ج5 - ف14

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الخامس/ القسم الأول

 

14- (المكوث في أَكزِيب مع ستّة مِن الرُّسُل)

 

11 / 11 / 1945

 

«يا ربّ، لقد فكّرتُ أثناء الليل... لماذا تريد المضيّ بعيداً جدّاً لتعود فيما بعد إلى تخوم فينيقيا؟... دعني أمضي مع آخَر. سوف أبيع أنطوان... آسف لذلك... ولكنّه لم يعد الآن ينفع في شيء، ويَلفت الانتباه. وأذهب للقاء فليبّس وبرثلماوس. لا يمكنهما أن يَسلُكا سِوى هذه الطريق، وسوف ألتقيهما حتماً. ويمكنكَ أن تكون على يقين بأنّني لن أتكلّم. فأنا لا أريد أن أُسبِّب لكَ الألم... أنتَ، استرح هنا مع الآخرين، ونحن نُريح الجميع مِن السفر إلى يفتائيل... ونُنجِز العمل بشكل أسرع.» يقول بطرس وهو يَخرُج مِن البيت الذي باتوا فيه. يَبدون أقلّ نحولاً، ذلك أنّهم يرتدون ثياباً مُنعِشة، ويد خبيرة رتَّبت الشعر واللّحى.

 

«فكرتكَ جيّدة. لا أمنعكَ مِن تنفيذها. امض مع مَن تشاء مِن رفاقكَ.»

 

«إذن أمضي مع سمعان. بارِكنا يا ربّ.»

 

يُعانِقهما يسوع قائلاً: «مع قُبلة. امضيا.»

 

يَنظُر إليهما ذاهِبَين، وهما يَهبطان بسرعة صوب السهل.

 

«كم هو طيب، سمعان بن يونا! لقد قَدَّرتُه هذه الأيّام، كما لم أُقدِّره يوماً.» يقول يوضاس تدّاوس.

 

«وأنا أيضاً.» يقول متّى. «لا أنانية، لا كبرياء، ولا تَطلُّب على الإطلاق.»

 

«أبداً لا يستغل وضعه كرئيس. على النقيض من ذلك! كان يبدو الأخير، مع الاحتفاظ بمكانته» يُضيف يعقوب بن حلفى.

 

«نحن، لم يُدهِشنا. إنّنا نعرفه منذ سنوات. إنّه كالبارود، ولكنّه قلب كلّه. إضافة إلى أنّه نزيه للغاية‍!» يقول يعقوب بن زَبْدي.

 

«أخي طيّب، رغم كونه قاسياً قليلاً. ولكنّه مُذ أَصبَحَ مع يسوع، هو أفضل بمرّتين. أنا، طَبعي مُختَلِف، وقد كان يستاء أحياناً. إنّما لأنّه كان يُدرِك أنّني كنتُ أتألّم مِن ذاك الطَّبع، فلأجلي كان يستاء. وعندما فَهِمناه، تمّ التفاهم معه» يقول أندراوس.

 

«في هذه الأيّام كُنّا دائماً على وِفاق، وكنّا على قلب واحد» يؤكّد يوحنّا.

 

«ولكن هذا صحيح! وقد لاحظتُهُ أنا أيضاً. خلال شهر قمريّ، حتّى أثناء لحظات الهياج، لم نكن أبداً في مزاج سيّئ... بينما أحياناً... لا أدري لماذا...» يقول يعقوب بن زَبْدي بأسلوب مخاطبة الذّات (مونولوج).

 

«لماذا؟ ولكن مِن السهل أن يفهم المرء! وذلك لأنّ نيّتنا مستقيمة. لسنا كاملين، ولكنّنا مستقيمون. ولذلك نَقبَل الخير الذي يَعرضه علينا أحدنا، ونُقصي الشرّ الذي يشير إليه أحدنا، بينما لم نكن لنتنبّه إليه سابقاً. لماذا؟ سَهل أن يقال ذلك! لأنّ فِكرنا، نحن الثمانية، كان واحداً: نفعل الأشياء بطريقة تمنح الفرح ليسوع. هذا كلّ شيء!» يَهتف تدّاوس.

 

«لا أظنُّ أنّ لدى الآخرين فكرة أخرى.» يقول أندراوس بأسلوب استرضائي.

