ج3 - ف16

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الثالث / القسم الأول

 

16- (أناليا تَنذُر البتوليّة)

 

06 / 05 / 1945

 

يَطرق يسوع باب بيته في الناصرة وبصحبته بطرس وأندراوس ويوحنّا. تفتح أُمّه على الفور، ويضيء وجهها بابتسامة مشرقة عندما ترى يسوع.

 

«بنيّ، لقد وَصَلتَ في الوقت المناسب، إنّنا ننتظركَ منذ الأمس ومعي حمامة طاهرة أتت مِن البعيد، والذي أَوصَلَها لم يستطع الإقامة أكثر. وبما أنّها كانت تطلب النّصح، فقد قُلتُ لها ما استطعتُ. ولكنّكَ، يا بنيّ، أنتَ وحدكَ الحكمة. عَوداً حميداً لكم أيضاً. هيّا لتستريحوا وتستردّوا قواكم حالاً.

 

«نعم، ابقوا هنا. وسأذهب أنا في الحال لأرى تلك التي تنتظرني.»

 

ويتأجّج الفضول لدى الثلاثة، إنّما بمظاهر مختلفة؛ بطرس يحدّق باهتمام في كلّ الاتّجاهات، كما لو كان يأمل أن يرى ما خلف الجدران. أمّا يوحنّا، فيبدو وكأنّه يريد أن يقرأ على وجه مريم المبتسم اسم تلك المجهولة. بينما أندراوس على العكس، فقد اعتلاه احمرار كثير ويوجّه نظراته كلّها صوب يسوع، ويرتَعِش. تَوَسُّل صامت في نَظَره وعلى شفتيه.

 

ولكنّ يسوع لا يكترث لأحد. وبينما يقرّر الثلاثة الدخول إلى المطبخ حيث تُقدّم لهم مريم الطعام ودفء النار، يَرفَع يسـوع الستار الذي يغطّي الفتحة المؤدّية إلى الحديقة ويَخرُج. شمس لطيفـة تجعـل أغصـان اللوز الـمُزهِرة أكثر هَيافة وشفافيّة. وحدها الشـجرة الأكبر في الحديقـة مُزهِرة ومُترَفَـة في ثوبهـا الحـريـريّ الأبيض-الزهريّ الذي يتمايز على عُري الشجرات الأخريات: الأجاص والتفّاح والتين والكرمة والرمّان، وجميعها ما تزال مُجدِبة وعارية، وتتفـاخر بوشاحها الضاجّ والحيويّ إلى جانب لون الزيتون الرماديّ المتواضع. وهي تبدو بأغصانها الطويلة وكأنّها قد أَسَرَت غمامة خفيفة للغاية تائهة في حقل السماء اللازورديّ، وقد تمنطَقَت بها لتقول للجميع: أعراس الربيع آن أوانها فابتهجي أيّتها الأشجار والحيوانات. لقد آن أوان تبادل القبلات مع النسمات، مع النحلات أو الزهرات. لقد دَنَت ساعة القُبَل تحت القرميد أو في إيراق الأدغال، يا عصافير الله، ويا أيّتها النّعاج البيضاء. اليوم القبلات وغداً الصغار لاستمرار عمل الخالق إلهنا.»

 

يسوع الواقف تحت الشمس، وذراعاه متصالبتان على صدره، يبتسم لأناقة حديقة أُمّه الطاهرة والساكنة بأجزائها المخصّصة للزهور، مِن زنابق بَرَزَت طلائع أوراقها، وورود ما تزال عارية، والزيتونة الفضّية، مع بقيّة عائلات الزهور المنتشرة عبر مَساكِب الخضار المتواضعة التي بدأت لتوّها بالاخضرار. إنّها نقيّة ومُنَسَّقَة ولطيفة، ويبدو أنّ عفافاً يفوح منها.

 

«هيّا إلى غرفتي، يا بنيّ. وسآتي بها إليكَ. فلقد لَجَأَت إلى الداخل هناك، عندما سَمِعَت أصواتاً كثيرة.»

