ج4 - ف153

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الرابع / القسم الثاني

 

153- (السبت في جيراسا)

 

28 / 09 / 1945

 

طويلة هي ساعات النهار عندما لا يعرف المرء ما يفعله. وأولئك الذين كانوا مع يسوع، لا يعرفون بالفعل ماذا يفعلون خلال ذاك السبت، في بلدة لا معارف لهم فيها، في بيت يُفرِّقهم فيه اختلاف اللغـات والعادات، كما لو أنّ الانحيازات العبريّة لم تكن تَكفي لِتُبقيهم مُنفَصِلين عن قادة القافلة وخُدّام اسكندر ميزاس. كذلك البعض ظلّوا في السرير، أو هُم يَغفون في الشمس التي تُدفّئ الدار الواسعة المربّعة. دار بُنِيَت حقّاً لتَستَقبِل القوافل، فيها بِرَك ماء وحلقات مثبتة في الجدران وعلى أعمدة رواق ريفيّ يمتدّ على الجوانب الأربعة، وعدّة اصطبلات مع مخازن للتبن أو الكلأ الجافّ، على الجوانب الثلاثة. النساء في غرفتهنّ. لا أرى أحداً منهنّ.

 

مارغزيام يَجِد كذلك تسلية في الدار المغلقة. إنّه يُراقِب عمل السائِسين يَحسّون البغال، يُبدِّلون المهاد، يُراقِبون الحوافر ويُعيدون تسوية النّعال، أو إنّه، وهذا ممّا يثير اهتمامه أكثر، بما أنّه شيء جديد بالنسبة له، يُراقِب بنشوة كيفيّة تصرُّف الجمَّالين مع الإبل لتحضير حمولة كلّ منها منذ اليوم، بتجزئتها وجَعلها مُتوازِنة، وكيف يجعلونه يجثـو ويَنهَض مِن أجل تحميله وتفريغ الحمولة، بمكافأته بعد ذلك بحفنة مِن الخُضار الجافّة التي تبدو لي أنّها فـول، انتهاءً بتوزيع الخرّوب الذي أرى الرجال كذلك يَستَمتِعون بمَضغِه.

 

مارغزيام مُندَهِش بحقّ، ويَنظُر حوله لِيَجد مَن يُشاطرِه دهشته. ولكنّ أمله خـاب لأنّ الكبار لا يهتمّون بالجِّمال. إمّا أنّهم يتحدّثون فيما بينهم، أو أنّهم يَغفون. فيمضي إلى بطرس الذي ينام هانئاً، رأسه متّكئ على كَلَأ طريّ، ويهزّه مِن كُمّه. يَفتَح بطرس عينيه نصف فتحة ويَسأَل: «ماذا هناك؟ مَن يُريدني؟»

 

«هذا أنا. تعال وانظر إلى الجِّمال.»

 

«دعني أنام. لقد رأيتُ منها الكثير... حيوانات قبيحة.»

 

يَذهَب الصبيّ إلى متّى الذي يُدقِّق حسابات الصندوق، فهو أمين الصندوق في هذه الرحلة: «كنتُ بالقرب مِن الجِّمال. هل تدري؟ إنّها تأكل كالنِّعاج، هل تَعلَم؟ وهي تجثو كالبشر، وتبدو كالسُّفن بحركاتها المترنّحِة أثناء سيرها. هل رأيتَها؟»

 

ومتّى الذي لَم يَعُد يَعرِف أين وَصَل في حساباته، بسبب المقاطعة، يُجيب بجفاء: «نعم» ويَعود إلى دراهمه.

 

خَيبة أَمَل أُخرى... مارغزيام يَنظُر حوله... ها هما سـمعان الغيور ويوضـاس تدّاوس يتحدّثان… «كَم هي مَليحة تلك الجِّمال! وطيّبة! لقد حَمَّلوها وأفرغوا الحمولة، وقد نَزَلَت إلى الأرض كيلا يَتعَب الرجل. ثمّ أَكَلَت الخرّوب. كذلك الرجال أكلوا منه. لقد سـرّني هذا... ولكنّني لا أستوعب. تعال، أنتَ...» ويُمسِك بيد سمعان.

 

وهذا الأخير، إذ كان مُستَغرِقاً في حديث هادئ مع تدّاوس، يُجيب بِشُرود: «نعم يا حبيبي... اذهب، اذهب وانتبه لِئلّا تؤذي نفسكَ.»

