ج4 - ف170
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الرابع / القسم الثاني
170- (يسوع مع يوحنّا الذي مِن عين دور وسِنْتيخي في الناصرة)
16 / 10 / 1945
«يا معلّم! يا معلّم! يا معلّم!» صيحات ثلاث ليوحنّا الذي مِن عين دور الذي خَرَجَ مِن غرفته الصغيرة ليذهب للاغتسال في البركة، فوَجَدَ نفسه في مواجهة يسوع العائد منها، توقِظ مارغزيام الذي يَهرَع إلى خارج غرفة مريم بقميصه القصير والذي بِلا أكمام، وهو ما يزال حافي القدمين، كلّه عيون وفَم لِيَرَى ويَصرُخ: «يسوع هنا!» وكُلّه سيقان لِيَركُض ويتسلّق ذراعيه. وتستيقظ بذلك سِنْتيخي أيضاً التي كانت تنام في مشغل يوسف القديم، وتَخرُج منه بعد لحظة، وقد ارتدت ثيابها، إنّما ضفائرها السوداء القاتمة ما تزال نصف مرتبة، وهي تَنسَدِل على كتفيها.
يسوع الذي ما يزال يحمل الصبيّ على ساعِدَيه، يُحيّي يوحنّا وسِنْتيخي، ويَحثّهما على دخول البيت لأنّ الريح الشماليّة شديدة للغاية... ويَدخُل هو أوّلاً حاملاً مارغزيام شبه العاري، الذي تصطك أسنانّه رغم تحمّسه، قريباً مِن الموقِد الذي أُوقِد، حيث تُسارِع مريم إلى تسخين الحليب، ثمّ ثياب الصبيّ حتّى لا يصيبه أذى.
الآخَران لا يتكلّمان، إنّما يبدو أنّهما يُجسِّدان فَرَح النَّشوة. يَجلُس يسوع والصبيّ على ركبتيه، بينما تُسارِع مريم في تمرير الثياب التي جَعَلَتها دافئة إليه. يُعاوِد يسوع رفع رأسه ويبتسم لهما قائلاً: «كنتُ قد وعدتُكُما بالمجيء. واليوم أو غداً يَصِل كذلك سمعان الغيور. لقد ذَهَبَ في مهمّة أوكلتُها إليه. ولكنّه لن يتأخّر، وسوف نبقى بضعة أيّام معاً.»
انتهى هندام مارغزيام، وقد عاد اللون إلى خدّيه، بعد شحوبه بفعل البرد. يُنـزِله يسوع عن ركبتيه، ويَنهَض ليذهب إلى الغرفة الصغيرة المجاورة، وقد تَبِعَه الجميع. وفي الآخِر تَصِل مريم مُمسِكة بيد الصبيّ وهي تلومه بتؤدة: «ماذا عليَّ أن أفعل بكَ الآن، أنا؟ لقد عَصيتَني. قلتُ لكَ: "ابقَ في السرير حتّى أعود"، وأتيتَ أنتَ قبل ذلك...»
«لقد استيقظتُ على صيحات يوحنّا...» يقول مارغزيام معتذراً.
«حينذاك بالضبط كان عليكَ أن تعرف كيف تطيع. البقاء في السرير طالما المرء نائم ليس طاعة ولا استحقاق له. كان عليكَ أن تعرف كيف تفعل ذلك عندما يكون له استحقاق، لأنّ ذلك كان يتطلّب إرادة. كنتُ سأجلب لكَ يسوع. وكان سيصبح لكَ بكلّيّته، ودون خوف مِن أن يصيبكَ أذى.»
«لم أكن أَعلَم أنّ الطقس بارد إلى هذا الحدّ.»
«أمّا أنا فقد كنتُ أَعلَم. إنّني حزينة لرؤيتي إيّاكَ عاصياً.»
«لا، يا أُمّي. يَزيد مِن ألمي أن أراكِ هكذا... لو لم يكن الأمر يتعلّق بيسوع لما كنتُ نهضتُ، حتّى ولو كنتِ نَسيتِني في السرير دون طعام، يا أُمّي الجميلة، يا أُمّي!... أعطيني قبلة، يا أُمّي. أنتِ تعرفين أنّني صبيّ مسكين!...»
