ج8 - ف30

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الثامن

 

30- (في شيلوه. مَثَل الناصِحِين بالسوء)

 

27 / 02 / 1947

 

يسوع يتكلّم وسط ساحة مُشجّرة. الشمس، الّتي بالكاد شرعت بالمغيب، تنيرها بنور أصفر-أخضر، يتسرّب خلال الأوراق الجديدة للنباتات العملاقة. تحسب كأنّ حجاباً رقيقاً وثميناً قد نُشِر فوق الساحة الواسعة يلطّف نور الشمس دون أن يعيقه.

 

يسوع يقول: «أَنصِتوا. ذات مرّة، أرسل مَلِك عظيم ابنه المحبوب إلى قسم مِن مملكته كان يريد اختبار البرّ فيه، قائلاً له: "اذهب، تَجوّل في كلّ مكان، أَغدِق النِّعم باسمي، أَعلِمهم بي، اجعلني معروفاً ومحبوباً. وأنا أمنحكَ كلّ سلطان، وكل ما ستفعله سيكون حسناً".

 

ابن الـمَلِك، بعد تلقّي البركة الأبويّة، ذهب إلى حيث أرسله أبوه، ومعه بعض فرسانه وأصدقائه، أخذ يجول بلا كلل في ذاك الجزء مِن مملكة أبيه. إذ إنّ هذه المنطقة، بسبب سلسلة مِن الأحداث المؤسفة، كانت منقسمة معنويّاً إلى أقسام متعارضة فيما بينها، بحيث أنّ كلّ قسم، لصالحه الخاص، كان يُطلِق صيحات ويُرسِل مناشدات مُلِحّة للمَلِك ليقول أنّه هو كان الأفضل، الأكثر وفاءً، وأنّ الجّوار كانوا مخادعين ويستحقّون عقاباً. كذلك وجد ابن الـمَلِك نفسه أمام مواطنين، قد تباينت أمزجتهم بحسب المدينة الّتي كانوا ينتمون إليها، وتشابهت في أمرين: الأوّل هو أنّ كلّاً منهم كان يظنّ نفسه أفضل مِن الآخرين، والثاني أنّ كلّاً منهم كان يرغب في تخريب المدينة الجارة والعدوّة، بإسقاط مكانتها عند الـمَلِك. إذ ذاك حاول ابن الـمَلِك، العادل والحكيم، بكثير مِن الرحمة، أن يقود كلّ قسم مِن هذه المنطقة إلى البرّ، كي يجعلها كلّها صديقة ومحبوبةً لدى أبيه. ولأنّه كان طيّباً، كان يتوصّل إلى ذلك وإن يكن ببطء، إذ، وكما يحدث دائماً، وحدهم مستقيمو القلوب مِن كلّ قسم مِن المنطقة، هم مَن كانوا يتّبعون نصائحه. لا بل، ومِن العدل القول بأنّه، بالضبط حيث كان يقال بازدراء أنّ الحكمة والإرادة الصالحة كانت أقلّ، هناك وجد رغبة أكثر في أن يُنصِتوا وأن يُصبِحوا حكماء في الحقّ. حينئذ قال أهل الأقسام المجاورة: "إذا لم نحاول الحصول على إنعامات الـمَلِك فإنّها ستذهب كلّها إلى أولئك الّذين نزدريهم. هيا بنا نشوّش أولئك الّذين نكرههم، لنذهب إليهم متظاهرين بأنّنا نحن أيضاً قد اهتدينا، وبأنّنا على استعداد للتخلّي عن الكراهية مِن أجل ابن الـمَلِك."

 

وذهبوا إلى هناك. وانتشروا بصفة أصدقاء في مدن الإقليم الخصم، ناصحين، بطيبة مزيّفة، بالأمور الّتي ينبغي القيام بها لتكريم ابن الـمَلِك دوماً أكثر ودوماً على نحو أفضل، وبالتالي الـمَلِك أبيه. فالتكريم الممنوح للابن، الّذي أرسله أبوه، هو كذلك تكريم ممنوح لمن أرسله. إنّما أولئك لم يكونوا ليكرّموا ابن الـمَلِك، بل على العكس كانوا يكرهونه بشدّة إلى درجة إرادة جعله مكروهاً مِن قِبَل الرعايا ومن قِبَل الـمَلِك نفسه. وقد كانوا شديدي الدهاء في طيبتهم الزائفة، وأتقنوا تقديم نصائحهم على أنّها ممتازة، بحيث أنّ كُثُراً مِن المنطقة المجاورة تقبّلوا ما كان شرّاً على أنّه خير، وتركوا الدرب الصحيح الّذي كانوا يتبعونه كي يسلكوا درباً غير مستقيم، ولاحظ ابن الـمَلِك أنّ مهمّته كانت تفشل لدى الكثيرين.

