ج4 - ف145
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الرابع / القسم الثاني
145- (في الهيكل، مِن أجل عيد المظالّ)
20 / 09 / 1945
يتوجّه يسـوع إلى الهيكل. يَسبقه التلاميذ جماعات، وتتبعه النسـوة التلميذات جماعة: أُمّه، مريم التي لحلفى، مريم سالومة، سُوسَنّة، يُوَنّا امرأة خُوزي، إليز التي مِن بيت صور، أناليا أورشليم، مرثا ومارسيل. مريم المجدليّة ليست هناك. الرُّسُل الاثنيّ عشر ومارغزيام يُحيطون بيسوع.
أورشليم في بَذخ أيّام عيدها الاحتفاليّ. أُناس على الطرقات جميعها، ومِن كلّ المناطق. تراتيل، عِظات، صَلوات مَهموسة، لَعنات للحمير، بعض مِن بكاء الأطفال، وفوق كلّ هذا، سماء مُشـرِقة تَظهَر بين البيوت، وشمس تَهبط فَرِحة لتجعل ألوان الثياب أكثر نُضرة، لتُثير الألوان الميتة للتعريشات والأشجار التي تُرى هنا وهناك خلف جدران الحدائق المغلقة أو الشُّرُفات.
يُصادف يسوع أحياناً أشخاصاً مِن معارفه، والسلام يكون أكثر أو أقلّ إجلالاً حسب مَزاج الذي يُصادفه. وهكذا كان عميقاً، إنّما مُتفضّلاً، سلام غَمَالائيل. فيُحدِّق هذا الأخير باستفانوس الذي يبتسم له مِن بين جماعة التلاميذ، وبعد أن ينحني أمام يسوع، يُناديه غَمَالائيل على حِدة ويقول له بعض الكلمات، يعود بعدها استفانوس إلى جماعته. مُفعَم احتراماً هو سلام رئيس المجمع العجوز كِلْيوباس الذي مِن عِمّاوس، الذي يتوجّه مع أبناء بلدته إلى الهيكل. أمّا رَدّ التحيّة على يسوع مِن قِبَل فرّيسيّي كفرناحوم فكان قاسياً كاللَّعنة.
أمّا فلّاحو جيوقانا، وقد أتى بهم القائم على الأملاك، فكان سلامهم أن جَثوا حتّى لامَسوا تراب الطريق بينما هُم يُقبِّلون قدميّ يسوع. يتوقّف الجمع ليرى بدهشـة مجموعة الرجال هذه الذين، عند مُفتَرَق طُرق، يتدافعون وهُم يَهتفون عند أقدام شابّ ليس فرّيسيّاً ولا كاتباً مشهوراً، ولا رجل بَلاط ذا سلطان، ويَسأَل أحدهم مَن يكون. وينتشر الهمس: «إنّه رابّي الناصرة، الذي يُقال عنه إنّه مَسيّا.»
مُهتدون جُدُد ووثنيّون يُحيطون به آنذاك بفضول، دافعين المجموعة إلى الجِّدار، وقد خَلَقوا ازدحاماً في الساحة الصغيرة، حتّى فرَّقَهم رَهط مِن الحمير وهم يَلعنون الإعاقة. ولكنّ الجمع يعود للتجمّع مِن جديد دون تأخير، مُفرِّقين النسـاء عن الرجال، مُلِحّين، فَظّين في بوادر إيمانهم. الجميع يريدون أن يَلمسوا ثياب يسوع، أن يقولوا له كلمة، أن يَسأَلوه. إنّه لجهد ضائع، لأنّ عَجَلَتهم ذاتها، قَلَقهم، حركاتهم للانتقال إلى الصفوف الأولى، وهُم يتدافعون، كلّ هذا يؤدّي إلى عدم نجاح أيّ واحد في ذلك، وحتّى الأسئلة والأجوبة تذوب في ضوضاء مُبهَمَة.
الوحيد الذي يَنتَزِع نفسـه مِن هذا المشهد هو جدّ مارغزيام الذي يُجيب بصيحة على صيحة حفيده، وحالاً، بعد أن يُحيّي المعلّم بإجلال، يضمّ الصبيّ إلى قلبه، وإذ هو على تلك الحال مرتكزاً على عقبيه وركبتاه إلى الأرض، يُجلِسه في حضنه، يتأمّله ويداعبه بدموع وقُبلات فَرِحة، يَسأَله ويَسمعه. لقد أَصبَحَ العجوز وكأنّه في الجنّة، لشدّة سعادته.
يَهرَع الجنود الرومان لظنّهم أنّ هناك مشكلة قائمة، ويَشقّون لهم طريقاً. ولكنّهم حينما يَرَون يسوع، يبتسمون وينسـحبون بهدوء، مُكتَفين بنصيحة الذين هُم هناك بترك مُفتَرَق الطُّرق الهامّ حُرّاً. ويُطيع يسوع عقب ذلك، مستفيداً مِن المساحة الحرّة التي خَلَّفها جنود الرومان، الذين يَسبقونه بضعة خطوات، كما لو كانوا يَفتحون له الطريق، لِيَعودوا في الحقيقة إلى نوبة حراستهم، إذ إنّ الحامية الرومانيّة مُكثَّفة جدّاً، كما لو أنّ بيلاطس كان يَعلَم أنّ هناك استياء بين الجموع، وكما لو أنّه كان يَخشـى انتفاضة في تلك الأيّام التي تعجّ فيها أورشليم باليهود القادمين مِن كلّ الأصقاع.
جميل أن يُرى وهو يذهب، تسبقه المفرزة الرومانيّة، كَمَلِك يُخلون له الطريق، بينما هو يزور ممتلكاته. قال للصبيّ والعجوز أثناء تنقّله: «ابقيا معاً واتبعاني.» وللوكيل: «أرجوكَ أن تترك لي رجالكَ. سيكونون في ضيافتي حتّى المساء.»
يُجيب الوكيل باحترام: « فليكن ما تشاء في كلّ شيء.» ويَمضي وحيداً بعد تحية بليغة.
لقد أَصبَحَ قريباً مِن الهيكل، وما زال عجيج الجموع أكثر كثافة، في الحقيقة هُم كالنمل قرب المنملة (الوكر)، عندما هَتَفَ أحد فلّاحي جيوقانا: «هـا هو المعلّم!» وإذ يقتدي به الآخرون، يجثو على ركبتيه لتحيّته. يبقى يسوع واقفاً وسـط جماعة الفلّاحين، لأنّهم كانوا محتشدين حوله، ويدير نَظَرَه صوب النقطة المشار إليها. يُصادِف نظرة فرّيسيّ ثيابه فاخرة، وهو ليس جديداً بالنسبة إليَّ، ولكنّني لستُ أدري أين رأيتُه. الفرّيسيّ جيوقانا مع آخرين مِن طَبَقَته: كومة مِن الأقمشة الثمينة، أهداب، حلقات، أحـزمة وتميمات، وكلّ ذلك بأكثر إسهاباً مِن المعتاد. يُحدِّق جيوقانا بيسوع: نظرة فضول بحت، ومع ذلك فهي لا تخلو مِن الاحترام. بل حتّى سلامه هو بالأحرى متكلِّف: يَحني رأسه فقط. ولكنّه يبقى سلاماً يردّ عليه يسوع باحترام. وحتّى فرّيسيّان أو ثلاثة يُحيّون، بينما آخرون ينظرون باحتقار، أو يتظاهرون بأنّهم يَنظُرون إلى جهة أخرى، وواحد فقط يتفوّه بشتيمة. هذا أكيد لأنّني أرى الذين يحيطون بيسوع يَنتَفِضون، وحتّى جيوقانا يلتَفِت فجأة ليَصعَق الذي شَتَمَ بنظرة، إنّه أكثر شباباً منه وتقاسيمه جليّة وقاسية.
