ج3 - ف60
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الثالث / القسم الثاني
60- (قُدرَة كَلِمَة مريم)
24 / 06 / 1945
الصبيحة الرائعة تدعو حقّاً إلى القيام بنـزهة. يَنهَضون مِن فِراشهم ويُغادِرون المنـزل. ويَنهَض نُزلاء بيت الغيور بسرعة، مثل النَّحل عند بزوغ الشمس، ويَخرُجون ليتنفَّسوا الهواء النقي في كروم لعازر المحيطة بالبيت الـمُضيف الصغير، وقد لَحِق بهم نُزلاء بيت لعازر، وهُم: فليبّس وبرتلماوس ومتّى وتوما وأندراوس ويعقوب بن زَبْدي. أمّا الشمس فَتَلِج فَرِحة مِن كلّ النوافذ والأبواب المفتوحة على مصراعيها، والغُرَف بسيطة ونظيفة، وتَكتَسِب صِبغة ذهبيّة تَزيد مِن رونق الثياب وتَجعَل الشَّعر والرُّموش تَلمَع.
مريم التي لحلفى وسالومة مُنشَغِلَتان في خدمة أولئك الرجال ذوي الشهيّة الطيّبة. مريم مِن جهتها تُراقِب أحد خُدّام لعازر وهو يُسرِّح شَعر مارغزيام بِحَذَق أكثر مِن حَلَّاقه الأوّل: «في الوقت الحاليّ هكذا!» يقول الخادم. «وفيما بعد، بعد أن تكون قد وَهَبتَ شعركَ الطفوليّ لله سأقصّه لكَ بشكل جيّد. سيصبح الطقس حارّاً، وستكون أفضل حالاً بدون شَعر على رقبتكَ. وسيستعيد شعركَ قوّته. فهو جافّ ومتقصّف ومُهمَل. هل تَرَين يا مريم؟ إنّه يحتاج إلى العناية. سأضع عليه الآن الزيت للتصفيف. هل تشمّ يا ولدي أيّة رائحة عَطِرَة؟ إنّه الزيت الذي تستعمله مرثا. لوز ونخيل مع الخلاصات الأكثر نعومة والأكثر نُدرَة. هذا يفيد كثيراً. لقد قالت لي معلّمتي أن أحتفظ بهذه القارورة الصغيرة مِن أجل الصبيّ. آه! إنّكَ تبدو الآن كابن مَلِك.» والخادم الذي يبدو أنّه حَلَّاق بيت لعازر، يُرَبِّت على خدّ مارغزيام. يحيّي مريم ويمضي راضياً.
«تعال أُلبِسكَ ثيابكَ»، تقول مريم للصبيّ الذي لا يرتدي الآن سوى جلباب صغير بأكمام قصيرة. أظنُّه القميص أو ما كان آنذاك يقوم مقامه. مِن نعومة الكتّان أُدرِك أنّه كان يُشكِّل جزءاً مِن جِهاز لِعازر الطفل. تَنـزَع مريم ثوب الحَمّام الذي كان يلتحف به مارغزيام، وتُمرِّر له الثياب الداخلية المنقَّطة عند العنق والأكمام، والثوب الخارجيّ الأحمر، الصوفيّ، ذا الفتحة الكبيرة عند العنق والأكمام العريضة. الكتّان اللّامع يَظهَر ناصع البياض عند قبّة وأكمام القماش الأحمر الكامد (الـمَتّ). فَيَد مريم، أثناء اللّيل، صَحَّحَت طول الثوب والأكمام، والآن كلّ شيء على ما يرام، خاصّة عندما تَحزم مريم خصره بالرباط الحريريّ للحِزام الذي ينتهي بِطرَّة صَدَف أبيض وأحمر. لَم يَعُد الصبيّ يبدو الصغير الفقير كما كان قبل أيّام.
«اذهب الآن والعب دون أن توسّخ ثيابكَ، بينما أتهيّأ أنا.» تقول مريم وهي تُلاطِفه. ويَخرُج وهو يَقفِز فَرَحاً باحثاً عن أصدقائه الكبار.
أوَّل مَن يُصادِفه هو توما: «ولكن كَم أنتَ جميل! كأنّكَ عروس ليلة عرسكَ! لقد فُقتَني.» يقول توما دائم الـمَرَح، الرَّبيل المطمئنّ. ويمسكه بيده قائلاً: «تعال. سنَمضي إلى النساء. إنهنّ يبحثن عنكَ ليقدِّمنَ لكَ الطعام.»
يَدخُلان المطبخ، وتوما يجعل المريمتين المنحنيتين على الفرن تَنتَفِضان وهو يصيح بصوته الغليظ: «هو ذا شابّ يَسأَل عنكنّ.» ويُقدِّم ضاحكاً الصبيّ الذي كان قد اختبأ خلف شخصيّته الصلبة.
