ج3 - ف45
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الثالث
{تابع السنة الثانية في الحياة العلنية}
الكتاب الأوّل / القسم الثاني
45- (تسكين العاصفة)
30 / 01 / 1944
كم كان سُكوني عظيماً اليوم.
كنتُ أُطرِّز وأَسمَع الموسيقى بصحبة أشخاص مِن العائلة. وبالتالي فقد كنتُ ساهِية عن الأشياء الاعتياديّة. وإذا بالرؤيا تَعزِلني بُغتة عنها، جاعِلة وجهي يبدو مُختلفاً، لحسن الحظّ أنّ باولا هي الوحيدة التي أَدرَكَت وفَهِمَت. مَكَثتُ مع هذا الفرح والابتهاج طوال فترة بعد الظهر. لقد حَصَلَ ذلك قبل الموعد المعتاد، لأنّني عند حصول تلك الرؤيا، خَبِرتُ تشتّتاً قويّاً في قِواي الجسديّة وخاصّة القلبيّة، ولم يجعلني ذلك أتألّم لأنّني كوفِئتُ بِفَرَح روحيّ عارِم. الآن وقد نام الجميع، فإنّني أشاطركم ابتهاجي.
لقد رأيتُ إنجيل اليوم، مع العِلم أنّني، هذا الصباح، أثناء قراءتي له، كنتُ أقول لنفسي: "هذا الفصل مِن الإنجيل لن أراه مطلقاً، لأنّه لا يتلاءم مع الرؤيا." بينما على العكس، ففي اللّحظة التي كنتُ فيها أقلّ إعمالاً لِفِكري، أَتَت بالضبط لتملأني حُبوراً. هذا ما شاهدتُهُ:
مَركَب شراعيّ، ليس كبير الحجم كثيراً، ولكنّه كذلك ليس صغيراً. إنّه مَركَب صيد، يمكن لخمسة أو ستّة أشخاص أن يتحرّكوا عليه بسهولة. وهو يَمخر عُباب مياه البحيرة الزرقاء.
ينام يسوع في المؤخّرة. إنّه يرتدي الثوب الأبيض كالمعتاد. يَسند رأسه على ذراعه اليسرى، وقد وَضَعَ تحت ذراعه ورأسه معطفه الرماديّ الضَّارِب إلى الزُّرقة، وقد طُوِيَ عدّة طيّات. إنّه جالس وليس متمدّداً، في قاع الـمَركَب، ويسند رأسه إلى رفّ صغير موجود في نهاية المؤخّرة. لستُ أدري ماذا يسمّيها البحّارة. إنّه ينام بسكون. فهو تَعِب، وهو هادئ.
بطرس يستلم الدفَّة، وأندراوس يهتمّ بالأشرعة، ويوحنّا مع اثنين، لستُ أعرف مَن يكونان، يُعيدون تَوضيب الشِّباك والحِبال في قاع الـمَركَب، كما لو أنّهم كانوا عازِمِين على التحضير للصيد أثناء اللّيل. أقول إنّ النهار يُشرِف على الغروب، فالشمس تَنـزل الآن في أُفُق الغَرب. أمّا التلاميذ فقد شَمَّروا أثوابهم جميعاً ليكونوا أكثر حرّية في تحرّكاتهم، والذهاب مِن مكان إلى آخر في الـمَركَب، مارّين فوق المجاديف والسِّلال والمقاعد والشِّباك مِن دون مضايقة الأثواب. ولقد نَزَعوا معاطفهم جميعاً.
أرى السماء تُظلِم، والشمس تختفي خلف غيوم عاصِفة، تَخرُج بَغتَة مِن خلف قِمّة رابية، وتدفعها الرياح بسرعة صوب البحيرة. وما زالت الرياح حتّى الآن عالية، والبحيرة ساكنة. وهي تبدو فقط أكثر ظلاماً ويتموَّج سطحها. لم تُصبِح بعد أمواجاً، إنّما يبدأ الماء بالتحرك.
