ج7 - ف191
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء السابع / القسم الأول
191- (تعليمات للرُّسُل والتلاميذ)
17 / 09 / 1946
إنّ يسوع قد انضمّ إلى الرُّسُل العشرة والتلاميذ الرئيسيّين عند سفح جبل الزيتون، قرب نبع سلوان. الذين حين يَرَون يسوع يُقبِل بخطى سريعة بين بطرس ويوحنّا، يمضون لملاقاته، ويتلاقون بالضبط قرب النبع.
«لنصعد إلى درب بيت عنيا. سأترك البلدة لبعض الوقت. أثناء ذهابنا سأقول لكم ما عليكم فِعله» يأمر يسوع.
وسط التلاميذ هناك أيضاً مَنَاين وتيمون، اللذين قد استعادا مكانيهما باطمئنان. وهناك استفانوس وهَرْماس، نيقولاوس، يوحنّا الذي مِن أفسس، الكاهن يوحنّا، وإجمالاً، كلّ الأبرز حكمة، إضافة للآخرين، البسطاء، إنّما الفاعلين جدّاً بنعمة مِن الله وبإرادتهم الخاصّة.
«أتترك البلدة؟ هل حدث شيء لكَ؟» يَسأَل كُثُر.
«لا. إنّما هناك أمكنة تنتظر...»
«ماذا فعلتَ هذا الصباح؟»
«لقد تكلّمتُ… الأنبياء… مرّة أخرى. لكنّهم لا يدركون...»
«أما مِن معجزة، يا معلّم؟» يَسأَل متّى.
«ولا واحدة. فقط مغفرة واحدة. ودفاع.»
«مَن كان؟ مَن كان يهاجم؟»
«مَن يظنّون أنفسهم بلا خطيئة كانوا يتّهمون خاطئة. لقد خلّصتُها.»
«إنّما إن كانت خاطئة فهم قد كانوا على حقّ.»
«جسدها كان خاطئاً بالتأكيد. نَفْسها… لديَّ الكثير لأقوله فيما يخصّ النّفوس. ولا أدعو خاطئات فقط مَن كان ذنبهنّ واضحاً. فخاطئات كذلك اللواتي يدفعن أخريات كي يخطئن. وخطيئتهنّ أكثر مكراً. فهنّ يلعبن دور الحيّة والخاطئ في آن معاً.»
«إنّما ماذا كانت قد فعلت المرأة؟»
«الزّنا»
«الزّنا؟! وأنتَ خلّصتَها؟! ما كان عليكَ!!» يصيح الإسخريوطيّ.
يسوع يحدّق فيه، ويَسأَله: «لماذا لم يكن عليَّ؟»
«إنّما لأنّ… ذلك قد يؤذيكَ. أنتَ تعلم كم يكرهونكَ ويبحثون عن اتّهامات ضدّكَ! وبالتأكيد… تخليص زانية هو مخالفة للشريعة.»
«أنا لم أقل بأنّني قد خلّصتُها. لقد قلتُ لهم بأنّ يضربها فقط مَن كان بلا خطيئة. وما مِن أحد ضربها لأنّ لا أحد كان بلا خطيئة. وبالتالي فقد صادقتُ على الشريعة الّتي تفرض الرّجم على الزّناة، لكنّني كذلك خلّصتُ المرأة حيث لم يوجد راجم.»
«إنّما أنتَ...»
«أكنتَ تريدني أن أرجمها أنا؟ لكان ذلك عدلاً، فقد كان باستطاعتي رجمها. إنّما ما كان ذلك ليكون رحمة.»
«آه! كانت قد تابت! قد توسَّلَت إليكَ وأنتَ...»
«لا. لم تكن حتّى تائبة. كانت فقط ذليلة وخائفة.»
«فإذن!... لماذا؟ لم أعد أفهمكَ بعد! قبلاً كان ما يزال بمقدوري أن أفهم غفراناتكَ لمريم المجدليّة، ليوحنّا الذي مِن عين دور، لـ… بالإجمال للكثير مِن الخط...»
«قلها: لمتّى. لن أستاء مِن ذلك. على العكس، أكون ممتنّاً لكَ إذا ما ساعدتني على تذكّر دَين عرفاني بالجميل لمعلّمي» يقول متّى بهدوء ووقار.
«حسناً، نعم، حتّى لمتّى… لكن هم كانوا قد تابوا عن خطاياهم، عن حياتهم في الفساد. إنّما هذه!... لم أعد أفهمكَ! ولستُ أنا الوحيد الّذي لا يفهمكَ...»
«أعلم ذلك. أنتَ لا تفهمني… لطالما لم تفهمني إلاّ قليلاً. ولستَ الوحيد. ولكنّ ذلك لا يغيّر طريقتي في التصرّف.»
«المغفرة يجب أن تُمنح لِمَن يطلبها.»
