ج5 - ف63
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الخامس/ القسم الثاني
63- (عشيّة السبت. /II/: في الهيكل)
31 / 01 / 1946
يَلِج يسوع الهيكل، وما أن تطأ قدماه أرضه حتّى يصبح مِن السهل إدراك مشاعر النُّفوس تجاه الناصريّ. نظرات شرّيرة؛ أوامر إلى حُرّاس الهيكل لمراقبة "الـمُخِلّين بالنظام"، وقد أُعطِيَت علناً كي يرى الجميع ويَسمعوا؛ كلمات احتقار للذين معه؛ وحتّى صَدمات مُفتَعَلة لبعض التلاميذ... الخلاصة، الحقد لدرجة أنّ الفرّيسيّين البارزين والكَتَبَة والعلماء يتّخذون أوضاعاً وينهجون نهج الحَمّالين، بل أسوأ أيضاً. لا يُفكِّرون، وقد أفقدهم الحقد البصر لدرجة أنّهم يَنحَطّون إلى أقصى درجات الانحطاط بتصرّفهم هكذا.
يمرّ يسوع بهدوء، كما لو أنّ هذا الموقف لم يكن يعنيه حتّى! وهو أوّل الـمُحيِّين حالما يرى شخصيّة إنْ لموقعه في الهيكل أو لموقعه السلطويّ هو "رئيس" في العالم العبريّ. وإذا لم يجب أحدهم على تحيّة يسوع المراعية لواجبات الاحترام التي يوجّهها إليه، فلا يُغيِّر يسوع سلوكه لأجل ذلك. بالتأكيد، تعابير وجهه تتبدّل عندما يَعبُر مِن واحد إلى آخر مِن هؤلاء المتكبّرين، أو واحد أو أكثر مِن أولئك المتواضعين كثيري العدد -وعديدون هُم المتسوّلون والمساكين الذين جمعهم البارحة والذين، بضربة حظ غير متوقّعة، يتمكّنون مِن إقامة شعائر فِصح كما يمكن ألّا يكونوا قد أقاموها منذ سنوات، والذين، إذ اجتمعوا في مجموعات صغيرة، في مشاركات صغيرة تشكَّلَت آنيّاً، يَمضون لشراء الحِملان التي سيُضَحّى بها، سعداء لكونهم، وهُم الـمُهمَّشون، يتساوون مع الآخرين بثيابهم ووسائلهم- حينذاك يُشرِق وجهه بابتسامة عذبة للغاية. ويتوقّف بلطافة للاستماع إلى نواياهم، إلى رواياتهم المدهشة، وبركاتهم... عجائز، أطفال، أرامل، عاجزو الأمس: اليوم أصحّاء؛ بؤساء الأمس، ممزّقون، جائعون ومهمّشون: اليوم حَسَنو الهندام وسعداء لكونهم كالآخرين في أيّام عيد الفطير الكبير!
الأصوات المختلفة، بِدءاً مِن الفضيّة التي للأطفال، حتّى الأصوات المرتجفة التي للمسنّين، وما بين الاثنين، الأصوات المنفعلة التي للنساء، تُحيّي، تُرافِق وتَتبَع يسوع. وتنهمر القُبلات على ثيابه وعلى يديه. يبتسم يسوع ويُبارِك، بينما أعداؤه، ممتقعين مِن الغيظ بقدر ما هو مُشرِق بالسلام، يستبدّ بهم الغضب العاجز.
أَسمَع مقاطع مِن الحوارات…
«أنتَ تجيد القول، إنّما لو كنا تحوّلنا إلى الإيذاءات، لكان هؤلاء (ويشير أحد الفرّيسيّين إلى الجمع الذي يحيط بيسوع) سيقطّعوننا إرباً.»
...«تصوّروا!» يقول رجل كان بالأمس عاجزاً ومتسوّلاً. «لقد استَقبَلَنا، أَشبَعَنا، أَلبَسَنا، وشفانا، وكثيرون وجدوا عملاً وعوناً بواسطة تلاميذ أغنياء. عن طريقه تمّ كلّ شيء، فلينقذه الله على الدوام!»
...«لا عَجَب! فهكذا يشتري الشعب البسيط، هذا المتمرّد، ليحرّضه ضدّنا!» يُتمتِم بين أسنانه أحد الكَتَبَة الذي يتحدّث إلى زميل له.
