ج7 - ف216
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء السابع / القسم الثاني
216- (أثناء الذهاب إلى بيت عنيا وإلى بيت لعازر)
28 / 10 / 1946
يَصرف يسوع التلاميذ: لاوي، يوسف، متّياس ويوحنّا، الّذين التقوا بهم لستُ أدري أين، والّذين عُهِد إليهم بالتلميذ الجديد سيدونيا الملقّب برتولماوس. حصل هذا عند طلائع منازل بيت عنيا. ومضى التلاميذ الرعاة مع القادم الجديد وسبعة آخرين كانوا معهم. ينظر إليهم يسوع يمضون ثمّ يلتفت لينظر إلى رُسُله ويقول لهم: «والآن فلننتظر هنا يهوذا بن سمعان...»
«آه! هل انتبهتَ إلى أنّه ذهب؟» يقول الآخرون مندهشين. «كنّا نظنّ أنّكَ لم تلاحظه. كان هناك أناس كثيرون، ولم تتوقّف عن الكلام، في البداية مع الرجل، ومِن ثمّ مع الرعاة...»
«رأيتُ مِن اللحظة الأولى أنّه ابتعد. لا يخفى عليَّ شيء. لأجل ذلك دخلتُ إلى منازل أصدقاء للقول بإرسال يهوذا إلى بيت عنيا إذا ما كان يبحث عنّي...»
«لا سمح الله.» يتمتم يوضاس بين أسنانه.
ينظر إليه يسوع، ولكنّه يُظهِر أنّه لن يعلّق على هذه الجملة، ويتابع، متوجّهاً إلى الجميع، لأنّه يرى أنّ الجميع يوافقون تدّاوس الرأي -الوجوه تعبّر أحياناً بأفضل مِن الكلام-: «ستكون هذه الاستراحة مفيدة، في انتظار عودته. سيُمنح الجميع العزاء. بعدئذٍ، سنمضي إلى تَقُوعَ. الطقس بارد ولكنّه يميل إلى الجميل. سأبشّر تلك المدينة ومِن ثمّ نمضي صعوداً مروراً بأريحا ونذهب إلى الضفّة الأخرى. لقد قال لي الرعاة بأنّ مرضى كثيرين يبحثون عنّي، وقد أرسلتُ أقول لهم بألاّ يواجهوا الرحلة، بل أن ينتظروني في تلك الأماكن.»
«هيّا بنا.» يقول بطرس متنهّداً.
«ألستَ مسروراً مِن الذهاب إلى منزل لعازر؟» يَسأَل توما.
«أنا مسرور.»
«تقولها بطريقة ما.»
«أنا لا أقولها بسبب لعازر. أقولها بسبب يهوذا...»
«أنتَ خاطئ يا بطرس.» يقول له يسوع لينبّهه.
«إنّني كذلك. إنّما... هو، يهوذا الإسخريوطيّ، الّذي يمضي، الذي هو وقح، الذي هو همّ شديد، أليس هو كذلك؟» يقول بطرس بحماس غاضباً ولم يعد يحتمل.
«هو كذلك. ولكن إن كان هو كذلك فينبغي ألا تكونه أنتَ. لا أحد منّا ينبغي أن يكونه. تذكّروا انّ الله سيطلب منّا الحساب، أقول: سيطلب منّا، إذ إليَّ أوّلاً قبل أن يكون إليكم قد عهد بهذا الإنسان، وسيطلب الحساب عمّا فعلناه لافتدائه.»
«وتأمل بأن تنجح في ذلك يا أخي؟ أنا لا يمكنني الوثوق بذلك. أنتَ، وهذا أنا واثق منه، تعلم الماضي، الحاضر والمستقبل. وبالتالي، لا يمكن أن تخطئ بما يخصّ هذا الرجل. و... ولكن مِن الأفضل ألاّ أقول الباقي.»
