ج7 - ف176

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء السابع / القسم الأول

 

176- (وصول يسوع ويوحنّا إلى عين غنيم)

 

27 / 08 / 1946

 

الطقس قد وفى حقّاً بوعوده واستحال إلى مطر كَالِح. أولئك الذين في العربات محميّون بشكل جيّد. أمّا الذين يسافرون سيراً على الأقدام أو على ظهور الحمير فهم يتبلّلون ويعانون مِن ذلك، خصوصاً أولئك الذين لا يعانون فقط مِن المطر الذي يبلّل رؤوسهم وأكتافهم، وإنّما كذلك مِن الوحل الذي يصبح أكثر فأكثر رخاوة، وبالتالي يتسرّب إلى نعالهم، يلتصق بكواحلهم ويلطّخ ملابسهم، إنّ المسافرين قد وَضَعوا معاطفهم وأغطيتهم على رؤوسهم، وقد طَووها مرّتين، وهم يبدون مثل رهبان يعتمرون قلنسوات.

 

يسوع ويوحنّا، اللذان يسيران على الأقدام، مبلّلان تماماً. لكنّهما يهتمّان بحماية كيسيهما، المحتويين على ملابسهما الاحتياطية، أكثر مِن نفسيهما. يَصِلان هكذا إلى عين غنيم ويَشرَعان بالبحث عن الرُّسُل، مُفتَرِقَين، كي يجداهم بأسرع ما يمكن. ويوحنّا هو الذي يجدهم، أو بالأحرى، يجد يعقوب بن زَبْدي، الذي كان قد اشترى الزّاد مِن أجل السبت.

 

«لقد كنّا قلقين. ولو لم تأتيا، لكنّا سنعود على أعقابنا، على الرغم مِن كونه السبت... أين المعلّم؟»

 

«إنّه يبحث عنكم. الأول الذي يجدكم يذهب إلى قرب الحدّاد.»

 

«فإذن... انظر. إنّنا نمكث في ذاك المنزل. إنّها امرأة طيّبة مع بناتها الثلاث. اذهب إلى المعلّم في الحال ثمّ عُد...» يعقوب يخفض صوته ويهمس فيما يتلفّت حوله: «هنا الكثير مِن الفرّيسيّين... و... وبالتأكيد نواياهم سيّئة. لقد سألونا لماذا هو لم يكن معنا. لقد أرادوا معرفة فيما إذا كان قد تَقَدَّمَنا أم أنّه في الخلف. في البداية قلنا: "لا نعلم." وهم لم يصدّقونا. وقد كان ذلك صحيحاً، إذ كيف يمكننا القول بأنّنا لا نعرف أين هو؟ حينئذ الإسخريوطيّ، كونه لا رادع له، قال: "لقد تَقَدَّمَنا" وحيث أنّهم لم يقتنعوا وسألوا مع مَن، بماذا، ومتى كان قد ذهب، عِلماً أنّه كان يوم الجمعة الفائت قرب جيسكالا، فقال: "لقد ركب قارباً عند بتولمايس [عَكّا] وبذلك فقد سبقنا. سوف ينزل في يافا ويدخل أورشليم مِن باب دمشق، ليذهب فوراً لرؤية يوسف الذي مِن الرّامة في منزله في بيزيتا."»

 

«إنّما لِمَ كلّ هذه الأكاذيب؟» يَسأَل يوحنّا ساخطاً.

 

«مَن يدري؟! لقد قلنا له ذلك نحن أيضاً. لكنّه ضحك قائلاً: "العين بالعين، السنّ بالسنّ، والكذبة بالكذبة. يكفي أن يكون المعلّم بأمان. إنّهم يبحثون عنه ليؤذوه. أَعلَم ذلك." وبطرس أَوضَحَ له أنّه بذكره اسم يوسف كان ليتسبّب له بالمتاعب. لكنّ يهوذا أجاب: "سوف يهرعون إلى هناك، وبرؤيتهم دهشة يوسف سوف يدركون أنّ ذلك غير صحيح." ولقد اعترضنا: "سوف يكرهونكَ، عندئذ، لخداعكَ إيّاهم...". لكنّه ضحك قائلاً: "آه! لستُ أعبأ بكراهيّتهم. أعرف كيف أجعلها غير مؤذية..." إنّما اذهب يا يوحنّا. حاول أن تجد المعلّم وعُد معه. إنّ المطر يخدمنا، حيث إنّ الفرّيسيّين في المنازل كي لا يبلّلوا ملابسهم الـمُربِكة...»