«آه! لو كان على الله أن يمنح المغفرة فقط لِمَن يطلبها! وأن يضرب على الفور مَن لا يُتبِع الخطيئة بالتوبة! أنتَ ألم تشعر بأنّه قد غُفِرَ لكَ قبل أن تتوب؟ أيمكنكَ حقّاً القول بأنّكَ تُبت، ولذلك غُفِرَ لكَ؟»
«يا معلّم، أنا...»
«أَنصِتوا إليَّ جميعكم، ذلك أنّ كُثُراً منكم يجدون أنّني أخطأت وأنّ يهوذا على حقّ. يوجد هنا بطرس ويوحنّا. هما قد سمعا ما قلتُه للمرأة وبوسعهما أن يردّداه لكم. لم أكن أهوجاً بالمغفرة. لم أقل ما أقوله لنفوس أخرى، الّتي غفرتُ لها لأنّها كانت تائبة تماماً. لكنّني أعطيتُ تلك النَّفْس الإمكانيّة والوقت كي تصل إلى التوبة والقداسة، إذا ما أرادت الوصول إليهما. تذكّروا ذلك عندما تصيرون معلّمين للنّفوس.
أمران مِن الضروريّ امتلاكهما كي تتمكّنوا مِن أن تكونوا معلّمين حقيقيّين، وأن تستحقّوا أن تكونوا معلّمين حقيقيّين. الأمر الأوّل: حياة متقشّفة لذواتكم، للتمكّن مِن الحكم مِن دون نفاق إدانة الآخرين فيما نغفره لأنفسنا. الثاني: رحمة صَبورة لإفساح المجال للنّفوس كي تشفى وتتقوّى. فليست كلّ النّفوس تشفى على الفور مِن جراحها. فبعضها لا تصل إلى ذلك إلاّ على مراحل متتالية، وأحياناً تكون بطيئة وعُرضة للانتكاسات. إنّ إبعادها، إدانتها، إخافتها، ليست فنّ الطبيب الروحيّ.
وإذا ما طردتموها بعيداً عنكم، فسوف تعود بالمقابل لترتمي في أحضان الأصدقاء والمعلّمين المزيّفين. افتحوا ذراعيكم وقلبكم، على الدوام، للنّفوس المسكينة، كي تشعر بأنّكم نَجيّ حقّ وقدّيس لا تخجل مِن البكاء عند ركبتيه. وإذا ما أدنتموها بحرمانها مِن المساعدة الروحيّة، فسوف تجعلونها أكثر فأكثر مرضاً وضعفاً.
إذا ما جعلتموها تخاف منكم ومِن الله، فكيف سيكون بإمكانها أن ترفع نظرها إليكم وإلى الله؟ الإنسان هو أوّل مَن يلقاه الإنسان كقاضٍ. وحده مَن يحيا روحيّاً يعرف أن يلقى الله أوّلاً. ولكنّ الخليقة الّتي قد توصّلت بالفعل إلى أن تحيا روحيّاً، لا تسقط في خطايا جسمية. يمكن للجزء البشريّ فيها أن يملك بعد نقاط ضعف، إنّما الروح القويّ يقظ هو، ونقاط الضعف لا تغدو خطايا جسمية. بينما الإنسان، الّذي ما يزال لحماً ودماً بكثرة، يخطئ ويلقى الإنسان. فإذاً لو كان الإنسان، الّذي يجب أن يرشده إلى الله ويهيّئ روحه، يثير فيه الخوف، فكيف يمكن للخاطئ أن يستسلم له؟ وكيف يمكن أن يقول: "إنّني أتّضع لأنّني أؤمن أنّ الله صالح ويغفر" إذا ما رأى أنّ شبيهاً له ليس صالحاً؟
يجب أن تكونوا حدّ المقارنة، المقياس لما هو الله، مثلما أنّ قطعة نقد صغيرة هي الجزء الّذي يُفهِم قيمة المثقال. إنّما إن كنتم قساة مع النّفوس، أنتم، القطع الصغيرة، الّذين أنتم جزء مِن الأزليّ، وتمثّلونه، فماذا سيعتقدون إذن أن يكون الله؟ أيّة قسوة متصلّبة سيتصوّرونها فيه؟
يهوذا، أنتَ الذي تحكم بقسوة، إذا ما قلتُ لكَ في هذه اللحظة: "سوف أشتكيكَ للسنهدرين لأجل ممارسات سحريّة…"»
«يا ربّ! لن تفعل ذلك! سوف يكون… سوف يكون… أنتَ تعلم أنّ ذلك يعني...»
«أعلم ولا أعلم. إنّما ترى كيف أنّكَ تطلب على الفور الرحمة لنفسكَ… وأنتَ تعلم بأنّكَ لن تدان مِن قبلهم لأنّ...»