«بالفعل، هي فضيلة عظيمة معرفة الصمت. إنّما إعلم أنّ التوقّع، بأكثر أو أقلّ دقّة، بمستقبل قلب، لا يعفي أيّ كان مِن المثابرة إلى النهاية لانتزاع قلب مِن الدمار. لا تقع أنتَ أيضاً في قَدَريّة الفرّيسيّين الّذين يتشبّثون بأنّ ما حُدّد في القَدَر ينبغي أن يتمّ، ولا شيء يمكنه منع إتمام ما هو محدّد في القَدَر. بهذه الحجّة يبرّرون كذلك أخطاءهم، وسيبرّرون حتّى آخر فِعل في حقدهم ضدّي. غالباّ ما ينتظر الله تضحية قلب يتجاوز غثيانه وسخطه، نفوره، حتّى الـمُبرَّر منها، لانتزاع نَفْس مِن المستنقع الّذي تغوص فيه. نعم، أقول ذلك لكم. غالباً، الله الكلّيّ القدرة، الذي هو كلّ شيء، ينتظر مخلوقاً، هو لا شيء، أن يقوم أو لا يقوم بتضحية، يؤدّي صلاة، ليوقّع أو لا يوقّع إدانة روح. فالآوان لا يفوت أبداً، أبداً لا يفوت الآوان للمحاولة والرجاء في خلاص نَفْس. وأقدّم لكم أدلّة على ذلك. وحتّى على عتبة الموت، حيث الخاطئ، وكذلك البار الّذي يقلق بشأنه، هما على وشك المضيّ إلى دينونة الله الأولى، فبالإمكان على الدوام أن يخلِّص المرء أو أن يخلَّص. ويقول الـمَثَل، بين الكأس والشفتين هناك دوماً فرصة للموت. أنا، أقول عكس ذلك: ما بين النزاع والموت، هناك على الدوام فرصة للغفران، للذات أو للّذين نريد لهم المسامحة.»
لم ينبس أحد ببنت شفة.
لدى الوصول إلى البوّابة الثقيلة، ينادي يسوع بصوت عال أحد الخدّام لفتحها. يدخل ويَسأَل عن أخبار لعازر.
«آه! يا ربّ! هل ترى؟ أنا عائد مِن قطف أوراق غار وكافور وثمار السرو وأوراق أخرى وثمار عطريّة لأغليها مع نبيذ وراتنجات ليستحمّ بها المعلّم. جلده يتساقط أشلاء ولا يمكن مقاومة الإنتان. أنتَ أتيتَ، ولكنّني لستُ أدري إذا ما كانوا سيدعونك تمرّ...» ولحجب السماع حتّى عن الهواء، يخمد الخادم صوته بهمسه: «لم يعد بالإمكان إخفاء وجود القروح الآن، والمعلّمتان تبعدان الجميع... خوفاً... أنتَ تعلم... لعازر يحبّه حقّاً القليل مِن الناس... والكثيرون، لدوافع عديدة، يسرّون لـ... آه! لا تجعلني أفكّر بهذا، الذي هو خوف المنزل كلّه.»
«إنّهما حسناً تفعلان. إنّما لا تخافوا. هذا البؤس لن يحصل.»
«ولكن... هل سيتمكّن مِن الشفاء؟ معجزة منكَ...»
«لن يشفى، ولكن ذلك سيفيد في تمجيد الربّ.»
خاب أمل الخادم... يسوع الّذي يشفي الجميع، والذي هو هنا، لا يفعل شيئاً!... إنّما لا تبدر منه سوى تنهيدة للتعبير عن فِكره... بعد ذلك يقول: «سوف أقصد المعلّمتين لأنبئهما عن حضوركَ.»
يسوع يجد نفسه محاطاً بالرُّسُل المهتمّين بالحالة الصحّيّة للعازر، وقد ذُهِلوا حينما يخبرهم يسوع. ولكن ها قد وصلت الأختان. جمالهما النضر والمختلف يبدو وقد غشيه الضباب بسبب الألم والتعب في السهر الطويل. فهما شاحبتان، منهارتان، هزيلتان، تعبتان هما عينا الواحدة والأخرى، اللتان كانتا في السابق متيقظتين للغاية، دون خواتم ولا أساور، وقد ارتديتا ملابس قاتمة، بلون الرماد، تبدوان بالأحرى كأنّهما خادمتان أكثر مِن كونهما معلّمتين. تجثوان على مسافة مِن يسوع، لتقدّما له دموعهما، دموعاً مستسلمة، صامتة، تَذرفانها كما مِن نبع داخليّ ولا يمكن أن تتوقّف.
