ج2 - ف28

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الثاني / القسم الأول

 

28- (الصيد العجائبيّ)

 

10 / 11 / 1944

 

تُعاوِد الرؤيا على كلمات يسوع هذه:

 

«عندما يُزهِر كلّ شيء في الربيع يقول صاحب الحقول مسروراً: "سوف يكون محصول الثمار وفيراً". وهذا الأمل يملأ روحه غبطة. إنّما مِن الربيع إلى الخريف، مِن شهر الزهور إلى شهر الثمار كَم مِن الأيّام وكَم مِن الرياح والأمطار والشمس والزوابع ينبغي أن تمرّ. وثمّ الحروب وضراوة المقتَدِرين، وأمراض النبات وكذلك أمراض صاحب الحقول. حينئذ لا يعود الزَّرع يُنكش أو يُحرث أو يُسقى أو يُدعَّم أو يُعَزَّق. والأشجار التي كانت تَعِد بثمر كثير يتوقّف نموّها وتموت تماماً أو تفقد محصولها!

 

أنتم تتبعونني وتحبّونني، فأنتم كالزرع في الربيع، تَبدون ذَوي نوايا حسنة ومشاعر مُحِبّة. بالحقيقة إنّ إسرائيل في فجر رسالتي تشبه حقولنا الممتعة في شهر نيسان (أبريل) المشرق. إنّما اسمعوا. كالمحروقين بفعل الجفاف سترون الشيطان آتياً وهو الذي سيجفّفكم بنَفَسه الحاسِد. ثمّ العالم الذي ستُجمّد رياحه الجليديّة زهوركم. سوف تهبّ عواصف الشهوات والسأم كوابِلِ المطر. وسيُقبِل كلّ أعدائي وأعدائكم لقتل ثمار الرغبة التي كانت قد أزهرت في الله.

 

أُحَذِّركم مِن هذا لأنّني أعرف. ولكن هل سيَضيع حينئذ كلّ شيء عندما أكون أنا كالـمُزارِع المريض، بل أكثر مِن مريض: ميت، فلا أعود قادراً على منحكم الكلام ولا المعجزات؟ لا. فأنا أَبذُر وأتعهّد بالعناية طالما هو زمني، بعد ذلك تقع على كاهلكم مهمّة النموّ والنضج، وذلك بسهركم الجيّد على ذلك.

 

انظروا إلى تينة بيت سمعان بن يونا هذه، فالذي زَرَعَها لم يختر المكان الصحيح والمناسب. لقد زُرِعَت إلى جانب جدار رطب وشمالي، وكانت على وشك الموت لو لم تكن تريد حماية نفسها بنفسها لتحيا. ولقد بَحَثَت عن الشمس والنور. فهي الآن منحنية، إنّما قويّة وشامخة، وهي التي منذ الفجر تَغُبُّ الشمس لتصنع عُصارة لثمارها اللذيذة التي تُعَدّ بالمئات. لقد دافَعَت عن نفسها لوحدها. قالت: "أرادَني الخالق لأمنح الإنسان الفرح والغذاء. وأريد أن تتّحد إرادتي بإرادته!". إنّها شـجرة تين! نبتـة صمـّاء! دون نَفْس! وأنتم مع كونكم أبنـاء الله، أبناء البشر، هل ستكونون أدنى مِن هذه الشجرة؟

 

اسهَروا جيّداً لتُعطوا ثِمار حياة خالدة. أنا أعتني بكم، وفي النهاية سأعطيكم عُصارة لا يمكن أن يُوجِدها أحد مهما كان مُقتَدِراً. لا تتصرّفوا بشكل يجعل الشيطان يشمت على أنقاض عملي وتضحيتي ونَفْسكم. ابحَثوا عن النور. فَتِّشوا عن الشمس. اطلبوا القوّة. اسعوا إلى الحياة. فأنا الحياة والقوّة والشمس والنور للذي يحبّني، أنا هنا لأقودكم إلى المكان الذي أتيتُ منه. أتحدَّث هنا لأدعوكم جميعاً وأدُلّكم على شريعة الوصايا العشر التي تَهِب الحياة الأبديّة. أُعطيكم وصيّة الحبّ هذه: "أحِبّوا الله والقريب". إنّها الشرط الأوّل لإتمام كلّ خير آخر. إنّها الأَقدَس في الوصايا العشر. أحِبّوا. فالذين يحبّون في الله، الذين يحبّون الله، والذين سيكون الله ربّهم، سيكون لهم في الأرض والسماء السلام الذي سيكون لهم خيمة وتاجاً.»