 

يَدخُل يسوع إلى غرفة أُمّه الصغيرة، العفيفة، الغرفة الصغيرة الأكثر عِفّة التي سَمِعَت كلمات الحِوار الملائكيّ، والتي تفـوح منها، أكثر مِن الحديقة، طبيعة العفاف الملائكيّة والمقدّسة التي هي لِمَن تسكنها منذ سنوات، ورئيس الملائكة الذي عَظَّمَ فيها مَلِكَته. هل مرّ على اللقاء ثلاثون عاماً أم كان بالأمس فقط؟ فاليوم أيضاً يَحمل الـمِغزَل طاقة مِن الخيوط الناعمة الفضّية، وها هو الخيط على الـمِردَن. هي ذي مُطَرَّزة ومَطويّة على الطاولة الصغيرة قرب الباب بين لُفافة رَقّ وجرّة نحاسيّة تحوي غصن لوز مُزهِر ومُورِق؛ والآن أيضاً يهتزّ الستار الـمُخَطَّط الذي سَتَرَ الـمَسكن البتوليّ بفعل نسمة خفيفة، والسرير المرتّب في إحدى الزوايا ما يزال يحتفظ بمظهره اللطيف الذي لطفلة بَلَغَت لتوّها عَتَبَة الشباب. وكم مِن الأحلام دارت وتدور على الوِسادة الصغيرة؟…

 

يرتَفِع الستار ببطء تحت يد مريم. ويلتفت يسوع الذي كان واقفاً يدير ظهره للباب ويتأمّل عشّ الطُّهر هذا.

 

«ها هي ذي يا بني آتي بها إليكَ. نعجة أنتَ راعيها.» ومريم التي دَخَلَت ممسكة بيد فتاة سمراء في ريعان شبابها وقد احمرَّت بشدّة لدى ظهورها أمام يسوع، تنسحب بهدوء تاركة الستار ينسدل.

 

«السلام لكِ أيّتها الفتاة.»

 

«السلام... يا سيّدي...» وتمكث الفتاة صامتة، متأثّرة جدّاً، ولكنّها تجثو ورأسها مُنحَن إلى الأرض.

 

«انهضي. ماذا تريدين منّي؟ لا تخافي...»

 

«ليس هو الخوف... ولكن... الآن أنا أمامكَ... بعد أن رَغِبتُ في ذلك كثيراً... وكلّ ما كان يبدو سهلاً، ومِن الضروريّ أن أقوله لكَ... لم أعد أَجِده... لم أعد أتذكّر... إنّني بلهاء... سامحني، يا سيّدي...»

 

«هل تطلبين عَطيّة على الأرض؟ هل أنتِ في حاجة إلى معجزة؟ لديكِ نفوس تريدين هدايتها؟ لا؟ إذن؟ هيّا تكلّمي! هل كانت لديكِ شجاعة عظيمة والآن تفقدينها؟ ألا تَعلَمين أنّني أنا مَن يَمنَح القوّة؟ نعم؟ تعرفين ذلك؟ إذن، تكلّمي كما لو كُنتُ أباً لكِ. إنّكِ فتيّة. كم عمركِ؟»

 

«ست عشرة سنة، يا سيّدي.»

 

«مِن أين قَدِمتِ؟»

 

«مِن أورشليم.»

 

«ما اسمكِ؟»

 

«أناليا.»

 

«اسم جدتي المحبوب، واسم كثيرات مِن النساء القدّيسات وكذلك هو اسم زوجة يعقوب اللطيفة والمؤمنة والـمُحِبّة. سوف يَجلب لكِ السعادة. وستكونين زوجة وأُمّاً مثاليّة. لا؟ أتهزّين رأسكِ؟ أتبكين؟ هل يُحتَمَل أن تكوني قد رَذِلتِ؟ أيضاً لا؟ هل مات الرجل الذي كنتِ تنوين الزواج منه؟ أولم يطلبكِ أحد بعد؟»

 