يقترب يسوع. تمدّ مرثا يديها وهي تتمتم: «ابتعد يا ربّ. في الحقيقة، نحن أصبحنا مِن الآن فصاعداً نخشى ارتكاب خطيئة بحقّ شريعة البرص. إنّما لا نستطيع، يا الله، لا نستطيع إثارة قرار مشابه ضدّ لعازرنا! ولكن لا تقترب، إذ إنّنا نجستان لعدم توقّفنا عن لمس القروح. نحن فقط، ذلك أنّنا أبعدنا الجميع، وكلّ شيء يُوضع لنا على العتبة، نأخذه، نغسل، نحرق، في القاعة الملاصقة لقاعة أخينا. هل ترى أيدينا؟ وقد أحرقها الكلس النشيط الّذي نستخدمه مِن أجل الأواني الّتي يجب إعادتها للخدّام. نظنّنا هكذا أقلّ ذنباً.» وتبكي.
مريم المجدليّة، الّتي صمتت حتّى الآن، تقول بدورها وهي تئنّ: «كان علينا أن نستدعي الكاهن. لكن... أنا، أنا المذنبة بالأكثر لأنّني تصدّيت لذلك، وأقول بأنّها ليس الآفة المروّعة الملعونة في إسرائيل. ليست هي، ليست هي! ولكنّهم يكرهوننا كرهاً جمّاً وكثيرون هم الذين قد يقولون أنّها كذلك. لِما كان أقلّ مِن ذلك كثيراً، إنّ سمعان، رسولكَ، أُعلِن أبرصاً!»
«أنتِ لستِ كاهناً ولا طبيباً يا مريم» تقول مرثا وهي تنتحب.
«لا. إنّما أنتِ تعلمين ما الّذي فعلتُه لأكون أكيدة ممّا أقول. يا ربّ، لقد ذهبتُ وجبتُ وادي هنّوم كلّه، وكلّ سلوام، وكلّ القبور القريبة مِن عين روجيل. كنتُ مرتدية مثل خادمة، محجّبة، منذ مطلع الفجر، حاملة الأغذية والمياه الطبّيّة، الأربطة والألبسة. وأعطيتُ، أعطيتُ. كنتُ أقول إنّه نذر مِن أجل مَن كنتُ أحبّ، وكان ذلك صحيحاً. كنتُ أطلب فقط التمكّن مِن رؤية قروح البرص. يُفتَرض أنّهم ظنّوا أنّني مجنونة... فَمَن قد يريد رؤية هذا الهول؟! إنّما أنا، بعد وضع تقدماتي عند حافّة المنحدر، كنتُ أطلب أن أرى. هم مِن الأعلى، وأنا مِن الأسفل؛ هم مندهشون وأنا مشمئزّة؛ هم باكون، وأنا باكية؛ قد نظرتُ، نظرتُ، نظرتُ! شاهدتُ أجساداً مغطّاة بحراشف، قشور، قروح، ووجوهاً متآكلة، شعراً قد ابيضّ واخشوشن، العيون تنزّ نتانة، الخدود تُرى منها الأسنان، جماجم على أجسام حيّة، الأيدي وقد تحوّلت إلى مخالب وحشيّة، الأقدام كأغصان كثيرة العُقَد، نتانة، هول، تفسّخ. آه! إذا ما كنتُ قد خطئتُ بعبادة الجسد، تلذّذتُ بعينيّ، بالشمّ، بالسمع، باللمس، بكلّ ما كان جميل، معطّر، متناغم، لطيف وناعم، آه! أؤكّد لكَ بأن حواسّي قد تطهّرت الآن بإماتة هذه المعارف! فقد نسيت عيناي جمال الرجل المغوي بتأمّل هذه الوحوش، أذناي كَفَّرتا عن متعة الأصوات الرجوليّة السابقة بهذه الأصوات الغليظة، الّتي لم تعد آدميّة، وجسدي قد اقشعرّ، وشمّي قد انتفض... وكلّ ما بقي مِن العبادات الشخصيّة قد مات، ذلك أنّني رأيتُ ما يؤول إليه المرء بعد الموت... ولكنّني جلبتُ معي هذا اليقين: بأن لعازر ليس أبرصاً. صوته لم يتلف، شعره وكل وبر فيه لم يُمسّ، وقروحه مختلفة. هو ليس كذلك، ليس كذلك! ومرثا تزعجني لأنّها لا تصدّقني، لأنّها لا تواسي لعازر بصرفه عن الظنّ بأنّه نجس. أترى؟ هو لا يريد أن يراكَ، الآن وقد عرف أنّكَ هنا، كي لا يعديكَ. مخافات أختي البلهاء تحجب عنه كذلك مواساتكَ!...»