«آه! حبيبي! ولكن تعال أُقبِّلك! انظري يا سالومة كم هو أنيق!» تقول مريم التي لحلفى.
«صحيح! لَم يَعُد عليه الآن سوى أن يُصبِح أَصلَب عُوداً. أمّا أنا، فسأُفكّر في هذا. هيا أُقبِّلك أنا كذلك.» تجيب سالومة.
«ولكنّ يسوع قد عَهَدَ به إلى الرُّعاة...» يعترض توما.
«لا يمكن! في هذا يُخطِئ يسوعي. ماذا تريدون وما الذي تعرفون القيام به، أنتم مَعشَر الرجال؟ التّنازع -على سبيل المثال، فأنتم بالأحرى مُشاكِسون... كالجِّداء التي تتحابّ ولكنّها تتناطح- والأكل والكلام، وأن يكون لديكم ألف احتياج، والمطالبة بألّا يُفكّر المعلّم إلّا بكم... وإلّا فإنّكم تَحرَدون... والأطفال يحتاجون إلى أُمّهات. أليس كذلك؟ ما اسمكَ؟»
«مارغزيام.»
«آه! حسناً! ولكن كان بإمكان مريم المباركة إعطاءكَ اسماً أسهل!»
«يكاد يكون اسمها!» تقول سالومة.
«نعم، ولكن اسمها أَبسَط. ليس فيه تلك الحروف الصامتة الثلاثة في الوسط... ثلاثة، هذا كثير...»
يَدخُل الاسخريوطيّ ويقول: «لقد اختارَت الاسم المناسب تماماً لمعناه حسب اللغة القديمة.»
«حسناً! ولكنّه صعب. وأنا أَختَصِر حرفاً وأقول مرزيام. هذا أسهل، ولن يؤدّي إلى نهاية العالم. أليس كذلك يا سمعان؟»
بطرس الذي يَمرّ قُرب النافذة وهو يتحدّث إلى يوحنّا الذي مِن عين دور، يتقدّم ويقول: «ماذا تريدين؟»
«كنتُ أقول إنّني أنادي الصبيّ مرزيام، وهذا أسهل.»
«أنتِ على حقّ يا امرأة. إذا سَمَحَت لي الأمّ أناديه كذلك أنا أيضاً. ولكن كم أنتَ جميل! وأنا كذلك. هه! انظروا!»
بالفعل، فإنّ ثيابه نظيفة، والخَدَّان قد حَلَقَهُما، والشَّعر واللحية قد سَرَّحَهُما جيّداً ودَهَنَهُما، الثوب سليم الثنايا، والحذاء يبدو جديداً لشدّة نظافته وقد لَمَّعَه لستُ أدري بأيّ شيء، تُعجَب به النساء، وهو يَضحَك مسروراً.
يُنهي الصبيّ طعامه ويَخرُج للقاء صديقه الكبير الذي يناديه على الدوام: «أبي.»
ها هو يسوع يَصِل مِن بيت لعازر، مع لعازر ذاته، ويقول للصبيّ الذي يَهرَع للقائه: «السلام فيما بيننا يا مارغزيام. فلنتبادل قبلة السلام.»
لعازر، وقد حيّاه الصبيّ، يُلاطِفه ويعطيه قطعة حلوى.
يَجتَمع الكلّ حول يسوع، كذلك مريم، وهي ترتدي ثوباً فيروزيّاً، وقد التَحَفَت فوقه بمعطف أكثر قَتامة، وأَتَت إلى ابنها مُبتَسِمة. ٍ
«إذن، يمكننا الذهاب.» يقول يسوع. «سمعان، أنتَ مع الأُمّ والصبيّ، إذا كنتَ ما تزال مُصرّاً على الشراء، رغم أنّ لعازر قد تدبَّر الأمر الآن.»
«بكلّ تأكيد! ثمّ... سوف يمكنني القول إنّني استطَعتُ، لمرّة، مرافقة أُمّك. وهذا شرف عظيم لي.»
«إذن هيّا. وأنتَ يا سمعان سترافقني إلى أصدقائكَ البرص...»
«صحيح يا معلّم؟ إذاً، لو سَمَحتَ، أسبقكَ لأَجمَعهُم... وتَلحَق بي... تعرف جيّداً أين هم موجودون...»
«حسناً، هيّا. وليفعل الآخرون ما يحلو لهم. فالجميع أحرار حتّى صباح الأربعاء. في الساعة الثالثة، الجميع عند الباب الـمُذَهَّب.»
«أنا ذاهب معكَ، يا معلّم.» يقول يوحنّا.
«وأنا كذلك.» يقول أخوه يعقوب.
«ونحن أيضاً.» يقول ابنا عمّه.