وتستمرّ الفتاة تهزّ رأسها. يقوم يسوع بخطوة، يُلاطِفها ويجعلها ترفع رأسها وتنظر إليه... تتغلّب ابتسامة يسوع على اضطراب الشابّة، فتقول بجرأة: «سيّدي، أنا زوجة، وسعيدة بفضلكَ أنتَ. ربّي، ألستَ تعرفني؟ إنّني المسلولة، الخطيبة المحتضرة التي شَفَيتَها بناء على رجاء يوحنّا... ومنذ إنعامكَ ذاك، وأنا... قد أَصبَحَ لديّ جسد آخر: الجسد السليم هذا بَدَل ذاك المائت الذي كان لي مِن قبل؛ وقد أَصبَحَت لديّ نَفْس أخرى... لستُ أدري، كان يبدو لي أنّني لم أعد أنا... فرح الشفاء، التأكّد آنئذ مِن إمكانيّة زواجي -تلك كانت حسرتي وأنا أحتضر، ألّا أتمكّن مِن الزواج- ولم يَدُم ذلك سوى مدى الساعات الأولى. وثمّ...» وتَجِد الفتاة قَدراً أكبر مِن الجرأة؛ لقد وَجَدَت ضالَّتها مِن الكلمات والأفكار التائهة في خِضَمّ اضطرابها لكونها وحدها مع المعلّم... «ثمّ أَدرَكتُ أنّه كان ينبغي لي ألّا أكون أنانيّة، وألّا أُفكّر فقط: "الآن سأكون سعيدة"، إنّما كان ينبغي لي أن أُفكّر في أمر أسمى ويعود إليكَ، إلى الله أبيكَ وأبي. إنّه أمر صغير، ولكنّه يُظهِر أنّني أعترف بالجميل. ففكّرتُ كثيراً، وعندما التقيت عروسي في السبت التالي قُلتُ له: "اسمع يا صموئيل. لولا المعجزة لكنتُ متُّ خلال أشهر قليلة، ولكنتَ فقدتني إلى الأبد. الآن، أودُّ تقديم تضحية لله، وأنتَ معي، لأقول لله إنّني أُسبِّحه وأشكره." ولأنّ صموئيل يحبّني، قال على الفور: "هيّا بنا معاً إلى الهيكل لنقدّم الذبيحة." إنّما أنا، فلم يكن ذلك ما كنتُ أبغيه. إنّني فقيرة ومِن عامّة الشعب، يا سيّدي. إنّني جاهلة ولا حِيلة لي. إنّما مِن خلال يدكَ التي وَضَعتَها على صدري المريض، شيء ما أتى، ليس فقط إلى رِئتيّ النَّخِرَتَين، بل إلى داخل قلبي. فَزَرَعَ في الرئتين الصحّة وفي القلب الحِكمة. وأدركتُ أنَّ نَحرَ حَمَل، لم تكن الذبيحة التي يرغب بها روحي الذي يحبّكَ... أنتَ.» وتَصمت الفتاة وقد اعتراها احمرار بعد إعلانها عن الحبّ.

 

«تابعي وبلا خوف، ماذا كانت رغبة روحكِ؟»

 

