ج8 - ف37
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الثامن
37- (اللّقاء بالشّابّ الغنيّ)
07 / 03 / 1947
إنّه صباح آخر جميل جدّاً مِن نيسان [أبريل]. الأرض والسماء تكشفان عن كلّ جمالاتهما الربيعية. يُتَنَفّس النور، التغاريد، العطور، مِن فرط ما هو الجوّ مُشبَع بالضياء، بأصوات فرحة ومحبّة، بالعبير. لا بدّ أنّ هطولاً قصيراً للمطر خلال الليل قد جعل الطرق داكنة وخاليةً مِن الغبار، مِن دون أن يجعلها مُوحِلة، وغَسَلَ السوق والأوراق الّتي تهتزّ الآن، لامعةً ونظيفةً، بفعل نسيم لطيف قادم مِن الجبال صوب السهل الخصيب، الّذي يعلن عن أريحا. مِن ضفاف نهر الأردن يصعد باستمرار أناس قد عبروا مِن الضفّة الأخرى، أو أنّهم سلكوا الطريق الّتي تحاذي النهر، آتين على هذه المتّجهة مباشرة صوب أريحا ودوكو، كما تشير الشاخصات الطرقيّة. وبالعبرانيّين، الّذين يأتون مِن كلّ اتّجاه صوب أورشليم لأجل الطقوس، يختلط تجّار مِن أماكن أخرى، ورعاة مع حملان الذبائح، الّتي تثغو غير عالمة بمصيرها.
كُثُر يتعرّفون إلى يسوع ويحيّونه. إنّهم عبرانيّون مِن البيريه والمدن العشر ومِن مواضع أبعد. هناك مجموعة مِن قيصريّة فيلبّس. وهناك رعاة، كونهم بدو يلحقون بقطعانهم، فهم على معرفة بالمعلّم، الّذي صادفوه أو أعلن عنه لهم التلاميذ.
أحدهم يسجد ويقول له: «أيمكنني أن أقدّم لكَ الحَمَل؟»
«لا تحرم نفسكَ منه يا رجل. إنّه مصدر كسبكَ.»
«آه! إنّه رَدّي للجميل. أنتَ لا تتذكّرني. إنّني. نعم. إنّني أحد الّذين شفيتَهم عندما شفيتَ كثيرين. لقد ثَبّتّ عظم فخذي الّذي لم يكن يشفيه أحد وكان يبقيني عاجزاً. إنّني أعطيكَ الحَمَل عن طيب خاطر. الأجمل. هذا. مِن أجل وليمة الابتهاج. أعلم أنّه يتعيّن عليكَ الدفع للمحرقة. إنّما بالنسبة للابتهاج! لقد منحتَني منه الكثير. خذه يا معلّم.»
«ولكن نعم، خذه. سيكون مالاً نوفّره. أو بأفضل مِن ذلك، سيكون إمكان الأكل، لأنّه مع هذا الإسراف الّذي نقوم به لم يعد لديَّ مال.» يقول الاسخريوطيّ.
«إسراف؟ لكن منذ شكيم [نابلس] لم ننفق أدنى قطعة نقد!» يقول متّى.
«بالنهاية، أنا لم أعد أملك مالاً. ما كان متبقّياً أعطيتُه لميرود.»
«اسمع أيّها الرجل.» يقول يسوع للراعي كي يضع حدّاً لكلام يهوذا. «أنا لستُ ماضياً الآن إلى أورشليم، ولا يمكنني اصطحاب الحَمَل معي. وإلّا أقبله لأُظهِر لكَ أنّ هديّتكَ مُستَحَبّة عندي.»
«إنّما ستذهب إلى المدينة بعد ذلك. سوف تتوقّف هناك للأعياد. وسيكون لديكَ مكان لترتاح. قل لي أين وأنا سأستأمن أصدقاءكَ عليه…»
«ليس لديَّ شيء مِن هذا… إنّما في نوبة لديَّ صديق مُسنّ وفقير. اسمعني جيداً: غداة السبت الفصحيّ، تذهب عند الفجر إلى نوبة وتقول ليوحنّا، شيخ نوبة -الجميع سوف يدلّونكَ إليه- "هذا الحَمَل يرسله لكَ يسوع الناصريّ، صديقكَ، كي تحتفل في هذا اليوم بوليمة مبهجة، لأنّه ما مِن ابتهاج أعظم مِن ابتهاج هذا اليوم لأصدقاء المسيح الحقيقيّين". أتفعل ذلك؟»
«إن كنتَ تشاء ذلك، فسوف أفعله؟»
«وسوف تسعدني. ليس قبل غداة السبت. تذكّر جيّداً. وتذكّر الكلام الّذي قلتُه لكَ. الآن اذهب، وليصحبكَ السلام. واحفظ قلبكَ راسخاً في هذا السلام في الأيام الآتية. تذكّر هذا أيضاً، وواصل الإيمان بحقيقتي. وداعاً.»
