ج10 - ف26

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء العاشر

 

26- (بطرس يحتفل بالقربان المقدّس في اجتماع لأوائل المسيحيّين)

 

03 / 06 / 1944

 

خلاصة العمل، أي: مِن العنصرة إلى انتقال الكلّية القداسة مريم. الواقعة الأولى.

 

إنّه واحد مِن أوائل اجتماعات المسيحيّين، في الأيّام الّتي تلت العنصرة مباشرة.

 

الاثنا عشر رسولاً عادوا مجدّداً اثنيّ عشر، لأنّ متّياس بينهم، بعد أن اختير ليأخذ مكان الخائن. وكون الاثنيّ عشر كلّهم هنا، دلالة على أنّهم لم يتفرّقوا بعد ليمضوا ويبشّروا بالإنجيل وفقاً لأمر المعلّم. إذاً لا بدّ أنّ العنصرة قد حلّت منذ وقت قصير، ولا بدّ أنّ اضطهادات السنهدرين ضدّ خدّام يسوع المسيح لم تكن قد بدأت بعد. بالفعل، لولا ذلك، لما كانوا يحتفلون بهذا المقدار مِن الهدوء، ومِن دون اتّخاذ أيّة احتياطات، في منزل معروف جدّاً مِن قِبَل جماعة الهيكل، أي منزل العلّية، وتحديداً في الغرفة حيث جرى العشاء الأخير، وحيث تأسّست الإفخارستيا، وحيث جرت الخيانة الحقيقيّة والكلّية، والفداء.

 

إلاّ أنّ الغرفة الواسعة كانت قد خضعت لتعديل ضروريّ، لتُناسب وظيفتها الجديدة ككنيسة، وقد فرض هذا التعديل عدد المؤمنين. فالطاولة لم تعد قرب جدار الدرج، إنّما أصبحت قرب، أو بالأحرى، ملاصقة للجدار المقابل، بحيث أنّ الّذين لا يستطيعون الدخول إلى العلّية بسبب امتلائها بالناس -في العلّية أوّل كنيسة للعالم المسيحيّ- يتمكّنون مِن رؤية ما يحدث فيها، فيما إذا احتشدوا في ممرّ المدخل، قرب الباب الصغير، المفتوح تماماً، والّذي يؤدّي إلى الغرفة.

 

في الغرفة رجال ونساء مِن كلّ الأعمار. مريم، الأُمّ، تقف ضمن مجموعة مِن النسوة، قرب الطاولة الكبيرة، إنّما في ركن، تحيط بها مرثا ومريم أخت لعازر، نيقي، إليز، مريم الّتي لحلفى، سالومة ويُوَنّا امرأة خُوزي، وبالإجمال هي محاطة بالكثيرات مِن النسوة التلميذات، عبرانيّات وغير عبرانيّات، اللواتي شفاهنّ يسوع، عزّاهنّ، بشّرهنّ، وغدون نعاج قطيعه. بين الرجال هناك نيقوديموس، لعازر، يوسف الذي مِن الرّامة، وعدد كبير مِن التلاميذ بينهم استفانوس، هَرْماس، الرُّعاة، أليشع ابن رئيس معبد عين جدي، وآخرون كثيرون جدّاً. كذلك لونجين الّذي لا يرتدي لباسه العسكريّ، إنّما ثوباً رماديّاً طويلاً وبسيطاً مِثلَ مواطن عاديّ. وآخرون كُثُر بالتأكيد دخلوا في قطيع المسيح بعد العنصرة، والتبشيرات الأولى للاثنيّ عشر.

 