عندما تمّ اجتيازهم واستطاع الفلّاحون الكلام، يقول أحدهم: «إنّه دوراس، يا معلّم، ذاك الذي لعنكَ.»
«دعه يفعل، فأنا لديَّ أنتم تباركونني.» يقول يسوع بهدوء.
مَنَاين موجود مع آخرين، وهو يتّكئ على واجهة قنطرة مزخرفة، وما أن يَرى يسوع حتّى يرفع ذراعيه علامة على فَرَحه: «إنّه لَيوم ممتع، لأنّني التقيتكَ!» ويُقبِل إلى يسوع، يتبعه مُرافِقوه. يحيّيه بإجلال تحت القنطرة المزخرفة الظليلة، حيث ترنّ الأصوات كما لو أنّها تحت قُبّة.
تماماً في اللحظة التي يُحيّيه فيها بإجلال، يمرّ أمام المجموعة الرَّسوليّة ابنا العمّ سـمعان ويوسف مع آخرين مِن الناصرة... ولا يُلقون التحيّة... يَنظُر إليهم يسوع حزيناً ولكنّه لا يقول شيئاً. يوضاس ويعقوب، وقد أُثيرا، يتحادثان فيما بينهما. ويوضاس يتأجَّج غيظاً، ثمّ يمضي وهو يَجري، دون أن يتمكّن أخوه مِن الأمساك به. ولكن يسوع يعود فيناديه بلهجة آمِرة: «يوضاس تعال هنا!» فيعود ابن حلفى الثَّائِر إلى الخلف…
«دعهم يَفعلون. إنّهم زَرع لم يَطَله الربّيع بعد. دعهم في ظلمة التلعة العنيدة. ورغم ذلك فإنّني سوف أخترقهم، حتّى ولو أَضحَت قساوتهم تلك بصلابة حجر يشب يغلّف بذرة. سـوف أفعل ذلك في الوقت المناسب.»
ولكنّ بكاء مريم التي لحلفى، المحزونة، يَرنّ أقوى مِن إجـابة يوضاس بن حلفى. الأنين الطويل لإنسانة مَهيضة الجَّناح…
ولكنّ يسوع لم يلتفت إليها ليواسيها، رغم أنّ ذاك الأنين يَـرنّ بشكل جليّ تحت القنطرة المزخرفة، ممّا يَجعَل له صَدى مضاعَف. يستمرّ في حديثه مع مَنَاين الذي يقول له: «الذين معي هُم تلاميذ ليوحنّا. يريدون مثلي أن يتبعوكَ.»
«السلام للتلاميذ الصالحين. هنا، في المقدّمة، متّياس ويوحنّا وشمعون، وهُم معي على الدوام. أَستَقبِلكم كما استقبلتُهم، فعزيز على قلبي هو كلّ مَن يأتيني مِن قِبَل السابق القدّيس.»
وبعد بلوغ سور الهيكل، يعطي يسوع أوامره إلى الاسخريوطيّ وسـمعان الغيور مِن أجل المشتريات الاعتياديّة والتَّقادم المألوفة. ثمّ ينادي الكاهن يوحنّا ويقـول: «أنتَ يا مَن تنتمي لهذا المكان، سوف تهتمّ بدعوة بعض اللاويّين الذين تعرفهم أهلاً لمعرفة الحقّ. إذ في الحقيقة، يمكنني أن أحتفل هذا العام بعيد سعيد. ولن يكون يوم بهذا اللُّطف...»
«لماذا يا معلّم؟» يَسأَله الكاتب يوحنّا.
«لأنكم جميعكم حاضرون حولي بشكل منظور أو روحيّ.»
«ولكنّنا سـنكون كذلك على الدوام! ومعنا آخرون كثيرون.» يؤكّد يوحنّا الرَّسول بشدة ويُردّد الجميع ذلك.
يبتسم يسوع ويَصمُت، بينما الكاهن يوحنّا يتقدّم إلى الأمام مع استفانوس إلى الهيكل لينفّذ الأمر. ويناديه يسوع مِن الخلف: «وافِنا إلى رواق الوثنيّين.»
ما كادوا يَدخُلون حتّى التقوا بنيقوديموس الذي أدّى تحيّة عميقة، ولكنّه لم يقترب مِن يسوع. ومع ذلك فقد تَبادَلَ مع يسوع ابتسامة طويلة ووادِعة.
بينما توقّفت النساء في المكان المسموح لهنّ الوقوف فيه، يَمضي يسوع مع الرجال إلى الصَّلاة في المكان المخصّص لليهود، وثُمّ يعود بعد تأدية كلّ الطقوس لِيُلاقي الذين ينتظرونه في رواق الوثنيّين.
الأروقة الواسعة جدّاً والعالية جدّاً ممتلئة بالجموع التي تستمع إلى تعليم الرابّيين. يتوجّه يسوع صوب المكان الذي يرى فيه الرَّسولَين والتلميذَين المرسَلَين مُسبقاً واقِفَين. تُضرَب في الحال حَلَقَة حوله، وينضمّ إلى الرُّسُل والتلاميذ أشخاص آخرون عديدون كانوا هنا وهناك في باحة المرمر التي تعجّ بالناس. ولقد كان مِن الفضول أن جَعَلَ بعض تلاميذ الرابّيين، لستُ أدري إذا كانوا بشكل تلقائيّ أو مُرسَلين مِن قِبَل معلّميهم، يَدنون مِن الحَلَقَة المتراصّة حول يسـوع.
يَسأَل يسوع فجأة: «لماذا تَحتَشِدون حولي؟ قولوا. لديكم رابّيون مشهورون وحكماء ومعتَبَرون مِن الجميع. بينما أنا مجهول ولا اعتبار لي. لماذا إذن تأتون إليَّ؟»
«لأنّنا نحبّكَ.» يقول البعض، ويقول آخرون: «لأنّ كلامكَ يختلف عن كلام الآخرين»، وآخرون أيضاً: «لرؤية معجزاتكَ» و «لأنّنا سَمِعنا الأحاديث عنكَ» و «لأن عندكَ وحدكَ كلام الحياة الأبديّة والأفعال التي تُوافِق الأقوال» وأخيراً: «لأنّنا نريد أن ننضمّ إلى تلاميذكَ.»
يَنظُر يسوع إلى الناس، طالما هم يتكلّمون، كما لو أنّه كان يريد أن يَختَرِقهم نَظَره ليقرأ انطباعاتهم الخفيّة، والبعض، إذ لا يستطيعون مقاومة تلك النَّظرة، يبتعدون أو يَختَبِئون خلف عامود أو أناس أضخم منهم.