 

يَنظُر إليه مارغزيام مندهشاً...لَم يُجِبه سمعان باللهجة ذاتها. يَكاد يبكي. يَبتَعِد خائباً ويَستَنِد على عمود…

 

يَخرُج يسوع مِن إحدى الغرف ليراه مُستاءً ووحيداً. يَمضي إلى الصبيّ ويضع يده على رأسه: «ماذا تفعل وحيداً وحزيناً؟»

 

«لا أحد يَستَمع إليَّ...»

 

«ما الذي كنتَ تودّ قوله للآخرين؟»

 

«لا شيء... كنتُ أتحدَّث عن الجِّمال... إنّها مَليحة... وهي تروق لي. يُفتَرَض أن يكون امتطاؤها كركوب السفينة... وتأكل الخرّوب؛ حتّى الرجال كذلك...»

 

«وتريد امتطاءها وأكل الخرّوب. تعال. هيّا بنا نرى الجِّمال.» ويأخذه يسـوع بيده ويذهب مع الصبيّ، وقد استعادَ سَكينته، إلى آخر الدار. ويتوجّه مباشـرة إلى جَمَّال ويُحيّيه بابتسامة. ينحني ذاك، ويُتابِع مُراقبة دابّته التي يَضبط لها الموجِّهة ويُعدّل اللِّجام.

 

«هل تفهمني أيّها الرجل؟»

 

«نعم يا سيّد، أعرفكم منذ عشرين عاماً.»

 

«هذا الولد لديه رغبة عارمة في امتطاء جَمَل... ورغبة صغيرة في أكل قطعة خرّوب.» ويبتسم يسوع ابتسامة أكثر حيويّة.

 

«ابنكَ؟»

 

«ليس لديَّ أولاد، أنا. فلا زوجة لي.»

 

«أنتَ، الوسيم والقويّ، لم تَجِد امرأة؟»

 

«لَم أبحث عنها.»

 

«ألا تَشعُر برغبة في النساء؟»

 

«لا. أبداً.»

 

يَنظُر إليه الرجل مذهولاً، ثمّ يقول: «أنا لديَّ تسعة أولاد في إشيلو... أَمضِي إلى هناك: وَلَد. أَمضِي إلى هناك: وَلَد. دائماً.»

 

«أتحبّ أولادكَ كثيراً؟»

 

«إنّهم دَمي! ولكنّ العمل قاسٍ. أنا هنا والأولاد هناك. في البعيد... ولكن مِن أجل قُوتهم. أتُدرِك؟»

 

«أُدرِك. إذن يمكنكَ فَهْم الولد الذي يريد ركوب الجَّمل وأكل الخرّوب؟»

 

«نعم. تعال. أتخاف؟ لا؟ أَحسَنتَ. يا لكَ مِن وَلَد جميل! أنا أيضاً لديَّ ابن هكذا. أسود هكذا. امسك هنا. شدّ جيّداً.» ويضع بين يديه مِقبضاً غريباً في مقدّمة السّرج. «تماسَك. الآن آتي أنا. والجَّمَل سينهَض. لا تخاف. أليس كذلك؟»

 

ويتسلّق الرجل السَّرج المرتَفِع، ويَجلِس وينادي الجَّمَل الذي يُلبّي ويَنهَض وهـو يتمايل بشدّة. يضحك مارغزيام، سعيداً، ويزداد سعادة حين يَضَع الرجل له قطعة الخرّوب اللذيذة في فمه. يَجعَل الرجل الجَّمل يسير على مهل في الدار، ثمّ يَجعَله يَركُض. ثمّ، حين يـرى أنّ مارغزيام لم يَخَف، يَصرُخ بشيء ما إلى أحد رفاقه الذي يفتَح له البوّابة الكبيرة التي في مؤخّرة الدار ويَختَفي الجمل، مع حمولته، في خُضرة الريف.

 

يعود يسوع إلى البيت، إلى غرفة تتواجد فيها النساء. ابتسامته مُشرِقة لدرجة أنّ مريم تَسأَله: «ما بكَ يا بنيّ، حتّى تكون سعيداً هكذا؟»

 

«لديَّ سرور مارغزيام الذي يتجوّل الآن على جَمَل. اخرُجن لترينه عائداً.»

