ج4 - ف158
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الرابع / القسم الثاني
158- (وداع النِّساء التّلميذات)
03 / 10 / 1945
في الصباح التالي يَظهَر إجلال ميزاس. خلال الكيلومترات الأولى مِن الطريق، رَتَّبَ حمولة الجِّمال بشكل يجعل منها مَهداً مُريحاً للفرسان قليلي الخبرة. وإنّه لَمِن دواعي التسلية أن تُرى الرؤوس السمراء والشقراء ذات الشعر الطويل، حتّى آذان الرجال، أو الجدائل التي تَظهَر مِن تحت أوشحة النساء، تموج بين الطرود والصناديق. مِن وقت لآخر، الهواء الناجم عن جَري الجِّمال المتسارِع يَرمي تلك الأوشحة إلى الخلف، فيُرى، تحت الشمس، شَعر مريم المجدليّة الذهبيّ اللّامع، أو شَعر مريم الكلّيّة القداسة الأشقر الأكثر عذوبة، بينما الرؤوس الداكنة أكثر، رؤوس يُوَنّا وسِنْتيخي ومارسيل وسُوسَنّة وسارة، فإنّها تعكس اللون النيليّ أو البرونزيّ الداكن، والرؤوس الشائبة التي لإليز وسالومة ومريم التي لحلفى الموشّاة بالفضّة، فإنّها تَلمَع هي أيضاً تحت نور الشمس التي تدفئها.
يتقدّم الرجال على وسيلة النَّقل الجديدة، ويضحك مارغزيام سعيداً. يُلاحَظ أنّ شرح التاجر كان صحيحاً، يُلاحَظ أنّ شرح التاجر صحيح، عندما تُشاهَد بصرى في الأسفل، مع أبراجها وبيوتها العالية في متاهة شوارعها الضيقة، أثناء المسير في طريق العودة. وتَظهَر في الشمال الغربي تلال ذات منحدرات خفيفة. في أسفلها تمتدّ الطريق إلى أربيلا، هناك وَقَفَت القافلة لإنزال المسافرين، ولِيَفتَرقوا. تَركَع الجِّمال بِحِملها المتحرّك، ممّا يجعل أكثر مِن امرأة تصرخ. أُلاحِظ الآن أنّ النساء قد رُبِطن بكلّ عناية إلى السُّروج. يهبطن دائخات قليلاً، بسبب الترنّح، ولكنهنّ يشعرن بالراحة.
يَهبِط كذلك ميزاس، الذي كان قد أَخَذَ مارغزيام معه، وبينما كان الجمَّالون يعيدون ترتيب الحمولة، حسب الطريقة المعتادة، يدنو مِن يسوع لِيُحيّيه مِن جديد.
«أشكركَ يا ميزاس. لقد وَفَّرتَ علينا تعباً كثيراً وهدر وقت.»
«نعم، فإنّ عشرين ميلاً قطعناها في خلال ساعة. للجِّمال سيقان طويلة، حتّى ولو لم تكن مشيتها ناعمة. أرجو ألّا تكون النساء قد عانَين.»
تؤكّد جميع النساء أنّهن قد ارتحن وبدون معاناة.
أنتم الآن على بعد ستّة أميال مِن أربيلا. فلترافقكم السماء، وتجعل طريقكم ميسّرة. وداعاً يا سيّدي. اسمح لي أن أُقبّل قدميكَ المقدّستين. إنّي سعيد بلقائكَ، يا ربّ. اذكرني.» يُقبِّل ميزاس قدميّ يسوع، ثمّ يُعاوِد ركوب الجَّمل، وبـ "كررر" منه، يجعل الجِّمال تُعاوِد النهوض... وتمضي القافلة جرياً على الطريق المنبسِطة، وسط سحابة مِن الغُبار.
«يا له مِن رجل طيب! إنّني سقيم عليل، ولكن قدميَّ، بالمقابل، مرتاحتان. إنّما يا للهزّات! إنّها تختلف عن عاصفة شمال البحيرة! أتضحكون؟ أنا، لم تكن لديَّ مسانِد مثل النساء. فليَحيَ مَركَبي! إنّه ما يزال الشيء الأكثر نظافة والأكثر أماناً. والآن، فلنحمل حقائبنا على ظهورنا، وهيّا بنا.»