«إحدى تلميذاته أَخَذَت اسمي وقالت لي أن أذهب إليها بعد الفصح. سوف تأخذني إلى ممتلكاتها في بَتّير. أتُدرِكين معنى ذلك أيتها المرأة؟ أولادي وأنا. سأذهب للعمل. ولكن ما يكون العمل المحميّ والأكيد؟ إنّه لَفَرَح! ولن يُنهَك ابني لاوي في الأعمال الزراعيّة، ذلك أنّ التلميذة التي تأخذنا ستضعه في مزارع الورود... تسلية، أقول لكِ! آه! فليُحسِن الأزليّ إلى مسيحه ويمجّده!» تقول أرملة سهل شارون لإسرائيليّة ميسورة تَسأَلها.
«آه! وأنا ألا أستطيع؟ ... هل حصلتم جميعكم على عمل، الآن، أنتم يا مَن جَمَعَكم في الأمس؟» تقول الإسرائيليّة الثريّة.
«لا، يا امرأة. هناك أيضاً أرامل أُخرَيات مع أولاد ورجال آخرين.»
«أودُّ القول له بأن يتكرّم عليَّ ويمنحني فرصة مساعدته.»
«ناديه!»
«لستُ أجرؤ.»
«اذهَب أنتَ، يا ولدي لاوي، وقُل له إنّ هناك امرأة تريد التحدّث إليه...»
ويمضي الولد بهمّة لينقل الخبر إلى يسوع.
في هذه الأثناء، يُعنِّف صدّوقيّ رجلاً عجوزاً يحتفل كحَبر وسط مجموعة أتت ممّا وراء الأردن، ويمتدِح معلّم الجليل.
يُدافِع الشيخ عن نفسه قائلاً: «بماذا أُسيءُ التصرّف؟ هل كنتَ تريدني أن أمتدحكَ، أنتَ؟ فما لكَ سوى أن تفعل ما يفعله هو. إنّما أنتَ، ليسامحكَ الله، فللشيب والبؤس تُقدِّم الاحتقار وليس الحبّ. إسرائيليّ سيّئ لا تحترم الوصايا فتُشفِق على الفقراء.»
«هل تسمعون؟ هذه هي ثمرة مَذهَب ذلك الزعيم! يُعلِّم عامّة الشعب الإساءة إلى قدّيسيّ إسرائيل.»
فيجيبه أحد كَهَنَة الهيكل: «إذا حَدَثَ هذا فالخطأ خطأنا! نكتفي بالتهديدات دون ترجمتها إلى أفعال!»
...في تلك الأثناء يقول يسوع للمرأة الإسرائيليّة: «إذا كنتِ تريدين حقّاً أن تكوني أُمّاً لليتامى وأُختاً للأرامل، اذهبي إلى قصر خُوزي، في السيست (Sixtus). قولي ليُوَنّا بأنّني أنا مَن أَرسَلَكِ. اذهبي ولتكن أراضيكِ خصيبة مثل جنّة عدن بسبب رحمتكِ، وليكن قلبكِ خصيباً بحبّ يتعاظم على الدوام تجاه قريبكِ.» وفي هذه اللحظة يَرَى يسوع الحرّاس يَجرُّون العجوز الذي كان يتحدّث سابقاً. فيصيح: «ماذا تفعلون لهذا الرجل الـمُسِنّ؟ وماذا فَعَلَ؟»
«لقد شَتَمَ الرؤساء الذين كانوا يؤنّبونه.»
«هذا ليس صحيحاً. لقد أساء أحد الصدّوقيّين معاملتي لأنّني كنتُ أُحدِّث هؤلاء الحُجّاج عنكَ. وبما أنّه رَفَعَ يده عليَّ، لأنّني عجوز وفقير، قلتُ له إنّه إسرائيليّ مُزيَّف يَدوس على ما جاء في الوصايا.»
«اتركوا هذا الشيخ. إنّه معي. فالحقيقة هي التي كانت على شفتيه. ليست الصراحة: الحقيقة. فلو تكلَّمَ الله على شِفاه الأطفال، فإنّه يتكلّم أيضاً على شِفاه الشيوخ. قيل: "لا تحتقر الإنسان في شيخوخته، لأنّ الذين يَشيخون هُم أهلنا". وأيضاً: "لا تحتَقِر الـمُسِنّين والحُكَماء؛ ولتكن أقوالهم مألوفة لديكَ، ذلك أنّكَ منهم ستتعلّم الحكمة والعِبَر"، وأيضاً: "حيث يكون الشيوخ، لا تتكلّم كثيراً". فليتذكّر إسرائيل ذلك، هذا الجزء مِن إسرائيل الذي يَدَّعي الكمال، إذ بغير ذلك فيمكن للعليَّ أن يجعله يخيب. أيّها الأب، تعال هنا إلى جانبي.»