«التضحية بشيء يكون أهلاً لكَ يا ابن الله! وحينئذ... حينئذ فَكَّرتُ أنّه ينبغي أن يكون شيئاً روحيّاً، كالذي يأتي مِن الله. أي أنّ التضحية تقوم على أن أمتنع عن العرس حبّاً بكَ أنتَ يا مُخلِّصي. فالعرس فرح كبير، هل تَعلَم؟ وعندما نتحابّ، يكون الأمر عظيماً! وتكون لدينا الرغبة، ونكون على عَجَلة مِن أمرنا لإتمامه!... ولكنّني كنتُ قد تغيّرتُ عمّا كنتُ عليه قبل بضعة أيّام. لم أعد أريده كأجمل ما يكون... وقد قُلتُ ذلك لصموئيل... وهو فَهِمَني. وقد أراد هو أيضاً أن يَنذُر ذلك لمدّة عام اعتباراً مِن التاريخ الذي كان مُقَرّراً للعرس، أي اليوم الذي يلي مطلع آذار (مارس). وفي انتظار ذلك، ذَهَبَ في إثركَ ليحبّ الذي أعاد إليه عروسته، يحبّه ويتعرّف عليه: أنتَ. وقد وَجَدَكَ بعد بضعة أشهر في منطقة المياه الحلوة. وأنا كذلك أتيتُ... وقد انتهت كلماتكَ بأن غَيَّرَت قلبي. والآن لم يعد النَّذر السابق يكفيني. مثل شجرة اللوز التي في الخارج والتي، تحت الشمس الدافئة باطّراد، قد عادت إليها الحياة بعد بقائها ميتة خلال بضعة أشهر، وقد تزيَّنَت بالزهور، وفيما بعد بالأوراق والثمار، وهكذا تَقَدَّمتُ باستمرار في معرفة حكمة ما هو الأفضل... وفي المرّة الأخيرة، وكُنتُ قد أَصبَحتُ واثقة مِن نفسي ومما كُنتُ أريده -وكنتُ قد فَكَّرتُ خلال كلّ تلك الأشهر- المرّة الأخيرة التي أَتَيتُ فيها إلى منطقة المياه الحلوة، لم تكن أنتَ هناك... كانوا قد طردوكَ. فبَكيتُ كثيراً وَصَلّيتُ كثيراً إلى الباري تعالى، وقد استجاب لدعائي بأن جَعَلَ أُمّي تَقتَنِع بإرسالي إلى هنا مع أحد الأقارب الذي كان في طريقه إلى طبريّا ليتحدّث إلى حاشية حاكم الربع. وقد أَخبَرَني الوكيل أنّي كُنتُ سأجدكَ هنا. وَوَجَدتُ أُمّكَ... وكَلِماتها. والحقّ أنّ لا شيء سوى الاستماع إليها والمكوث إلى جانبها خلال هذين اليومين يكفي لإنضاج ثمرة نعمتكَ.» وتجثو الفتاة كما أمام هيكل وذراعاها متصالبتان على صدرها.

 

«حسناً. ولكن ما الذي تريدينه بالتحديد؟ ماذا يمكنني أن أفعل لكِ؟»

 

«ربّي، أودُّ... أريد أمراً جَلَلاً. وأنتَ وحدكَ ربّ الحياة والصحّة، يمكنكَ أن تمنحنيه. ذلك أنّني أُفكّر أنّ ما يمكنكَ أن تعطيه يمكنكَ كذلك نَزعه... فأودُّ لو تَنـَزِع منّي الحياة التي وهبتنيها قبل أن تنتهي سنة نذري...»

 

«ولكن لماذا؟ ألستِ ممتنّة مِن الله لأجل الصحّة التي تمتّعتِ بها؟»

 

«للغاية! بما لا يقاس! إنّما مِن أجل أمر واحد: ذلك أنّ كوني أعيش بنعمته ومعجزتكَ أَدرَكتُ ما كان الأفضل.»

 

«وما هو؟»

 

«الحياة كالملائكة. مثل أُمّكَ، سيّدي... كما تعيش أنتَ... وكما يعيش تابعكَ يوحنّا... الزنابق الثلاث، الشعلات البيضاوات الثلاث، غِبطات الأرض الثلاث، يا ربّ. نعم، لأنّني أُفكّر أنّ امتلاك الله غِبطة، وأنّ الأطهار يمتَلِكون الله. والذي يكون طاهراً سماء هو: الله في وسطها وحوله الملائكة... آه! يا ربّ! هذا ما أَرغَب به!... لقد استَمَعتُ إليكَ قليلاً، وإلى أُمّكَ قليلاً، والتلميذ وإسحاق. لم أصادف آخرين يقولون لي كلامكَ... إنّما يبدو لي أنّ روحي تسمعكَ على الدوام وأنّكَ معلّمها... انتهيتُ، ربّي...»