اقترب بعض الناس ليستمعوا إلى الحديث، ولم يتفرّقوا إلّا عندما أرغمهم الراعي على ذلك، دافعاً قطيعه ليعاود السير على الطريق. يسوع يتبع القطيع، مستفيداً مِن المسار الّذي يفتحه.
الناس يتهامسون: «إنّما أيذهب حقاً إلى أورشليم؟ ألا يعلم أنّ هناك إخطاراً بحقّه؟»
«إيه! لكن لا أحد يستطيع منع ابن للشريعة مِن المثول أمام الربّ للفصح. هل هو مذنب بجرم علنيّ؟ لا. فلو كان الأمر كذلك، لكان الوالي سجنه مثل بارباس.»
وآخرون: «أسمعتَ؟ ليس لديه مأوىً ولا أصدقاء في أورشليم. هل تخلّى عنه الجميع؟ حتّى القائم مِن الموت؟ عرفان بالجميل رائع!»
«إنّما اصمت! هاتان هما أختا لعازر. أنا مِن أرياف مجدلة وأعرفهما جيّداً، وإذا الأختان معه، فهذا دليل على أنّ عائلة لعازر وفيّة له.»
«ربّما لا يجرؤ على دخول المدينة.»
«معه حقّ.»
«الله سيغفر له إن بقي خارجها.»
«ليست غلطته إن لم يستطع أن يصعد إلى الهيكل.»
«إنّ احتراسه مِن قَبيل الحكمة هو. فإذا ما قبضوا عليه، فكلّ شيء سوف ينتهي قبل أوانه.»
«حتماً هو ليس مستعدّاً بعد لإعلان نفسه مَلِكنا، ولا يريد أن يُلقى القبض عليه.»
«يقال أنّه، بينما كان يُعتقد أنّه في أفرايم، قد قصد كلّ الأمكنة، وصولاً إلى القبائل البدويّة، لحشد أتباع ومقاتلين وطلب الحمايات.»
«مَن قال لكَ ذلك؟»
«إنّها الأكاذيب المعتادة. إنّه الـمَلِك القدّوس وليس مَلِك الجنود.»
«ربّما سيؤدّي الفصح الـمُكَمِّل. فآنذاك مِن الأسهل ألّا ينتبه إليه أحد. إنّ السنهدرين مُنفَرِط العقد بعد الأعياد، وكلّ أعضائه يمضون إلى منازلهم لأجل الحصاد. إنّه لا ينعقد مجدّداً حتّى عيد العنصرة [نزول الشريعة عند اليهود].»
«وما أن يمضي أعضاء السنهدرين، فمن تريدون أن يؤذيه؟ فهم أبناء آوى!»
«همم! هل يلجأ إلى كلّ هذا الاحتراس؟ إنّه أمر بغاية البشريّة! هو أكثر مِن إنسان ولن يلجأ إلى احتراس جبان.»
«جبان؟ لماذا؟ لا يمكن أن يُنعَت بجبان مَن يحافظ على نفسه لأجل رسالته.»
«يظلّ جبناً، لأنّ كلّ رسالة هي دوماً أدنى مِن الله. وبالتالي فإنّ التعبّد لله يجب أن تكون له الأولويّة على كلّ أمر آخر.»
هذا الكلام ينتقل مِن فم إلى فم. يسوع يتظاهر بعدم سماعه.
يوضاس بن حلفى يتوقّف لانتظار النسوة، وعندما وصلن -وقد كُنَّ مع الصبيّ على بُعد حوالي ثلاثين خطوة إلى الوراء- يقول لنيقي: «هل منحتُما الكثير في شكيم [نابلس] بعد رحيلنا؟»
«لماذا؟»
«لأنّ يهوذا لم يعد يملك ولا قطعة نقد صغيرة. إنّ نعليكَ، أيا بنيامين، لن يأتيا. إنّه مكتوب. إلى طرسة لم نستطع الدخول، وحتّى لو أمكننا ذلك، فإنّ الافتقار إلى المال كان قد حال دون أيّ شراء… عليكَ أن تدخل إلى أورشليم هكذا…»
«قبل ذلك هناك بيت عنيا.» تقول مرثا مع ابتسامة.