«أنا كذلك آتي.» يقول متّى ومعه أندراوس.
«أنا أودُّ المجيء معكَ... ولكن بسبب ذهابي بقصد الشراء... لا يمكنني المجيء.» يقول بطرس الذي تتنازَعهُ الرَّغبَتان.
«نعم، هذا يمكن تدبيره. نذهب أوّلاً إلى البرص، وفي هذه الأثناء تمضي مع أُمّي والصبيّ إلى بيت صديقة لها في عوفل. بعد ذلك نلحق بها، فتذهب برفقتها بينما نذهب أنا والآخرون إلى بيت يُوَنّا. ثمّ نلتقي في جَثْسَيْماني لتناول الطعام، وعند الغروب نعود إلى هنا.»
«لو تَسمَح لي، فأنا سأذهب لرؤية بعض الأصدقاء...» يقول يهوذا الاسخريوطيّ.
«ولكنّني قلتُ افعلوا ما يحلو لكم.»
«إذاً سأمضي أنا إلى بعض الأقارب، قد يكون وَصَلَ أبي. في هذه الحال سآتي به إليكَ.» يقول توما.
«أمّا نحن الإثنان، ما قولكَ يا فليبّس؟ فيمكننا الذهاب إلى صموئيل.»
«اتّفقنا.» فليبّس يجيب برتلماوس.
«وأنتَ يا يوحنّا؟» يَسأَل يسوع الذي مِن عين دور. «هل تُفضِّل البقاء هنا لترتيب كُتُبكَ أم أن تأتي معي؟»
«في الحقيقة أودُّ الذهاب معكَ... لقد أَضحَت الكُتُب أقلّ أهمّيّة بالنسبة إليَّ. فإنّني أُفَضِّل أن أقرأكَ أنتَ، الكتاب الحيّ.»
«إذاً تعال. وداعاً لعازر، إلى...»
«ولكنّني آتي أنا أيضاً. فَسَاقاي أَحسَن قليلاً. وبعد البرص أترككَ لأذهب وأنتظركَ في جَثْسَيْماني.»
«هيّا بنا. السلام لكنّ أيّتها النساء.»
إنّهم جميعاً معاً حتّى ضواحي أورشليم. ثمّ يفترقون. يمضي الاسخريوطيّ مِن جهته وحيداً، ويَدخُل المدينة، على الأرجح، مِن الباب الذي مِن جهة برج أنطونيا. توما وفليبّس ونثنائيل يُتابِعون السير، لبضعة عشرات الأمتار، مع يسوع ورفاقهم، وبعد ذلك يَدخُلون المدينة في ضاحية عوفل في الوقت ذاته مع مريم والصبيّ.
«والآن، هيّا بنا نرى أولئك التعساء!» يقول يسوع، ويدير ظهره لأورشليم، ويتوجّه إلى مكان مُنعَزِل على سفوح رابية صخريّة بين الطريقين المؤدّيتين مِن أريحا إلى أورشليم. إنّه لَمَكان غريب، يمكن بلوغه عن طريق مدرّجات. بعد المدرّج الأوّل، يَصعَدون عَبْر دروب ترتَفِع عن المسطّح الأول ثلاثة أمتار على الأقلّ، وكذلك الثاني. إنّه مكان جَدب ومَيّت... هو حزين للغاية.
«يا معلّم.» يهتف سمعان الغيور. «أنا هنا، توقّف لأريكَ السبيل...» والغيور الذي كان يسند ظهره إلى صخرة ليستظلّ، يتقدّم ويقود يسوع، عَبْر درب متدرِّج يؤدّي إلى جَثْسَيْماني، إنّما هو منفصل عن ذاك المؤدّي إلى بيت عنيا عَبْر الطريق التي مِن جبل الزيتون.
«ها قد وَصَلنا. لقد عِشتُ وسط قبور سلوام، وهنا يقيم أصدقائي، قسم منهم. الآخرون في بن هنّوم، إلا أنّهم لا يستطيعون المجيء... عليهم اجتياز الطريق، ويَرَونَهم.»
«سنمضي إليهم كذلك.»
«شكراً لكَ! مِن أجلهم ومِن أجلي.»
«هل عددهم كثير؟»
«في الشتاء قُتِل العدد الأكبر منهم، إنّما هنا ما يزال يقيم خمسة مِن الذين كنتُ قد تحدّثتُ إليهم. وهُم ينتظرونكَ. ها هُم على حافّة سجنهم...»