بطرس وأندراوس يراقبان السماء والبحيرة ويُجهِّزان نفسيهما للعمل على إرساء الـمَركَب. ولكنّ الرياح تَهُبّ فوق البحيرة، وفي خلال بضعة دقائق يَحتَدِم كلّ شيء ويُزبِد. فالأمواج التي تتلاطَم وتَصدم الـمَركَب، وترفعه وتُنـزله وتُديره في كلّ الاتجاهات تَحْول دون عمل الدفّة، كما أنّ الرياح تُعيق عَمَل الأشرعة التي يجب، في هذه الحال، أن تُطوَى.
ينام يسوع. فلا الخطوات ولا صيحات التلاميذ ولا هدير الرياح وتَصادُم الأمواج على جوانب الـمَركَب ومقدّمته تُوقِظه. يتموّج شعره بِفِعل الريح، ويتلقّى بعض الرذاذ. ولكنّه نائم. يذهب يوحنّا مِن مقدّمة الـمَركَب إلى مؤخّرته ويغطّيه بمعطفه الذي سَحَبَه مِن تحت رفّ صغير. يغطّيه بحبّ مُرهَف.
العاصفة تُصبِح، أكثر فأكثر، هوجاء، والبحيرة سوداء، وكأنّ حِبراً قد سُكِبَ فيها، وهي مُخطَّطَة بِزَبَد الأمواج. امتلأ الـمَركَب ماء، وقد دَفَعَته الرياح إلى عرض البحيرة. وبدأ العَرَق يتصبّب مِن جرّاء العمل على غَرْف المياه التي تَقذفها الأمواج. ولكنّ ذلك لا ينفع في شيء. وها هم الآن يتخبّطون في المياه التي ارتَفَعَت حتّى وَصَلَت إلى منتصف سيقانهم، وهي تزيد ثِقل الـمَركَب.
يَفقد بطرس هدوءه وصبره. ويُسلِّم الدفّة لأخيه، ويمضي وهو يترنّح صوب يسوع، ويهزّه بعنف. يستيقظ يسوع ويرفع رأسه.
«أنقِذنا يا معلّم فإنّنا نَهلك!» يهتف إليه بطرس (يجب أن يَصرُخ لكي يُسمَع).
يُمعِن يسوع النَّظر في تلميذه، يَنظُر إلى الآخرين، ثمّ يَنظُر إلى البحيرة: «هل تؤمن أنّني أستطيع إنقاذكَ؟»
«بسرعة يا معلّم.» يهتف بطرس بينما كان جبل حقيقيّ مِن الماء مُقبِلاً مِن منتصف البحيرة، ويتوجّه بسرعة إلى الـمَركَب الفقير. تحسبه إعصاراً مائيّاً، لشدّة ما كان مُرتَفِعاً ومُخيفاً.
التلاميذ الذين يَرَونَه مُقبِلاً يَجثون، ويتمسّكون حيث هُم وكما يستطيعون، مُقتَنِعِين بأنّها النهاية.
يَنهَض يسوع، واقفاً على رفّ المؤخّرة، ووجهه الأبيض يطلّ على العاصفة، ويمدّ ذراعيه صوب الموجة، ويقول للرياح: «توقّفي واصمتي». وللمياه: «اسكني. هكذا أريد.»
حينئذ ذابَت الموجة الهائلة في الزَّبَد الذي يتساقط بغير ضَرَر. زمجرة أخيرة خَمَدَت بِهَمهَمَة، كما أنّ صفير الرياح قد تحوَّلَ إلى تَنهُّد. وعلى البحيرة التي سَكَنَت يعود صفاء السماء، والرجاء والإيمان إلى قلب التلاميذ.
لا يمكنني وصف عَظَمَة يسوع. يجب رؤيتها لإدراكها. وإنّني لَأَتذوّقها في داخلي، لأنّها دائمة الحضور. وأعود لأرى كم كان نوم يسوع مُستكيناً، وكم كان قَديراً سُلطانه على الرياح والأمواج.