«وقبل ذلك أريحا ومنزلي.» تقول نيقي مبتسمةً أيضاً.
«وقبل كلّ ذلك هناك أنا. أنا قد وعدتُ وسأفعل. إنّها رحلة اختبار! لقد اختبرتُ ما معنى عدم امتلاك دراخما واحدة. والآن سأختبر ما معنى وجوب بيع غرض بدافع الحاجة.» تقول مريم المجدليّة.
«وما الّذي تريدين بيعه يا مريم، وأنتِ لم تعودي تلبسين الجواهر بعد؟» تَسأَل مرثا أختها.
«دبابيس شعري الفضّية الكبيرة. إنّها كثيرة. فلتثبيت هذا الثقل غير المجدي في مكانه يمكن لدبابيس حديديّة أن تكفي. سوف أبيعها. إنّ أريحا مليئة بأشخاص يشترون هذه الأشياء. واليوم هو يوم سوق، وكذلك غداً، ودوماً بسبب هذه الاحتفالات.»
«لكن يا أختي!»
«ماذا؟ هل يخزيكِ التفكير بإمكانيّة الظنّ بأنّني فقيرة إلى درجة يتوجّب عليَّ معها أن أبيع دبابيسي الفضّية. آه! أودُّ لو سبّبتُ لكِ دوماً خزياً كهذا! لقد كان الأمر أسوأ عندما، مِن دون حاجة، كنتُ أبيع نفسي لإشباع رذائل الآخرين ورذائلي.»
«إنّما اصمتي! فهناك الصبيّ، الّذي لا يعلم!»
«لا يعلم بعد. ربّما لا يعلم بعد أنّني كنتُ الخاطئة. غدا سوف يعلم ذلك مِن الّذين يكرهونني لأنّني لم أعد كذلك، وبالتأكيد مع تفاصيل لم تكن لخطيئتي، رغم أنّها كانت عظيمة جدّاً. وبالتالي مِن الأفضل أن يعلم ذلك منّي، وأن يرى ما الربّ، الّذي قَبِله، قادر على فِعله: أن يجعل مِن خاطئة تائبة، ومِن ميت قائماً مِن الموت، منّي أنا الميّتة بالروح، ومِن لعازر الميت بالجسد، حَيَّين. لأنّ هذا ما صنعه لنا الرابّي أيا بنيامين. تذكّر ذلك دوماً، وأَحبّه مِن كلّ قلبكَ، فهو بحقّ ابن الله.»
عائق على طول الطريق أوقف يسوع، والرُّسُل والنسوة يلحقون به. يسوع يقول: «تقدّموا أنتم، صوب أريحا، وادخلوها إن أردتم. أنا سأذهب إلى دوكو معه. عند المغيب سأكون معكم.»
«آه! لماذا تبعدنا؟ لسنا متعبين.» يعترض الجميع.
«لأنّني أودُّ، خلال هذا الوقت، أن تُخطِر البعض منكنّ على الأقلّ التلاميذ، بأنّني سأكون عند نيقي غداً.»
«إذا كان الأمر هكذا يا ربّ، فإنّنا نمضي. تعالي يا إليز، وأنتِ يا يُوَنّا، وأنتما يا سُوسَنّة ومرثا. سوف نعدّ كل شيء.» تقول نيقي.
«وأنا والصبيّ سوف نقوم بمشترياتنا. باركنا يا معلّم. وتعال سريعاً. أأنتِ تبقين يا أُمّي؟» تقول مريم المجدليّة.
«نعم. مع ابني.»
ينفصلون. مع يسوع تبقى المريمات الثلاث فقط: الأُمّ، سلفتها مريم الّتي لحلفى، ومريم سالومة.
ويسوع يترك طريق أريحا ليسلك طريقاً فرعيّةً تتّجه إلى دوكو. وما إن سلكها لبعض الوقت، حتّى ينفصل شابّ مِن إحدى القوافل الآتية لستُ أدري مِن أين -قافلة غنية قادمةً حتماً مِن بعيد، فالنسوة يركبن الجِمال، محتجبات في هوادج تتمايل، وهي مثبّتة على الظهور المحدّبة، والرجال يمتطون أحصنةً جموحة، أو جمالاً أخرى- ويُنيخ جَمَله وينزلق عن السّرج، ليمضي صوب يسوع. أحد الخدّام وقد هرع يمسك له البهيمة مِن اللّجام.