يُفتَرَض أنّهم حوالي العشرة مُشَوَّهين. أقول "يُفتَرض" ذلك أنّ المتواجدين بشكل جليّ ووقوفاً خمسة، أمّا الآخرون، فبسبب رُمدة الجِلد وتشوُّه شكل وجوههم التي بالكاد تَظهَر مِن بين الصخور، فالرؤية لا تسمح بالتأكّد مِن أنّهم أكثر مِن خمسة أو أقلّ. بينهم، هناك امرأة واحدة واقفة. لا يمكن تمييزها إلّا مِن خلال شَعرها الذي شاب وهو يَنسَدِل مُشعَّثاً وقاسياً وقَذِراً على كتفيها وحتّى الحِزام. بالنسبة إلى الآخرين، فلا شيء يُنبِئ عن جنسهم، حيث إنّ المرض في مراحله المتقدّمة جدّاً، وقد جَعَلَ منهم أشباه هياكل عظميّة، ماسحاً كلّ انحناءة أُنثوية، والشيء ذاته بالنسبة إلى الرجال الذين لم يبق سوى لواحد منهم آثار شارب ولحية، أمّا الآخرون فقد حَلَقَت لهم تلك الآفة الـمُدَمِّرة.
يَصرُخون: «يا يسوع مُخلِّصنا، ارحمنا!» ويُظهِرون أيديهم الـمُشَوَّهة والـمُقَرَّحة. «يا يسوع، يا ابن داود ارحمنا!»
«ماذا تريدون منّي أن أفعل؟» يَسأَل يسوع رافعاً وجهه صوب تلك الويلات.
«أن تُخلِّصنا مِن الخطيئة ومِن المرض.»
«أمّا مِن الخطيئة فَتَخلصون بالإرادة والتوبة...»
«ولكنّكَ إن شِئتَ فأنتَ قادر على محو خطايانا. هي على الأقلّ، إذا لَم تَشَأ شِفاء أجسادنا.»
«إذا قُلتُ لكم: "اختاروا واحداً مِن الإثنين"، فأيّهما تَبتَغون؟»
«غُفران الله، يا سيّد، لنكون أقلّ حُزناً.»
يقوم يسوع بحركة مُوافَقَة، مع ابتسامة مُنيرة. ثمّ يرفع يديه ويَهتف: «طلبكم مُستجاب. أنا أريد ذلك.»
طلبكم مُستَجاب! وهذا ممكن بالنسبة إلى الخطيئة كما هو ممكن بالنسبة إلى المرض، كما بالنسبة إلى الأمرين معاً. ويبقى التعساء الخمسة في دائرة الشكّ. ولكنّ الرُّسُل لا يَشكّون، ولم يَتمكَّنوا مِن منع أنفسهم مِن الهتاف أوشعنا وهُم يَرَون البَرَص يزول كما تزول ندفة الثلج الساقطة على النار. حينئذ أدرَكَ الخمسة أنّه قد استجيب لهم كُلّيّاً. وتدوّي هتافاتهم مثل أجراس النصر. يتبادلون العناق ويُرسِلون القبلات إلى يسوع، مِن غير أن يتمكَّنوا مِن التَّدافُع إلى أمام قدميه، ثمّ يَلتَفِتون إلى رفاقهم وهم يقولون: «وأنتم أفلا تَبغون الإيمان أيضاً؟ ولكن أيّ أشقياء أنتم؟
«كونوا طيّبين! فإخوتكم البائِسون في حاجة لأن يُفكِّروا. لا تقولوا لهم شيئاً. الإيمان لا يُفرَض، بل يُكْرَز به بالسلام والعطف والصبر والمثابرة. هذا ما سوف تفعلونه بعد تطهيركم، كما فَعَلَ معكم سمعان. بالنسبة إلى الآخرين، فالمعجزة في حدّ ذاتها هي تبشير. أنتم يا مَن شُفيتم، امضوا بأسرع وقت للقاء الكاهن. وأنتم أيّها المرضى، انتظرونا هذا المساء، سنجلب لكم القُوت. السلام لكم.»
يَهبط يسوع مِن جديد إلى الطريق مصحوباً ببركات الجميع.
«والآن هيّا بنا إلى بن هنّوم.» يقول يسوع.
«يا معلّم... أودُّ المجيء، ولكنّني أَحسَبني لن أتمكّن. إنّني ذاهب إلى جَثْسَيْماني.» يقول لعازر.
«هيّا. اذهب يا لعازر، وليكن السلام معكَ.»
وبينما يبتعد لعازر ببطء، يقول يوحنّا الرسول: «يا معلّم، أُرافِقه. إنّه تَعِب والطريق ليست جيّدة كما يجب. وسألحق بكَ بعد ذلك إلى بن هنّوم.»
«حسناً. هيّا بنا لنذهب.»