 

يَخرُج الجميع إلى الدار، ويَجلسون على جِدار صغير قرب البِرَك. والرُّسُل، غير النائمين منهم، يقتربون. والذين كانوا على نوافذ الطابق العلويّ، يَنظُرون إلى أسفل، يَرَون فَيُقبِلون كذلك. أصوات جليّة وفتيّة، أصوات يوحنّا وحاملَي اسم يعقوب، تُوقِظ بطرس وأندراوس وتَهزّ متّى. الآن اكتَمَلوا، ذلك أنّ يوحنّا الذي مِن عين دور يأتي كذلك مع التلميذين.

 

«ولكن أين مارغزيام؟ فأنا لا أراه.» يَسأَل بطرس.

 

«إنّه في نزهة على الجَّمل. لم يكن أحد منكم ليستمع إليه... رأيتُهُ حزينا وعالجتُه.»

 

بطرس ومتّى وسمعان يتذكّرون: «آه! بلى! لقد كان يتحدّث عن الجِّمال... والخرّوب. ولكنّني كنتُ نعساناً!»؛ «أنا، كنتُ مُنهَمِكاً في الحسابات، لِأُقدِّم لكَ كشفاً بما كنتُ قد حصلتُ عليه مِن الجيراسيّين، وما كنتُ قد أُعطيتُ مِن الصدقات»؛ «وأنا، كنتُ أتحدّث عن الإيمان مع أخيكَ!»

 

«لا يهمّ. لقد اهتممت أنا بالأمر. ومع ذلك، أقول لكم إنّ الاهتمام بألعاب طفل هو مِن قبيل الحبّ... إنّما فلنتحدّث عن أمر آخر. في الخارج، المدينة في حالة عيد. لم يَبقَ مِن سبتنا إلّا الذكرى، إلّا ذكرى فَرَح عامّ. إذاً مِن الأفضل أن نبقى في الداخل، بشكل أنّهم إذا شاؤوا، فبإمكانهم أن يَجِدونا. يَعلَمون أين نحن. ها هو اسكندر يَستَعرِض جِماله. الآن سوف أقول له بأنّ واحداً منها يَنقص، وتلك غلطة منّي.»

 

يُسرِع يسوع للقاء التاجر والتحدّث إليه. يعودان معاً. يقول التاجر: «حسناً، إنّه يلهو، والجري تحت الشمس يفيده. بإمكانكَ الاطمئنان بأنّ الرجل يُحسِن معاملته. كاليبيو رجل شهم. وبمقابل ذلك، أَسألكَ أن تقول لي شيئاً. في هذه الليلة كنتُ أفكّر بكلامكَ... الذي سَمِعتُه يدور في راموت، بينكَ وبين المرأة، وكلامكَ الذي سَمِعتُه في الأمس. وشعرتُ كما لو لي أنّني أَصعَد إلى جبل مُرتَفِع يُشبِه جِبال الأرض التي أَسكُن، والتي تصل قِمَمهـا حتّى الغيوم. كنتَ تسمو بي إلى العالي، إلى العالي، إلى العالي. كان يبدو لي أنّ نَسراً يحملني، واحداً مِن النُّسور المقيمة في أعظم جبل عندنا، في أوّل خروج مِن الطوفان. كنتُ أرى أموراً جديدة، لم أكن أتصوّرها أبداً، ولم تكن كلّ الأمور سِـوى نور... وكنتُ أُدرِكهـا. ثمّ تشوَّشتُ. فقل لي المزيد.»

 

«ماذا ينبغي لي أن أقول؟»

 

«ولكن، لستُ أدري... كلّ شيء كان جميلاً. كنتَ تقول بأنّنا نلتقي في السماء... وفهمتُ بأنّنا نتحابّ هناك بشكل مختلف، إنّما متساوٍ. مثلاً، لن تعود لدينا هموم الحاضر، ومع ذلك سوف نكون الكلّ للواحد والواحد للكلّ، كما لو أنّنا عائلة واحدة. هل أُسيء التعبير؟»

 

«لا، بل على العكس! سوف نكون عائلة واحدة حتّى مع الأحياء. النُّفوس لا تنفصل بالموت. أتحدّث عن الأبرار. إنّهم يُشكِّلون عائلة واحدة كبيرة. تصـوّر هيكلاً كبيراً حيث يوجد أناس يَعبدون ويُصلّون، وأناس آخرون يتعبون. الأوّلون يُصلّـون كذلك مِن أجل الذين يَعمَلون، والآخرون يَعمَلون مِن أجل الذين يُصلّون. توجد نفوس هكذا. نحن نتعب على الأرض؛ وهُم يُساندوننا بصلواتهم. إنّما علينا أن نُقدّم آلامنا لنمنحهم السلام. إنّها سلسلة لا نهاية لها. إنّه الحبّ الذي يَربط الذين كانوا بالذين هُم الآن... والذين هُم الآن، عليهم أن يكونوا صالحين، ليتمكّنوا مِن لقاء الذين كانوا، والذين يتمنّون أن نكون معهم.»