يُعاوِد يسـوع الكلام: «ولكن هل تَعلَمون ماذا يعني هذا، وماذا يترتّب على مجيئكم خلفي؟ أريد أن أُجيب على هذه الأقوال فقط، لأنّ أقوال الفضول لا تستحقّ أن يُجاب عليها، ولأنّ المتعطّش إلى كلامي يمنحني بالنتيجة حبّه ويرغب بالانضمام إليَّ. ذلك أنّ بين الذين تكلّموا هناك فِئَتان: الفضوليّون، وهؤلاء لا أبالي بهم، والراغبون الذين أُعلِّمهم دون مواربة كلّ ما يَخصّ صَرامة هذه الدعوة.
المجيء إليَّ كتلميذ، هذا يعني التجرّد عن كلّ أنواع الحبّ مِن أجل حبّ وحيد: حبّي أنا. حبّ الذات الأنانيّ، الحبّ الآثِم للثروات، للشهوات أو للسُّلطة، الحبّ النـزيه للزوجة، الحبّ المقدّس للأُمّ والأب، الحبّ الوَدود للأبناء والإخوة، على كلّ هذا أن يُذعِن لحبّي، إذا ما أراد أحد أن يتبعني. الحقّ أقول لكم إنّ على تلاميذي أن يكونوا أكثر حرّية مِن الطيور الـمُحلِّقة في السماء، أكثر حرّية مِن الرياح التي تهبّ في الفضاء، ولا يستطيع أحد أن يضبطها، لا أحد ولا شيء. أحراراً دون قيود ثقيلة، دون أحابيل حبّ مادّيّ، دون حتّى خيوط العنكبوت الدقيقة للعوائق الأكثر خفّة. الرّوح كفراشة ناعمة مُغلَقة ضمن شرنقة الجسد الثقيلة، وقد يَثقل طيرانها أو يتوقّف تماماً، بفعل نسيج عنكبوت دقيق جدّاً، نسيج عنكبوت الشهوة، الافتقار إلى الجُّود في التضحية. أنا أريد كلّ شيء وبدون تحفُّظ. الروح يحتاج إلى هذا الجُّود في العطاء، ليتمكّن مِن التأكّد مِن عدم البقاء سجين نسيج عنكبوت العواطف، العادات والأفكار والمخـاوف الممتدّة مثل خيـوط ذلك العنكبوت الوحشيّ الذي هو الشيطان، سارق النُّفوس.
إذا أراد أحد أن يأتي إليَّ ولا يَمقُت بقداسة أباه وأُمّه وزوجته وأولاده وإخوته وأخواته، وحتّى حياته، فلا يمكنه أن يكون تلميذي. قلتُ "يَمقُت بقداسة". أنتم تقولون في نفسكم: "حَسب تعليمه هو، فالـمُقت لا يكون أبداً مقدّساً. فهو يُناقِض نفسه إذن". لا. فأنا لا أُناقِض نفسي. أقول أن تَمقتوا ثِقل الحبّ، الميل الجسديّ للحبّ تجاه الأب والأُمّ والزوجة والأولاد والإخوة والأخوات والحياة ذاتها، ولكن، مِن جِهة أخرى، آمُر بمحبة الأهل والحياة بتحرّر رهيف كما الذي للأرواح. أحِبّوهم في الله ومِن أجل الله، غير جاعلين الله في المرتبة الثانية بعدهم مطلقاً، مهتمّين في أن تقودوهم إلى حيث وَصَلَ التلميذ، أي إلى الله الحقّ. هكذا تُحِبّون الأهل والله بقداسة، موافقين بين الحبّين، جاعلين مِن صلة الدم لا ثقلاً، بل جنـاحاً، ليس خطيئة، بل عدلاً واستقامة. حتّى حياتكم، عليكم أن تَمقُتوها مِن أجل أن تتبعوني. يَمقت حياته ذاك الذي، دون خوف مِن أن يَفقدها، أو أن يجعلها حزينة بشريّاً، يُكرِّسها لخدمتي. إنّما ذلك ليس سوى شِبه مُقت. شعور دُعِيَ بطريقة غير صحيحة: "الـمُقت"، بتفكير الإنسان الذي لا يعرف أن يسمو، الإنسان الأرضيّ بشكل بحت، الأرقى مِن الوحش بقليل. في الحقيقة إنّ ذلك الـمُقت الظاهري الذي هو رفض لإرضاءات الوجود الحسّيّة، لمنح الروح حياة أعظم على الدوام، إنّما هو الحبّ. إنّه الحبّ الأكثر سموّاً والأكثر مباركة في الوجود.
هذا الرفض للرغبات الدنيئة، تحريم المشاعر الشهوانيّة ذاك، خطر الاتّهامات والافتراءات والعقوبات والإقصاء واللعنات واحتمال الاضطهادات ذاك، هي سلسلة آلام. إنّما يجب معانقتها وتقبّلها كصليب، كمشنقة تُعلَّق عليها كلّ الخطايا الماضية، للمضيّ مُبرَّرين صوب الله، وبها يكون الحصول مِن الله على كلّ النِّعم الحقيقيّة والقادرة والمقدّسة مِن أجل الذين نحبّهم. ومَن لا يحمل صليبه ويتبعني، مَن لا يعرف أن يفعل ذلك، لا يمكنه أن يكون تلميذي.
فَكِّروا في ذلك كثيراً، كثيراً، أنتم يا مَن تقولون: "لقد أتينا لأنّنا نريد الانضمـام إلى تلاميذك". فليس مِن العار، بل هو مِن الحكمة أن يَزِن المرء نفسه ويحاكم ذاته ويعلن لنفسه وللآخرين: "لستُ أهلاً لأن أكون تلميذاً". وماذا؟ فلدى الوثنيّين، في أساس أحد تعاليمهم، ضرورة "معرفة الذات"، وأنتم، أيّها الإسرائيليّون، ألا تعرفون فِعل ذلك مِن أجل غزو السماء؟
وتذكّروا على الدوام أنّ طوبى لِمَن سوف يأتون إليَّ. إنّما الأفضل ألّا تأتوا إليَّ، وأن تبقوا أبناء الشريعة كما أنتم حتّى الآن، مِن أن تأتوا إليَّ لتخونوني أنا، وتخونوا الذي أَرسَلَني.
الويل لأولئك الذين، إذ يقولون: "إنّنا آتون"، يُسـيئون للمسـيح بخيانتهم للفكـر المسيحيّ، بتشكيكهم الصغار، الناس النـزيهين! الويل لهم! ومع ذلك سيوجد منهم على الدوام، سيوجد منهم!
اقتدوا إذن بالذي يريد أن يَبني برجاً. إنّه يَبدأ بحساب التكاليف الضروريّة بدقّة، ويَحسب نقوده، ليرى ما إذا كان يملك ما يكفي لإتمام البناء، كي لا يضطرّ إلى إيقاف الأعمال بعد إنجاز الأساسات لعدم كفاية المال. في هذه الحال، يكون قد فَقَدَ ما كان يملكه سابقاً كذلك، فيبقى بلا برج وبلا نقود، وفي المقابل يَجلِب لنفسه سخرية الناس الذين يقولون: "لقد بدأ البناء ولم يتمكّن مِن الإنجاز. الآن، يمكنه أن يملأ معدته بأطلال بنائه الذي لم يتمّ."
