ج4 - ف143

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الرابع / القسم الثاني

 

143- (لقاء لعازر في حقل الجليليّين)

 

18 / 09 / 1945

 

حقل الجليليّين الشهير -أظنّه معنى العِبارة التي استَخدَمَها يسـوع (في الرؤيا السابقة) لتحديد مكان اللقاء عند عودة الاثنين والسبعين المرسلين سابقاً- ليس سِوى جزء مِن جبل الزيتون، وهو أقرب إلى الطريق المؤدّية إلى بيت عنيا، بل هي تمرّ به. وهو كذلك، بدقّة، المكان الذي رأيتُ فيه، في رؤيا قديمة، يواكيم وحنّة يُخيِّمان مع حلفى، الذي كان آنذاك صغيراً، إلى جانب أكواخ أخرى مِن الأغصان، في عيد المظالّ الذي سَبَقَ الحَبَل بالسيدة العذراء.

 

لجبل الزيتون قمّة مدوّرة. كلّ شيء على هذا الجبل لطيف: الـمَسالك الصاعدة والمناظر العامّة والقمّة. في الحقيقة إنّه يتنشّق السـلام، فالزيتون يُغلّفه والصمت يَلفّه. إنَّما ليس في هذا الوقت، فهناك أناس انهَمَكوا في صنع الأكواخ. إنّما في العادة هو بحقّ مكان راحة وتأمّل. إلى يساره، بالنسبة للنَّاظِر المتَّجه صوب الشمال، يوجد مُنخَفَض خفيف، ثمّ قمّة أخرى بمنحدر أقلّ حدّة مِن مُنحَدَر بستان الزيتون. هنا، على هذا المسطّح، يُخيّم الجليليّون. لستُ أدري ما إذا كان هذا عرفاً دينيّاً وقد أَصبَحَ تقليداً، أم هو نتيجة أوامر رومانيّة بهدف تحاشي سوء التفاهم القائم مع اليهود، أو مع سُكّان مناطق أخرى لا يتعاملون بِظُرف مع الجليليّين. هذا ما لا أعرفه، جُلّ ما أعرفه هو أنّني أرى الكثير مِن الجليليّين وبينهم حلفى بِن سارة الذي مِن الناصرة؛ يوضاس المالك العجوز الذي مِن قرب بحيرة ميرون؛ يائيروس رئيس المجمع؛ وآخرون مِن بيت صيدا وكفرناحوم ومدن أُخرى مِن الجليل، لا أعرف أسماءها.

 

يُشير يسوع إلى الموضِع الذي سيُقيمون فيه أكواخهم، بالضبط هو عند الحدود الشرقيّة لحقل الجليليّين. الرُّسُل مع بعض التلاميذ ومِن بينهم الكاهن يوحنّا والكاتب يوحنّا وتيمون رئيس المجمع، ومعهم استفانوس وهرمست ويوسف الذي مِن عِمّاوس، وهابيل الذي مِن بيت لحم الجليل، مُنهَمِكون ببناء الأكواخ. إنّهم مُنهَمِكون ويسوع يتحدّث إلى أطفال مِن كفرناحوم يتزاحمون حوله طالبين منه مائة مائة شيء، ومُسِرّين له بمائة شيء أخرى، عندما يَصِل لعازر مِن الطريق القادم مِن بيت عنيا، مع مكسيمين الذي لا يفارقه. وحيث إنّ يسوع يُدير ظَهره، فإنّه لا يراه قادماً. إنّما بالمقابل يَراه الاسخريوطيّ وينبّه المعلّم الذي يُبقي الأطفال هناكَ ويَمضي صوب صديقه مبتسماً. يتوقّف مكسيمين ليفسح المجال للاثنين في لقائهما الأوّل. ويقطع لعازر الأمتار الأخيرة بأسرع ما يمكن، وهو يسـير بأكثر صعوبة وألماً مِن أيّ وقت آخر، بابتسامة يَرتَعِش معها الألم والدموع معاً على الفم وفي العيون. يَفتح يسوع له ذراعيه، ويرتمي لعازر على صدره وتَنهَمِر دموعه غزيرة.

 

«ولماذا، يا صديقي؟ أما زلتَ تبكي؟...» يَسأَله يسوع وهو يُقبِّله مِن صدغيه، وهو الأطول مِن لعازر بأكثر مِن طول الرأس، والذي يبدو أكبر أيضاً، لأنّ لعازر الممتلئ حُبّاً وإجلالاً، ينحني أثناء العِناق.

