ج4 - ف99
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الرابع / القسم الأول
99- (خواطر حول هِداية مريم المجدليّة)
22 / 01 / 1944
لَم أَكُفّ عن التفكير بإملاء يسوع مساء أمس، وبِما كُنتُ أرى وأُدرِك مِن غير ما يتكلّم.
إذ ذاك أقول لكم، عَرَضيّاً، إنّ حِوارات الـمَدعوّين، تلك التي كُنتُ أفهَمها، أي تلك التي كانت تتوجّه إلى يسوع بشكل خاصّ، وكانت تدور حول أَحدَاث اليوم: الرومان، مخالفتهم للشريعة، ثمّ رسالة يسوع، كَونَه مُعلّم مَدرَسة جديدة. إنّما، وبمظهر عَطوف ومتسامِح، كان يُدرِك إنّها مسائل احتياليّة ومُراوِغة لإحراجه، الأمر الذي لم يكن سهلاً، لأنّ يسوع كان يُقابِل كلّ ملاحظة بكلّمات قليلة، إجابة مباشرة ومحدّدة.
كأنْ كان يُسأل مثلاً مِن أيّة مَدرسة أو ملّة خاصّة كان المعلّم الجديد. فيجيب ببساطة: «مِن مدرسة الله. وإيّاه أتَّبِع في شريعته المقدَّسة، وأهتمّ بالعمل على أن تتجدّد في هؤلاء الصغار (وكان يَنظُر إلى يوحنّا بِحُبّ، ومِن خلال يوحنّا كان يَنظُر إلى مستقيمي القلوب) بشكل كامل في جوهرها، كما كانت يوم أعلَنَها الربّ الإله على جبل سيناء. أُعيدُ الناس إلى نور الله.»
وعلى سؤال آخر حَولَ ما كان يُفكِّر في تَعسُّف قيصر، الذي كان قد أَصبَحَ المعلّم الـمَلَكيّ في فلسطين، وقد أجاب: "قيصر على هذا الحال، لأنّها إرادة الله. تَذكَّروا إشَعياء النبيّ، أَلَم يَكُن يُسمّي أشور، بوحي إلهيّ، "عَصا" غَضَبه؟ العصا التي تُنفِّذ العقوبة في شعب الله الذي ابتَعَدَ كثيراً عن الله، واتَّخَذَ الخديعة ثوبه وروحه؟ أوَلم يَقُل إنّه، بعد استخدامه للعقاب، سوف يَقصفه، لأنّه سيكون قد تَجاوَز مهمّته، وأَصبَحَ مُتكبِّراً وشَرِساً؟»
إنّهما الإجابتان اللتان لَفَتتَا انتباهي بالأكثر.
بعد ذلك، يقول لي يسوعي هذا المساء مبتسماً:
«عليَّ مناداتكِ مثل دانيال. فأنتِ مَن تَشتَهي والعزيزة على قلبي. لأنّكِ تَشتَهين الله كثيراً، بإمكاني المتابعة لأقول لكِ ما قاله ملاكي لدانيال: "لا تَخَف، لأنّه منذ اليوم الأوّل الذي جَعَلتُ فيه قلبكَ يَجهَد في إدراك وجود الله ويُرهِقكَ بذلك، فقد استجيبت صلواتكَ وبسببها أتيتُ". إنّما هنا، فليس الملاك الذي يتكلّم، بل هذا أنا الذي أُكلّمكِ: يسوع.
يا ماريّا، أنا آتي على الدوام عندما "يَجعَل أحد قلبه يَعمَل لِيُدرِك". فأنا لستُ إلهاً قاسياً وصارماً. أنا الرحمة الحيّة، ومَن يَلتَفِت إليَّ آتي إليه بأسرع مِن الفِكرة.
حتّى مريم المجدليّة الغارقة جدّاً في خطيئتها، فقد أتيتُ إليها مُسرِعاً بروحي مُذ شَعَرتُ برغبتها في الإدراك تَسمو، إدراك نور الله، ووضعها الـمُظلِم. وبالنسبة إليها فقد جَعَلتُ مِن نفسي النور.