يَجتَازون قدرون، ويَدخُلون الوادي الصغير المليء بالقبور والنفايات، والخالي مِن أيّة شجرة ولا أيّ شيء في الجهة الجنوبيّة يحجب الشمس، وهي تُرسِل أشعّتها الـمُحرِقة وتُلهِب الصخور في شُرفات الجحيم الجديدة تلك، حيث تتأجّج في أسفلها نار وبائيّة تزيد الحرارة. فداخل تلك القبور الشبيهة بأفران الـمُحرَقات، أجساد بائسة تضمحلّ... يُفتَرَض أن تكون سلوام رهيبة في الشتاء، رطبة كما هي عليه وشماليّة الاتّجاه، ولكنّها مُرعِبة في الصيف…
يُطلِق سمعان الغيور صيحة نداء، فيأتي، بداية، ثلاثة ثمّ اثنان فواحد وواحد أيضاً، حسب المتاح لهم، حتّى الحدود الـمُصَرَّح بها لهم. وهنا امرأتان، إحداهما تمسك بيدها شكل طفل مُرعِب، حيث أصاب منه البرص الوجه بشكل خاصّ. وقد أَصبَحَ أعمى... وهناك رَجُل، يدل مظهره على أنّه مِن أصل نبيل، رغم ظروفه البائسة. ويتكلّم باسم الجميع: «ليكن مباركاً مسيح الربّ الذي انحَدَرَ إلى جحيمنا، ليَنتَشِل منها الذين يَرجُونه هو. خَلِّصنا يا ربّ، فلا نَهلك! خَلِّصنا يا مُخلِّص، مَلِك ذريّة داود، مَلِك إسرائيل. ارحم الذين يخصُّونَك. آه! بُرعم جذع يسّى، الذي قيل عنه إنّه حينما يأتي فلا يعود هناك شرّ، مُدَّ يدكَ لتتقبَّل بقايا شعبكَ هؤلاء. أَزِل عنّا هذه الميتة، امسح دموعنا، لأنّ هذا ما قيل عنكَ. ادعُنا يا رب إلى مراعيكَ الرائعة، إلى مياهكَ العذبة، فإنّنا عِطاش. خُذنا إلى الروابي الأزليّة حيث لا خطيئة ولا ألم. ارحم يا ربّ...»
«مَن أنتَ؟»
«يوحنّا مِن الهيكل. أُصِبتُ بالعدوى مِن أحد البرص، منذ برهة وجيزة. وتَرَى الداء وقد اصابَني. إنّما هُم!... فَمِنهم مَن ينتظر الموت منذ سنوات، وهذه الصغيرة هنا مُذ كانت لا تعرف المشي بعد. إنّها لا تَعرف خَلقَ الله. وجُلّ ما تعرفه أو تتذكّره مِن بديع الله، هي تلك القبور وهذه الشمس التي لا تَرحَم، ونجوم الليل. الرحمة للمُذنِبين والأبرياء، يا ربّ، يا مُخلِّصنا.» الجميع جاثُون ويَمدُّون أيديهم.
يبكي يسوع على الشقاء الكثير، ثمّ يَبسط ذراعيه هاتفاً: «أبتي، إنّني أريد ذلك: السلام والحياة والبَصَر والصحّة لهم.» ويَمكُث فاتحاً ذراعيه مُتوغِّلاً في الصلاة مِن كلّ قلبه. يبدو أكثر رهافة وسموّاً وهو يُصلّي، شُعلة الحبّ، بيضاء ومُقتَدِرة في نور الشمس الـمُذَهَّب الـمُقتَدِر.
«أُمّاه إنّني أرى!» الصيحة الأولى، جاوَبَتها صيحة الأُمّ التي تضمّ الطفلة، وقد شُفِيَت، إلى قلبها، ثمّ صيحة الآخرين فصيحة الرُّسُل... لقد حَصَلَت المعجزة.
«أنتَ، يا يوحنّا، الكاهن، ستقود رفاقكَ لإتمام الشعائر. ليكن السلام معكم. وسوف نجلب لكم القُوت كذلك، هذه الليلة.» يُبارِك ويهمّ بالابتعاد. ولكنّ يوحنّا الأبرص يهتف: «أريد السير على خطاكَ. قل لي ما ينبغي لي فِعله وأين ينبغي لي الذهاب للتحدّث عنكَ!»
«على هذه الأرض المعزولة والجرداء، وهي المحتاجة إلى الاهتداء إلى الربّ. فلتكن مدينة أورشليم حقل نشاطكَ. وداعاً.»
بعد ذلك يقول للرُّسُل: «والآن، هيّا بنا نلحق بالأُمّ.»
«ولكن أين هي؟» يَسأَل البعض.
«في بيت يعرفه يوحنّا. بيت الصبيّة التي شُفِيَت العام الماضي.»
