ج7 - ف213
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء السابع / القسم الثاني
213- (في جبعون)
22 / 10 / 1946
في الربيع، في الصيف، وفي الخريف، جبعون، القائمة على قمّة رابية ذات منحدر لطيف والمرتفعة قليلاً، المنعزلة وسط سهل خصب جدّاً، يُفتَرَض أن تكون بلدة لطيفة، مهوّاة، تتمتّع بمشهد بانورامي رائع. بيوتها البيضاء تكاد تختبئ في خضرة أشجار دائمة الخُضرة أوراقها، مِن كلّ الأنواع، مختلطة بالأشجار العارية الآن بفعل الفصل، إنّما الّتي في الفصل الجميل يُفتَرَض أن تُحوّل الرابية إلى سحابة مِن التويجات الخفيفة، وفيما بعد إلى ظَفَر ثمار. الآن، في رمدة جوّ الشتاء، تُظهِر منحدراتها المخطّطة بالكروم العارية وأشجار الزيتون الرماديّة، أو المرقّطة بالبساتين العارية ذات الجذوع الداكنة. ومع ذلك، هي جميلة ومهوّاة، وتستريح العين على منحدر الرابية وعلى السهل المفلوح.
يذهب يسوع باتّجاه خزّان كبير أو بئر، يذكّرني ببئر السامريّة، أو أيضاً ببئر عين روجيل، أو أكثر أيضاً بالخزّانات القريبة مِن حبرون.
كثيرون هم الّذين يهرعون إلى ملء مؤونة المياه مِن أجل السبت القريب الآن، الناس الّذين يقومون بأعمالهم الأخيرة، الناس الّذين إذ أنهوا اهتماماتهم يستسلمون لراحة السبت.
في وسطهم موجودون الرُّسُل الثمانية، الّذين يعلنون عن المعلّم وقد نجحوا، ذلك أنّني أرى مَن يجلب المرضى، والـمُستعطين يتجمّعون، وأناساً قادمين مِن بيوتهم.
ما أن يضع يسوع قدمه في البقعة الّتي يقع الحوض فيها، حتّى تحصل همهمة سرعان ما تتحوّل إلى هتاف إجماعيّ: «هوشعنا، هوشعنا! إبن داود فيما بيننا! بوركت الحكمة الّتي وصلت حيث التُمِسَت.»
«فلتكونوا مباركين أنتم الّذين تعرفون استقبالها. سلاماً! سلاماً وبركة.» وفي الحال يتوجّه إلى المرضى والّذين أصابتهم إعاقة بسبب حادث أو مرض، إلى العميان الحتميّين أو الّذين على طريق أن يصبحوا كذلك، ويشفيهم.
معجزة جميلة تلك الّتي جرت على طفل أبكم قدّمته أُمّه له وهي تبكي، وقد شفاه يسوع بقبلة على فمه، ويستخدم الطفل الكلمة الّتي أُعطيَت له مِن الكلمة ليهتف بالاسمين الأجمل: «يسوع! ماما!»، ومِن ذراعيّ أُمّه الّتي كانت ترفعه أعلى مِن الجمع، يرتمي بين ذراعيّ يسوع ملتصقاً بعنقه، إلى أن يعيده يسوع إلى أُمّه السعيدة. التي تشرح ليسوع كيف أنّ هذا الطفل الّذي كان بكرها، والذي كان أهله قد أعدّوا في قلوبهم أن يصبح لاويّاً منذ ما قبل ولادته، سيتمكّن الآن أن يصبحه وقد أصبح بغير عيب: «ليس لأجلي طلبتُ مِن الربّ مع زوجي يواكيم، إنّما مِن أجل خدمة الربّ. وليس مِن أجل أن يناديني أُمّي ويقول لي إنّه يحبّني قد طلبت له أن يتكلّم. فعيناه وقبلاته كانت تقول لي ذلك. ولكنّني كنتُ أطلب ذلك بحيث، كحَمَل بلا عيب، يُقَدَّم كاملاً للربّ ويسبّح اسمه.»
الكلام الّذي يجيب عليه يسوع قائلاً: «كان الربّ يسمع صوت نَفْسه، لأنّه هو، مثل أُمّ، يحوّل المشاعر إلى كلام وأعمال. ورغبتكِ كانت صالحة وقد تقبّلها العليّ. الآن اجتهدي في تربية ابنكِ على التسبيح الكامل ليكون كاملاً في خدمة الربّ.»
«نعم أيّها الرابّي. إنّما قل لي أنتَ ما الّذي ينبغي لي عمله.»
«اعملي على أن يحبّ الربّ الإله بكل كيانه، وتلقائيّاً يزهر في قلبه التسبيح الكامل، وسيكون كاملاً في خدمة إلهه.»