الشابّ يسجد أمام يسوع، وبعد تحيّة مفخّمة، يقول له: «فيلبّس بن قناتا (canata) ابن إسرائيليَّين حقيقيَّن وأنا ما زلتُ هكذا. تلميذ لغَمَالائيل إلى أن جعلتني وفاة أبي أتولّى تجارته. لقد سمعتُكَ أكثر مِن مرّة. أعرف صنائعكَ. أتوق لحياة أفضل كي أحظى بتلك الحياة الأبديّة الّتي تؤكّد أن مَن ينشئ ملكوتكَ في ذاته يحظى بها. قل لي إذن أيّها المعلّم الصالح، ما الّذي ينبغي عليَّ فِعله كي أحظى بالحياة الأبديّة؟»
«لماذا تدعوني صالحاً؟ وحده الله هو صالح.»
«إنّكَ ابن الله، صالح كأبيكَ. آه! قل لي ما الّذي ينبغي عليَّ فِعله؟»
«التزم بالوصايا كي تدخل إلى الحياة الأبديّة.»
«أيّها يا ربّي؟ القديمة أم وصاياكَ؟»
«إنّ وصاياي متضمّنة في القديمة، إنّ وصاياي لا تغيّر القديمة. إنّها هي دوماً: عبادة الله الواحد والحقّ بمحبّة حقيقيّة، واحترام شرائع العبادة، عدم القتل، عدم السرقة، عدم ارتكاب الزنا، عدم الشهادة بالزور، إكرام الأب والأُمّ، عدم الإضرار بالقريب، بل على العكس أن تحبّه كما تحبّ نفسكَ. بفعلكَ ذلك سوف تنال الحياة الأبديّة.»
«يا معلّم، كلّ تلك الأمور قد التزمت بها منذ صغري.»
يسوع ينظر إليه نظرة عطف، ويَسأَله بلطف: «ألا تبدو كافيةً لكَ بعد؟»
«لا يا معلّم، فهو أمر عظيم ملكوت الله فينا وفي الحياة الأخرى. هي عطيّة لا متناهية أن يهب الله ذاته لنا. إنّني أشعر أنّ كلّ شيء قليل مقارنةً بما ينبغي، بالنظر إلى الكلّ، إلى اللامتناهي الكامل الّذي يهب لنا ذاته، والّذي أعتقد بوجوب أن نحظى به بأمور أعظم مِن تلك الموصى بها، كي لا نُدان، ونكون مَرْضِيّين عنده.»
«حسناً تقول. كي تكون كاملاً ينقصكَ أمر واحد بعد. إن أردتَ أن تكون كاملاً كما يشاء أبونا السماوي، فاذهب، بِع ما تملك وأمنحه للفقراء، وستحظى بكنز في السماء يجعلك محبوباً لدى الآب، الّذي منح كنزه لفقراء الأرض. ثمّ تعال واتبعني.»
الشابّ يحزن، يستغرق بالتفكير. مِن ثمّ ينهض قائلاً: «سوف أتذكّر نصيحتكَ…» ويبتعد حزيناً للغاية.
يهوذا يبتسم ابتسامة تهكّميّة صغيرة ويتمتم: «لستُ أنا وحدي الّذي يحبّ المال!»
يسوع يلتفت وينظر إليه… ومِن ثمّ ينظر إلى الوجوه الإحدى عشرة الأخرى الّتي هي حوله، ثمّ يتنهّد: «كم هو صعب على غنيّ أن يدخل ملكوت السماوات الضيّق الباب، الشاقّة طريقه، فلن يستطيع الـمُحَمّلون بالأثقال الضخمة للثروات سلوكه والدخول إليه! فللدخول إلى هناك فوق لا يلزم سوى كنوز فضائل، غير مادّية، وإجادة التجرّد عن كلّ ما هو تعلّق بأمور العالم والتفاهات.» يسوع بغاية الحزن…
الرُّسُل يتبادلون النظر فيما بينهم مِن طرف العين.
يسوع يستأنف، وهو ينظر إلى قافلة الشاب الغني الّتي تبتعد: «الحقّ أقول لكم أنّ عبور جمل مِن ثقب إبرة هو أسهل مِن أن يدخل غنيّ ملكوت الله.»
