ج10 - ف13
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء العاشر
13- (عودة توما)
07 / 04 / 1945
العشرة في فناء منـزل العلّية. يتحدّثون فيما بينهم، ثمّ يُصَلّون. وبعد ذلك يُعاودون الحديث.
سمعان الغيور يقول: «أنا حزين حقّاً لاختفاء توما. لم أعد أعرف أين أبحث عنه.»
«ولا أنا كذلك.» يقول يوحنّا.
«هو ليس عند أقاربه. ولم يره أحد. أيكون قد قُبِض عليه؟»
«لو كان الأمر كذلك، لما كان الـمعلّم قال: "سأقول الباقي حين يكون الغائب هنا."»
«هذا صحيح. إلاّ أنّني ما زلتُ أريد الذهاب إلى بيت عنيا ثانية. ربّما يكون شارداً في تلك التلال دون أن يجرؤ على إظهار نفسه.»
«اذهب، اذهب يا سمعان. لقد جمعتنا كلّنا معاً... وقد أنقذتنا باجتماعنا، ذلك أنّكَ قدتَنا إلى لعازر. هل سمعتم أيّ كلام خصّه به الـمعلّم؟ لقد قال: "الأوّل الّذي باسمي غَفَر وهَدى". لماذا لا يضعه مكان الإسخريوطي؟» يَسأَل متّى.
«لأنّه لا يريد إعطاء مكان الخائن لصديقه المثالي.» يجيب فيلبّس.
«منذ قليل، سمعتُ، حين قمتُ بجولة في السوق وتكلّمتُ مع تُجّار سمك، أنّ... نعم، بوسعي أن أثق بهم، أنّ جماعة الهيكل لا يعرفون ماذا يفعلون بجثّة يهوذا. لا أعلم مَن فعل ذلك... إنّما عند فجر هذا الصباح قد وجد حرّاس الهيكل جثّته المتعفّنة داخل الحَرَم الـمُقدّس، والحبل لا يزال مُلتفّاً حول عنقه. أعتقد بأنّ وثنيّين هم مَن فَكّوه وألقوه هناك في الداخل مَن يدري كيف.» يقول بطرس.
«أمّا أنا فقد قيل لي مساء أمس عند السبيل: إنّه منذ مساء الأمس قد قاموا بقذف أحشاء الخائن أمام منـزل حنّان. وثنيّون، بالتأكيد، لأنّه ما مِن عبرانيّ كان ليمسّ تلك الجثّة، بعد أكثر مِن خمسة أيام. مَن يدري كم كان متحلّلاً!» يقول يعقوب بن حلفى.
«آه! فظاعة، منذ السبت!» يشحب يوحنّا لهذه الذكرى.
«إنّما كيف انتهى إلى ذلك المكان؟ أكان مِلكاً له؟»
«ومَن عَلِمَ يوماً شيئاً دقيقاً عن يهوذا الاسخريوطيّ؟ أتذكرون كم كان مُنطوياً على نفسه، مُعَقَّداً...»
«تستطيع أن تقول: كاذباً يا برتلماوس. لم يكن صادقاً أبداً. على مدى الأعوام الثلاثة الّتي قضاها معنا، نحن الّذين كنّا نتشارك كلّ شيء، كنّا أمامه، كأنّنا أمام سور قلعة عالٍ.»
«قلعة؟ آه! يا سمعان! بل قُل متاهة!» يصيح يوضاس بن حلفى.
«آه! اسمعوا! دعونا لا نتحدّث عنه! لديّ انطباع بأنّنا لسوف نستحضره وبأنّه سيأتي ليزعجنا. أودّ أن أمحو ذكراه مِن نفسي ومِن كلّ القلوب، سواء كانت قلوباً عبرانيّة أو وثنيّة. عبرانيّة، كي لا نخجل مِن أنّ نَسلَنا قد أنجب هذا المسخ. وثنيّة، بحيث لا يمكن لأيّ منهم أن يقول لنا يوماً: "مَن خانه كان واحداً مِن إسرائيل". ما أزال غلاماً، ولا يجدر بي أن أكون أوّل مَن يتحدث أمامكم. أنا الأخير وأنتَ، يا بطرس، الأوّل. وهنا الغيور وبرتلماوس، المثقّفان، وهنا أَخَوا الربّ. إنّما، هو ذا، أودّ لو يُوضَع أحد ما يكون قدّيساً في المركز الثاني عشر، إذ طالما أرى هذا المركز خالياً في جماعتنا، فسأرى فوهة الجحيم بنتاناتها في وسطنا، وأخاف أن يضلّنا ذلك...»