 

يوحنّا يعطي كيسه لأخيه ويهمّ بالانطلاق جرياً، لكنّ يعقوب يستوقفه ليقول له: «ولا تذكر أكاذيب يهوذا للمعلّم. ولو أنّها قيلت لغاية خيّرة، فهي تظلّ أكاذيب. والمعلّم يكره الكذب...»

 

«لن أخبره» ويهرع يوحنّا.

 

حسناً يقول يعقوب. فالأغنياء في المنازل. وحدهم الفقراء يهيمون في الشوارع، بحثاً عن ملجأ…

 

يسوع في أحد المداخل قرب البيطرة. يوحنّا يدنو منه ويقول: «تعال بسرعة. لقد وَجَدتُهم. سيكون بوسعنا ارتداء ملابس جافّة.» لا يضيف أيّ شيء آخر لتبرير استعجاله.

 

سرعان ما يَصِلان إلى المنزل. يَدخُلان عبر الباب الذي تُرِكَ مُوارَباً. مباشرة خلفه هناك الرُّسُل الأحد عشر الذين تجمّعوا حول يسوع، كما لو أنّهم لم يروه منذ أشهر. ربّة المنزل، وهي امرأة صغيرة القدّ ذابلة، هزيلة، تنظر إليهم مِن خلال باب مُوارَب.

 

«السلام لكم» يقول يسوع مبتسماً، ويعانقهم كلّهم باللّهفة ذاتها.

 

يتكلّمون كلهم معاً، راغبين إخباره الكثير مِن الأمور. ولكنّ بطرس يصيح: «اصمتوا! ودعوه. ألا تَرَون كم هو مبلّل ومتعب؟» ويقول للمعلّم: «لقد أعددتُ حمّاماً ساخناً لأجلكَ و... أعطني هذا المعطف المبلّل... والثياب الدافئة. لقد أخذتُها مِن كيسكَ...» ثمّ يستدير صوب القسم الداخليّ مِن المنزل ويصيح: «هيه! يا امرأة! لقد وصل الضّيف. اجلبي الماء، وأنا سأهتمّ بالباقي.»

 

والمرأة، الخجولة كما كلّ مَن عانوا -يبدو على وجهها أنّها عانت- تجتاز الممرّ بصمت، متبوعة بثلاث فتيات يماثلنها في الهزال والملامح، كي تدخل المطبخ لجلب قُدور الماء المغليّ.

 

«تعال يا معلّم. وأنتَ أيضاً يا يوحنّا. إنّكما تشعران بالبرد مثل غريقين. لقد غَلَيتُ بعض العرعر مع الخلّ لأضعه في الماء. إنّه مفيد.» حقّاً إنّ رائحة الخلّ وروائح أخرى قد انبعثت مِن القُدور أثناء تمريرها.

 

يسوع، يدخل غرفة صغيرة حيث يوجد وعاءان خشبيّان كبيران قد يكونان يُستعملان للغسيل، ينظر إلى المرأة الخارجة مع بناتها ويحيّيها: «السلام لكِ ولبناتكِ. وليكافئكنّ الربّ.»

 

«شكراً لكَ يا سيّد...» وتتوارى.

 

بطرس يدخل مع يسوع ويوحنّا. يُغلِق الباب ويَهمس: «حذار أن تعرف مَن تكون... إنّنا مسافرون... كلّنا، وأنتَ رابّي، ونحن أصدقاؤكَ. وهذا صحيح، بالمحصّلة... ليس... همم! هي ليست سوى الحقيقة مُغَشّاة... الكثير مِن الفرّيسيّين... الّذين يولونكَ الكثير مِن الاهتمام. تَصَرّف على هذا النحو... سوف نتكلّم لاحقاً» ويمضي تاركاً إيّاهما وحدهما ويعود إلى رفاقه الجالسين في غرفة صغيرة.