إنّه تَسابُق، مَن يحمل الأكثر ثقلاً. ولكنّ الفائزين هُم الذين عليهم البقاء مع يسوع، أي متّى والغيور ويعقوب وهرمست وتيمون. يَحملون كلّ شيء لِيُريحوا الثلاثة الذين عليهم الذهاب مع النساء، أو بالأحرى الأربعة، إذا ما كان يجب عدّ يوحنّا الذي مِن عين دور، ولكن، بما إنّه على غير ما يُرام، فإنّ مساعَدَته كانت ستبقى، نسبيّاً، ذاتها.
يمشون، بهمّة عالية، بضعة كيلومترات. يبلغون قمّة الهضبة، التي كانت مصدّاً للريح مِن جهة الغرب، وهناك يعود للظهور سَهل خَصيب محاط بحلقة مِن الهِضاب، أعلى مِن تلك التي صادَفوها أوّلاً، وفي وسطه هضبة طويلة ومنعزلة. في السهل ، مدينة: أربيلا.
ينحدرون، ويَصِلون بسرعة إلى السهل. يسيرون بعض الوقت، بعدها يتوقّف يسوع قائلاً: «هي ذي ساعة الفراق. فلنتناول طعامنا معاً، وبعد ذلك نفترق. هذا هو المفرق المؤدّي إلى جدرة. ستسلكون هذه الطريق، وقبل المساء تبلغون الأرض التي يُشرف عليها خُوزي.»
لا يَظهَر حماس كثير... إنّما، في النهاية، هي الطاعة. أثناء الطعام، يقول مارغزيام: «إذن لقد حان وقت إعطائكَ هذا المال. لقد أعطانيه التاجر عندما كنتُ راكباً على الجَّمل معه. قال لي: "سوف تعطيه ليسوع قبل مغادرته، وتقول له أن يحبّني كما يحبّكَ". هو ذا. الكيس يُثقِل عليَّ ثوبي. يبدو وكأنّه مليء بالحصى.»
«أَرِني! أَرِني! المال ثقيل!»
الجميع فضوليّون. يحلّ يسوع الأشرطة الجلديّة التي تغلق كيس النقود المصنوع مِن جلد الغزال، على ما أظنّ، لأنّه يبدو لي أنّه مِن الشاموا، ويُفرِغ المحتوى على ثوبه. تتدحرج قطع مِن النقود. ولكنّ ما يتدحرج هو جزء يسير مِن النقود الكثيرة. وتَظهَر ظُروف كثيرة مِن البيسوس (نسيج كتّاني ناعم وشفاف): ظروف مربوطة بخيوط. ألوان لطيفة تشفّ عَبْر الكتان الناعم جدّاً، وتبدو الشمس وكأنّها تؤجّج جمرات صغيرة موجودة داخل تلك الظروف، كما لو أنّها جمرات تحت طَبَقَة مِن الرماد.
«ما هذا؟ ما هذا؟ فكّها يا معلّم.»
يَنكَبّ الجميع عليه وهو يحلّ بهدوء عقدة أوّل ظَرف نار شقراء: زبرجد مِن قياسات مختلفة، زبرجد خام، يتلألأ حُرّاً تحت الشمس. ظرف آخر: ياقوت، قطرات دم متخثّرة. وآخر: بريق زمرّد باللون الأخضر الضاحك. وآخر: معشوق (حجر كريم أرجوانيّ اللون أو بنفسجيّ يميل إلى الزُّرقة) ناعم. وآخر: قِطَع مِن السماء مع الزفير النقيّ. وآخر: زمرّد نيليّ بنفسجي. وآخر: عقيق أسود رائع... وهكذا دواليك الظروف الاثني عشر. وفي الأخير، وهو الأثقل، كلّ بهاء وروعة ذهب الزبارج، وفيه رقّ صغير مكتوب عليه: «لأجل مصيركَ كَحَبر ومَلِك حقيقيّ.»