 

تقوم سِنْتيخي بحركة لا إراديّة، تُوقِفها مُباشرة. ولكنّ يسوع يراها ويدعوها لأن تَخرُج عن تَحفُّظها الذي تُحافِظ المرأة عليه على الدوام.

 

«كنتُ أُفكِّر... ومنذ بضعة أيّام وأنا أُفكِّر في هذا، والحقّ يقال إنّه يُسبِّب لي اضطراباً، لأنّه يبدو لي أنّ الإيمان بفردوسكَ يعني أن أَفقُد أُمّي وأخواتي إلى الأبد...» نشيج يُكسِّر صوت سِنْتيخي التي تتوقّف كي تخنق دموعها.

 

«ما تكون تلك الفكرة التي تجعلكِ تضطَرِبين إلى هذا الحدّ؟»

 

«الآن أنا أؤمن بكَ. أمّا أُمّي فلا يمكنني أن أراها إلّا وثنيّة. لقد كانت صالحة... آه! كثيراً! وأخواتي أيضاً كثيراً! إيسمين الصغيرة كانت أفضل ما حَمَلَت الأرض مِن مخلوقات. ولكنّهنّ كنّ وثنيّات... ولذلك فطالما كنتُ أنا مثلهنّ، كنتُ أُفكِّر بالهاديس، وكنتُ أقول: "سوف نجتمع". الآن لم يَعُد هناك هاديس. يوجد فردوسكَ، ملكوت السـماوات للذين خَدَمَوا الإله الحقيقيّ بِبرّ. وتلك النُّفوس المسكينة؟ فليس خَطَأها أنّها وُلِدَت يونانيّة! ولم يأتِ إلينا أيّ مِن كَهَنَة إسرائيل ليقول لنا: "الإله الحقيقيّ هو إلهنا". وإذن؟ فضائلهنّ، لا شيء؟ آلامهنّ، لا شيء؟ وظُلُمات أبديّة، وانفصال أبديّ عنّي؟ قُلتُها لكَ: ألم مبرّح! يبدو لي أنّني أكاد أراهنّ مَقصيّات. عفوكَ، ربّي... إنّي أبكي...» وتجثو وهي تبكي محزونة.

 

ويقول اسكندر ميزاس: «هاك! أنا كذلك كنتُ أتساءل، أنّني في حال أَصبَحتُ بارّاً، إذا ما كنتُ سألتقي بأبي وأُمّي وإخوتي وأصدقائي...»

 

يَضَع يسوع أصابعه على رأس سِنْتيخي الأسمر ويقول: «تكون الخطيئة عندمـا تُعرف الحقيقة ويُصِرّ المرء على الاستمرار في الغَلَط. وليس عندما يكون المرء على قناعة بأنّه في الحقّ ولا يأتي أيّ صوت ليقول: "ما أحمله إليكم هو الحقّ. اتركوا أوهامكم مِن أجل هذا الحقّ وستنالون السماء". الله عادل. هل تريدين ألّا يُكافِئ الفضيلة إذا نَمَت بمفردها، وسط فَساد عالم وثنيّ؟ امنحي نفسكِ السلام يا ابنتي.»

 

«ولكن الخطيئة الأصليّة؟ ولكن العبادة المعيبة؟ ولكن...» كان الإسرائيليّون سيقولون أشياء أُخرى تُضيِّق على نَفْس سِنْتيخي التي أَضحَت محزونة، لولا أنّ يسـوع قد فَرَضَ الصمت بحركة منه.