 

أخيراً يرفع لعازر رأسه ويقول: «أبكي، نعم. فلقد أعطيتُكَ العام الماضي لآلئ دموعي الحزينة، ومِن العدل أن تكون لكَ لآلئ دموع فَرَحي. آه! يا معلّم، يا معلّمي! أظنُّ أنّ ما مِن شيء أكثر تواضعاً وقداسة مِن دموع فَرَح... وأُقدّمها لكَ لأقول لكَ: "شكراً" مِن أجل مريم أختي التي لم تَعُد الآن سِوى طفلة وديعة، سعيدة، صافية، طاهرة، وصالحة... آه! إنّها أفضل حتّى مما كانت عليه وهي طفلة صغيرة. وأنا، أنا الذي كنتُ أشعر أنّني أرفَع منها كثيراً، في كبريائي كإسرائيليّ أمين للشريعة، الآن أشعر بضآلتي، بل أكاد أقول عَدَمي، بالمقارنة بها، هي التي لم تَعُد مخلوقة، بَل شُعلة. شُعلة مقدِّسة. أنا... لا يمكنني إدراك أين تَجِد الحِكمة والأقوال والأفعال التي تَجِدها، والتي تؤثّر في البيت كلّه تأثيراً حسناً. أنا أَنظُر إليها كَمَن يَنظُر إلى سرّ. ولكن كيف كان يمكن لهذا القَدر مِن النار، لهذا الكمّ مِن الدُّرَر أن يختبئ تحت كلّ تلك القذارة وأن تعيش فيها براحتها؟ لا أنا ولا مرثا نَرقى إلى ما تَرقى إليه هي. كيف يمكنها ذلك إذا كانت الرذيلة قد حطَّمَت لها جناحيها؟ أنا، لا أفهم...»

 

«وليس ضروريّاً أن تفهم. يكفي أن أفهم أنا. إنّما أقول لكَ: إنّ مريم قد حَوَّلَت صوب الخير كلّ طاقات كيانها القويّة. ولقد وَجَّهَت طَبْعها صوب الكمال. وبما أنّ طَبْعها يتمتّع بِقُدرة مُطلَقَة، فإنّها تندفع في هذا الدرب دون تحفُّظ. إنّها تُوظِّف تجربتها في الشرّ لتكون قديرة في الخير كما كانت في الشرّ، وإذ وَضَعَت موضع العمل الأسلوب ذاته في إعطاء ذاتها بالكامل كما كانت تفعل في الخطيئة، فإنّها تَهِب ذاتها بالكامل إلى الله. لقد أَدرَكَت معنى الشريعة القائلة: "أَحبِب الربّ إلهكَ بكلّ كيانكَ، بجسدكَ، بنفسكَ، وبكلّ قوّتكَ". لو كان كلّ مَن في إسرائيل مريم، لو كان كلّ مَن في العالم مريم، لأَصبَحَ لنا على الأرض ملكوت الله، كما هو في أعالي السماء.»

 

«آه! يا معلّم، يا معلّم! هي مريم المجدليّة التي تستحق هذا الكلام!...»

 

إنّها مريم أُخت لعازر. صديقتي العظيمة، أُخت صديقي العظيم. كيف عَلِمتَ أنّني كنتُ هنا، وأُمّي لم تَصِل بعد إلى بيت عنيا؟»

 

«بينما أنا أحثُّ الخُطى، أتى وكيل منطقة المياه الحلوة ليقول لي بأنّكَ آتٍ. وأنا كنتُ أُرسِل خادماً يوميّاً. وقد أتى لتوّه يقول لي: "لقد جاء، وهو في حقل الجليليّين". فمشيتُ على الفور...»

 

«ولكنّكَ تتألّم...»

 

«كثيراً، يا معلّم! هذان الساقان...»

 

«وأتيتَ! أنا كنتُ سآتي قريباً...»

 

«ولكن عَجَلَتي لأخبرك بفرحي كانت تُرهِقني كثيراً. أتحرّق لذلك منذ أشهر. رسالة! أيّة رسالة يمكنها التعبير عن أمر كهذا؟ وأنا لم يكن بإمكاني الانتظار أكثر... هل ستأتي إلى بيت عنيا؟»

 

«بكلّ تأكيد. بعد العيد مباشرة.»

 

«وهناك مَن ينتظركَ على أحرّ مِن الجَّمر... تلك اليونانيّة... يا لتلك الروح! إنّني أتحدّث إليها كثيراً، وهي متعطّشة للاستعلام عن الله. ولكنّها مُثقّفة جدّاً... وأنا أبقى قصير الباع، فبعض الأمور لا أعرفها جيّداً. لا بدّ مِن أن تكون أنتَ.»

 

«وسآتي. الآن هيّا بنا نُلاقي مكسيمين، وبعد ذلك أرجوكَ أن تَحلّ ضيفاً عليَّ. سوف تفرح أُمّي برؤيتكَ، وستأخذ أنتَ قِسطاً مِن الراحة. إنّها آتية بعد قليل مع الصبيّ.»

 

ويُوافي يسوع مكسيمين الذي يجثو ليُحيّيه...