«ولكن مَن يمكنه إذاً أن يخلص؟ إنّ البؤس غالباً ما يجعل المرء خاطئاً، بسبب الحسد وقلّة احترام ما يملكه الغير، وانعدام الثقة بالعناية الإلهيّة… وإنّ الغنى هو عائق بوجه الكمال… فإذن؟ مَن يمكنه أن يخلص؟»
يسوع ينظر إليهم ويقول لهم: «ما هو غير مستطاع عند البشر مستطاع هو عند الله، لأنّ كلّ شيء مستطاع عند الله. يكفي أن يساعد الإنسان ربّه، بإرادته الصالحة. ومِن قَبيل الإرادة الصالحة قبول النصيحة المتلقّاة، وبذل الجهد للوصول إلى التحرّر مِن الثروات. التحرّر مِن كلّ شيء لاتّباع الله. فالتحرّر الحقيقيّ للإنسان هو هذا: أن يتّبع الأصوات الّتي يهمسها الله للقلوب، ووصاياه، ألّا يكون عبداً لا لنفسه ولا للعالم ولا للحياء البشريّ، وبالتالي ألّا يكون عبداً للشيطان. توظيف حرّيّة الضمير الرائعة الّتي منحها الله للإنسان كي يشاء فقط الخير بحرّية، وأن ينال تبعاً لذلك الحياة الأبديّة المتألّقة تماماً، الحرّة، المغبوطة. فينبغي ألّا يكون عبداً حتّى للحياة الخاصّة، إذا ما كان اتّباعها يُوجِب مقاومة الله. لقد قلتُ لكم: "إنّ الّذي سيخسر حياته حُبّاً بي ولخدمة الله، سوف يخلّصها للأبد".»
«هو ذا! نحن قد تركنا كلّ شيء، حتّى الأكثر مشروعيّة، كي نتبعكَ. فماذا سيأتينا إذن مِن ذلك؟ هل سندخل إذاً ملكوتكَ؟» يَسأَل بطرس.
«الحقّ، الحقّ أقول لكم أنّ مَن سيكونون قد تبعوني بهذا الشكل والّذين سوف يتبعونني -لأنّ هناك دوماً متّسع مِن الوقت للتعويض عن الفتور وعن الخطايا المرتكبة حتّى الآن، هناك دوماً متّسع مِن الوقت طالما نحن على الأرض وأمامنا أيّام بحيث يمكننا أن نعوّض فيها عن الشرّ المرتكب- فمن يتبعني سوف يكون معي في ملكوتي. الحقّ أقول لكم أنّكم، أنتم الّذين تبعتموني في زمن التجديد، سوف تجلسون على عروش لتدينوا قبائل الأرض مع ابن الإنسان الجالس على عرش مجده. الحقّ أقول لكم أيضاً بأنّ ما مِن أحد ترك محبّةً باسمي منزلاً، حقولاً، أباً، أُمّاً، إخوةً، زوجةً، أبناء وأخوات، كي ينشر البشرى الحسنة، ويكون استمراريّتي، إلّا وينال مائة ضعف في هذا الزمن والحياة الأبديّة في الدهر الآتي.»
«إنّما إن خسرنا كلّ شيء، فكيف يمكننا أن نضاعف ما نملك؟» يَسأَل يهوذا الاسخريوطي.
«أعاود القول: ما هو غير مستطاع عند للبشر مستطاع هو عند الله. والله سوف يمنح مائة ضعف أفراحاً روحيّة لأولئك الّذين قد أحسنوا تحويل أنفسهم مِن أهل للعالم إلى أبناء لله، أي إلى بشر روحيّين. هؤلاء سوف ينعمون بالفرح الحقيقيّ، هنا وما وراء الأرض. وأيضاً أقول لكم أنّ ليس كلّ الّذين يبدون الأوّلين، والّذين عليهم أن يكونوا الأوّلين إذ تلقّوا أكثر مِن الجميع، سوف يكونون كذلك. وليس كلّ أولئك الّذين يبدون الأخيرين، وأقلّ مِن الأخيرين، إذ لم يكونوا في الظاهر تلاميذي ولا حتّى مِن الشعب المختار، سوف يكونون الأخيرين. الحقّ أنّ كثيرين مِن الأوّلين سيغدون أخيرين، وكثيرين مِن الأخيرين، آخر الأخيرين، سوف يغدون أوّلين… إنّما ها هي دوكو. تقدّموا كلّكم، ما عدا يهوذا الاسخريوطيّ وسمعان الغيور. اذهبوا للإعلان عنّي لأولئك الّذين يمكن أن يكونوا بحاجة لي.»
ويسوع ينتظر مع الاثنين اللذين استَبقَاهما للانضمام إلى المريمات الثلاث اللواتي يتبعنه على بعد بضعة أمتار.