ج6 - ف92

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء السادس/ القسم الأول

 

92- (صراع سمعان بن يونا ونصره الروحيّ)

 

25 / 03 / 1946 (عيد البِشارة)

 

يمكنني أن أتأمّلك، يا ربّي، بينما أنتَ تهبط الدروب السريعة صوب وادٍ خصيب، تاركاً خلفكَ قصر بِتّير، الذي ما يزال مناراً في اليوم الذي يخبو هناك في الأعلى، على قمّة رابيتها الـمُزهِرة... تاركاً حبّ النساء التلميذات والصغار والمتواضعين في الأعلى، ومُنحَدِراً صوب الطرق المؤدّية إلى أورشليم، صوب العالم، صوب الأسفل... وهذه ليست فقط أكثر ظلاماً مِن القمم لأنّها "وديان" وبالنتيجة فقد غادرتها الشمس وتركها النور منذ مدّة، ولكن بالأخصّ لأنّ في الأسفل، في العالم، هناك الترصّد، هناك الحقد، هناك شرّ كثير ينتظركَ، يا ربّي…

 

يسوع في المقدّمة تماماً. هيئة بيضاء وصامتة تتقدّم، مَهيبة حتّى في انحدارها عبر دروب وَعِرَة وغير منتظمة سَلَكَها لاختصار الطريق. أثناء الانحدار يكنس ثوبه الطويل ومعطفه الفضفاض المنحدر، ويبدو يسوع متلحّفاً بالمعطف الـمُلوكيّ الذي يجرّ خلف خطواته.

 

خلفه الرُّسُل، أقلّ مهابة ولكنّهم مشابهون له بالصمت... في الآخِر، على بُعد مسافة ما، يهوذا في كربه المظلم الذي يجعله قبيحاً. أحياناً الأكثر بساطة: أندراوس وتوما، يلتفتان لينظرا إليه، حتّى إنّ أندراوس يقول له: «لماذا أنتَ هكذا وحيد وبعيد في الخلف؟ هل تشعر بسوء؟» ممّا يتسبّب في ردّ عنيف: «فَكِّر في نفسكَ.» وهذا ما يثير دهشة أندراوس، وخاصّة أنه مصحوب بِنَعْت بذيء.

 

بطرس هو الثاني في رتل الرُّسُل، خلف يعقوب بن حلفى الذي يلي المعلّم مباشرة. وفي صمت المساء المطبق في الجبال، يُسمَع بطرس. يلتفت فجأة، وفجأة يحاول الرجوع إلى الخلف صوب يهوذا. ثمّ يتوقّف. يُفكّر للحظة، ويَهرع إلى يسوع. يُمسك به بخشونة مِن ذراعه ويهزّه قائلاً، وهو في ضيق: «يا معلّم، أأنتَ تؤكّد لي أنّه في حال جيّدة كما قلتَ ذاك المساء؟ وأنّ التضحيات والصلوات لا يمكنها إلاّ أن تُثمِر، حتّى ولو بَدَت أنّها لا تفيد؟...»

 

يسوع، الوديع والحزين والشاحب، ينظر إلى سمعانه الذي يتصبّبه العَرَق مِن جرّاء الجهد الذي بذله لكي لا يتصرّف مباشرة بما يناسب الإهانة، والذي اعتراه احمرار بالكامل، حتّى إنّه يرتجف، والذي قد يكون آلمه بقدر ما كان يشدّ على ذراعه، يُجيبه بابتسامة ساكنة حزينة: «هي ليست أبداً بدون مكافأة. كُن على ثقة مِن ذلك.»

 

يتركه بطرس ويمضي، ليس إلى مكانه، بل إلى مُنحَدَر الجبل وسط الأشجار، يُنفّس عن غضبه بتهشيم، تهشيم الشجيرات والنباتات الغضّة بعنف كان يشير إلى أمر آخر ويُفرَّغ هنا على النباتات.

 

«ولكن ما الذي تفعله؟ أمجنون أنتَ؟» يَسأَل كثيرون.

 

بطرس لا يجيب: يحطّم، يحطّم ويحطّم. يتجاوز كلّ الرُّسل، ويهوذا... ويهشّم، يهشّم، ويهشّم. يبدو وكأنّه يعمل أجير بالقِطعة من فرط ما يعمل بحماس. لديه عند قدميه حُزمة تكفي لشيّ عجل. يتحمّل بصعوبة مهمّة المباشرة باللحاق برفاقه. لستُ أدري كيف يفعل ذلك وهو مُرتَبِك بمعطفه، الحِمل، الخِرج، على الدرب الوعر. ولكنّه يتقدّم منحنياً، كما تحت نِير…

 

يضحك يهوذا لدى رؤيته إيّاه يصل ويقول له: «أنتَ تشبه أحد العبيد!»

 

يدير بطرس رأسه بصعوبة تحت النِّير ويهمّ بقول شيء ما له، ولكنّه يصمت، يصكّ أسنانه ويتقدّم.

 

«سوف أساعدكَ، يا أخي.» يقول أندراوس.

 

«لا.»

 

«ولكن مِن أجل حَمَل فهذا حَطَب كثير.» يبدي يعقوب بن زَبْدي ملاحظته.

 

بطرس لا يجيب. يتقدّم مُحمَّلاً هكذا ولم يعد يستطيع، على ما يبدو، ولكنّه يصمد.

 

أخيراً يتوقّف يسوع قرب مغارة، في أسفل المنحدر تقريباً، والجميع معه. «سوف نمكث هنا لنمضي في الفجر.» يأمر المعلّم. «حضّروا العشاء.»

 

حينئذ يرمي بطرس حِمله ويجلس فوقه، دون أن يشرح لأحد سبب تعبه الشديد، بينما الحطب متوفّر في كلّ مكان.

 

ولكن بينما يمضي هذا مِن هنا والآخر مِن هناك لإحضار ماء الشرب وماء لغسل أرض المغارة وغسل الحَمَل الذي سيُشوى، يبقى بطرس وحده مع معلّمه. يسوع، الواقف، يضع يده على رأس سمعانه الأشيب ويُلاطِف هذا الرأس النـزيه... حينئذ يأخذ بطرس هذه اليد ويقبّلها. يضعها على خدّه ويُقبّلها مِن جديد، ويلاطفها... تسقط نقطة على اليد البيضاء، وهي ليست مِن عَرَق رسوله الصلب والنـزيه، ولكنّها دمعة حُبّ ومعاناة صامتة، دمعة نصر بعد الجهد. ينحني يسوع ويعانقه قائلاً له: «شكراً، يا سمعان!»

 

هوذا: بطرس ليس رجلاً وسيماً بالتأكيد، ولكنّه حين يردّ رأسه إلى الخلف لينظر إلى يسوعه الذي عانَقَه وشَكَرَه، إذ إنّه هو وحده الذي فَهِم، فالتقدير والفرح جعلاه جميلاً…

 

على هذا التبدّل تتوقّف الرؤيا بالنسبة لي.