اقتدوا أيضاً بملوك الأرض، بِجعل أحداث العالم الفقيرة في خدمة تعليم فائق الطبيعة. فَهُم عندما يريدون شنّ حرب على مَلِك آخر، يَختَبِرون كلّ شيء بهدوء وانتباه، مـا لهم ومـا عليهم، يُفكّرون لِيَروا إذا ما كانت فائدة المعركة تستأهل التضحية بحياة العناصر، يَدرُسون إمكانيّة اقتحام ذلك المكان، وإذا كانت جيوشهم التي تُعدّ نِصف عدد جيوش الخصم، حتّى ولو كانوا أكثر قُدرة على القتال، يمكنهم إحراز النصر، ومُفكِّرين بإحكام أنّه مِن المستبعَد أن يتغلّب عشرة آلاف على عشرين ألفاً، وقَبل حدوث المواجهة، يُرسِلون إلى الخصم مُمثِّلاً عنهم، مُحمّلين إيّاه بالهدايا الثمينة، وإذ يُهدِّئون الخصم الذي أَصبَحَ قَلِقاً مِن تحرّكات جيوش الآخر، يَنـزَعون فتيل الحرب بشهادات الصَّداقة، ويُبدِّدون شكوكه، ويُوقِّعون معه معاهدة سلام، هي في الحقيقة أفضل على الدوام مِن الحرب، إنسانيّاً كما هي كذلك روحيّاً.
هكذا عليكم أن تتصرّفوا قبل شروعكم في الحياة الجديدة ومواجهة العالم. لأنّ هذا ما ينطوي عليه كونكم تلاميذي: المضيّ عكس دوّامة وعنف إغراء العالم والجسد والشيطان. وإذا لم تشعروا في أنفسكم بالشجاعة لنبذ كلّ شـيء حبّـاً بي، فلا تأتوا إليَّ، لأنّكم لا تستطيعون أن تكونوا تلاميذي.»
«حسناً، ما تقوله صحيح.» يؤكِّد أَحَد الكَتَبَة الذي اختَلَطَ بالمجموعة، «ولكن إذا تخلّينا عن كلّ شيء، فبأيّ شيء نخدمكَ فيما بعد؟ الشريعة لديها الوصايا التي تُشبِه المال الذي يَهِبه الله للإنسان لكي، باستخدامه، يؤمّن لنفسه الحياة الأبديّة. تقول: "تَخلّوا عن كلّ شيء"، وتُحدِّد الأب والأمّ والثروات والأمتيازات. ومع أنّ الله هو الذي مَنَحَ هذه الأشياء وقال لنا، على فم موسى، أن نَستَخدِمها بقداسة لِنَظهَر أبراراً في عينيّ الله. إذا نَزَعتَ منّا كلّ شيء، فماذا تعطينا؟»
«الحبّ الحقيقيّ، وقد قلتُ ذلك أيّها الرابّي. أعطيكم مذهبي الذي لا يُنقِض حرفاً مِن الشريعة القديمة، بل على العكس يُكمّلها.»
«إذن فجميعنا تلاميذ متساوون، لأنّ لدى جميعنا الأشياء ذاتها.»
«إنّها لدى جميعنا، حسب الشريعة الموسويّة. وليس الجميع بحسب الشريعة التي جَعَلتُها أنا كاملة بحسب الحبّ. ولكنّ الجميع لا يَبلغون، في هذه الشريعة، إلى كَمّ الاستحقاقات ذاته. حتّى تلاميذي، فلن يتوصّل جميعهم إلى الحصـول على كمّية الاسـتحقاقات ذاتها، وكثيرون منهم، ليس فقط لن يحصلوا على ذلك الكمّ، ولكنّهم سوف يَخسَرون مالهم الوحيد كذلك: نفسهم.»
«كيف؟ فَمَن أُعطِي كثيراً يبقى له الكثير. وتلاميذكَ، أو بالأحرى رُسُلك، يتبعونكَ في رسالتكَ، وهم على اطّلاع على أسلوب عملكَ، لقد نالوا الكثير الكثير، وتلاميذكَ الفعليّون حَصَلوا على الكثير، وأقلّ منهم أولئك الذين هُم تلاميذكَ بالاسـم فقط، ولم يَحصلوا على شيء، أولئك الذين، مِثلي، لا يسمعونكَ إلّا نادراً. فبديهيّ أن يحصل الرُّسُل في السماء على الكثير الكثير، والتلاميذ الفعليّون على الكثير، وأقلّ منهم أولئك الذين هم تلاميذكَ بالاسم فقط، ولا شيء لأولئك الذين يماثلونني.»
«بشريّاً هذا بديهيّ، وسيّئ كذلك بشريّاً. فليس الجميع بِقَادرين على جعل الخيرات التي نالوها تُثمِر. اسمع هذا الـمَثَل، وسامحني إذا ما كنتُ أتوسَّع هنا في تعليمي. إنّما أنا السـنونو المهاجر ولا أقيم إلّا قليلاً في بيت الآب، ذلك أنّني أتيتُ مِن أجل العالم كلّه، والعالم الصغير هذا الذي هو هيكل أورشليم لا يريدني أن أتوقّف عن الطيران وأن أبقى حيث يناديني مجد الآب.»
«لماذا تقول هذا؟»
«لأنّها الحقيقة.»
يَنظُر الكاتب حوله، ثمّ يَخفض رأسه. إن تكن الحقيقة، فإنّه يرى ذلك مكتوباً على كثير مِن وجوه أعضاء المجمع والرابّيين والفرّيسيّين، الذين جَعَلوا المجموعة التي تحيط بيسوع تزداد اتّساعاً. وجوه زرقاء مِن الغيظ، أو حمراء مِن الغضب، نَظَرات تُعادِل كلام اللَّعنات والبُصاق المسموم، حِقد يتخمّر مِن كلّ صوب، رغبة في معاملة المسيح بوحشيّة، والتي تبقى مجرّد رغبة فقط بسبب الخوف مِن كُلّ ذلك الكمّ مِن الناس الذين يُحِيطون المعلم بحرصهم، والمتأهّبين لِفِعل أي شيء في سبيل الدفاع عنه، ربّما أيضاً الخوف مِن عِقاب روما، التي تحمل ودّاً تجاه المعلّم الجليليّ الوديع.
يَعود يسوع بهدوء لِيَعرض فكرته عن طريق الـمَثَل: «كان رجل على وشك القيام برحلة طويلة، والغياب لمدّة طويلة، جَمَعَ خُدّامه جميعهم وأَودَعَ لديهم كلّ ما يملك. أعطى الواحد خمس وزنات فضّة، وأعطى آخر وزنتين، وأعطى ثالثاً وزنة واحدة ذهباً. كلّاً حسب مَواهبه ومَهارته. ثمّ مَضى.