 

«لا. ليس فليبّس، ولا برثلماوس رغم كونه عجوزاً وإسرائيليّاً جدّاً... ولا توما كذلك، رغم طغيان بشريّته على روحه. فإنّني أَغبِنهُم إذا ما كنتُ أَحمِل عليهم... بسبب يسوع، أنتَ مُحقّ. عذراً. ولكن لو كنتُ تَعلَم ماذا يعني أن أراكَ تتألّم. وبسببه! أنا تلميذ لكَ مِثل كلّ الآخرين، زِد على ذلك أنّني أخ لكَ وصديق، ودم حلفى النَّـزِق يَسري في عروقي. يا يسوع، لا تَنظُر إليَّ بصرامة وحزن. أنتَ الحَمَل، وأنا... السَّبع. وثِق أنّه يَشقّ عليَّ أن أتمالكَ نفسي مِن عدم تمزيق شبكة الافتراء التي تُغلِّفكَ بضربة قائم، ومن عدم تحطيم الملجأ الذي يختبئ فيه العدوّ الحقيقيّ. أودُّ رؤية حقيقة وجهه الروحيّ، الذي أُطلِق عليه اسم... قد يكون افتراء؛ وأَسِمهُ بِسِمَة لا تُمحى، لو كنتُ أتوصّل إلى معرفته دون احتمال الخطأ، وهذا يَنتَزِع منه، للأبد، الرغبة في أذيّتكَ.» يقول تدّاوس هذا كله، بحدّة، رغم أنّ يسوع ضَبَطَه في البداية بِنَظرة منه.

 

يُجيبه يعقوب بن زَبْدي: «سيكون عليكَ أن تَسِمَ نصف إسرائيل!... ولكنّ يسوع سيمضي قُدُماً على حدّ سواء. لقد رأيتَ في هذه الأيّام إن كان هناك ما يمكنه أن يَقِف في وجه يسوع. ماذا سنفعل الآن يا معلّم؟ هل تحدّثتَ هنا؟»

 

«لا. كنتُ قد وصلتُ إلى هذه المنحدرات منذ أقلّ مِن يوم. نمتُ في الغابة.»

 

«لماذا لم يقبلوكَ؟»

 

«قلبهم رَفَضَ الحاج... وكنتُ بلا دراهم...»

 

«إنّها قلوب مِن حجر، إذن! ماذا الذي كانوا يخافونه؟»

 

«أن أكون سارقاً... إنّما لا يهمّ. الآب الذي في السماوات جَعَلَني أَجِد عنزة، تائهة أو هاربة. تعالوا لِتَرَوها. إنّها تحيا في الغابة مع الجَدْي. لم تهرب عندما رأتني أَصِل. بل على العكس تَرَكَتني أرتشف حليبها... كما لو كنتُ صغيرها، أنا كذلك. ونمتُ بالقرب منها، مع جَدْيِها، على قلبها تقريباً. الله طيّب مع كلمته!»

 

يَمضون إلى المكان الذي كان فيه في الأمس، في دغل كثيف الأشواك. في وسطه شجرة سنديان معمِّرة. لستُ أدري كيف استطاعت البقاء، وهي مشطورة مِن الأسفل، كما لو أنّ الأرض قد انشقّت وشَطَرَت جذعها القويّ، الذي يُغلِّفه اللّبلاب والعلّيق، والآن تَعرَّى. وبالقرب منها العنزة تَرعى مع جَدْيِها. وإذ رأت ذاك العدد مِن الرجال، صَوَّبَت قرنيها إليهم بهدف الدفاع، ولكنّها تتعرّف بعدئذ على يسوع وتهدأ. يَرمون لها كِسرات خبز وينسحبّون.

 

«لقد نمتُ هنا.» يشرح يسوع. «وكنتُ سأظلّ هنا لو لم تأتوا. الآن أنا جائع. لقد انتهى الهدف مِن الصَّوم... لم يكن مِن الواجب الإلحاح مِن أجل أشياء أخرى لا يمكن تغييرها»…

 

يَحزَن يسوع مِن جديد... يَنظُر الستّة إلى بعضهم، ولكنّهم لا يقولون شيئاً.

 

«والآن؟ إلى أين نحن ذاهبون؟»

 

«اليوم نمكث هنا، وغداً نهبط لنكرز على طريق بتولمايس [عَكّا]، ثمّ نمضي إلى تخوم فينيقيا، لنعود إلى هنا قبل السبت.»

 

ويَمضون إلى القرية على مهل.