«إنّما لا يا يوحنّا! لقد لبثتَ متأثّراً مِن بشاعة جريمته وجسده المعلّق...»
«لا، لا. الأُمّ أيضاً قالت: "رأيتُ الشيطان لدى رؤية يهوذا الإسخريوطيّ." آه! لنُسارِع في إيجاد قدّيس نضعه في ذلك المركز!»
«اسمع. أنا لا أختار أحداً. إذا كان هو، الله، اختار إسخريوطيّاً، فما الّذي سيختاره إذاً المسكين بطرس؟»
«ومع ذلك سيكون عليكَ بحقّ...»
«لا يا عزيزي، أنا لا أختار شيئاً. سوف أطلب ذلك مِن الربّ. كفى خطايا ارتكبها بطرس!»
«ثمّة أمور كثيرة علينا أن نطلبها. ذاك المساء لبثنا كالمخبولين. إنّما علينا أن نُعَلِّم أنفسنا. لأنّ... كيف العمل لإدراك إذا كان أمر ما هو خطيئة حقّاً، أم أنّه ليس كذلك؟ انظر كيف يتحدّث الربّ عن الوثنيّين بشكل مختلف عنّا. انظر كيف يَعذر الجُبن أو الإنكار أكثر مِن مسامحته للشكّ في إمكانيّة المغفرة... آه! إنّني أخاف مِن أن أُسيء التصرّف.» يقول يعقوب بن حلفى واهِن العزم.
«صحيح أنّه حَدَّثنا كثيراً. ومع ذلك يبدو لي أنّني لا أعرف شيئاً. أنا مخبول منذ أسبوع.» يعترف مُحبَطاً يعقوب الآخر.
«وأنا كذلك.»
«وكذلك أنا.»
«وأنا أيضاً.»
كلّهم في الحالة نفسها وينظرون إلى بعضهم البعض حائرين تماماً. يَلجأون إلى الحلّ الأخير: «لنقصد لعازر.» يقولون: «ربّما سنّجد الربّ هناك و... لعازر سيساعدنا.»
قَرعٌ على الباب. يصمتون كلّهم ليسمعوا. ويُطلِقون "آه!" ذهول وهم يرون إيليا داخلاً إلى الرواق مع توما، إنّه توما مختلف تماماً بحيث لم يعد يبدو أنّه هو.
يحتشد رفاقه حوله وهم يصيحون غبطتهم: «أتعلم بأنّه قام وبأنّه أتى؟ وينتظركَ كي يعود!»
«نعم. إيليا أيضاً قال لي ذلك. لكنّني لا أصدّقه. أصدّق ما أرى، وأرى أنّ الأمر انتهى بالنسبة لنا. أرى بأنّنا تشتّتنا. أرى بأنّ لا وجود حتّى لقبر معلوم حيث يمكننا أن ننتحب عليه. أرى أنّ السنهدرين يريد التخلّص في الوقت ذاته مِن الـمُتواطئ، الّذي قرّروا دفنه عند أسفل شجرة الزيتون حيث شنق نفسه، كأنّه كان حيواناً نَجِساً، ومِن أتباع الناصريّ. لقد أوقفتُ يوم الجمعة عند الأبواب وقالوا لي: "أأنتَ أيضاً كنتَ أحد أتباعه؟" هو ميت الآن. عُد لصياغة الذهب. وهربتُ...»
«إنّما إلى أين؟ لقد بحثنا عنكَ في كلّ مكان!»
«إلى أين؟ ذهبتُ إلى منـزل أختي في راما. ثمّ لم أجرؤ على الدخول لأنّ... لأنّني لم أرد أن توبّخني امرأة. حينذاك تُهتُ عبر جبال اليهوديّة، وأمس انتهيت في بيت لحم، في مغارته. كم بكيتُ... نمتُ بين الأنقاض، وهناك وجدني إيليا، عندما أتى... لا أدري لماذا.»
«لماذا؟ إنّما لأنّنا في ساعات الغبطة أو الألم العظيم، نذهب إلى حيث نشعر بالله أكثر. أنا، مرّات كثيرة، خلال هذه الأعوام، ذهبتُ إلى هناك، ليلاً، مثل لصّ، حتّى أشعر بذكرى بكائه مولوداً تُداعِب روحي. ومِن ثمّ كنتُ أهرب عند أوّل شعاع شمس، لكيلا أُرجَم. لكنّني كنتُ أتعزّى. الآن ذهبتُ إلى هناك لأقول لذلك المكان: "أنا سعيد،" ولآخذ منه ما أستطيع. ذلك ما قرّرناه. نُريد أن نكرز بالإيمان به، وستمنحنا القوّة اللازمة لذلك قطعة مِن ذلك الجدار، حفنة مِن ذلك التراب، شظيّة مِن تلك الأعمدة. لسنا قدّيسين ما يكفي لنجرؤ على أخذ تراب الجلجلة...»