«أحسنتَ قولاً أيّها الرابّي. الحكمة على شفتيكَ. تكلّم، أرجوكَ، لنا جميعاً.» يقول جبعونيّ جليل قد شقّ له طريقاً وصولاً إلى يسوع، ليدعوه بعدها إلى المجمع. هو بالتأكيد رئيس المجمع.
يتوجّه يسوع إلى المجمع، يتبعه الجميع، وباعتبار أنّه مِن المستحيل دخول كلّ أهل البلدة، ومعهم الّذين كانوا مع يسوع، فإنّ يسوع يقبل نصيحة الرئيس بأن يتكلّم مِن على شرفة منزله الملاصق للمجمع، منزل واسع ومنخفض، مفروش على جانبيه بالخضرة الراسخة مِن الياسمين المعرّش.
إنّ صوت يسوع، القادر والمتناغم، ينتشر في الجوّ الساكن للمساء الهابط، ويمتدّ عبر الساحة والطرقات الثلاث الّتي تفضي إليها، بينما بحر مِن الرؤوس تَرفَع الوجه للاستماع إليه.
«إنّ المرأة الّتي مِن بلدتكَ، والّتي رغبت بالكلمة مِن أجل ولدها، ليس برغبة سماع الكلام العذب مِن شفتيّ ابنها، ولكن كي يصبح أهلاً لخدمة الله، تُذكّرني بكلمة مِن زمن بعيد، خرجت مِن فم رجل عظيم في هذه البلدة ذاتها. ولهذه، كما لتلك التي لمواطنتكَ، استجاب الله إذ رأى في الاثنتين طلباً متناسباً مع البرّ، برّ ينبغي أن يكون في كلّ الصلوات لتجد لدى الله القبول والنعمة. ما هو الضروريّ أثناء الحياة للحصول على المكافأة الأبديّة فيما بعد، الحياة الحقيقيّة الّتي لا نهاية لها، في غبطة لا نهاية لها؟ يجب محبّة الربّ مِن كل الكيان، ومحبة القريب كالذات. وهي الأمر الأهمّ لحيازة الله كصديق والحصول منه على النعم والبركات. عندما سليمان، الّذي أصبح ملكاً بعد موت داود، أخذ على عاتقه السُّلطة، فقد صعد إلى هذه المدينة، حيث قَدّم فيها كذبيحة الكثير مِن الأضحيات، وفي تلك الليلة، العليّ ظهر له ليقول: "أُطلب ماذا ترغب منّي". وهذا حُسن التفات عظيم مِن الله، واختبار عظيم للإنسان. ذلك أنّ كلّ عطيّة يقابلها مسؤوليّة عظيمة مِن قِبَل مُتلقّيها، مسؤوليّة تعادل عظمتها عظمة العطيّة. وهذا اختبار لمدى التأهيل الّذي بلغه الروح. فإذا ما امتلأ الروح مِن إحسانات الله، وبدل أن يسمو في الكمال يهبط إلى المادّيّة، فقد فشل في الاختبار، ويُظهِر بذلك انتفاء تأهيله أو عدم جدارته. أمران يشيران إلى القيمة الروحية لإنسان: طريقة تصرّفه في الفرح وتلك الّتي في الألم. فقط الّذي نشأ على البرّ يعرف أن يكون متواضعاً في المجد، أميناً في الفرح، شاكراً وثابتاً حتّى بعد أن ناله، حتّى عندما لا يعود راغباً بشيء. ويعرف أن يكون صابراً ويبقى محبّاً لإلهه، عندما تعتريه النوائب، فقط من يكون قدّيساً بحقّ.»
«يا معلّم، هل أستطيع طلب أمر ما؟» يقول أحد الجبعونيّين.
«تكلّم.»
«كلّ ما تقوله صحيح، وإذا ما فهمتُ جيّداً فأنتَ تريد القول إنّ سليمان فاز في الاختبار بطريقة سعيدة. إنّما بعد ذلك، فقد ارتكب الخطيئة. الآن، قل لي: لماذا أغدق الله عليه إذا ما كان سيرتكب الخطيئة فيما بعد؟ بالتأكيد كان الربّ عالماً بخطيئة الـمَلِك المستقبليّة. وإذاً لماذا قال له: "اطلب منّي ما تريد؟" هل كان ذلك خيراً أم شرّاً؟»
«خيراً على الدوام، ذلك أنّ الله لا يقوم بعمل سيّئ.»
«ولكنّكَ قلتَ إنّ كلّ عطيّة يقابلها مسؤوليّة. بينما سليمان، كونه طلب ونال الحكمة...»