يتوجّه الشيخ المسكين نحو يسوع بينما يمضي الصدّوقيّون غاضبين وقد صَعَقَتهم اللّائمة.
«أنا امرأة عبرانية مِن الشتات، أيا أيّها الـمَلِك الـمُنتَظر. هل بإمكاني أن أخدمكَ كتلك المرأة التي أَرسَلتَها إلى بيت يُوَنّا؟» تقول امرأة تبدو لي تماما تلك المدعوة نيقي (فيرونيكا)، التي مسحت وجه يسوع على الجلجلة وحصلت بذلك على المنديل (الوِشاح). ولكن نساء فلسطين يشبهن بعضهن كثيراً، وبمرور أشهر على تلك الرؤيا، قد أُخطئُ.
يَنظُر إليها يسوع. فيرى امرأة في حوالي الأربعين مِن العُمر، امرأة جيّدة الهندام، ومظهرها يُنبِئ بنـزاهتها. يَسأَلها: «أنتِ أرملة، أليس كذلك؟»
«نعم، وبلا أبناء. لقد عدتُ مؤخّراً وتملَّكتُ بعض الأراضي في أريحا، كي أكون قريبة مِن المدينة المقدّسة. ولكنّي الآن أرى أنّكَ أعظم منها، وأنا أتبعكَ. أرجوك أن تقبَلَني كخادمة. لقد عرفتكَ بواسطة تلاميذكَ، ولكنّكَ تفوق ما قالوه لي.»
«حسناً، ولكن ما الذي تبغينه بالضبط؟»
«أن أُساعِدكَ بشأن الفقراء، وعلى قدر استطاعتي، أن أجعلكَ محبوباً ومعروفاً. أعرف كثيراً مِن الجاليات مِن الشتات، ذلك أنّني رافقتُ زوجي في أعماله التجاريّة. لديَّ الإمكانيّات وأَقنَع بالقليل. بالنتيجة فأنا أستطيع فِعل الكثير. وأريد أن أفعل الكثير حبّاً بكَ، وكي أُساعِد روح الذي أَخَذَني عذراء منذ عشرين عاماً، وكان لي الرفيق الـمُحِبّ حتّى النَّفَس الأخير. وكان يقول لي ذلك وهو يحتضر. كان يبدو وكأنّه يتنبّأ: "لدى موتي، أَودِعي جسد الذي أحبّكِ القبر، وامضي إلى موطننا. سوف تجدين الموعود المنتظَر. آه! سوف ترينه! ابحثي عنه. اتبعيه. فهو الفادي والذي يقوم مِن الموت، وسوف يَفتَح لي أبواب الحياة. كوني صالحة لتساعديني في أن أكون على أهبة الاستعداد عندما يَفتَح السماوات للذين لم يعد لديهم أيّ دَين تجاه العدل، وكوني صالحة لتلتقيه دونما تأخير. أَقسِمي أنّكِ سوف تفعلين ذلك وتُبدِّلين دموع الترمّل العقيمة بنشاط شجاع. اتّخذي يهوديت كمثال، يا زوجتي، وسوف تعرفكِ جميع الشعوب". زوجي المسكين! أنا، أطلب فقط أن تعرفني أنتَ...»
«سوف أعرفكِ تلميذة صالحة. اذهبي، أنتِ كذلك إلى يُوَنّا، وليكن الله معكِ...»
مُزعِجين كالنحل، يعود للهجوم أعداء يسوع. هو الذي كان قد قدّم أضحية الحَمَل، والذي انتظاراً لأن تُقدّم تلك التي أخذها التلاميذ بالقدر اللازم لعدد كبير كهذا، يعود إلى داخل سور الهيكل.
«متى تحسب نفسكَ تنتهي مِن تصرّفاتكَ كمَلِك؟ أنتَ لستَ مَلِكاً! لستَ نبيّاً! حتّى متى تستغلّ طيبتنا، أيّها الرجل الخاطئ، المتمرّد، مسبّب الأذى لإسرائيل؟ كم مرّة ينبغي لنا أن نقول لكَ لا يحقّ لكَ أن تكون رابّياً هنا في الداخل؟»
«جئتُ لأقدِّم أُضحِيَة الحَمَل. لا يمكنكم منعي مِن ذلك. أمّا فيما بقي فأذكّركم بأدونيا وسليمان.»
«ما دخلهما؟ ما الذي تريد قوله؟ هل أنتَ أدونيا؟»
«لا. أدونيا صارَ مَلِكاً بالغشّ، ولكن الحكمة كانت تسهر وتنصح، وسليمان فقط صار مَلِكاً. فأنا لستُ أدونيا، أنا سليمان.»
«وأدونيا، مَن يكون؟»
«أنتم جميعاً.»