 

«والآن؟ ماذا سنقول للمعلّم؟ إذا قلنا له أنّنا كذبنا فسوف يحزن، إنّما... لا يمكننا إخفاء ذلك عنه» يقول بطرس.

 

«لا تضحّي بنفسكَ. أنا كذبتُ وسأخبره.»

 

«وهذا ما سيجعله أكثر حزناً. ألم تلاحظ كم هو محزون؟»

 

«نعم، لقد لاحظتُ، إنّما ذلك لأنّه متعب... على كلّ حال... يمكنني كذلك أن أقول للفرّيسيّين: "لقد كذبتُ عليكم." إنّها أمور تافهة. المهمّ ألّا يتألّم هو.»

 

«أنا لا أقول شيئاً لأحد. فإذا ما أخبرتَه، فلن تُبقي الأمر سرّاً. وإذا ما أخبرتَهم، فلن تكون قادراً على حمايته مِن مكائدهم...» يلاحظ فيلبّس.

 

«سوف نرى» يقول يهوذا بثقة.

 

بعد وقت قصير يدخل يسوع مرتدياً ثياباً جافّة ومنتعشاً مِن الحمّام. يوحنّا يتبعه.

 

يتحدّثون عن كلّ ما حصل مع المجموعة الرّسوليّة ومع المعلّم ويوحنّا. ولكنّ أحداً لم يأتِ على ذكر الفرّيسيّين إلى أن يقول يهوذا: «يا معلّم، أنا على ثقة بأنّ مَن يكرهونكَ يبحثون عنكَ. وفي سبيل حمايتكَ فقد نشرتُ شائعة مفادها أنّكَ لن تذهب إلى أورشليم عبر الطريق المعتادة، بل بحراً حتّى يافا... هم سوف يهرعون إلى هناك، آه! آه!»

 

«لكن لم الكذب؟»

 

«وهم لماذا يكذبون؟»

 

«هُم مَن هُم، وأنتَ لستَ كذلك، عليكَ ألّا تكون مثلهم...»

 

«يا معلّم، أنا لستُ سوى هذا: شخص يعرفهم ويحبّكَ. أتريد أن تهلك؟ أنا مستعدّ للحؤول دون ذلك. أَنصِت إليَّ جيّداً، واسمع ما يقوله لكَ قلبي عبر كلماتي. لن تخرج مِن هنا غداً...»

 

«غداً هو السبت...»

 

«حسناً. إنّما يجب ألّا تخرج مِن هنا. سوف تستريح، أنتَ...»

 

«كلّ شيء إلّا الخطيئة، يا يهوذا. ما مِن اعتبار سيجعلني أوافق على إهمال تقديس السبت.»

 

«هُم...»

 

«فليفعلوا ما يريدون. أنا لن أرتكب خطيئة. فإن فعلتُ، وبالإضافة إلى خطيئتي التي سوف تُثقِلني، فسوف أضع بين أيديهم سلاحاً لإهلاكي. ألا تذكر أنّهم يقولون بأنّني مُنتَهِك للسبت؟»

 

«إنّ المعلّم على حقّ» يقول الآخرون.

 

«حسناً... يمكنكَ فِعل ما تشاء بالنسبة للسبت. إنّما ليس بالنسبة للطريق. لا تجعلنا نسلك الطريق التي يسلكها الجميع يا معلّم. أَنصِت إليَّ. ضَلّلهم...»

 

«الآن، أنتَ أَنصِت! ما الذي تعرفه بالتحديد، أنتَ الذي تتكلّم؟» يصيح سمعان ملوّحاً بذراعيه القصيرتين. «يا معلّم، مُره أن يتكلّم!»