 

«أناليا، إنّ ما تطلبينه كثير، وما تُعطينَه كثير... يا ابنتي، لقد أَدرَكتِ الله والكمال الذي يمكن للإنسان أن يَرقَى إليه ليُشبه الكلّيّ الطُّهر.» ويَأخذ يسوع بين يديه رأس الصبيّة الأسمر، الصبيّة الجاثية، ويُحدّثها وهو ينحني صَوبها. «إنّ الذي وُلِدَ مِن عذراء -حيث لم يكن بإمكانه أن يجعل عشّه إلّا على كومة مِن الزنابق- يَشمئزّ مِن شهوة العالم الثُّلاثية، ويُصيبه الوَهْن ويَنسَحِق بمثل ذاك الاشمئزاز إذا لم يتدخّل الآب الذي يَعلَم بماذا يحيا ابنه: إعانات حبّ تدعم نفسي الـمُنقَبِضَة. والطاهرون هم فرحي. إنّكِ تعيدين إليَّ ما ينـزعه منّي العالم بانحطاطه المستفيض. فليتبارك الآب، وأنتِ كذلك يا صبيّة. اذهبي بسلام. وسيحصل أمر يجعل نذركِ أبديّاً، وكوني إحدى الزنابق المنتشرة على طريق المسيح الدامية.»

 

«آه! ربّي!... أَرغَب في أمر آخر...»

 

«ما هو؟»

 

«ألّا أكون حاضرة ساعة موتكَ... فلا يمكنني رؤية موت مَن هو حياتي.»

 

يبتسم يسوع بهدوء، ويمسح بيده ساقيتي دمع تَنحَدِران على طول الوجه الأسمر. «لا تبكي. فالزنابق لا تحزن أبداً. سوف تضحكين مع كلّ جواهر إكليلكِ الملائكيّ عندما سترين الـمَلِك الـمُتَوَّج يَدخُل مَلَكوته. اذهبي. وليَقُدكِ روح الربّ إلى حيث أكون أو آتي. أُبارككِ بشعلات الحبّ الأزليّة.»

 

يتقدّم يسوع في الحديقة وينادي: «أُمّاه! هي ذي فتاة لكِ بأكملها. هي الآن سعيدة. إنّما اغمسيها أنتِ في بياضكِ، الآن وكلّ مرة نذهب فيها إلى المدينة المقدّسة، لكي تصبح ثلج بتلات سماويّة منتشرة على عرش الحَمَل.» ويعود يسوع إلى أتباعه بينما تُلاطِف مريم الشابّة وهي تمكث معها.

 

يَنظُر إليه بطرس وأندراوس ويوحنّا متسائلين، ووجه يسوع المتلألئ ينبئهم بأنّه سعيد. ولا يعود بطرس يتمالك نفسه، فيَسأَل: «مع مَن تَحَدّثتَ كلّ هذا الحديث يا معلّمي؟ وما الذي سَمِعتَه فَجَعلكَ تُشرق بهذا الشكل؟»

 

«مع امرأة في فجر حياتها، مع تلك التي ستصبح فجر كثيرات يأتين بعدها.»

 

«مَن؟»

 

«العذارى.»

 

يُتمتم أندراوس مع نفسه بهدوء: «ليست هي...»

 

«لا، ليست هي. إنما لا تكلّ مِن الصلاة بصبر وصلاح. فكلّ كلمة مِن صلاة هي بمثابة الدعوة والنور في الليل، لحمايتها وقيادها.»

 

«ولكن ماذا يَنتَظِر أخي؟»

 

«نَفْساً يا بطرس، بؤساً هائلاً يريد تحويله إلى غِنى عظيم.»

 

«وأين وَجَدَها، أندراوس، الذي لا يتحرك أبداً، ولا يتكلّم مطلقاً، ولا يأخذ زِمام المبادرة على الإطلاق؟»

 

«على دربي. تعال معي يا أندراوس. هيّا بنا إلى بيت حلفى لمباركته وسط أحفاده كَثيري العدد. وأنتما انتظراني في بيت يعقوب ويوضاس. فأُمّي في حاجة إلى أن تبقى وحدها طوال هذا اليوم.»

 

وهكذا يَمضون، البعض يمضي مِن جهة والبعض الآخر مِن الأخرى، والسرّ يحيط بفرح أولى مَن قد نَذَرَت نفسها للبتوليّة حبّاً بالمسيح.