«كان يتحمّل مسؤوليّة أن يكون حكيماً، ولم يكن كذلك، هذا ما تريد قوله. صحيح. وأنا أقول لكَ بأنّ تقصيره هذا في الحكمة قد عوقب، وبعدل. أمّا فِعل الله في منحه الحكمة الّتي كان قد طلبها فقد كان حسناً، وحسناً كان فِعل سليمان طلبه الحكمة وليس أموراً أخرى مادّيّة. وكون الله أباً وهو العدل، ففي أوان الخطأ، قد غَفَر قسم كبير مِن الخطأ، آخذاً بالاعتبار أنّ الخاطئ كان سابقاً قد أحبّ الحكمة أكثر مِن أيّ أمر آخر وأيّ خليقة. فِعل يخفّف مِن وطأة فِعل آخر. فالعمل الصالح الّذي يسبق الخطيئة يبقى وينفع في الغفران، إنّما عندما يتوب الخاطئ بعد خطيئته. لأجل هذا أقول لكم بألاّ تفوتكم مناسبة القيام بالأعمال الصالحة، لكي تكون في حساب خطاياكم عندما، بنعمة الله، تندمون عليها.
إنّ الأعمال الصالحة، حتّى ولو بدت قديمة، ولذلك يمكن الاعتقاد خطأ أنّها لم تعد تعمل فينا لخلق إنعاش جديد وقوى جديدة للأمور الصالحة، هي فاعلة على الدوام، أقلّه بالتذكّر الّذي يعاود الصعود مِن عمق نَفْس قد حُطّ مِن قدرها، ويَستنهض الندم على وقت كان المرء فيه صالحاً. والندم هو غالباً الخطوة الأولى على طريق العودة إلى البِرّ. لقد قلتُ إنّ حتّى كأس ماء يُعطى بمحبّة لعطشان لا يبقى دون مكافأة. فجرعة الماء لا قيمة لها مادّيّة، ولكنّ المحبّة تجعلها عظيمة، فلا تبقى دون مكافأة. أحياناً تكون المكافأة هي العودة إلى الخير الّذي يتشكّل بتذكّر هذا العمل، كلمات الأخ العطشان، مشاعر القلب في ذلك الحين، قلب مَن كان يمنح الشراب باسم الله وبمحبّة. وها هو الله، تبعاً للذكريات، يعود، كشمس تشرق بعد الليل المظلم، لتشعّ على أفق قلب مسكين فقده، وإذ قد فُتِن بحضوره فائق الوصف، يتواضع ويهتف: "أبتاه، لقد خطئتُ! أُغفر. إنّني أحبّكَ مِن جديد".
محبّة الله حكمة، وهي حكمة الحكمة، ذلك أنّ مَن يحبّ يعرف كلّ شيء ويملك كلّ شيء. هنا، بينما يهبط المساء وريح المساء تجعل الأجساد ترتعش داخل الثياب وتحرّك المشاعل الّتي أشعلتموها، أنا لن أقول لكم ما أنتم تعلمونه: مقاطع سفر الحكمة الّذي فيه وصف كيف حصل سليمان على الحكمة، والصلاة الّتي عملها للحصول عليها. إنّما لتذكّري أنا، لتذكّر الطريق الآمن، لتذكّر النور الّذي يقودكم، أحثّكم على تأمّل هذه الصفحات مع رئيس مجمعكم. إنّ كتاب الحكمة يجب أن يكون مُرشِد الحياة الروحيّة. مثل يد أُموميّة، ينبغي أن يقودكم ويولجكم في المعرفة الكاملة للفضيلة ولمذهبي، ذلك أنّ الحكمة تهيّئ لي السبل وتجعل مِن أناس "الحياة القصيرة، وغير القادرين على فهم الأحكام والشرائع، خدّام وأبناء خادمات الله" آلهة فردوس الله.
ابحثوا قبل كلّ شيء عن الحكمة لتمجيد الربّ ولكي تَسمعوه في اليوم الأزلي يقول لكم: "بما أنّكم حصلتم على هذا، خاصة في قلبكم، وليس الثراء، الخيرات، المجد، حياة طويلة، ولا الغلبة على الأعداء، فلتُمنح لكم الحكمة" أي الله نفسه، ذلك أنّ روح الحكمة هو روح الله. اطلبوا قبل كلّ شيء الحكمة المقدّسة، أنا مَن أقول لكم ذلك، وكلّ شيء آخر سوف يُعطى لكم وبطريقة لا يستطيع أيّ مِن عظماء العالم الحصول عليه. أحبّوا الله. اهتمّوا فقط بمحبّته. أحبّوا قريبكم لتمجيد الله. كرّسوا أنفسكم لخدمة الله، لنصره في القلوب. أُهدوا إلى الربّ مَن ليس صديقاً لله. كونوا قدّيسين. اجمعوا الأعمال المقدّسة للدفاع عن أنفسكم ضدّ ضعفات الخليقة الممكنة. كونوا أوفياء للربّ. لا تنتقدوا الأحياء ولا الأموات، ولكن اجتهدوا في الاقتداء بالصالحين، وليس لفرحكم الأرضيّ، إنّما لفرح الله، اطلبوا نِعَم الربّ وستُوهب لكم.
هيّا بنا. غداً، سوف نصلّي معاً وسيكون الله معنا.»
ويباركهم يسوع وهو يصرفهم.