يَدخُلون المدينة، يَقطَعون معظم ضاحية عوفل الآهِلة بالسكان، ويَصِلون إلى بيت صغير أبيض. يَدخُل يسوع مع سلامه العذب إلى البيت ذي الباب شبه المفتوح، الذي منه يَنطَلِق صوت مريم العذب وصوت أناليا الفضّي وذلك الأكثر خشونة الذي لأُمّها. وتجثو الصبيّة خاشِعة وتجثو أُمّها وتَنهَض مريم.
تَوَدُّ الصبية وأُمّها الاحتفاظ بالمعلّم، ولكنّ يسوع يباركهما واعداً إيّاهما بالعودة في يوم آخر، ويمضي. يذهب بطرس سعيداً مع مريم، كلّ يُمسِك الولد بيد، إنّهم يُشبِهون عائلة سعيدة. يَلتَفِت أناس كثيرون لِيَنظروا إليهم. ويسوع يُراقِب مسيرتهم وهو يبتسم.
«سمعان سعيد!» يقول الغيور.
«لماذا تبتسم يا معلّم؟» يَسأَل يعقوب بن زَبْدي.
«لأنّني أرى في هذه المجموعة وَعدَاً عظيماً.»
«أيّ وَعد يا أخي؟ ماذا ترى؟» يَسأَل ابن عمّه تدّاوس.
«هذا ما أراه: يمكنني المضيّ مطمئنّاً، عندما تزفّ الساعة. ينبغي لي ألّا أخشى على كنيستي. ستكون حينذاك صغيرة وغَضّة مثل مارغزيام. إنّما أُمّي ستكون ما تزال باقية لتأخذ بيدها هكذا وتكون لها أُمّاً، وسيكون بطرس أيضاً، ويكون لها أباً. يمكنني وضع يد كنيستي الفتيّة دون هَمّ في يده النـزيهة والمتصلِّبة الجِّلد. وسيمنحها بطرس قوّة حمايته، وأُمّي قوّة حبّها. وتنمو الكنيسة مثل مارغزيام... فهو في الحقيقة الوَلَد الرَّمز! ليبارك الله أُمّي وبطرس وابنهما، ابننا! هيّا بنا الآن إلى عند يُوَنّا...»
ها نحن مُجدَّداً في البيت الصغير في بيت عنيا، مساء. لقد انسَحَب البعض، وقد تَعِبوا، ولكنّ بطرس يَقطَع الخطوات المائة في الدرب رافعاً رأسه في أغلب الأحيان إلى الشُّرفة، حيث يسوع ومريم جالِسان يتحادَثان، ويوحنّا الذي مِن عين دور، مِن جانبه، يتحدّث إلى الغيور، جالساً وإيّاه تحت شجرة رمّان مُزهِرة.
قد تكون مريم آنذاك تَكَلَّمَت كثيراً، ذلك أنّني أَسمَع يسوع يقول لها: «كلّ ما قُلتِهِ لي في منتهى الصحّة، وسأحتفظ به في نفسي بدقّته. وبالنسبة إلى أناليا كذلك، أقول إنّ نصيحتكِ صحيحة. أن يَستَقبِلها الرَّجُل بهذه السرعة، إنْ هي إلّا إشارة حسنة. في الحقيقة، إنّ المجتمع الراقي في أورشليم مُغلَق وحَقود. حتّى إنّه يمكنني القول إنّه مُفعَم قَذارة. إنّما في شعبها الصغير، هناك لآلئ مجهولة قيمتها. إنّني مسرور كون أناليا سعيدة... إنّها تنتمي إلى السماء أكثر مِن انتمائها إلى الأرض. وقد يكون الرَّجُل، الآن وقد أَصبَحَ يَحكم بحسب الروح، قد تَنَبَّه إلى ذلك واحتَرَمَها بإجلال. فتفكيره بالذهاب إلى مكان آخر كيلا يَجعَل النَّذر الطَّاهِر لوعده يَضطَرِب بإحساس بشريّ، لهو الدليل على ذلك.»
«نعم يا بني، فالرجل أَحَسَّ بالعطر البتوليّ... أَتَذَكَّر يوسف؟ لا أدري أيّة عبارة أَستَخدِم. فهو لم يكن يعرف سرّي... ومع ذلك سَاعَدَني على البوح به، لأنّ قداسته كانت قد جَعَلَته يُحِسّ به. كان قد أَحَسَّ برائحة نَفْسي... أترى كذلك يوحنّا؟... يا للسلام!... والجميع يبحثون عنه... حتّى يهوذا الاسخريوطيّ بالذات. رغم أنّ... لا يا بنيّ، يهوذا لم يتغيّر. أعرف ذلك وتعرفه أنتَ. لن نتحدّث عنه لكيلا نَبدأ الحرب. ولكن دون كلام عنه نَعلَم... وحتّى الآخرون، وإن لم يتكلَّموا عن ذلك، فلديهم حَدس بذلك... آه! يا يسوعي! لقد روى لي الفتيان اليوم، في جَثْسَيْماني، واقِعة مجدلة وواقعة صبيحة السبت... البراءة تتكلّم... لأنّها تَرَى بعينيّ ملاكها. إنّما الأكبر سنّاً كذلك مُتنَبِّهون له... وهُم ليسوا مخطئين. إنّه هارب... كلّ ما فيه هارب... وأنا أخاف منه. وعلى شفتيَّ العبارات ذاتها التي رَدَّدَها بنيامين في مجدلة ومارغزيام في جَثْسَيْماني، فلديَّ، تجاه يهوذا، نُفور الأطفال ذاته.»