بطرس يتكلّم كذلك الآن، ليبشّر ويعلّم الحاضرين. يتكلّم مجدّداً عن العشاء الأخير. مجدّداً، لأنّه يُفهَم مِن كلامه على أنّه سبق أن تكلّم ‏عن ذلك. إنّه يقول: «أقول لكم مرّة ثانية.» ويشدّد بقوّة على هذه الكلمات: «عن ‏ذلك العشاء الأخير الّذي فيه، وقبل أن يضحّي به البشر، فإنّ يسوع الناصريّ كما كان يدعى، يسوع المسيح، ابن الله ومخلّصنا، كما ينبغي أن ندعوه وأن نؤمن به مِن كلّ قلوبنا وفِكرنا، لأنّ خلاصنا يكمن في هذا الإيمان، فإنّه قد ضحّى بنفسه بمشيئته الخاصّة، وبفيض مِن الحبّ، واهباً نفسه طعاماً وشراباً للبشر، وقائلاً لنا، نحن خدّامه واستمراريّته: "افعلوا هذا لذكري." وهذا ما نفعله. إنّما، يا أيّها الناس، كما أنّنا نحن، شهوده، نؤمن بأنّ في هذا الخبز وهذا الخمر، المقدّمَين والمبارَكَين، كما فعل هو، لذكره وطاعة لأمره الإلهيّ، بأنّ في هذا الخبز وهذا الخمر جسده الكلّيّ القداسة وكذلك دمه الكلّيّ القداسة، هذا الجسد وهذا الدم اللذان يعودان لإله، ابن الله العلّي، واللذان أُهرِقا وصُلِبا حبّاً وحياة للبشر، فكذلك أنتم أيضاً، أنتم كلّكم، الداخلين لتصيروا جزءاً مِن الكنيسة الحقّة، الجديدة، الخالدة، الّتي تنبّأ بها الأنبياء وأسّسها المسيح، عليكم أن تؤمنوا بذلك. آمنوا وباركوا الربّ الّذي يترك لنا -نحن الّذين إن لم يكن ماديّاً فبالتأكيد معنوياً وروحيّاً قد صلبناه، بسبب ضعفنا في خدمته، بسبب قلّة انفتاحنا لفهمه، بسبب جبننا وتخلّينا عنه، هاربين في ساعته الأخيرة، بسبب خيانتنا، لا، بسبب خيانتي الشخصيّة كرجل مذعور وجبان إلى حدّ التبرّؤ منه، إنكاره، وإنكار أنّني تلميذه أنا رغم كوني أوّل خدّامه (وتنحدر دمعتان كبيرتان على طول وجه بطرس) قبيل الساعة الأولى، هناك، في ساحة الهيكل- كنتُ أقول، آمنوا وباركوا الربّ الّذي يترك لنا هذه العلامة الأبديّة لغفرانه. آمنوا وباركوا الربّ الّذي سمح لأولئك الّذين لم يعرفوه عندما كان الناصريّ، بأن يعرفوه الآن وهو الكلمة المتجسّد العائد إلى الآب. تعالوا وخذوا. هو قال ذلك: "مَن يأكل جسدي ويشرب دمي ستكون له الحياة الأبديّة." ونحن آنذاك لم نفهم (وبطرس يبكي مجدّداً) نحن لم نفهم لأنّنا كنّا بطيئي الفهم. إنّما الآن فإنّ الروح القدس قد أوقد ذكاءنا، قَوَّى إيماننا، بَثَّ المحبّة، ونحن الآن نفهم. وباسم الله العليّ، إله إبراهيم، يعقوب، موسى، باسم الله العليّ الّذي كلّم إشَعياء، إرميا، حزقيال، دانيال، والأنبياء الآخرين، نُقسِم لكم بأنّ هذه هي الحقيقة، ونتوسّل إليكم أن تؤمنوا لكي تتمكّنوا مِن أن تنالوا الحياة الأبديّة.»

 

بطرس مفعم بالجلال وهو يتكلّم. لم يعد فيه شيء مِن الصيّاد الخَشِن بعض الشيء الّذي كان عليه منذ زمن قصير. لقد صعد على طبليّة ليتكلّم، وليكون مرئيّاً ومسموعاً بشكل أفضل، لأنّه، بسبب قصر قامته، لو كان بقي واقفاً على أرض الغرفة، لما كان يمكن أن يكون مرئيّاً مِن البعيدين عنه، وهو على العكس، يريد أن يهيمن على الحشد. إنّه يتكلّم برزانة، وبصوت معتدل، ويقوم بحركات خطيب حقيقيّ. عيناه اللتان طالما كانتا مُعبِّرتين، هما الآن أكثر تعبيراً ‏مِن أيّ وقت. إنّ المحبّة، الإيمان، السُّلطة، الندم، كلّ شيء يظهر مِن خلال هذه النظرة وينبئ عن كلامه ويعزّزه.

 

لقد انتهى الآن مِن الكلام. ينزل عن الطبليّة، ويمرّ مِن وراء الطاولة، مِن تلك الفسحة بين الطاولة والجدار، وينتظر.

 

يعقوب ويوضاس، أي ابنا حلفى ونسيبا المسيح، يقومان الآن بمدّ غطاء ناصع البياض فوق الطاولة. وليفعلا ذلك، يرفعان الصندوق العريض وقليل الارتفاع الموضوع في وسط الطاولة، وكذلك على غطاء الصندوق يمدّان شرشفاً ناعماً جدّاً.

 

الرسول يوحنّا يقصد الآن مريم ويطلب منها شيئاً ما. مريم تنزع مِن عنقها ما يشبه المفتاح الصغير وتعطيه ليوحنّا. يأخذه يوحنّا، ويعود إلى الصندوق، يفتحه، خافضاً الجزء الأمامي الّذي يستقرّ على الشرشف ويغطّى بشرشف ثالث.