ثوب يسوع حقل صغير نُثِرت عليه وريقات بَتلات مُشعّة... يَغمس الرُّسُل أيديهم في هذا النور الذي أَصبَحَ مادّة متعدّدة الألوان، وقد دُهِشوا... يتمتم بطرس: «لو كان يهوذا الاسخريوطيّ هنا!...»
«اصمت! فمن الأفضل ألّا يكون هنا.» يقول تدّاوس فجأة.
يَطلب يسوع قطعة قماش كي يجعل منها رزمة واحدة، وبينما تتوالى التعليقات، يُفكّر.
يقول الرُّسُل: «ولكنّ هذا الرجل كان غنيّاً جدّاً!» ويثير بطرس الضحك عندما يقول: «لقد جَرَينا على عرش مِن اللآلئ. لم أكن أظنّني أكون على روعة وبهاء كهذه. إنّما لو كان أكثر نعومة! ماذا أنتَ مُزمِع أن تفعل الآن؟»
«سأبيعها مِن أجل الفقراء.» يرفع نَظَره ويَنظُر إلى النساء وهو يبتسم.
«وأين ستجد تاجر جواهر يشتري هذه الصَّفقة؟»
«أين؟ هنا. يُوَنّا، مرثا، مريم، هل تَشتَرين ثروتي؟»
النساء الثلاث، حتّى بدون استشارة بعضهن، يقلن: «نعم.» بحماس. ولكنّ مرثا تضيف: «هنا معنا دراهم قليلة فقط.»
«سوف توفِّرنها في مجدلة حتّى الشهر المقبل.»
«كم تريد يا ربّ؟»
«لي أنا، لا شيء. مِن أجل فقرائي، الكثير.»
«هاتها إذن. سيكون لكَ الكثير.» تقول مريم المجدليّة التي تأخذ الكيس وتضعه في صدرها.
يسوع يحتفظ فقط بقطع النقود. يَنهَض، يُعانِق أُمّه وزوجة عمّه وابني عمّه وبطرس ويوحنّا الذي مِن عين دور ومارغزيام. يُبارِك النساء، ويصرفهم. ويمضون وهم يَدورون ويلتفّون حتّى يُخفيهم منعطف مِن الطريق.
ويتوجّه يسوع مع مَن بقي إلى أربيلا. ثُلّة صغيرة، مع ثمانية أشخاص فقط. يمشون بسرعة وصمت نحو المدينة التي تقترب باستمرار.
وحتّى اليوم، بكثير مِن الصبر مِن الطرفين (أيّ يسوع وماريا فالتورتا)، انتهينا! ثلاث وعشرون مقاطعة أمس، أربع عشرة اليوم. فهذا لم يكن سِوى صَبر يسوع الذي لا نهاية له، ينبثق منه ليتسرّب إليَّ، أؤكد لكم أنّني كنتُ لأصبح في حالة هيجان. أمّا هو فإنّه صَبور للغاية! يتوقّف، يُعيد، هادئاً مبتسماً. أنا، لا أنجح في تمالك نفسي والصبر على المقاطعات المزعجة التي ترغمني على إغلاق الدفتر وترك قلمي جانباً لدقائق، لحجب السرّ الذي يتمّ بكلّ هدوء وسرّيّة، وإخفائه عن الفضول عديم الجدوى. وإنّها لمعجزة عظيمة، أن يجعل منّي إنسانة صَبورة... بكلّ تأكيد أنا أتبعه، لأنّني أَعلَم أنّه هو الذي يُملي عليَّ، ولا تُقطع سلسلة أفكاره. إذ عندما أكون أنا، كما في هذا الصباح، أكتب رسالة أو شيئاً آخر، حينئذ تُقطَع مباشرة سلسلة أفكاري وأفقد صبري، حتّى ولو سمعتُ كلاماً بقربي. ومرثا (صديقة ماريا فالتورتا) تَعلَم كم مرّة أَصرُخ: "صمتاً! أَغلِقي الباب!" عندما أكون أكتب لذاتي...