ومِن ثَمَّ، الخادم الذي حَصَلَ على وزنات الفضّة الخمس، مَضى وتاجَرَ بوزناته، وبعد بعض الوقت، رَبِحَت خمس وزنات أخرى. والذي أَخَذَ الوزنتين فَعَلَ الشيء ذاته وضاعَفَها، أمّا الذي أعطاه المعلّم وزنة الذهب الخالص، إذ شَلَّه الخوف مِن أن لا يُجيد التصرّف، والخوف مِن اللصوص ومِن أَلف أَمر وهميّ، وبشكل خاصّ بسبب الكسـل، حَفَرَ حُفرَة كبيرة في الأرض وخَبَّأ فيها مال سيّده.
مَرَّت شهور كثيرة، وعاد المعلّم. أَرسَلَ حالاً في طَلَب الخُدّام لكي يُعيدوا له المال الذي كان قد تَرَكَه لديهم وديعة. فالذي كان قد أَخَذَ الوزنات الخمس حَضَرَ وقال: "هاكَ يا سيدي. أعطيتَني خمس وزنات. وبما أنّه كان يبدو لي مِن السـيّئ عدم اسـتثمار المال الذي كنتَ قد أعطيتَنيه، فتدبَّرتُ أمري وربحتُ لكَ خمس وزنات أخرى. لم أستطع أن أفعل أكثر مِن ذلك...". "حسناً، أحسنتَ أيّها الخادم الصالح الأمين. كنتَ أميناً على القليل، نشيطاً ونزيهاً. فسأقيمكَ على الكثير. أدخُل إلى فَرَح سيّدكَ".
ثمّ حَضَرَ الذي كان قد أَخَذَ الوزنتين وقال: "لقد سمحتُ لِنَفسي بأن استخدم أموالكَ لمصلحتكَ. هي ذي الحسابات التي تُظهِر كيف استخدمتُ مالكَ. أترى؟ كانت لديّ وزنتان مِن الفضة، ها هي الآن أربع. هل أنتَ مسرور، سيّدي؟" ويُجيب السيّد خادمه هذا كما أجاب ذاك.
أخيراً وَصَلَ الذي تمتَّع بأكبر قَدْر مِن الثّقة مِن سيّده بحصوله على وزنة الذهب. فأخرَجَها مِن مخبئها وقال: "لقد عهدتَ إليَّ بأكبر قيمة لأنّكَ تَعلَم أنّني حريص وأمين، كما أَعلَم أنا أنّكَ مُتشدِّد ومتطلِّب، وأنّكَ لا تتحمّل خسارة مالكَ، وفي حال الخسارة تُلقِي المسؤوليّة على مَن هو قريب منكَ. إذ، في الحقيقة، تَحصُد حيث لا تَزرَع وتَجني حيث لا تَبذُر شيئاً، ولا تُقدِّم هديّة بفلس واحد لخازن أموالكَ أو لوكيل أملاككَ، بدون أيّ سبب. وأنَّه يَجِب أن يكون مالك بقدر ما تقول. لذا، وخوفاً مِن أن تَنقُص ثروتكَ، فقد أَخذتُها وخبَّأتُها، وما أَفشَيتُ بذلك حتّى ولا لذاتي. والآن أَخرَجتُها وأُعيدُها إليكَ. ها هي وزنتكَ".
"يا عبد السوء الكسول! في الحقيقة لم تحبّني بما أنّكَ لم تعرفني ولم تحبّ صالحي، تاركاً مالي غير مُثمِر. لقد خنتَ تقديري لكَ، وأنتَ نفسكَ تُناقِض ذاتكَ، تتَّهِم وتَحكُم على نفسكَ. عَرفتَني أَحصُد مِن حيث لا أزرع وأَجمَع مِن حيث لا أَبذُر. فلماذا إذن لم تتصـرّف بحيث أتمكّن مِن أن أَحصُد وأَجمَع؟ أفهكذا تُقابِل ثِقتي فيكَ؟ أهكذا تعرفني؟ لماذا لم تَضَع مالي عند الصيارفة لأستردّه لدى عودتي مع الفائدة؟ لقد اعتنيتُ بتثقيفكَ عناية خاصّة لهذا الغرض، وأنتَ، بكسلكَ وحماقتكَ، لم تكترث لذلك. فلتؤخذ منكَ وزنتكَ وكلّ مالكَ، ولِتُعطَ للذي معه العشر وزنات".
"لكنّ ذاك لديه بالأساس عشر وزنات، بينما هذا قد أَصبَحَ مجرداً مِن كلّ شيء..." يعترضون.
"مَن له ويَستَثمِر ما له يُعطى فَيُزداد ويَفيض. ومَن ليس له لأنّه لا يرغب في أن يكون له، فما له يؤخذ منه. أمّا العَبد البطَّال الذي خان ثِقَتي وتَرَكَ عطاياي دون استثمار، فليُطرَد مِن أملاكي، وليمضِ ليبكي ويَذوي قلبه ألماً".
هذا هو الـمَثَل. كما ترى أيّها الرابّي، الذي كان قد حصل على الأكثر قد بقي له الأقلّ، ذلك أنّه لم يعرف أن يستحقّ المحافظة على عطيّة الله. وليس بالضرورة أنّ أحد الذين قلتَ عنهم بأنّهم ليسوا تلاميذ سوى بالاسم، وبالنتيجة ليس لديهم سوى أشياء قليلة يتداولونها، وأيضاً أحد أولئك الذين، كما تقول عنهم إنّهم يسمعونني صدفة، وليس لهم مِن رأسمال وحيد سـوى نفسهم، ألّا يحصل على وزنة الذهب وحتّى ما قد تدرّه، التي سوف تُنتَزَع مِن أحد أكثر المستفيدين. فمفاجآت الربّ لا نهائيّة، لأنّ ردود فِعل الإنسان لا حَصر لها. سوف تَرَون وثنيّين يَصِلون إلى الحياة الأبديّة، وسامريّين يمتلكون السماء، وسوف تَرَون إسرائيليّين لا غشّ فيهم ويتبعونني، يفقدون السماء والحياة الأبديّة.»
يَصمُت يسوع، وكأنّه كان يريد وضع حدّ لكلّ حِوار، يَلتَفِت إلى سور الهيكل. ولكنّ أحد علماء الشريعة، وكان قد جَلَسَ ليسمع بشكل جادّ تحت الرواق، يَنهَض ويتقدّم وهو يَسأَل: «يا معلّم، ماذا عليَّ أن أفعل لأحصل على الحياة الأبديّة؟ لقد أَجَبتَ الكثيرين، فأجِبني أنا كذلك.»
«لماذا تريد أن تُجرّبني؟ لماذا تريد أن تَكذِب؟ هل تأمل في أن أقول أشياء تُشوّه الشريعة لأنّني أُضيف إليها أفكاراً أكثر نورانيّة وأكثر كمالاً؟ ماذا كُتِبَ في الشريعة؟ أَجِب! ما الوصيّة الرئيسيّة فيها؟»
«"أَحبِب الربّ إلهكَ مِن كلّ قلبكَ ومِن كلّ نفسكَ ومِن كلّ قدرتكَ ومِن كلّ ذهنكَ. وأَحبِب قريبكَ حبّكَ لنفسكَ".»
«ها إنّكَ بالصواب أَجَبتَ. افعل ذلك فتكون لكَ الحياة الأبديّة.»