 

«إهدأ يا سمعان. فإذا كان أخوكَ على عِلم بوجود خطر، والذي قد يكون مُحدِقاً به كذلك، وحَذَّرَنا منه، فلا يجدر بنا أن نعامله كعدوّ، إنّما علينا أن نكون ممتنّين له. وإذا لم يكن يستطع أن يخبرنا بكلّ شيء، لأنّ ذلك قد يورّط آخرين ليس لديهم الجرأة الكافية لاتّخاذ زمام المبادرة في الكلام، ولكنّهم لا يزالون شرفاء بما فيه الكفاية كيلا يسمحوا بوقوع جريمة، فلماذا تريد إرغامه على الإفصاح؟ إذاً دعه يتكلّم، وأنا سوف أَقبَل ما هو صالح في مشروعه وأرفض ما قد يكون غير ذلك. تكلّم يا يهوذا.»

 

«شكراً يا معلّم. إنّكَ الوحيد الذي يعرفني على حقيقتي. كنتُ أقول. يمكننا المضيّ بأمان ضمن حدود السامرة. لأنّ سطوة روما في السامرة أكثر ممّا هي عليه في الجليل واليهوديّة، وأولئك الذين يكرهونكَ، لا يرغبون بالوقوع في المتاعب مع روما. مع ذلك، مِن أجل تضليل الجواسيس، فعلينا ألّا نتبع الطريق المباشرة، إنّما، وبالانطلاق مِن هنا، فعلينا التوجّه صوب دوتايين، ومِن ثمّ، دون المضيّ إلى السامرة، نجتاز البلدة ونعبر مِن شكيم [نابلس]، ثمّ نتوجّه نزولاً إلى أفرايم، عبر أَدُمِّيم وكاريت، ومِن ثمّ نُواصِل إلى بيت عنيا.»

 

«طريق طويلة وشاقّة، خصوصاً إذا ما أمطرت.»

 

«إنّه خَطِر! أَدُمِّيم...»

 

«يبدو أنّكَ تبحث عن الخطر...»

 

الرُّسُل ليسوا متحمّسين. لكنّ يسوع يقول: «يهوذا على حقّ. سنسلك تلك الطريق. بعدها سيكون لدينا وقت للرّاحة. ما يزال لديَّ أمور أخرى لأفعلها قبل أن تحين الساعة وتتمّ، وعليَّ ألّا أُسَلّم نفسي لهم بِطَيش حتّى يتمّ الكلّ. وهكذا سوف نزور لعازر. إنّه بالتأكيد مريض جدّاً، وينتظرني... أنتم، تناولوا وجبتكم. أنا سأنسحب. إنّني متعب...»

 

«ولا حتّى القليل مِن الطعام؟ لستَ مريضاً، أليس كذلك؟»

 

«لا يا سمعان. لكنّني لم أنم في سرير منذ سبعة أيّام. وداعاً يا أصدقائي. ليكن السلام معكم...» وينسحب.

 

يهوذا مبتهج: «أرأيتم؟ إنّه متواضع وعادل، ولا يرفض ما يشعر بأنّه صائب...»

 

«نعم... لكن... أتظنّ أنّه مسرور؟ حقّاً مسرور؟»

 

«لا أظنُّ... لكنّه أَدرَكَ بأنّني على حقّ...»

 

«أودُّ أن أعرف كيف تَوَصَّلتَ إلى الإلمام بالكثير مِن الأمور. بالرغم مِن... أنّكَ كنتَ دوماً معنا!...»

 

«نعم. وأنتَ تراقبني كما لو كنتُ وحشاً خطيراً. أَعلَم ذلك. إنّما لا يهمّ. تذكّر هذا: أنّ متسوّلاً، وحتّى سارقاً يمكن أن يفيد لمعرفة الأمور، وحتّى امرأة. لقد تحدّثتُ إلى متسوّل وتصدّقتُ عليه. وتحدّثت إلى سارق واكتشفتُ... وإلى... امرأة و... كَم مِن أمور يمكن أن تَعلَمها امرأة!»