طبيعتها الحادّة تحملها على الغضب. ولكن حينما ترى أنّ أختها الحزينة قد انفجرت بالبكاء، يسقط غضبها فجأة، وتعانق مرثا وتقبّلها وتقول لها: «آه! مرثا! المغفرة! المغفرة! هو الألم الّذي يجعلني ظالمة! هي المحبّة التي أكنّها لكِ وللعازر هي التي تريد إقناعكما! أيا أختي المسكينة! يا لنا مِن امرأتين مسكينتين!»
«هيّا بنا! لا تبكيا هكذا. أنتما بحاجة للسلام والرحمة المتبادلة مِن أجلكما ومِن أجله. لعازر، عدا عن ذلك، هو ليس أبرصاً، أنا مَن يقول لكما ذلك.»
«آه! تعال لتراه يا ربّ. فَمَن أجدر منكَ في الحكم إن كان أبرصاً؟» تتوسّل مرثا.
«ألم أقل لكما للتوّ أنّه ليس كذلك؟»
« نعم، ولكن كيف يمكنكَ قول ذلك إن لم تره؟»
«آه! مرثا! مرثا! الله يغفر لكِ لأنكِ تتألّمين وكأنّكِ تهذين! أنا أُشفِق عليكِ وسوف آتي لأرى لعازر وأكشف على قروحه و...»
«وستشفيه!!!» تهتف مرثا وهي تنهض.
«لقد قلتُ لكِ سابقاً بأنّني لا أستطيع فِعل ذلك... ولكنّني سأمنحكما السلام بمعرفة أنّكما تراعيان قانون البرص. هيّا بنا...»
ويتقدّمهما إلى المنزل وهو يشير إلى رُسُله بألاّ يتبعوه.
تهرع مريم إلى المقدّمة، تفتح باباً، تجتاز ممرّاً وهي تجري، وتفتح آخر يفضي إلى دار داخليّة صغيرة، تمشي بعض الخطوات وتدخل إلى غرفة شبه مظلمة، مليئة بأحواض، أوعية صغيرة، أباريق، ولفائف... رائحة هي مزيج مِن عطر وتفسّخ تخترق الأنوف. هناك باب في مواجهة الباب الأوّل، ومريم تفتحه وهي تهتف بصوت يبغي أن يكون مُشعّاً فرحاً: «ها هو المعلّم. لقد جاء ليقول لكَ بأنّني على حقّ يا أخي. هيّا، ابتسم، فَمَن هو محبّتنا وسلامنا يدخل!» وتنحني فوق أخيها، تُجلِسه على وسائد، تُقبّله، غير آبهة بالرائحة الّتي، رغم كلّ الملطّفات، تنطلق مِن الجسد المغطّى بالقروح، وإذ هي ما تزال منحنية لتسوية وضعه، تصدح تحيّة يسوع اللطيفة في الغرفة الّتي إذ يجتاحها نور شاحب، تبدو وكـأنّها تصبح مشعّة بفعل الحضور الإلهيّ.
«يا معلّم، أنتَ لستَ خائفاً... أنا...»