«ومَن هو قريبي؟ فالعالم مليء بالناس الصالحين والسيّئين، المعروفين والمجهولين، الأصدقاء والأعداء لإسرائيل. فَمَن هو قريبي؟»
«كان رجل ذاهباً مِن أورشليم إلى أريحا عَبْر الدروب الجبليّة، فَوَقَع في أيدي اللصوص. وهؤلاء، بعد أن أثخَنوه جراحاً، انتَزَعوا منه كلّ ما يملك، وحتّى ثيابه، وألقوه على قارعة الطريق بين حيّ وميت.
ومَرَّ مِن تلك الطريق كاهن كان قد أنهى خدمته في الهيكل. آه! كان ما يزال مُعطَّراً ببخور قُدس الأقداس! والمفروض والحالة هذه أن تكون نفسه مُعطَّرة بالصلاح فائق الطبيعة والحبّ، بما أنّه كان في بيت الله، في اتصال معه تعالى. كان الكاهن على عَجَلَة مِن أمره للعودة إلى بيته. فَنَظَرَ إلى الجريح، ولكنّه لم يتوقّف. بل جاز مُسرِعاً تاركاً البائِس على قارعة الطريق.
وقَدِم لاويّ لِيَمُرّ. هل كان عليه أن يُصاب بالعدوى، وهو الذي كان مُلزَماً بالخدمة في الهيكل؟ هيّا إذن! رَفَعَ ثوبه لئلا يتلطَّخ بالدم. ألقى نَظرَة عابِرة على الذي يَئنّ مُتضرِّجاً بدمه، وأَسرَعَ الخُطى صوب أورشليم، صوب الهيكل.
في المرّة الثالثة، أتى مِن السامرة متوجّهاً صَوب المخاضة سامريّ. رأى الدم فتوقَّفَ واكتشَفَ الجريح في الغسق الذي كان يتقدّم، فترجّل عن مطيّته، تقدَّم صوب الجريح وسقاه جرعة نبيذ فاخِر. مزّق معطفه جاعلاً منه ضماداً، ثمّ صبَّ على الجروح خلّاً ومَسَحَها بالزيت، وضَمَّدَها بكلّ عِناية. ثمّ حَمَلَه على مطيّته التي قادها بكلّ تؤدة، رافعاً معنويّات الجريح، مُشدِّداً مِن عزيمته بالكلام الطيّب، دون اكتراث بالتعب، ودون احتقار ذاك الجريح، رغم أنّه يهوديّ. وحينما بَلَغَ المدينة، أَخَذَه إلى الفندق، وسَهِر عليه طوال الليل، وعند الفجر، حينما رأى أنّه أَصبَحَ أفضل حالاً، عَهِد به إلى صاحب الفندق دافعاً له سَلَفاً وقال له: "اعتن به وكأنّه أنا ذاتي. ولدى عودتي سأدفع لكَ كلّ ما تكون قد أنفقتَه زيادة على ذلك، ولك زيادة أُخرى إذا ما أَحسَنتَ صنع ما كان يجب فِعله". ومضى.
يا عالم الشـريعة أجِبني. مَن مِن هؤلاء الثلاثة كان قريب الرجل الذي وَقَعَ في أيدي اللصوص؟ قد يكون الكاهن؟ أو قد يكون اللاويّ؟ أو ليس هو بالأحرى السامريّ؟ الذي لم يكن يتساءل مَن يكون الجريح، لماذا هو جريح، أم هل كان يُسيء التصرّف بإسعافه وهو يَهدر الوقت والمال، ويتحمّل خطر اتّهامه بأنّه هو مَن جَرَحَه؟»
يُجيب عالِم الشريعة: «القريب هو ذاك الأخير الذي عامَلَه بالرحمة.»
«أنتَ كذلك، افعل الشيء ذاته وستحبّ القريب وتحبّ الله في القريب، مُستحقّاً بذلك الحياة الأبديّة.»
لم يَعُد أحد يجرؤ على الكلام، وينتَهِز يسوع الفرصة ليلتحق بالنساء اللواتي كنّ ينتظرنه قرب السور، ليمضي معهنّ مِن جديد إلى المدينة. والآن قد انضمّ إلى التلاميذ كاهنان، أو بالأحرى كاهن ولاويّ، هذا الأخير فتيّ، بينما الكاهن شيخ مَهيب.
ولكنّ يسوع يتحدّث الآن إلى أُمّه ومارغزيام بينهما. ويَسأَلها: «هل سَمِعتِني يا أُمّي؟»
«نعم يا بنيّ، وقد حَـزِنتُ كما حَزِنَت مريم التي لحلفى التي بكت قليلاً قبل دخولها إلى الهيكل...»
«أَعلَم يا أُمّي، وأعرف السبب. إنّما عليها ألّا تبكي، بل أن تصلّي فقط.»
«آه! إنّها تصلّي كثيراً! في هذه الليالي، في كوخها، بين وَلَديها النائِمَين، كانت تصلّي وتبكي. كنتُ أسمعها تبكي عَبْر الحاجز الرقيق مِن الأوراق الذي يفصل بيننا. وذلك مِن جراء رؤيتها يوسف وسمعان على بُعد خُطوات ومُنفَصِلَين هكذا!... وليست الوحيدة التي تبكي. كانت معي تبكي يُوَنّا التي تبدو لكَ ساكنة صافية...»
«لماذا يا أُمّي؟»
«لأنّ خُوزي... تصرّفه... لا تفسير له. إنّه يُوبِّخها قليلاً في كلّ شيء. يَصدّ قليلاً في كلّ شيء. أمّا إذا كانا وحدهما ولا يراهما أحد، فإنّه يكون الزوج المثالي كما على الدوام. أمّا إذا كان معه أناس آخرون، مِن القصر طبعاً، فإنّه يُصبِح متسلّطاً ومُحتَقِراً لزوجته اللطيفة الوديعة. إنّها لا تفهم السبب...»
«أنا أقوله لكِ. خُوزي عبد لهيرودس، افهميني يا أُمّي. "عبد". أنا لا أقول ذلك ليُوَنّا كيلا أُسبّب لها الألم. ولكنّ الأمر هكذا. عندما لا يخشى تأنيب وسخرية العاهل، فإنّه يكون خُوزي الطيّب. وعند احتمال الخوف مِن ذلك، فلا يعود الشخص ذاته.»
«ذلك لأنّ هيرودس مُغتاظ جدّاً بسبب مَنَاين و...»
«ولأنّ هيرودس أَصبَحَ مجنوناً بسبب تأنيب الضمير المتأخّر لإذعانه لهيروديّا. ولكنّ يُوَنّا قد نالت خيراً كثيراً في حياتها. عليها حَمْل مَسحها تحت التاج.»
«أناليا كذلك تَبكي...»
«لماذا؟»
«لأنّ خطيبها قد انقَلَبَ ضدّكَ.»
«فلا تبكيَنَّ. قولي لها ذلك. هذا حَلّ. صلاح مِن الله. فإنّ تضحيتها تُعيد صموئيل إلى جادّة الخير. حاليّاً هذا سيدعها حرّة من الضغوط من أجل الـزواج. لقد وعدتُها بأن آخذها معي. وهي سوف تموت قبلي...»
