ج2 - ف66

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الثاني / القسم الثاني

 

66- (يسوع يَستَنطِق أُمّه بخصوص تلاميذه)

 

13 / 02 / 1944

 

الآن، وبعد حوالي الساعتين مِن الوصف السابق، أرى الناصرة. أتعرّف على غرفة الوداع التي تطلّ على الحديقة الصغيرة، حيث الأشجار مكسوّة بالأوراق.

 

يسوع مع مريم. يجلس الواحد إلى جانب الآخر على المقعد الحجريّ الملاصق للبيت. ويبدو أنّ وقت العشاء قد حان. أمّا الآخرون، هذا إذا كان ما يزال هناك أحد منهم -أنا لا أرى أحداً- فقد انسَحَبوا. يستمتع الابن والأُمّ بنقاش عَذب مع بعضهما. الصوت الداخليّ يقول لي إنّها واحدة مِن المرّات الأولى التي يعود فيها يسوع إلى الناصرة بعد المعموديّة والصوم في البريّة، وخاصّة بعد تَجَمُّع هيئة الرُّسُل. يروي لأُمّه عن أولى أيّام تبشيره والاستمالات الأولى للقلوب. مريم متعلّقة بشفتيّ يسوعها.

 

إنّها أكثر شحوباً وأكثر نحولاً، وكأنّي بها قد تألَّمَت في الآونة الأخيرة. تحت عينيها دائرتان زرقاوان عميقتان، كَمَن بكى كثيراً وفَكَّرَ كثيراً. أمّا الآن فهي سعيدة وتبتسم. تبتسم وهي تُداعِب يد يسوعها. إنّها سعيدة لكونه هنا، لمكوثها معه قلباً لقلب، في صمت الليل الذي يهبط.

 

هو الصيف كما يبدو. فشجرة التين تحمل أولى ثمارها اليانعة التي تتدلّى حتّى مداخل البيت. يقطف يسوع بعضها بوقوفه على رؤوس أصابعه ويُناوِل أُمّه أحلاها. يُقشّرها ويَردّ القشرة إلى الخلف لتُشكّل تاجاً، كما لو كانت براعم بيضاء مخطّطة بالأحمر في تويج بتلات بيضاء مِن الداخل، بنفسجيّة مِن الخارج، ويُقدّمها على راحة يده، ويبتسم لدى رؤيته أُمّه تتذوّقها.

 

ثمّ يسألها فجأة: «أُمّاه، لقد رأيتِ التلاميذ. فما رأيكِ بهم؟»

 

ومريم التي كانت تهمّ بوضع التينة الثالثة في فمها، تَرفَع رأسها، وتُوقِف حركتها، وترتعش وهي تنظر إلى يسوع.

 

ويتابع: «ما رأيكِ بهم الآن وقد جعلتكِ ترينهم؟»

 

«أظنُّ أنّهم يحبّونكَ، وأنّ بإمكانكَ الحصول على الكثير منهم. يوحنّا... أَحبِب يوحنّا كما تعرف أن تحبّ. إنّه ملاك. وأنا مطمئنّة لوجوده معكَ. بطرس أيضاً... رجل صالح. إنّه أكثر صلابة لأنّه أكبر سنّاً، ولكنّه صريح ومُقتَنِع. وكذلك أخوه. إنّهما يحبّانكَ قدر استطاعتهما في الوقت الحاضر. وفيما بعد سوف يحبّانكَ أكثر. وحتّى ابنا عمّكَ، الآن وقد اقتنعا، سيكونان وَفيَّين لكَ. أمّا الاسخريوطيّ... فهو لا يروق لي يا بنيّ. فَعَينه ليسَت صافية، وقلبه كذلك أقلّ صفاء. إنّه يخيفني.»

 

«معكِ، هو يُراعِي تماماً واجبات الاحترام.»

 

«احترام أكثر مِن اللازم، حتّى معكَ هو مُراعٍ تماماً لواجبات الاحترام. ولكنّكَ لستَ المعلّم بالنسبة له، بل إنّما مَلِك المستقبل الذي يَأمل أن يحصل منه على مميّزات وشهرة. لم يكن ذا أهميّة، إنّه أهمّ قليلاً مِن الآخرين في إسخريوط، وهو يأمل الحصول على مركز هام إلى جانبكَ و... آه! يا يسوع! لا أودُّ الإساءة إلى المحبّة، ولكنّني أفكّر، حتّى ولو لم أرد التفكير في ذلك، أنّه، في حال خيَّبْتَ آماله، لن يتردّد في أخذ مكانكَ أو محاولة فِعل ذلك. إنّه طَموح ونَهِم وذَميم. لقد جُعِل ليكون مِن حاشية مَلِك أرضيّ أكثر منه ليكون رسولاً لكَ، يا بنيّ، إنّه يخيفني!» وتنظر الأُمّ إلى يسوعها بعينيها الخائفتين في الوجه الشاحب.

 

يتنهّد يسوع. يفكّر. ينظر إلى أُمّه ويبتسم ليشجّعها مِن جديد: «حتّى هذا، لابدّ لنا منه يا أُمّي! وإن لم يكن هو فآخَر. على مجموعتي أن تمثّل العالم، وليس جميع مَن في العالم ملائكة، وليس لدى الجميع صلابة بطرس وأندراوس. لو أنّني كنتُ انتَقَيتُ الكمالات كلّها، فكيف تجرؤ النفوس المسكينة على أن تصبح مِن تلاميذي؟ لقد أتيتُ لأفتَدي ما كان قد ضاع يا أُمّي. يوحنّا خَلص مِن ذاته. ولكن كَم مِن الناس ليسوا كذلك!»

 

«لستُ أخشى مِن لاوي [متّى]. فقد افتُدي لأنّه أراد الافتداء. لقد تخلّى عن خطيئته في الوقت ذاته الذي تَرَكَ فيه مكتب الجباية وأَصبَحَ نفساً جديدة ليأتي معكَ. أمّا يهوذا الاسخريوطيّ فلا. على العكس، إنّ الكبرياء تستأثر أكثر فأكثر بنفسه العتيقة الخبيثة. ولكنّكَ تعرف هذه الأمور يا بنيّ، فلماذا تسألني عنها؟ أنا لا أستطيع سوى الصلاة والبكاء مِن أجلكَ. أنتَ المعلّم حتّى بالنسبة إلى أُمّكَ المسكينة.»

 

وهنا تتوقّف الرؤيا.