«ما الذي تريد قوله، يا معلّم؟ لماذا تقول هذا؟» يقول يهوذا مضطرباً جدّاً، مقاطعاً يسوع.
ويسوع، بهدوء شديد، إنّما بنظرة تخترق قلب يهوذا، وفي ذات الوقت تكبح رسوله المضطرب، الّذي تتّجه إليه نظرات الرُّسُل الأحد عشر الآخرين وتلاميذ كُثُر، يقول: «ولكن لأنّهم يحبّونكَ، لديكَ أصدقاء جيّدين، هناك. لقد قلتَ ذلك مرّات عدّة.»
يهوذا يتنفّس الصعداء، ويمسح عرقه، المستغرَب في هذا اليوم البارد والعاصف، ويقول: «هذا صحيح. أصدقاء قدامى. لكنّني لا أعتقد أنّه فيما إذا خطئتُ...»
«ألذلك تطلب الرحمة؟»
«بالتأكيد. ما زلتُ غير كامل، وأريد أن أصبح كاملاً.»
«أنتَ قلتَ. أيضاً تلك المخلوقة غير كاملة للغاية. لقد منحتُها الوقت كي تغدو صالحة، إن هي أرادت ذلك.»
يهوذا لا يعود يردّ.
إنّهم الآن على طريق بيت عنيا، بعيداً مِن أورشليم. يسوع يتوقّف ويقول: «وأنتم، هل أعطيتم الفقراء ما أعطيتُكم؟ هل فعلتم كلّ ما كنتُ قد قلتُه لكم؟»
«كلّ شيء، يا معلّم» يقول الرُّسُل والتلاميذ.
«إذن اسمعوا. الآن سوف أبارككم وأصرفكم. سوف تتفرّقون، كما دوماً، عبر فلسطين. سوف تجتمعون مجدّداً هنا للفصح. لا تتغيّبوا إذّاك… وفي خلال هذه الأشهر، قوّوا قلبكم وقلب الّذين يؤمنون بي. كونوا أكثر فأكثر استقامة، متجرّدين، صبورين. كونوا ما علّمتكم أن تكونوا. جُولوا في المدن، البلدات، المنازل المنعزلة. لا تتجنّبوا أحداً. احتملوا كلّ شيء. ليست الأنا خاصّتكم ما تخدمون، كما أنا لستُ أخدم الأنا الّتي ليسوع الناصريّ، إنّما أخدم أبي. أنتم كذلك اخدموا أباكم. وبالتالي فإنّ مصالحه، لا مصالحكم، هي الّتي يجب أن تكون مقدّسة بالنسبة لكم. حتّى ولو أمكنها أن تسبّب ألماً أو إضراراً بمصالحكم البشريّة. لتكن لديكم روح إنكار الذات والطاعة. قد يحدث أن أستدعيكم أو أن آمركم بالبقاء حيث أنتم. لا تحكموا على أمري. مهما كان، أطيعوا، مؤمنين إيماناً راسخاً بأنه أمر صالح وأُعطِيَ لأجل خيركم. ولا تكونوا حسودين إذا ما استدعي البعض مِن قبلي دون آخرين. إنّكم تَرَون… البعض انفصل عنّي… وقد تألّمتُ مِن ذلك. لقد كانوا أولئك الّذين لا يزالون يريدون أن يضبطوا أنفسهم بحسب عقلهم. إنّ الكبرياء هي الرافعة الّتي تقلب الأرواح، والمغناطيس الّذي يقتلعها منّي. لا تلعنوا مَن تركوني. صلّوا كي يعودوا… رُعاتي سيبقون اثنين اثنين في الجوار المباشر لأورشليم. إسحاق حاليّاً يأتي معي ومعه مارغزيام. أحبّوا كثيراً بعضكم البعض. ساعدوا بعضكم البعض. يا أصدقائي، كلّ الباقي سوف يقوله لكم روحكم، مذكّراً إيّاكم بما علّمتكم إّياه، وما يقوله لكم ملائكتكم. أبارككم.»
الجميع يسجدون، فيما يسوع يتلو البركة الموسويّة. مِن ثمّ يتزاحمون على تحيّة يسوع. أخيراً ينفصلون عنه، هو الّذي يتقدّم عبر طريق بيت عنيا مع الاثني عشر، وإسحاق ومارغزيام.
«الآن سنتوقّف ما يكفي لتحيّة لعازر ومِن ثمّ نواصل صوب الأردن.»
«أنذهب إلى أريحا؟» يَسأَل باهتمام يهوذا الإسخريوطيّ.
«لا. إلى بيت عَبرة.»
«إنّما… الليل...»
«لا تنقص المنازل والبلدات مِن هنا وصولاً إلى النهر...»
ما مِن أحد يعود يتكلّم، وما عدا حفيف أشجار الزيتون ووقع الخطى، لا يبقى صوت آخر.