 

يقول: «الخطيئة الأصليّة تُصيب الجميع، إسرائيليّين كانوا أم لا. فهي ليست حِكراً على الوثنيّين. العبادة الوثنيّة تُصبِح خاطئة منذ اللحظة التي تَنتَشِر فيها شريعة المسيح في العالم. الفضيلة هي الفضيلة في عينيّ الله، على الدوام. وباتّحادي مع الآب أقول، أقول باسمه، مُترجِماً الفِكرة المقدَّسة إلى كلام، إنّ طُرُق القُدرة الرحيمة واسعة جدّاً، وترمي كلّها إلى إسعاد الفاضِلِين، وإن العوائق سوف تُزال مِن نَفْس إلى أخرى، وإنّ السلام سيكون لِمَن يستحقّ السلام. وليس هذا وحسب. بل وأقول إنّه في المستقبل، فإنَّ أولئك الذين، لقناعتهم بأنّهم في الحقّ، سَيَتبعون ديانة آبائهم ببرّ وقداسة، لن يكونوا منبوذين مِن قِبَل الله ومُعاقَبِين منه. إنّه الخُبث وسوء النيّة، والرفض المتعمّد للحقّ المعروف، وبخاصة محاربة الحقّ الموحى به والنيل منه، هي حياة الرذيلة التي ستفصل حقّاً وإلى الأبد نفوس الأبرار عن نفوس الخَطَأَة. ارفعي روحكِ الـمُحبَط يا سِنْتيخي. إنّ هذا الاكتئاب هو هَجمَة جهنّميـّة متأتّية مِن الغَضَب الذي يُجرّبكِ به الشيطان، أنتِ الفريسة التي فَقَدَها إلى الأبد. لا يوجد هاديس. ما يوجد هـو فردوسي أنا. لا سبب للألم فيه، بل على العكس للفرح. لا شيء يأتي مِن الحقّ ويكون سبب إحباط أو شكّ، بل على العكس قوّة هو للاستمرار في ازدياد الإيمان وبأمان وطمأنينة فَرِحة. إنّما أنتِ، فَبُوحي لي دائماً بأفكاركِ. أريد فيكِ نوراً ساكناً ومُستَقِرّاً مِثل نور الشمس.»

 

سِنْتيخي التي ما تزال جاثية ، تُمسِك يده وتُقبِّلها …

 

صيحات (كررر، كررر) التي يُطلِقها الجَمَّال تَجعَل المرء يُدرِك أنّ الجَّمَل عائد سيراً دون ضجة على العشب الكثيف، خارج الباب الخلفيّ الذي يَفتَحه أحد الخُدّام حالاً. ويعود مارغزيام سعيداً، وقد احمرَّ نتيجة الجولة: رَجُل صغير يَركَب الجَّمل ويضحك مُلوّحاً بيديه، بينما يجثو الجَّمل، ويَنـزل عن السَّرج الغريب الشَّكل مُداعِباً الجَمَّال الأسمر. ثمّ يَجري صوب يسوع هاتفاً: «كم هو جميل! هل على هذه الدواب أتى حُكماء الشَّرق (المجوس) لِيُقدِّمـوا لكَ فروض العبادة؟ وأنا سوف أمضي عليها لِأُبشِّر بكَ في كلّ مكان! يبدو العالم أكبر إذا ما شُوهِد مِن فوقها، ويقول: "تعالوا، تعالوا يا مَن تَعرفون البُشرى الحَسَنة!" آه! هل تَعلَم؟... حتّى هذا الرجل في حاجة إلى ذلك... وأنتَ كذلك أيّها التـاجر وجميع خُدّامكَ... كَم مِن الناس ينتظرونها، ويموتون دون التمكّن مِن الحصول عليها... أُناس أكثَر مِن حَبّات رَمل النَّهر عَدَداً. الجميع ما عداكَ يا يسوع! آه! ولكن أَسرِع في قولها للجميع!» ويتمسّك بجنبه رافعاً رأسه. ويسوع ينحني ويُقبِّله وهو يَعِدْ: «سوف تَرَى ملكوت الله مُبشَّراً به حتّى أقاصي تُخوم روما. هل أنتَ مَسرور؟»

 

«أنا، نعم. ومِن ثُمّ سوف آتي لأقول لكَ: "هاك هذا البلد وذاك وذا الآخر يعرفونكَ". حينذاك سأَعرف أسماء تلك الأراضي البعيدة. وأنتَ، ماذا ستقول لي؟»

 

«سوف أقول لكَ: "تعال يا مارغزيام الصغير لتنال أكليلاً عَن كلّ بَلَد بَشَّرت بي فيه، ثمّ تعال هنا إلى جانبي، مِثل هذا اليوم في جيراسا، واسترح مِن أتعابكَ، ذلك أنّكَ كنتَ خادماً أميناً، والآن مِن العدل أن تكون مَغبوطاً في مَلكوتي".»