«نحن؟ كيف تقول هذا؟»
«بحقّ وعدل.»
«نلحظ الشريعة في كلّ نقطة، ونؤمن بالأنبياء و...»
«لا. أنتم لا تؤمنون يالأنبياء. هُم يُسمّونني وأنتم، أنتم لا تؤمنون بي. لا. أنتم لا تلحظون الشريعة. هي توصي بالأفعال المشروعة، وأنتم لا تفعلونها. حتّى هذه التَّقادِم التي تأتون تُقدِّمونها ليست مشروعة.
قيل: "دَنِسَة هي تقدمة الذي يضحّي بخيرات حَصَلَ عليها بشكل فاسد". قيل: "العليّ لا يقبل عطايا الناس الظالمين، لا يلتفت إلى تقادمهم، ولن يتلاءم مع خطاياهم لكثرة أضاحيهم". قيل: "الذي يُقدِّم أضحيته مِن مال الفقراء هو كَمَن يذبح ابناً تحت عينيّ أبيه". هذا قيل يا جيوقانا.
قيل: "خُبز المعوزين حياة الفقراء، ومَن ينـزعه منهم مجرم هو". هذا قيل يا إسماعيل.
قيل: "مَن ينتزع خبز عرق الجبين هو كَمَن قَتَلَ الفقير". هذا قيل يا دوراس بن دوراس!
قيل: "إنّ الذي يُريق الدم والذي يَحرم العامل مِن أجره هُما أَخَوان".هذا قيل يا جيوقانا وإسماعيل وحنانيا ودوراس ويوناثان! وتذكّروا كذلك أنّه قيل: "مَن يصمّ أذنيه عن صراخ الفقراء، يصرخ هو أيضاً، ولكن صراخه لن يُسمَع."
وأنتَ، يا أليعازر بن حنّان، تذكّر وذكِّر أباكَ أنّه قيل: "فليكن كَهَنَتي قدّيسين ولا يتنجّسوا لأيّ سبب."
وأنتَ، يا كورنيليوس، اعلَم أنّه قيل: "الذي يَلعَن أباه وأُمّه فليُحكَم عليه بالموت"، والموت ليس فقط الذي يُنفذّه الجلاّد. بل أعظم مِن ذلك ينتظر الذين يخطئون إلى آبائهم، موت أبديّ، مريع.
وأنتَ، يا تولماي، تذكّر أنّه قيل: "الذي يَعكف على السحر، أُهلِكه أنا".
وأنتَ، يا صادوق، الكاتب الذهبي، تذكّر أنّ لا فرق بين الزاني وسمساره في عينيّ الله، وأنّه قيل مَن يُقسِم زوراً هو فريسة النيران الأبديّة. وقُل لِمَن نَسِيَ ذلك إنّ مَن يأخذ عذراء، وبعد إشباع رغبته منها، يُبعِدها باتّهامات كاذبة، يجب أن يُدان. آه! ليس هنا على الأرض. بل في الحياة الأُخرى، مِن أجل الكَذِب والقَسَم الزور والأذى الذي لَحِق بالمرأة، ومِن أجل الزنى.
وماذا؟ أتهربون؟ أمام الأعزل، الذي يقول كلاماً ليس كلامه، إنّما هو كلام مَن تَعتَرِفون أنّهم قدّيسو إسرائيل، وبالتالي فلا يمكنكم القول إنّ الأعزل مُجدِّف، لأنّكم بقولكم ذلك تُعلِنون أنّها مُجدِّفة أسفار الحكمة وتلك التي لموسى الموحى بها مِن الله؟ أفتهربون مِن أمام الأعزل؟ أعلى سبيل الصدفة أن تكون كلماتي حجارة؟ أم إنّها توقظكم بضربها على البرونز الصلب الذي لقلبكم القاسي، لضميركم، ويَشعُر أنّ عليه واجب التطهير، هو كذلك، وليس فقط الأعضاء، في عشيّة السبت هذه، للتمكّن مِن تقدمة الحَمَل المقدّس بغير خطيئة النَّجاسة؟ آه! لو كان كذلك، سبحان الربّ! لأنّ الحكمة الحقيقيّة، أنتم يا مَن تبغون أن تكونوا مُـمَجَّدين كحكماء، هي معرفة الذات، ومعرفة الأخطاء الشخصيّة، الندامة والذهاب إلى الاحتفالات بتقوى "حقيقيّة". أي بعبادة وطقوس النَّفْس، وليس بالطقوس الخارجيّة…
لقد مضوا! ونحن أيضاً، هيّا بنا نعطي السلام للذين ينتظروننا...»