 

الرُّسُل يتبادلون النظرات فيما بينهم بدهشة. بالنَّظَر يَسأَلون بعضهم البعض. متى؟ أين، عَلِم يهوذا وتَواصَلَ مع؟…

 

يضحك ويقول: «وتحدّثتُ إلى جنديّ! نعم. لأنّ المرأة قد تكلّمت كثيراً إلى حدّ جعلي أقصد جنديّاً. وقد أَيَّدَ. وأنا أَعلَمتُ آخرين... كلّ شيء مسموح حينما يكون في الأمر ضرورة: حتّى المحظيّات والجنود!»

 

«إنّكَ... إنّكَ...!» يصيح برتلماوس كاتماً ما كان على وشك أن يقول.

 

«نعم. أنا مَن أنا. لا شيء أكثر ممّا أنا. مجرّد خاطئ في نظركم. لكنّني، مع كلّ خطاياي، أَخدم المعلّم أفضل منكم بكثير. وعلى كلّ حال... إذا ما كانت محظيّة تَعلَم ما يريد أعداء يسوع فِعله، فهذا يعني أنّهم يقصدون المحظيّات أو أنّه لديهم منهنّ، إن راقصات أو إيمائيّات، كي يُمتّعوا أنفسهم... وإذا ما كان لديهم منهنّ... فيمكن أن أحظى بهنّ أنا أيضاً. هذا كان ذا فائدة لي. أترون؟ فَكِّروا أنّهم كانوا ليقبضوا عليه عند تخوم اليهوديّة. وحيث أنّني قد مَنَعتُ ذلك فعليكم القول بأنّني كنتُ حكيماً...»

 

جميعهم غارقون بالتفكير ويتناولون طعامهم بشرود. ثمّ ينهض برتلماوس.

 

«إلى أين تذهب؟»

 

«لإيجاده... لستُ مقتنعاً بأنّه نائم. سآخذ له حليباً ساخناً... وسوف أرى.»

 

يَخرج ويغيب لبعض الوقت. يعود.

 

«كان جالساً على السرير... وكان يبكي... لقد أحزنتَه يا يهوذا. تماماً كما ظننتُ.»

 

«هل قال ذلك، هو؟ أَذهَب وأُوضِح.»

 

«لا. هو لم يقل ذلك. على العكس، لقد قال إنّ لديكَ استحقاقاتكَ كذلك. لكنّني فهمتُه. لا تذهب. دعه بسلام.»

 

«جميعكم حمقى. إنّه يعاني بسبب اضطهاده وإعاقته في رسالته. هذا هو السبب» يجيب يهوذا بنبرة ثائرة.

 

ويوحنّا يؤكّد: «هذا صحيح. لقد بكى أيضاً قبل أن ينضمّ إليكم. إنّه يعاني بمرارة، كذلك مِن أجل أُمّه، مِن أجل إخوته، مِن أجل الفلّاحين التّعساء. آه! معاناة كثيرة!...»

 

«أَخبِرنا، أَخبِرنا...»

 

«مفارقته لأُمّه، ألم. رؤية أنّه غير مفهوم، أنّ لا أحد يفهمه، ألم. ورؤيته أنّ فلّاحي جيوقانا...»

 

«هه! نعم! ألم هو حقّاً رؤيتهم!... إنّني مسرور لأنّ مارغزيام لم يرهم. لكان قد حزن وَكَرِه الفرّيسيّ...» يقول بطرس.

 

«إنّما هل أَخَواي قد جعلا يسوع يعاني مجدّداً؟» يَسأَل يوضاس تدّاوس بصرامة.

 

«لا. بالعكس! لقد تقابَلوا وتحدّثوا بمودّة، وافتَرَقوا بسلام وبوعود طيّبة. لكنّه كان يَودّهما... أن يكونا مثلنا... وأكثر منّا كلّنا... يودّ منّا كلّنا أن نقتنع بمملكته وطبيعتها. ونحن...» لكنّ يوحنّا لا يقول أكثر... ويسود الصَّمت في الغرفة الصغيرة الـمُضاءة بمصباح ذي شعلتين ينير اثني عشر وجهاً غارقاً بالتفكير بطرق مختلفة.