ج10 - ف11

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء العاشر

 

11- (قدوم الوثنيّين. روايات لظهورات أخرى.)

 

05 / 04 / 1945

 

منـزل العلّية مكتظّ بالناس. الرواق، الفناء، الغرف، باستثناء العلّية والغرفة حيث هي العذراء مريم، تبدو عليها مظاهر البهجة والحماس لمكان قصده الكثيرون، بعد وقت طويل، لأجل احتفال. الرُّسُل هناك، باستثناء توما. الرُّعاة هناك، النسوة الوفيّات، ومع يُوَنّا هناك نيقي، إليز، سيرا، مارسيل، حنّة. كلّهم يتكلّمون، بصوت خافت، إنّما بحيويّة وفرحة ظاهرة. المنـزل مُحكَم الإقفال، كما لو أنّهم خائفون، إنّما خوف الخارج لا يمكن أن ينال مِن فرح الداخل.

 

مرثا تزرع المكان جيئةً وذهاباً مع مارسيل وسُوسَنّة اللواتي يُحضّرن عشاء "خدّام الربّ"، كما تدعو الرُّسُل. الآخرون، رجالاً ونساء، يتبادلون الأسئلة، يبوحون بانطباعاتهم، أفراحهم، مخاوفهم... كأنّهم أطفال كُثُر ينتظرون شيئاً ما يُهيّجهم وكذلك يخيفهم قليلاً.

 

الرُّسُل يودّون الظهور أكثرهم رباطة جأش، لكنّهم أوّل مَن يضطرب كلّما صدرت ضجة ما تُشابه طرقاً على الباب أو فَتحاً لنافذة. حتّى الدخول السريع لسُوسَنّة، الّتي تصل حاملة مصباحين مُتعدّدي الألسن لمساعدة مرثا الّتي تبحث عن بعض الأغطية للمائدة، يدفع متّى إلى الانتفاض ويصيح: "الربّ!" الأمر الّذي يجعل بطرس، الواضح أنّه مضطرب أكثر مِن الآخرين، يسقط على ركبتيه.

 

طَرقٌ حازم على الباب يقطع كلّ الأحاديث ويجعل الجميع متردّدين. أعتقد بأنّ قلوب الجميع كانت تخفق بسرعة.

 

ينظرون عبر كوّة الباب ويفتحون مع "آه!" ذاهلة، إذ يرون المجموعة غير الـمُتوقّعة مِن السيّدات الرومانيّات يصحبهنّ لونجين وشخص آخر يرتدي، مثل لونجين، لباساً ‏غامقاً. كذلك السيّدات متدثّرات بعباءات غامقة، تغطّي حتّى رؤوسهنّ. وقد نزعن كلّ حليهنّ، بغية تجنّب لفت الانتباه.

 

«هل نستطيع الدخول لبرهة كي نُفصِح عن ابتهاجنا لأُمّ المخلّص؟» تقول بلوتينا الأكثر رِفعة منهنّ كلّهن.

 

«ادخلن. إنّها هناك.»

 

يدخلن جماعة، مع يُوَنّا ومريم المجدليّة، الّتي لديّ اعتقاد بأنّها تعرفهنّ جيّداً جدّاً.

 

لونجين والرومانيّ الآخر يلبثان مُنعزِلَين، في زاوية مِن الرواق، إذ يُنظَر إليهما شزراً.

 

النسوة يحيّين بتحيّتهنّ: «سلاماً يا سيّدة!» ومِن ثمّ يركعن وهنّ يقلن: «إذا كنّا سابقاً قد أُعجِبنا "بالحكمة"، فنحن الآن نريد أن نكون بنات المسيح. ولكِ نقول ذلك. فأنتِ وحدكِ تستطيعين التغلّب على الريبة العبرانيّة حيالنا. إليكِ أنتِ سنأتي لنتعلّم، إلى أن يسمحوا لنا هم (ويشرن إلى الرُّسُل الواقفين معاً عند المدخل) بالانتماء إلى يسوع.» إنّها بلوتينا الّتي تكلّمت باسم الجميع.

 

مريم تبتسم سعيدة وتقول: «أَسأَل الربّ أن يُطهِّر شفتيّ مثلما طهّر شفتيّ النبيّ، لأتمكّن مِن الكلام باستحقاق عن ربّي. لتكنّ مباركات، يا بواكير روما!»

 

«لونجين أيضاً يودّ أن... والرمّاح، الّذي أحسّ بنار في قلبه حين... حين انفتحت الأرض والسماء عندما صرخ الله. وإذا كنّا نعلم القليل، فهما لا يعلمان شيئاً، سوى أنّه كان قدّوس الله، وأنّهما لم يعودا يريدان الانتماء إلى الخطأ.»

 

«قولي لهما أن يذهبا إلى الرُّسُل.»

 

«إنّهما هناك، لكن الرُّسُل يرتابون بهما.»

 

تنهض مريم وتمضي نحو الجنديّين.

 

الرُّسُل يراقبونها تمضي، ساعين لتخمين ما الّذي يدور في ذهنها.