 

الآن قولوا لي أنتم: مَن كان الخاطئ الأعظم في عينيّ الله؟ ما هي خطيئة أولئك الناصحين وأولئك الّذين قبلوا النصيحة؟ وأسألكم أيضاً: مع مَن يكون هذا الـمَلِك الطيّب أكثر قسوة؟ ألا تُحسِنون إجابتي؟ أنا سأقول لكم.

 

إنّ الخاطئ الأعظم في عينيّ الـمَلِك هو مَن دفع جاره إلى الشرّ، بدافع كراهية له ذاك الّذي كان يريد إلقاءه ثانية في ظلمات جهل أكثر عمقاً بعد، بدافع كراهية تجاه ابن الـمَلِك وقد كان يريد إفشاله في رسالته بجعله يبدو عاجزاً في عينيّ الـمَلِك وعيون الرعايا، بدافع كراهية تجاه الـمَلِك بذاته، لأنّه إن كانت المحبّة الممنوحة للابن هي محبّة ممنوحة للأب، فأيضاً الكراهية تجاه الابن هي كراهية تجاه الأب.

 

وبالتالي، فإنّ خطيئة الناصحين بالسوء، مع إدراكهم التّام بأنّهم ينصحون بالسوء، كانت خطيئة كراهية عدا عن أنّها خطيئة كذب، خطيئة كراهية متعمّدة، وخطيئة أولئك الّذين قبلوا النصيحة ظانّين بأنّها صالحة كانت فقط خطيئة جهالة. إنّما أنتم تعلمون جيّداً أنّ الـمُدرِك هو مَن يكون مسؤولاً عن أفعاله، بينما الّذي، لمرض أو لسبب آخر، هو غير مُدرِك، فإنّه غير مسؤول شخصيّاً، بل أبواه هما المسؤولان نيابةً عنه. لهذا، فالطفل الّذي لم يبلغ سنّ الرشد، يعتبر غير مسؤول، ويكون الأب هو المسؤول عن أفعال الابن. لهذا السبب فإنّ الـمَلِك، الّذي كان طيّباً، كان صارماً مع الناصحين بالسوء المدركين، ومتسامحاً مع مَن خدعوهم، الّذين وَجَّه إليهم لوماً فقط، وهو أنّهم صَدَّقوا هذا الموضوع أو ذاك قبل أن يسألوا بشكل مباشر ابن الـمَلِك، ويعرفوا منه الأمور الّتي كان يجب حقّاً فعلها. فوحده ابن الأب هو مَن يعلم بحقّ مشيئة أبيه.

 

هذا هو الـمَثَل أيا أهل شيلوه. شيلوه الّتي قَدَّم لها الله، البشر أو الشيطان، لمرّات عديدة على مرّ العصور، نصائح مختلفة في الطبيعة، بعضها أزهرت خيراً حين تمّ اتّباعها باعتبارها نصائح خير، أو رُفِضت وقد عُرِفت بأنّها نصائح شريرة، وبعضها الآخر أزهرت شرّاً عندما لم يتمّ قبولها حين كانت مقدّسة، أو قُبِلت حين كانت شرّيرة.

 

بالفعل إنّ الإنسان يتمتع بحرية الإرادة الرائعة تلك، ويمكنه أن يشاء بحرّية الخير أو الشرّ، ولديه الهبة الرائعة الأخرى الّتي هي الذكاء القادر على التمييز بين الخير والشرّ، وبالتالي فليست النصيحة بحدّ ذاتها، بقدر ما هي طريقة تقبّلها هي ما يمنح المكافأة أو العقاب. وإن لم يكن أحد يستطيع منع الأشرار مِن تجربة قريبهم لإهلاكه، فلا شيء يمنع الصالحين مِن رفض التجربة والبقاء أوفياء للخير.