 

داخل الصندوق فاصل أُفقيّ يقسمه إلى طبقتين. في الطبقة السفليّة كأس وطبق معدنيّ. وفي الطبقة العلويّة، في الوسط، الكأس الّتي استخدمها يسوع في العشاء الأخير وللإفخارستيا الأولى، بقايا الخبز الّذي قسمه هو، موضوعة على طبق صغير ثمين مثل الكأس. وإلى جانب الكأس والطبق الصغير الموضوع فوقه، في جانب هناك إكليل الشوك، المسامير والإسفنجة، وفي الجانب الآخر تمّ وضع أحد الكفنين، ملفوفاً، والمنديل الّذي مسحت به نيقي وجه يسوع، وذاك الّذي أعطته مريم لابنها ليغطّي حقويه. في الأسفل توجد أشياء أخرى، إنّما بما أنّها تبقى مخفيّة، وما مِن أحد يتكلّم عنها أو يُظهِرها، فغير معروف ما هي. أمّا الأشياء الأخرى، بالمقابل، والّتي هي ظاهرة، فإنّ يوحنّا ويوضاس بن حلفى يُريانِها للحاضرين، والجميع يركعون أمامها. في هذه الأثناء الكأس والطبق الصغير الّذي يحوي الخبز فإنّهما لا يُـمَسّان ولا يتمّ إظهارهما، كما أنّهم لا يبسطون الكفن، إنّما فقط يُظهِرون اللفّة شارحين للجمع ما تكون. ربّما يوحنّا ويوضاس لا يبسطانها كيلا يوقظا في مريم الذكرى الأليمة للتعذيب الفظيع الّذي تعرّض له ابنها.

 

وبانتهاء هذا الجزء مِن الاحتفال، الرُّسُل، جوقة، يُنشِدون بعض الصلوات، أحسبها مزامير، لأنّهم يُنشِدونها كما كان العبرانيّون يفعلون ذلك في معابدهم أو في حَجّهم إلى أورشليم، مِن أجل الاحتفالات الّتي كانت تأمر بها الشريعة. الجمع ينضمّ إلى جوقة الرُّسُل، وبذلك تصبح الأناشيد مَهيبة أكثر فأكثر.

 

أخيراً يؤتى بالخبز ويُوضَع فوق الطبق المعدنيّ الصغير، الّذي كان في الطبقة السفليّة مِن الصندوق، ويؤتى أيضاً ببعض القوارير الصغيرة الّتي هي أيضاً معدنيّة.

 

بطرس يستلم مِن يوحنا، الراكع في الجهة الأخرى مِن الطاولة -فيما بطرس هو دوماً بين الطاولة والجدار، إذاً فهو بمواجهة الجمع- طبق الخبز، يرفعه ويقدّمه. ثمّ يباركه ويضعه على الصندوق.

 

يوضاس بن حلفى، الراكع هو أيضاً إلى جانِب يوحنّا، يقدّم بدوره لبطرس الكأس الّذي كان في الطبقة السفليّة مِن الصندوق والقارورتين اللتين كانتا سابقاً قرب طبق الخبز الصغير، وبطرس يسكب محتواهما في الكأس، ومِن ثمّ يرفعه ويقدّمه كما فعل بالخبز. يبارك أيضاً الكأس ويضعها على الصندوق إلى جانب الخبز.

 

يتلون المزيد مِن الصلوات. ثمّ يقسم بطرس الخبز إلى قطع كثيرة، بينما يسجد الحشد أكثر بعد، ويقول: «هذا هو جسدي. اصنعوا هذا لذِكري.»

 

يخرج مِن وراء الطاولة، حاملاً معه الطبق المملوء بقطع الخبز، يمضي أوّلاً نحو مريم ويناولها قطعة. ثمّ يتّجه بعد ذلك إلى مقدّمة الطاولة ويوزّع الخبز الـمُكرَّس لكلّ الّذين يقتربون منه ليتناولوه. تبقى بعض اللُّقَم في الطبق الّذي يوضع على الصندوق.

 

الآن يأخذ الكأس ويقدّمها للحاضرين، بادئاً دوماً بمريم. يوحنّا ويوضاس يتبعانه بالقارورتين الصغيرتين ويضيفان السائل إلى الكأس كلّما فرغت، فيما يكرّر بطرس الرّفع والتقديم والمباركة لتقديس السائل. ما أن تتمّ تلبية كلّ أولئك الّذين طلبوا أن يتغذّوا مِن الإفخارستيا، يتناول الرُّسُل الخبز والخمر المتبقّين. ثمّ يُنشِدون مزموراً آخر أو ترنيمة، وبعد ذلك، بطرس يبارك الجمع الّذي يبدأ بالرحيل رويداً رويداً بعد مباركته.

 

مريم، الأُمّ، الّتي كانت راكعةً على ركبتيها طوال فترة احتفال التكريس ومناولة كلٍّ مِن الخبز والخمر، تنهض وتمضي إلى الصندوق. تنحني فوق الطاولة، وتلمس بجبهتها الطبقة مِن الصندوق الّتي وُضِع فيها كلّ مِن الكأس والطبق الصغير اللذين استخدمهما يسوع في العشاء الأخير، وتطبع قبلة على حافّتيهما. وقبلة أيضاً لكلّ الذخائر المجمّعة فيه. ثمّ يُقفِل يوحنّا الصندوق ويعيد المفتاح إلى مريم الّتي تعيده ثانية إلى عنقها.