«مريض! لا شيء أكثر مِن هذا. لعازر، الشرائع أُعطيتن وهي متّسعة وصارمة للغاية، انطلاقاً مِن حذر مفهوم. الأفضل المبالغة بالحذر منه مِن التهوّر في بعض الحالات، كتلك الّتي في حالات الأمراض الـمُعدية. ولكنّك لستَ مُعدياً، يا صديقي المسكين، لستَ نجساً، بحيث أنّني لا أعتقد بأنّني أفتقر للحذر تجاه الإخوة إذا ما عانقتكَ وقبّلتكَ هكذا.» ويُقبّله آخذاً الجسد الهزيل بين ذراعيه.
«أنتَ بحقّ السلام! ولكنّكَ لم تشاهد بعد. ها هي مريم تكشف عن الهول. أنا قد أصبحتُ ميتاً يا ربّ. لستُ أدري كيف تستطيع الأختان الصمود...»
ولا أنا أيضاً أعلم كيفيّة مقاومة ذلك، لشدّة ما هي مفزعة ومثيرة للاشمئزاز القروح الّتي تشكّلت على طول أوردة دوالي الساقين. يدا مريم الرائعتان تعملان بخفّة عليها، بينما هي تجيب بصوتها البديع: «أوجاعكَ ورود هي بالنسبة لأختيكَ، ورود شائكة فقط لأنّكَ تتألّم. ها هي يا معلّم. أترى؟ البرص ليس هكذا!»
«هو ليس هكذا. هو داء عظيم يستنزفكَ، إنّما ما مِن خطر. ثق بمعلّمكَ! أعيدي تغطيته يا مريم، لقد رأيتُ.»
«و... ألا تلمس إذاً؟» تقول مرثا وهي تتنهّد، متشبّثة برجائها.
«يجب عدم فِعل ذلك. ليس مِن قبيل الاشمئزاز، إنّما لعدم تخريش القروح.»
تنحني مرثا، ولكن دون إصرار أكثر، فوق حوض حيث يوجد خمر أو خلّ معطّر، وتغمس فيه أقمشة تمرّرها لأختها. دموع صامتة تسقط على السائل الأحمر… تُغلّف مريم الساقين المسكينتين وتمدّ مجدّداً الأغطية على القدمين الخامدتين والصفراوين كقدميّ ميت.
«هل أنتَ بمفردكَ؟»
«لا، معي الجميع ما عدا يهوذا الإسخريوطيّ الّذي بقي في أورشليم، وسيأتي... وحتّى لو أصبحتُ آنذاك بعيداً، فسترسلانه إلى بيت عَبرة. سأكون هناك، ولينتظرني.»
«ترحل قريباً...»
«وسأعود سريعاً. قريباً ستحلّ احتفالات التجديد [Dédicace]. سأكون عندكَ في تلك الأيام.»
«لن أستطيع تكريمك في عيد الأنوار [Encénies]...»
«سأكون في بيت لحم في ذاك اليوم. أنا بحاجة لأن أرى مهدي مجدّداً...»
«أنتَ حزين... أعلم ذلك... آه! لا شيء مستطاع!»
«أنا لستُ حزيناً. أنا الفادي... ولكنّكَ متعب. لا تقاوم النعاس يا صديقي.»
«ذلك كان لإكرامكَ...»
«نم، نم. سوف نرى بعضنا فيما بعد...» وينسحب يسوع دون جلبة.
«هل رأيتَ يا معلّم؟» تسأل مرثا ما أن يخرجوا إلى الفناء.
«رأيتُ يا تلميذتيّ المسكينتين... أبكي معكما... إنّما في الحقيقة أبوح لكما أن في قلبي قروحاً أكثر مِن قروح أخيكما. قلبي يضنيه الألم...» وينظر إليهما بحزن شديد بحيث نسيت الاثنتان ألمهما مِن أجل ألمه، وبما أنّهما لا تستطيعان عناقه كونهما امرأتين، تكتفيان بتقبيل يديه وثوبه وتريدان خدمته كأختين عطوفتين. وتخدمانه في صالة صغيرة وهما تحيطانه بالمودّة.
تسمع أصوات الرُّسُل الحادّة ممّا وراء الفناء... كلّها ماعدا صوت التلميذ السيّئ [يهوذا]. ويسوع يسمع ويتنهّد... يتنهّد منتظراً الهارب بصبر.