 

ويبتَعِد الناس على مضض بعد بركة يسوع. لم يكن هناك مرضى ولا مساكين.

 

يقول يسوع لسمعان: «نادِ الاثنين الآخَرَين، سنمضي إلى البحيرة لنرمي الشِّباك.»

 

«يا معلّم، إنّ ذراعيَّ مُنهَكَتَان مِن رمي الشباك وجذبها طوال الليل دونما فائدة. فالسمك في الأعماق، ومَن يدري أين؟»

 

«افعَل ما أقولُه لكَ يا بطرس. أَنصِت دائماً إلى مَن يحبّكَ.»

 

«سأفعل ما تقوله احتراماً لكلمتكَ.» وينادي الـمُستَخدَمِين بصوت مرتفع وكذلك يعقوب ويوحنّا.«سنذهب للصيد، إنّها إرادة المعلّم.» وبينما هم يبتعدون يقول ليسوع: «ومع ذلك يا معلّم أؤكّد لكَ أنّ الوقت ليس ملائماً. ففي هذه الساعة مَن يدري أين تراها تستريح الأسماك!...»

 

يَجلس يسوع على مقدّمة السفينة مبتسماً وصامتاً.

 

يُشَكِّلون شكل قوس مِن دائرة على البحيرة ثمّ يَرمون الشِّباك. وبعد انتظار بضع دقائق يهتزّ المركب بشكل غريب، مع العِلم أنّ البحيرة تحت الشمس المرتفعة في الأفق ساكنة مثل الزجاج السائل.

 

فيقول بطرس مُحملِقاً: «ولكن يا معلّم! إنّها الأسماك!»

 

يبتسم يسوع ويبقى صامتاً.

 

ويأمُر بطرس الـمُستَخدَمِين: «ارفعوا! ارفعوا!» ولكنّ المركب يميل مِن جهة الشَّبَكَة.«أو هيه! يعقوب! يوحنّا! أَقبِلا! جَدِّفا بسرعة!»

 

يُسرِعان، وتَنجح جهود البَحّارة في رفع الشبكة دون تخريب الغنيمة. خمس، عشر سلال. امتَلَأَت كلّها حتّى الجِمام، وما زال الكثير مِن السمك يختلج في الشبكة: فضّة وبرونز حيّ يتحرّك ليفرّ مِن الموت. فلم يبق آنئذ سوى حلّ واحد: إفراغ ما بقي في الشبكة في قعر المركب. حَصَلَ ذلك فكان حينئذ ارتعاش حيوات تحتضر. وغاصَت أرجل الصَّيادِين في هذا الفيض حتّى أعلى مِن الكاحِل وغَمَرَت المراكب إلى ما بعد خط العَوم بسبب الحمولة الزائدة.

 

«إلى اليابسة! انشُروا الأشرعة! انتبهوا للقاع وجَهِّزوا العصيّ لتفادي الارتطام. فالوزن زائد!»

 

طوال فترة الحدث، لم يُعمِل بطرس فِكره. ولكنّه فور نزوله، يَفتَح عينيه ويُدرِك. إنّه خائف. «أيّها المعلّم الربّ! ابتعد عني! فأنا رجل خاطئ. ولستُ أهلاً لأن أكون قريباً منكَ!» وهو الآن يجثو على الشاطئ الرمليّ الرطب.

 

يَنظر إليه يسوع ويبتسم. «انهَض! اتبَعني! لن أتخلّى عنكَ. ومنذ الآن ستُصبِح صيّاداً للناس ومعكَ رفاقكَ هؤلاء. لا تخشوا بعد شيئاً، أدعوكم، هيّا!»

 

«في الحال يا سيّدي. أمّا أنتم فاعتَنوا بالـمَراكِب واحملوا كلّ شيء لزَبْدي وصِهري. هيّا بنا فجميعنا لكَ يا يسوع! وبورِكَ الأزليّ لهذا الاختيار.»

 

وتنتهي الرؤيا.