«لا يمكن أن يكون الجميع يوحنّا!»
«ولكنّني لا أُطالِب بذلك! وإلّا لكان الفردوس آنذاك على الأرض. ولكن انظُر، لقد حَدَّثتَني عن يوحنّا الآخر... رجل سَبَقَ له فَقَتَل... ولكنّه يُثير فيَّ الشفقة فقط. أمّا يهوذا فيخيفني.»
«أَحِبّيه يا أُمّي! أَحِبّيه حُبّاً بي!»
«نعم يا بنيّ. ولكنّ حبّي لن يفيد. سيبقى فقط ألماً لي، وخطيئة له. آه! لماذا دَخَلَ؟ إنّه يُشوِّش الجميع، ويُهين بطرس الجدير بكلّ احترام.»
«نعم، إنّ بطرس طيّب للغاية. مِن أجله أَفعَل كلّ شيء، لأنّه يستحقّ ذلك.»
«لو كان يسمعكَ لقال بابتسامته العَذبَة الصريحة: "آه! يا سيّدي، ليس صحيحاً!" ولكان على حقّ.»
«لماذا يا أُمّاه؟» ولكنّ يسوع يبتسم الآن لأنّه أَدرَكَ.
«لأنّكَ لا تتكرّم عليه بمنحه ابناً. لقد أفضى إليَّ بكل آماله وأمانيه وكلّ رغباته... وكلّ ممانعاتكَ.»
«أَوَلم يَقُل لكِ المبرِّرات لذلك؟»
«بلى، لقد قالها لي وأضاف: "صحيح... ولكنّني بَشَر، إنسان فقير. ويسوع مُصِرّ على أن يرى فيَّ رَجُلاً عظيماً. ولكنّني أَعلَم أنّني حقير، وبسبب ذلك... بإمكانه أن يَهَبني ولداً. فأنا تَزَوَّجتُ لهذا السبب... وسوف أموت دون حصولي عليه". وكان بطرس يشير إلى الصبيّ الذي كان قد عانَقَه لسعادته بالحصول على الثوب الذي اشتراه له، وهو يقول: "أبي الحبيب". وقال لي: "أَتَرَين هذا؟ عندما يُكَلِّمني هكذا، هذا الطفل الذي لم أكن أعرفه منذ عشرة أيام، يجعلني أُحِسُّ أنّني أكثر طَلاوة مِن السمن وأحلى مِن العسل، وأبكي لأنّ... كلّ يوم يمرّ يُبعِدني عن هذا الصبيّ..."»
تَصمت مريم، وهي تُلاحِظ أن ابنها يَدرُس مَلامِحها، في انتظار كلمته... ولكن يسوع يَضَع مِرفَقَيه على ركبته، ويَسند رأسه على راحته، ويَنظُر إلى مدى الكروم الأخضر.