 

إنّ ذات النصيحة يمكن أن تؤذي عشرة وتفيد عشرة آخرين. فإن كان مَن يتّبعها يؤذي نفسه، فإنّ مَن لا يتّبعها يفيد نفسه. إذاً فلا أحد يقول: "لقد قالوا لنا أن نفعل". إنّما ليقل كلّ واحد بصدق: "أنا أردتُ أن أفعل". حينئذ على الأقل ستنالون المغفرة الّتي تُعطى للصادقين. وإذا ما كنتم غير متأكّدين مِن صلاح النصيحة الّتي تتلقّونها، فتأمّلوا قبل قبولها ووضعها موضع التطبيق. تأمّلوا مبتهلين إلى العليّ، الّذي لا يحجب أنواره أبداً عن الأرواح ذوي الإرادة الصالحة. وإذا ما رأى ضميركم، الـمُنار مِن قِبَل الله، أنّ ولو فقط نقطة، صغيرة، غير محسوسة، إنّما هي بحيث لا يمكن أن تتواجد في فِعل صالح، حينذاك قولوا: "أنا لن أفعل هذا، لأنّه برّ نَجِس".

 

آه! الحقّ أقول لكم أنّ مَن يُحسِن استخدام ذكائه وحرّيته في الاختيار، ويبتهل إلى الربّ كي يرى حقيقة الأمور، فلن تُهلِكه التجربة أبداً، لأنّ أبا السماوات سوف يعينه على فِعل الخير ضدّ كلّ مكائد العالم والشيطان.

 

تذكّروا حنّة الّتي لألقانة وتذكّروا أبناء عَالِي. إنّ الملاك الـمُنير للأولى نصح حنّة بأن تنذر للربّ إذا ما جعلها وَلُودَاً. والكاهن عَالِي نصح أولاده بأن يرجعوا إلى البرّ وألّا يستمرّوا بالخطيئة ضد الربّ. وعلى الرغم أنّه مِن الأسهل على بلادة الإنسان فهم صوت إنسان آخر، أكثر مِن اللغة الروحيّة وغير المحسوسة (بالنسبة للحواسّ الجسديّة) لملاك الرب الّذي يتكلّم إلى الروح، فإنّ حنّة الّتي لألقانة قبلت النصيحة، لأنّها كانت صالحة وكانت مستقيمة في حضور الربّ، وولدت نبيّاً، فيما أولاد عَالِي، لأنّهم كانوا أشراراً وبعيدين عن الربّ، لم يقبلوا نصيحة أبيهم، وماتوا ميتة عنيفةً، معاقبين مِن قِبَل الله.

 

للنصائح قيمتان: قيمة المصدر الّذي تتأتّى منه، وهي عظيمة، إذ يمكن أن تكون لها نتائج لا تُحصى، وتلك الّتي للقلب المعطاة له. فالقيمة الّتي يعطيها لها القلب المعطاة له، هي قيمة ليست فقط لا تقدّر بقيمة، بل وثابتة لا تتبدّل. فإذا كان القلب صالحاً ويتّبع نصيحة صالحة، فهو يعطي للنصيحة قيمة صنيعة بارّة، وإن لم يفعل ذلك، فهو ينزع عنها القسم الثاني مِن قيمتها، بحيث تبقى نصيحةً لا صنيعةً، أي فقط استحقاقاً لمن أعطاها. وإن كانت النصيحة سيّئة ولم يقبلها قلب صالح، حيث عبثاً يجرّبه ترغيب أو ترهيب لوضعها موضع التطبيق، فإنّها تُكسِب قيمة انتصار على الشرّ واستشهاد وفاء للخير، وبالتالي تُهيّئ كنزاً عظيماً في ملكوت السماوات.

 

وبالتالي عندما يُجرَّب قلبكم مِن قِبَل آخرين، فتأمّلوا، واضعين أنفسكم تحت نور الله، إذا ما كان كلاماً صالحاً، وإذا، بعون مِن الله الّذي يسمح بالتجارب إنّما لا يريد هلاككم، رأيتم بأنّه ليس أمراً صالحاً، فأَحسِنوا القول لأنفسكم ولمن يجرّبكم: "لا. إنّني أبقى وفياً لربّي، وليحلّني هذا الوفاء مِن خطاياي السابقة، ويبقيني، لا خارجاً، عند أبواب الملكوت، بل داخل حدوده، لأنّ العليّ أرسل ابنه لي أيضاً كي يقودني إلى الخلاص الأبديّ".

 

امضوا. وإذا كان أحدكم بحاجة إليَّ، فأنتم تعرفون أين أرتاح ليلاً. وليُنِركم الربّ.»