 

«ليقدكما الله إلى نوره يا ولديَّ! أَقبِلا! كي تتعرّفا على خدّام الربّ، هذا هو يوحنّا، وأنتما تعرفانه. وهذا هو سمعان بطرس، الّذي اختاره ابني وربيّ رئيساً للإخوة. هذا هو يعقوب والآخر يوضاس، نسيبا الربّ. هذا هو سمعان والآخر أندراوس شقيق بطرس. ثمّ ها هو يعقوب شقيق يوحنّا، وهؤلاء، فيلبّس، برتلماوس ومتّى. توما ليس هنا، إنّه لا يزال بعيداً، لكنّني أُسمّيه كما لو كان حاضراً. هؤلاء هم المختارون لرسالة خاصّة. إنّما أولئك، القابعون بتواضع في الظلّ، هم الأوائل في بطولة المحبّة. منذ أكثر مِن ثلاثين عاماً وهم يبشّرون بالمسيح، لا الاضطهادات الّتي تعرّضوا لها، ولا الحُكم على البريء، أضعفت إيمانهم. هم صيّادون ورُعاة، وأنتما مِن الأشراف. إنّما باسم يسوع لم يعد للفوارق مِن وجود. المحبّة في المسيح تجعلنا كلّنا متساوين وإخوة، ومحبّتي تدعوكما ابنين على الرغم مِن أنّكما مِن أُمّة أخرى. وحتّى إنّي سأقول لكما إنّني وجدتُكما ثانية بعد أن فقدتكُما، لأنّكما، وفي لحظة الألم، كنتما قرب المحتضر. ولن أنسى شفقتكَ يا لونجين. ولا كلماتكَ أيّها الجنديّ. كنتُ أبدو معذّبة، لكنّني كنتُ أرى كلّ شيء. أنا لا أملك إمكانيّة مكافأتكما. وبالفعل، ليس هناك مقابل مادّي بالنسبة إلى الأمور المقدّسة، بل فقط المحبّة والصلاة. وهي الّتي سأمنحكما إيّاها وأنا أصلّي إلى الربّ يسوع أن يمنحكما هو المكافأة.»

 

«لقد حصلنا عليها يا سيّدة. لهذا تجرّأنا على المجيء معاً. ذلك أنّ دافعاً مُشترَكاً جمعنا. لقد عَقَدَ الإيمان رباطه مِن قلب إلى الآخر.» يقول لونجين.

 

كلّهم يقتربون بفضول، وهناك مَن، وقد تغلّب على تحفّظه وربّما النفور مِن الاتّصال بالوثنيّين، يقول: «ما الّذي حصلتما عليه؟»

 

«أنا سمعتُ صوتاً: صوته، كان يقول لي: "تعال إليّ".» يقول لونجين.

 

«وأنا سمعتُ: "إذا اعتقدتَ بأنّني قدّوس، فآمِن بي".» يقول الجنديّ الآخر.

 

«ونحن.» تقول بلوتينا: «هذا الصباح وفيما كنّا نتحدّث عنه، رأينا نوراً، نوراً! استحال وجهاً. آه! تكلّمي أنتِ عن بهائه. لقد كان وجهه. وابتسم لنا بوداعة، إلى حدّ أنّه لم يكن لدينا سوى رغبة واحدة، أن نأتي إليكم ونقول لكم: "لا ترفضونا."»

 

ثمّة دندنة أصوات وتعليقات. كلّهم يتكلّمون ليُردّدوا كيف رأوه.

 

الرُّسُل العشرة يصمتون شاعرين بالخزي. وفي سبيل أن يخرجوا مِن وضعهم الـمُحرِج ولا يَظهَروا بأنّهم الوحيدون الّذين بقوا دون سلامه، فإنّهم يسألون النسوة العبرانيّات فيما إذا لبثن دون هديّة فصحيّة.

 

إليز تقول: «لقد انتزع مِن قلبي السيف المؤلم لموت ابني.»

 

‏وحنّة: «سمعتُ وعده بخلاص أقاربي الأبديّ.»

 

وسيرا: «أنا، حظيتُ بلمسة.»

 

ومارسيل: «أنا، رأيتُ وميضاً وسمعتُ صوته وكان يقول: "ثابري".»

 

«وأنتِ يا نيقي؟» يسألونها كونها تبقى صامتة.

 

«سبق أن حصلت على هديّتها.» يُجيب آخرون.

 

«لا. رأيتُ وجهه، وقال لي: "مِن أجل أن ينطبع هذا في قلبكِ." كم كان جميلاً!»

 

مرثا تروح وتجيء صامتة وسريعة، ولا تتكلّم.

 

«وأنتِ يا أختي؟ لا شيء لكِ؟ تصمتين وتبتسمين. تبتسمين بهدوء مُفرِط لئلا تُظهِري فرحكِ.» تقول المجدليّة.

 

«هذا صحيح. تُبقين جفنيكِ منسدلَين ولسانكِ صامتاً، تبدين كما لو أنّكِ تُنشِدين أنشودة حُبّ مِن فرط ما عينكِ تسطع خلف حجاب رموشكِ.»

 

«آه! تكلّمي! أُمّي، أقالت ذلك لكِ؟»

 

الأُمّ تبتسم وتصمت.

 

مرثا، المنشغلة بوضع الأواني على المائدة، تريد أن تُبقي الوشاح منسدلاً على سرّها السعيد. لكنّ أختها لا تدعها وشأنها. عندها مرثا، المغتبطة، تقول وهي تحمرّ خجلاً: «أعطاني موعداً لساعة الموت وإتمام العرس...» وعلى وجهها توقّدت حُمرة أكثر حِدّة، و‏ابتسامة من النَّفْس.