تحمله مريم بين ذراعيها وتُعانِقه، موقِفة بذلك الدموع المنهمرة على الوجه الصغير، مُعيدة إليه الابتسامة مع الوعد: «لن أعصي لكِ أمراً أبداً، أبداً، مطلقاً!»
في تلك الأثناء يتحدّث يسوع إلى التلميذين. يَستَعلِم عن مدى تقدّمهما في الحكمة، وإذ يقولان إنّ كلّ شيء ينجلي لهما بكلام مريم، يقول: «أَعلَم. الحكمة المشرقة بشكل فائق الطبيعة مِن الله، عندما تَنطق هي بها، تُصبِح نوراً مفهوماً حتّى مِن قِبَل أصحاب أقسى القلوب. ولكنّكما لستما قاسيَي القلب، ولهذا السبب، تستفيدان مِن تعليمها بالكامل.»
«الآن أنتَ هنا، يا بني. وتعود المعلّمة كي تُصبِح تلميذة.»
«آه! لا! بل ستستمرّين في كونكِ معلّمة. سوف أستَمِع إليكِ مثلهما. فأنا في هذه الأيّام "الابن" فقط. ليس أكثر. ستكونين أُمّ ومعلّمة المسيحيّين. أنتِ كذلك منذ الآن: أنا، بِكركِ، وأوّل تلميذ لكِ، هؤلاء، ومعهم سمعان، عندما يأتي، هُم الآخرون كذلك... هل تَرَين، يا أُمّي؟ العالَم هنا. عالَم الغد في الإسرائيليّ الصغير الذي لا ينتبه إلى ذاته حتّى بأنّه سيكون "المسيحيّ"؛ العالَم، عالَم إسرائيل العتيق في الغيور؛ البشريّة في يوحنّا، الوثنيّون في سِنْتيخي. وكلّهم يأتون إليكِ، أيّتها الـمُرضِعة القدّيسة التي تمنح حليب الحكمة والحياة للعالم والدهور. كم مِن الأفواه رَغِبَت بأن تنهل مِن حليبكِ ذاك! وكم منها ستفعل ذلك في المستقبل! الأحبار والأنبياء تاقوا إليكِ، لأنّ مِن أحشائكِ الخصيبة كان ينبغي أن يأتي غذاء الإنسان. وأتباعي سوف يطلبونكِ لينالوا الغفران، ليتثقّفوا، وليحصلوا على الحماية والحبّ مثل مارغزيام. وطوبى لِمَن يفعل ذلك! إذ لن يكون ممكناً الثَّبات في المسيح إن لم تستمدّ النعمة قوّتها مِن عونكِ، أيّتها الأُمّ الممتلئة نعمة.»
تبدو مريم كوردة في ثوبها القاتم، لشدّة تأجّج وجهها، أثناء مديح ابنها لها. وردة رائعة الجمال في ثوب متواضع مِن الصوف البُنّي…
يُقرَع الباب ويَدخُل، جماعةً، مريم التي لحلفى ويعقوب ويوضاس، والأخيران يَحمِلان جِرار الماء والحليب. فَرحَة اللقاء متبادلة. وتزداد لدى معرفة أنّ الغيور سوف يَصِل قريباً. مودّة ابنيّ حلفى جَليّة، حتّى بدون الجُّملة التي أجاب بها يوضاس على تعليق أُمّه التي لاحَظَت تلك الفرحة: «أُمّاه، في هذا البيت بالذات، وفي ليلة حزينة جدّاً بالنسبة إلينا، هو مَنَحَنا مودّة أب، وحَفِظَها لنا. لا يمكننا نسيانها. فبالنسبة إلينا هو "الأب". ونحن له "أبناء". وأيّ أبناء لا يَفرَحون بِلِقاء أب صالح؟»
تُفكِّر مريم التي لحلفى وتتنهّد... ثمّ، وهي العمليّة حتّى في أحزانها، تَسأَل: «وأين سينام؟ ليس لديكم مكان. أَرسِلوه إلى بيتي.»
«لا، يا مريم، بل سيبقى تحت سقفي. وسوف نتدبّر الأمر بسرعة. سِنْتيخي تنام مع أُمّي، أنا مع مارغزيام، سمعان في المشغل. وحتّى يجدر بنا تهيئة الأمر في الحال. هيّا بنا.»
ويَخرُج الرجال إلى الحديقة مع سِنْتيخي، بينما مريم ومريم تمضيان إلى المطبخ لتقوما بمهامهما.