«بنيّ!...» تضغط مريم على يد يسوع. وقد هَرَبَ الدم مِن وجهها.
«يا أُمّي الحبيبة! إنّه مِن أجل البشر. تعرفين ذلك. إنّه مِن أجل حبّ البشر. فلنشرب كأسنا عن طيب خاطر، أليس كذلك؟»
تَحبِس مريم دموعها وتُجيب: «نعم». "نعم" مؤثّرة ومِن قلب يَنفَطِر ألماً.
يَرفَع مارغزيام وجهه ويقول ليسوع: «لماذا تقول هذه الأشياء القاسية التي تُحزِن الأُمّ؟ أنا لن أدعكَ تموت. فكما دافعتُ عن الحِملان كذلك سأدافع عنكَ.»
يُداعِبه يسوع، ولكي يرفع مِن معنويّات المحزونَين يَسأَل الصبيّ: «ماذا ستفعل الآن نعجاتكَ؟ ألا تشتاق إليها؟»
«آه! أنا معكَ! وإنّي أتساءل على الدوام: "هل سـتأخذها بورفيرا إلى المرعى؟ وهل ستسهر على ألّا تذهب سبوما إلى البحيرة؟ إنّها نشيطة جدّاً سبوما، هل تَعلَم؟ أُمّها تناديها، تناديها... إنّما لاجدوى! إنّها تفعل ما تشاء. ونيفي، نَهِمَة، تأكل حتّى تمرض! هل تَعلَم يا معلّم؟ أنا أُدرِك ماذا يعني أن يكون المرء كاهناً باسمكَ. أُدرِك ذلك أفضل مِن الآخرين. هُم (ويُشير بيده إلى الرُّسُل القادمين من الخلف) هُم يقولون الكثير مِن الكلام الجميل، يبنون مشاريع كثيرة... للمستقبل. بينما أنا أقول: "سوف أكون راعياً للبشر كما أنا للنّعاج. وهذا يكفي." الأُمّ، أُمّي وأُمّكَ رَوَت لي أمس فقرة رائعة جدّاً عن الأنبياء... وقالت لي: "بالضبط هكذا هو يسوعنا". وأنا قلتُ في قلبي: "وأنا كذلك سوف أكون هكذا تماماً." ثمّ قلتُ لأُمّنا: "حاليّاً أنا حَمَل، فيما بعد سأُصبِح راعياً. على العكس، فيسوع الآن هو راعٍ وثمّ هو كذلك حَمَل. أمّا أنتِ فإنّكِ رَخلَة (أنثى الحَمَل) على الدوام، رَخلَتنا البيضاء فقط، الجميلة، المحبوبة، كلامكِ أعذب مِن الحليب. لذلك يسوع هو حَمَل إلى هذه الدرجة: لأنّه وُلِدَ منكِ يا رَخلَة الربّ".»
ينحني يسوع ويُعانقه بحرارة. ثمّ يَسأَل: «هل تريد حقّاً أن تكون كاهناً؟»
«بكلّ تأكيد يا سيّدي! فَلِأجل هذا أَجتَهد في أن أُصبِح صـالحاً وأن أعرف كثيراً. إنّني أذهب كثيراً إلى يوحنّا الذي مِن عين دور. يُعامِلني دائماً كرجل، وبكثير مِن الطّيبة. أريد أن أكون راعياً للخِراف الضالّة وغير الضالّة، وراعياً طبيباً للمجروحة والمكسورة منها، كما يقول النبيّ. آه! كم هذا رائع!» ويَقفز الصبيّ وهو يُصفِّق بيديه.
«ما لهذا الرأس الأسود الصغير حتّى يكون سعيداً هكذا؟» يَسأَل بطرس وهو يَقتَرِب.
«إنّه يرى طريقه. بشكل واضح حتّى النهاية... وأنا، أُكرّس هذه الرؤية التي لديه بـ "نَعَم" مِنّي.»
يتوقّفون أمام بيت عالٍ وهو، إن لم أكن مخطئة، إلى جانب ضاحية أوفيل، ولكنّ المكان أكثر ثراء.
«هل سنتوقّف هنا؟»
«إنّه البيت الذي قَدَّمَه لي لعازر مِن أجل وليمة الفَرَح. مريم هي الآن هنا.»
«لماذا لم تأتِ معنا؟ أخوفاً مِن التهكُّمات؟»
«آه! لا! هذا ما أَمَرتُها به فقط.»
«لماذا يا ربّ؟»
«لأنّ الهيكل أشدّ حساسية مِن عروس حامِل. ولا أريد الصّدام قدر المستطاع، وليس جُبناً.»
«هذا لا ينفعكَ في شيء يا معلّم. فلو كنتُ أنا مكانكَ، فلا أرتضي الصّدام فقط، بل أرميه في أسفل مورياح مع كلّ الذين في داخله.»
«أنتَ تُخطئ يا سمعان. ويجب الصّلاة مِن أجل المشابِهين وليس قتلهم.»
«أنا خاطئ، أمّا أنتَ فلا... و... عليكَ أن تفعل ذلك.»
«سيكون هناك مَن يَفعَلها. وبعد التّوصُّل إلى حدّ الخطيئة.»
«أيّ حدّ؟»
«الحدّ الذي سوف يملأ الهيكل ويَطفَح على أورشليم. لا يمكنكَ أن تفهم... آه! مرثا! افتحي إذن بيتكِ للحاجّ!»
تتنبّه مرثا وتَفتَح. يَدخُلون جميعاً إلى ردهة طويلة، تنتهي بدار مُبلَّطَة فيها أربع أشجار في الزوايا الأربع. تُفتَح غرفة واسعة فوق الطابق الأرضيّ حيث يمكن رؤية المدينة كلّها بطرقاتها الصاعدة والهابطة مِن النوافذ المفتوحة. فأستنتج إذن أنّ البيت على المنحدرات الجنوبيّة أو الجنوبيّة الشرقيّة مِن المدينة.
الغرفة مهيّأة لاستقبال عدد كبير مِن الزوّار. عدد كبير مِن الطاولات موضوعة بشكل متوازٍ تكفي لمائة شخص بكلّ ارتياح. تَهرَع مريم المجدليّة. كانت في مكان آخر، وتَخرّ جاثية أمام يسوع. يَصِل لعازر كذلك، مع ابتسامة غِبطَة على وجهه العَليل. يَدخُل الضيوف رويداً رويداً، يبدو على البعض الارتباك، والبعض الآخر بثقة أكبر. ولكنّ لطف النساء طمأنهم سريعاً.
الكاهن يوحنّا يُقدِّم إلى يسوع الشخصين اللذين جَلَبَهُما معه مِن الهيكل. «يا معلّم، هذا صديقي الطيّب يوناثان، وهذا صديقي الشاب زكريّا. إنّهما إسرائيليّان حقيقيّان بلا خبث ولا حقد.»
«السلام لكم. إنّي سعيد برؤيتكم. يجب الحفاظ على الطقوس حتّى في أبسط العادات. جميل أن يَمدّ الإيمان القديم يداً كريمة للإيمان الجديد الآتي مِن الأصل نفسه. اجلسوا إلى جانبي ريثما يحين موعد الطعام.»