في ذلك اليوم، كنتُ أتحدّث إلى أناس كثيرين، ولكنّني، في الحقيقة، كنتُ أتحدّث إليها فقط. لَم أكن أرى غيرها، وقد اقتَرَبَتْ، مدفوعة بتوثُّب نَفْس كانت تثور ضدّ الجسد الذي كان يُخضِعها. لَم أكن أرى سواها، بوجهها المسكين البائس، بابتسامتها المتكلِّفة التي كانت تخفي ألمها الداخليّ الهائل، تحت مظهر الأمان والفرح الكاذب، الذي كان تحدّياً للعالم ولها. لم أكن أرى سواها وقد حُوصِرَتْ بالعلّيق أكثر مِن النَّعجة الضَّالَّة في الـمَثَل، وهي الغارقة في الملل مِن حياتها التي طَفَت على السطح مثل هذه الأمواج العميقة التي تَجلب معها مياه العُمق.
لَم أَقُل عبارات مُفخَّمة، ولا تناولتُ موضوعاً خاصّاً بها، كخاطئة معروفة، لكيلا أُذِلُّها، وكي لا أَدفَعها إلى الهَرب، إلى الاحمرار خَجلاً مِن نَفسها. فقد تركتُها بسلام. تركتُ كلمتي ونَظرَتي تَحلّان فيها وتتخمَّران، لِتَجعلا مِن ذلك التحريض، في لحظة، مستقبلها المجيد كقدّيسة. لقد تحدّثتُ بِألطَف ما يمكن مِن الأمثال: شعاع نور وصَلاح كان ينتشر مِن أجلها بشكل خاصّ. وفي ذلك المساء، وبينما كنتُ أضع رجلي في بيت ذلك المتكبّر الغنيّ، حيث لم تكن لِتتخمّر كلمتي فتصبح مجداً مستقبليّاً، لأنّ كبرياء الفرّيسيّ قد قَتَلَها، كنتُ أَعلَم آنذاك أنّها، إنّما تأتي بعد طويل بكاء في الغرفة حيث ارتَكَبَت المعاصي، وأنّها، بنور دموعها، كانت قد قرَّرَتْ مستقبلها.
الرِّجال، وقد أَحرَقَهم الفِسق، حينما رأوها تَدخُل، ارتَعَدَت أجسادهم، وتَركوا الريبة تتسلّل إلى فكرهم. لقد اشتهوها جميعهم، عدا طاهِرَيّ الوليمة، أنا ويوحنّا. ظَنَّ الجميع أنّها أتت مدفوعة بإحدى النـزوات الـمُحتَمَلة التي، باعتبارها استحواذاً شيطانيّاً حقيقيّاً، كانت ترميها في المغامرات غير المتوقَّعة. ولكنّ الشيطان كان حينذاك قد هُزِم. وظَنَّ الجميع، يأكلهم الحَسَد، لدى رؤيتهم أنّها لم تكن لِتَلتَفِت إلى أحد منهم، بأنّها إنّما كانت قد أتت إليَّ.
فالإنسان، عندما يكون فقط إنسان لحم ودم، يُلطِّخ حتّى الأشياء الأكثر طُهراً ونقاء. والأنقياء فقط يَرَون بشكل سليم، ذلك أنّ لا خطيئة لديهم تُعكِّر صَفو تفكيرهم. ولكن، أن لا يُدرِك الإنسان، فينبغي لذلك ألّا يجعل المرء يَخاف، يا ماريّا. الله يُدرِك، وهذا كاف بالنسبة إلى السماء.
المجد الآتي مِن الناس، لا يزيد غراماً واحداً إلى المجد الذي هو مصير المختارين في الفردوس. تذكّري ذلك على الدوام. فمريم المجدليّة المسكينة قد أُسيء فَهم أعمالها الصالحة والحُكم عليها على الدوام. ولم يكن ذلك خلال أفعال السوء، لأنّها كانت لُقمات فُجور ممنوحة للفاسقين. فقد انتُقِدَتْ وأُنحِيَ عليها باللائمة في بيت عنيا، في بيتها.
ولكنّ يوحنّا، الذي يقول كلمة عظيمة، يُقدِّم مفتاح هذا الانتقاد الأخير: "يهوذا... لأنّه كان سارقاً." وأنا أقول: "الفرّيسيّ ورفاقه، لأنّهم كانوا فاسِقين." هو ذا، أَتَرَين؟ إنّ التَّعطُّش إلى الحِسّ، والطَّمَع بالمال يَرفَعان الصوت لانتقاد عَمَل صالح. الصالحون لا يَنتَقِدون أبداً، مطلقاً. إنّهم يُدرِكون.
إنّما أُكرِّر أنّ انتقادات العالم لا تَهمّ. المهمّ هو حُكم الله.
أهيّئكِ لتعليم الغد. تَمعَّني في الفصل الثاني عشر مِن سِفر دانيال، مع الكلّمات التي قِيلَت له مِن قِبَل ملاكي النُّورانيّ: "لا تخف، السلام معكَ، كُن شجاعاً وقويّاً". وأنتِ اعرفي أن تُجيبي على الدوام: "تَكلَّم يا ربّي فقد قَوَّيتَني".»