«أنتَ على حقّ يا إيليا. كان علينا أن نفعل ذلك نحن أيضاً، وسنفعله. إنّما توما؟...»
«توما كان ينام ويبكي. قلتُ له: "استيقظ وكُفَّ عن البكاء. لقد قام." لكنّه لم يكن يريد أن يصدّقني، لكنّني أصرّيتُ إلى حدّ أنّني أقنعتُه. ها هو ذا. إنّه الآن بينكم وأنا أنسحب. سأنضمّ إلى رفاقي الذاهبين إلى الجليل. السلام لكم.» يمضي إيليا.
«توما، لقد قام. أنا أقول لكَ ذلك. كان معنا. أَكَلَ. تكلّم. بارَكَنا. غفر لنا. أعطانا سلطان المغفرة. آه! لِماذا لم تأتِ قبلاً؟»
توما لا يخرج مِن إحباطه. يهزّ رأسه بعناد. «لا أصدّق. لقد رأيتم شبحاً. أنتم كلّكم مجانين. النسوة أوّلكم. إنسان ميّت لا يقوم بنفسه.»
«إنسان، لا. إنّما هو الله. ألا تؤمِن بذلك؟»
«بلى. أؤمن بأنّه الله. إنّما، تحديداً لأنّني أؤمن بذلك، أقول بأنّه، مهما كان شديد الصلاح، لا يمكنه أن يكون كذلك إلى درجة أن يأتي وسط الّذين كانت محبّتهم تجاهه ضعيفة. وأقول بأنّه مهما كان شديد التواضع، لا بدّ وأنّه قد ضاق ذرعاً مِن إهانة نفسه بجسدنا الرديء. لا. سيكون، حتماً يجب أن يكون، ظافِراً في السماء، وربّما، قد يَظهر كروح. أقول: ربّما. إنّنا لا نستحقّ حتّى ذلك! إنّما قائم بجسده ودمه، لا. لا أصدّق ذلك.»
«إنّما إن كنّا قَبَّلناه، رأيناه يأكل، سمعنا صوته، أحسسنا بيده، رأينا جروحه!»
«لا شيء. لا أصدّق. لا أستطيع التصديق. يجب أن أرى كي أصدّق. إن لم أَرَ ثقوب المسامير على يديه، وإن لم أضع فيها إصبعي، إن لم ألمس جروح قدميه، وإن لم أضع يدي حيث فَتَحَ الرمح جنبه، فلن أصدّق. لستُ طفلاً أو امرأة. أريد دليلاً. ما لا يستطيع عقلي قبوله أرفضه. ولا أستطيع تقبُّل كلامكم هذا.»
«إنّما أيا توما! أيبدو لكَ أنّنا نريد خداعكَ؟»
«لا، أيّها المساكين، بل على العكس! طوبى لكم لأنّكم في غاية الصلاح بحيث ترغبون في اجتذابي إلى امتلاك السلام الّذي نجحتم في منحه لأنفسكم بتوهّمكم. إنّما... أنا لا أصدّق قيامته.»
«ألا تخشى أن يعاقبكَ؟ إنّه يسمع ويرى كلّ شيء، أتعلم ذلك؟»
«أنا أطلب أن يُقنِعني. إنّ لي عقلاً، وأستخدمه. فليقم هو، السيّد على العقل البشريّ، بتقويم عقلي إذا كان منحرفاً.»
«إنّما العقل حرّ، هو كان يقول ذلك.»
«سبب إضافيّ لئلاّ أُحوّل عقلي إلى عَبدٍ لإيعازات جماعيّة. أحبّكم كثيراً. وأحبّ الربّ كثيراً. سوف أخدمه بكلّ طاقتي، وسأبقى معكم لأساعدكم على خدمته. سوف أكرز بعقيدته. ولكنّني لا أستطيع الإيمان إلاّ إذا رأيت.» وتوما، متعنّتاً، لا يستمع إلاّ لنفسه.
يُحدّثونه عن كلّ الّذين رأوه، وكيف رأوه. ينصحونه بالتحدّث إلى الأُمّ. إنّما هو يهزّ رأسه، جالساً على مقعد حجريّ، وهو أكثر تحجّراً مِن مقعده. عنيداً مثل طفل يُردّد: «سوف أؤمن إذا رأيتُ...»
الكلمة العظيمة للتعساء الّذين يُنكِرون أنّ الإيمان عذب جدّاً ومُقدّس جدّاً لدى التسليم بأنّ الله قادر على كلّ شيء.