يوناثان الحبريّ يتكلّم، بينما اللاويّ الشاب يَنظُر هنا وهناك بفضول ودهشة، بل حتّى بِرَهبَة. أظُنّه يودُّ أن يَظهَر بمظهر الطَّليق، ولكنّه في الحقيقة كالسمكة خارج الماء. لحسن الحظ أن أتى استفانوس لنجدته، وشَرَعَ يَجلب له الرُّسُل والتلاميذ الرئيسيّين الواحد تلو الآخر.
يقول الكاهن العجوز وهو يُداعِب لحيته الثلجيّة: «عندما أتى يوحنّا إليَّ أنا بالذات، باعتباري معلّمه، لِيُريني نفسه بعد شفائه، رغبتُ في التعرّف عليكَ. ولكنّني يا معلّم لم أَعُد أَخرُج مِن حِصني. فأنا عجوز... كنتُ آنذاك أتأمّل أن أراكَ قبل أن أموت، وقد استجاب لي يهوه. فليتمجّد اسمه! ولقد سمعتُكَ اليوم في الهيكل. إنّكَ أفضل مِن هيلليل، العتيق، الحكيم. لا أريد، بل لا يمكنني حتّى أن أشكّ بأنّكَ مَن ينتظره قلبي. ولكن هل تَعلَم ماذا يعني أن يتشرّب المرء عَبْر ثمانين عاماً إيمان إسرائيل كما آلَ إليه عَبْر عصور مِن... التهيئة البشريّة؟ لقد أَصبَحَ دمنا. وأنا عجوز هكذا! الاستماع إليكَ يُشبِه شرب الماء العذب المتدفّق مِن النبع. آه! نعم! ماء نمير (شديد النّقاء والعذوبة)! إنّما أنا... إنّما أنا قد تشبّعتُ مِن المياه البالية الآتية مِن البعيد البعيد... وقد أثقلتها أمور كثيرة. فما العمل حتّى أتخلّص مِن هذا التشبّع وأن أتذوّقكَ أنتَ؟»
«أن تؤمن بي وتحبّني. فيوناثان البارّ لا يحتاج إلى شيء آخر.»
«ولكنّني أموت قريباً! هل يتّسع لي الوقت لأؤمن بكلّ ما تقول؟ لن أتوصّل حتّى إلى تتبُّع كلامكَ كلّه، أو التعرّف إليه مِن فَم الآخرين. فإذن؟»
«سوف تتعلّمه في السماء. فلا يموت عن الحِكمة إلّا الـمُدان، بينما الذي يموت في نعمة الله يَصِل إلى الحياة ويحيا في الحكمة. مَن تظنّ أنّي هو؟»
«لا يمكنكَ أن تكون إلّا الـمُنتَظَر الذي سَبَقَه ابن صديقي زكريا. هل عَرفتَه؟»
«لقد كان قريبي.»
«آه! أنتَ قريب المعمدان إذن؟»
«نعم، أيّها الكاهن.»
«هو قد مات... ولا يمكنني القول: "يا لتعاسته!" لأنّه مات أميناً للبرّ، وبعد أن أتمَّ رسالته، ولأنّ... آه! يا للأزمنة الوحشيّة التي نعيشها! أليس مِن الأفضل العودة إلى أحضان إبراهيم؟»
«نعم، إنّما سوف تأتي أزمنة أكثر وحشيّة منها، أيّها الكاهن.»
«أتقولها؟ روما، أليس كذلك؟»
«ليست روما وحدها. بل إنّ إسرائيل الخاطئة سوف تكون السبب الأوّل.»
«صحيح. الله يضربنا. ونحن نستحقّ ذلك. ولكن مع ذلك فحتّى روما... أسمعتَ الحديث عن الجليليّين الذين قتلهم بيلاطس أثناء تقديمهم الذبيحة؟ لقد امتزج دمهم بدم الأضاحي. أمام المذبح! بالضبط أمام المذبح!»
«لقد علمتُ بذلك.»
يثور الجليليّون جميعاً لهذا الظلم. يهتفون: «صحيح إنّه كان مَسيّا كاذب. ولكن لماذا قَتل مؤيّديه بعد القضاء عليه هو؟ ولماذا في هذا الوقت بالذات؟ أيُحتَمَل أنّهم كانوا أكثر اقترافاً للخطايا؟»
يَفرض يسوع الهدوء، ثمّ يقول: «تتساءلون إذا ما كانوا أكثر اقترافاً للخطايا مِن جليليّين آخرين كثيرين، وإذا ما كانوا قد قُتِلوا بسبب ذلك؟ لا، لَم يكونوا كذلك. الحقّ أقول لكم إنّهم دَفَعوا، وكثيرون آخرون غيرهم سوف يَدفَعون الثَّمن، إن لم تَهتَدوا إلى الربّ. إذا لم تتوبوا جميعكم، فَسَتَقضون جميعاً بنفس الطريقة، في الجليل وغيرها. لقد سَخَط الله على شعبه. أقولها لكم. يجب ألّا يعتقد المرء أن الذين تَنـزِل بهم ضربة هُم دائماً الأسوأ. فليَفحَص كلّ إنسان ضميره، ولِيَحكم هو على نفسه، وليس الآخرون. كذلك أولئك الثمانية عشر الذين هوى عليهم برج سيلوي فقتلهم، لم يكونوا الأكثر إثماً في أورشليم. أقول لكم: توبوا، توبوا إذا لم تكونوا تريدون أن تُسحَقوا مثلهم، وحتّى في أرواحكم. تعال، يا كاهن إسرائيل. لقد وُضِع الطعام على الطاولة. تفضّل، فالكاهن هو مَن يجب تكريمه على الدوام مِن أجل الفِكرة التي يمثّلها ويُذكِّر بها، فلكَ أنتَ، أيّها الحَبر الذي بيننا، والجميع أصغر منكَ، أن تُقدِّم وتُبارِك.»
«لا. يا معلّم! لا! لا يمكنني ذلك بحضوركَ! أنتَ ابن الله!»
«إنّكَ تُجيد تقديم البخور أمام الهيكل! أيحتمل أنَّكَ لا تؤمن بحضور الله هناك؟»
«بل إنَّني أؤمن بذلك بكلّ قدرتي!»
«وإذن؟ إذا كنتَ لا تخشى تقديم القرابين أمام مجده تعالى الكلّيّ القداسة، فلماذا تريد الخوف أمام الرحمة التي لَبِسَت جَسَداً، لِتَحمِل لكَ أنتَ كذلك، بركة الله قبل أن يُدرِككَ الليل؟ آه! لا تَعلَمون أيّها الإسرائيليّون، أنّه بالضبط مِن أجل أن يدنو الإنسان مِن الله دون أن يموت، قد وشَّحتُ ألوهيتي غير الـمُدرَكَة بوِشاح الجسد. تعال، آمن، وكُن سعيداً. فيكَ أُجِلُّ كلّ الكَهَنَة القدّيسين، منذ هارون وحتّى آخر كاهن بارّ في إسـرائيل، وقد تكـون أنتَ، لأنّ القداسة الكهنوتيّة هي حقّاً تذوي فيما بيننا مِثل غَرسَة مُهمَلة.»