تأخذ مريم يده وتلاطفها وتقول: «لدى سمعان تلك الرغبة العارمة... وحينما كنتُ ذاهبة معه، لَم يَكفّ عن التحدّث عنها، وبمبرّرات مُحِقَّة لدرجة... لم أستطع معها قول شيء لإسكاته. إنّها نَفس الـمُبرِّرات التي نُفكِّر بها نحن، نساء وأُمّهات. الصبيّ ليس قويّاً. لو كان مثلكَ... آه! لَتَمَكَّنَ حينئذ مِن المضيّ دون خوف إلى عَيش حياة تلميذ. ولكن كَم هو طريّ عوده!... إنّه ذكيّ جدّاً ووديع للغاية... إنّما لا أكثر. وحينما يكون فرخ اليمام نحيلاً، لا يمكنه الطيران كما يفعل الأقوياء. الرُّعاة صالحون... ولكنّهم يَظَلّون رجالاً. والأولاد يحتاجون إلى النساء. فلماذا لا تتركه لسمعان؟ طالما أنتَ تأبى مَنحَه وَلَداً مِن صُلبه حقّاً، إنّني أُدرِك الدَّافِع. الطفل بالنسبة لنا كالـمِرساة. وسمعان، المعَدّ لمهمّة عظيمة، لا يمكن أن تكون له مَراسٍ تعيقه. إنّما، مع ذلك، ينبغي لكَ الإقرار بأنّ عليه أن يكون "أب" جميع الأولاد الذين ستتركهم له. وكيف يمكنه أن يكون أباً، إذا لَم يَلِج يوماً مَدرَسَة طفل؟ فالأب يجب أن يكون وديعاً. وسمعان طيّب ولكنّه ليس وديعاً. بل هو نَزِق ومُتشدِّد. وما سِوى طفل يمكنه تعليمه الفنّ الدقيق في الإشفاق على الضُّعَفاء... خُذ مصير سمعان بعين الاعتبار، فإنّه خليفتكَ! آه! ومع ذلك ينبغي لي قولها، تلك الكَلِمَة الفظيعة! ولكن، لكلّ الألم الذي يسببّه لي قولها، استَمِع إليَّ، فإنّني أبداً لا أنصحكَ بأمر ليس بالجيّد. مارغزيام... ينبغي لكَ أن تجعل منه تلميذاً ممتازاً... ولكنّه ما زال طفلاً. وأنتَ... سوف تمضي قبل أن يُصبِح رَجُلاً. فَمَن الأَولى بأخذه حينذاك لإتمام تعليمه إن لم يكن سمعان؟ وفي النهاية، تَعلَم كم تلقّى سمعان المسكين مِن الـمِحَن، حتّى بسببكَ، مِن قِبَل حماته، ومع ذلك لَم يسترجع أيّ جزء مِن ماضيه، مِن حرّيّته منذ عام، لكي تَدَعه بسلام حماتُه التي، حتّى أنتَ، لَم تستطع تغييرها. وامرأته المسكينة؟ آه! لديها رغبة جامحة في أن تُحِبّ وأن تكون محبوبة. الأُمّ... آه! الزوج؟ حبيب مُتسَلِّط... فَمَا مِن حنان يُعطى لها دون التطلُّب كثيراً... يا لها مِن امرأة مسكينة!... دع الطفل لها، اسمع يا بني. الآن نأخذه معنا، سآتي أنا كذلك إلى اليهوديّة. ستأخذني إلى واحدة مِن رفيقاتي في الهيكل، وهي تكاد تكون قريبة لي، لأنّها مِن سلالة داود. إنّها تَقطُن في بيت صور. وسوف أعود لأراها إذا كانت ما تزال حيّة. بعد ذلك، أثناء العودة إلى الجليل، سنعطيه لبربارة، وعندما نُصبِح في ضواحي بيت صيدا، يأخذه بطرس. وعندما سنأتي إلى هنا بعيداً، يبقى الطفل معها. آه! ولكنّكَ تبتسم الآن! إذاً فسوف تعمل على إرضاء أُمّكَ. شكراً لكَ يا يسوعي.»
«نعم، فليكن كما تشائين.» ويَنهَض وينادي بصوت عال: «سمعان بن يونا، تعال هنا.»
يَقفِز بطرس، ويَصعَد السلّم مسرعاً: «ماذا تريد يا معلّم؟»
«تعال هنا أيّها الغَاصِب والـمُفسِد!»
«أنا؟ لماذا؟ ماذا فَعَلتُ يا سيّدي؟»
«لقد أَفسَدتَ أُمّي. لأجل ذلك كنتَ تريد أن تكون وحدكَ. ماذا عليَّ أن أفعل بكَ؟» ولكنّ يسوع يبتسم، فيطمئنّ بطرس.
«آه! لقد أَفزَعتَني حقّاً! ولكنّكَ الآن تضحك... ماذا تريد منّي يا معلم؟ حياتي؟ لم أعد أملك غيرها، طالما أَخَذتَ منّي كلّ شيء... ولكن إن أرَدتَها فهي لكَ.»
«لا أبغي أن آخذ منكَ، بل أن أعطيكَ. حينذاك لا تُبالِغ بنصركَ ولا تُعطِ السرّ للآخرين، أيّها الرَّجُل الـمُفعَم بالخِداع، يا مَن تَغَلَّبتَ على المعلّم بسلاح الكَلِمَة الوالِديّة. سيكون الطفل لكَ، ولكن...»
لم يستطع يسوع إتمام كلامه، إذ إنّ بطرس الذي كان جاثياً، يَنتَصِب باندفاع، ويُقبِّل يسوع بحيويّة قَطَعَت عليه الكلام.
«اشكرها هي، وليس أنا. ولكن حينذاك تَذَكَّر أنّ ذلك يجب أن يساعدكَ لا أن يعيقكَ...»
«لن تندم على عطيّتكَ يا سيّدي... آه! يا مريم، مُبارَكَة أنتِ على الدوام، أيّتها القدّيسة والصالحة...»
وبطرس الذي عاد ليجثو، يبكي بِحَقّ وهو يُقَبِّل يد مريم...