فيما بَعد، يقول لي يسوع:
«عندما أراكِ هكذا مُتنبِّهة لتعاليمي، تَبدين لي تلميذة مُجِدَّة ومُحِبَّة لِمُعلِّمها الذي تَعتَبِره "كُلّيّ المعرفة". ومِن جهة أخرى، عندما تَكتَشِفين بنفسكِ تفاصيل جديدة، تُبدين ملاحظات (وذلك أثناء الرؤى) تجعلينني أُفكِّر بطفل يمسكه أبوه بيده وهو يقوده أمام ما يريد الأب أن يراه الطفل لِيُصبح أكثر ذكاء، والذي، في الوقت ذاته، لا يتدخّل لِيَمنَح ابنه فَرَح اكتشاف شيء جديد، والإحساس بأنّه يَكبُر بِفِعل التفكير.
لِكي تقومي بذلك، لا بدّ أن تكوني متحرّرة على الدوام مِن الهموم البشريّة. حُرّة على الدوام. لا بدّ أن تتمتّعي دائماً بأمان متزايد، لِتَسيري مرتاحة في دروب التأمّل، وعلى الدوام بأكثر سَكينة وثِقة فيَّ، أنا الذي يمسك بيدكِ. فالأب لا يجعل ابنه يرى، ولكنّه يَبتَدِع ألف طريقة كي يرى ابنه ما يريد هو أن يراه الابن. آه! إنّني أكثر الآباء حُبّاً وأكثر المعلّمين صَبراً وطُول أناة بالنسبة إلى صغاري، وعندما أُمسِك أحدهم بيده، ويكون مُطيعاً ومتنبّهاً، أكون أنا سعيداً. سعيداً لكوني أباً ومعلّماً. إنّه لَمِن الصعب أن يضع الناس يدهم بيدي بِثِقة لأقودهم، وأُعلِّمهم، وليقولوا لي: "أحبّكَ فوق كلّ شيء، وبُكلِّيَّتي!" لهؤلاء قليلي العدد، الذين هُم لي "بُكلِّيَّتهم"، دون تَحفُّظ، أفتح أنا كنوز الإيحاءات والتأمّلات وأمنَحهُم ذاتي دون تَحفُّظ.
لذلك، يا ماريّا، بما أنّني أختاركِ لِأُطلِعكِ على ألوهتي، في مظاهرها المختلفة، للذين هُم في حاجة لأن يَستيقظوا ويُقادوا إلى استبيان الله، تذكّري أن تكوني شديدة التدقيق تماماً لِتُكرِّري الذي تَرَينَه. حتّى الأمر التافه له قيمة، وهو ليس لكِ، بل لي. وكذلك لا يُسمَح لكِ أن تتهرّبي منه، فيكون ذلك عيباً وأنانيّة. تذكَّري أنّكِ خَزَّان الماء الإلهيّ، حيث يَنسَكِب الماء لِيَحصل عليه الجميع. فيما يخصّ الإملاءات، فقد توصَّلتِ إلى أصعب أنواع الوفاء والأمانة. في التأمُّلات، أنتِ تُدقِّقين بكثير مِن الانتباه، أَمّا في عُجالة الكتابة، وبسبب حالتكِ الصحّيّة الخاصّة، والوضع الذي أنتِ فيه، فإنّكِ تتجاوزين بعض التفاصيل. يجب تحاشي ذلك. اكتُبيها في أسفل الصفحات، إنّما أشيري إليها جميعها. وهذا ليس لائِمة مِن معلّمكِ، بل هي نصيحة لطيفة.
قُلتِ لي منذ بضعة أيّام: "فليحبّكَ الناس أكثر قليلاً بواسطتي، وهذا يُبرِّر كلّ تعبي وكلّ حياتي، وقد كُوفِئتُ عليه كفاية. وحتّى لو لَم يَعُد إليكَ سِوى إنسان واحد بواسِطة "بنفسجتكَ الـمُتوارية" الصغيرة، فإنّها تكون سعيدة." وكلّما كنتِ أكثر انتباهاً، ودقّة، كلّما كان عدد الذين يأتون إليَّ كبيراً، وكانت غِبطَتُكِ الروحيّة الحاليّة عظيمة، وكذلك غِبطَتُكِ الأبديّة المستقبليّة.
اذهبي بسلام. ربّكِ معكِ.»