليَّ حمايتها كما يوسف.»
«وهذا يؤكّد قولي بأنّ الثروات المادّيّة هي عبء على الدوام… مع ذلك قل ليوسف بأنّ ما مِن أحد سوف يعرف بلقائنا.»
«فإذن يمكنني أن أرحل يا معلّم. إنّ الشمس قد طلعت، وقد ينهض تلاميذكَ.»
«يمكنكَ الرحيل، وليكن الله معكَ. وحتّى سأرافقكَ كي أريكَ المكان حيث سنلتقي ليلة السبت...»
«ينزلان دون إحداث ضجّة ويخرجان مِن الحديقة، وينزلان على الفور إلى ضفاف السيل.