ج8 - ف33
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الثامن
33- (في شكيم [نابلس]. القيمة الّتي يعطيها البارّ للنصائح.)
02 / 03 / 1947
إنّ ساحة شكيم [نابلس] الرئيسيّة تشهد ازدحاماً بشكل لا يصدّق. أعتقد بأنّ المدينة بأكملها هي هناك، وأنّ سكّان الأرياف والبلدات المجاورة قد وفدوا كذلك. لا بدّ أنّ أهل شكيم [نابلس]، بعد ظهر اليوم الأوّل، قد انتشروا للإعلام في كلّ مكان، وهرع الجميع: أصحّاء ومرضى، الخطأة والأبرياء. وإذ امتلأت الساحة، وازدحمت الشرفات فوق السطوح، فإنّ الناس قد اعتلوا حتّى الأشجار الّتي تظلّل الساحة.
في الصفّ الأوّل، قرب الموضع الّذي تُرِك خالياً ليسوع، عند منزل يرتفع أربع درجات، هناك الأطفال الثلاثة الّذين انتزعهم يسوع من اللصوص، وأقاربهم. كم هم توّاقون لرؤية مخلّصهم، أولئك الأطفال الثلاثة! كلّ صيحة تجعلهم يلتفتون بحثاً عنه. وعندما يُفتَح باب المنزل مواربة ويظهر يسوع، فإنّ الأطفال الثلاثة يطيرون إلى الأمام صارخين: «يسوع! يسوع! يسوع!» ويصعدون الدرجات المرتفعة حتّى دون انتظار أن ينزل هو لمعانقتهم. ويسوع ينحني ويعانقهم، ثمّ يرفعهم، باقة حيّة لزهور بريئة، ويقبّلهم على وجوههم الصغيرة وهم يقبّلونه.
يَصدر عن الناس همس متأثّر، وصوت ما يقول: «ما مِن أحد سِواه يُحسِن تقبيل أبريائنا.» وأصوات أخرى: «أترون كم يحبّهم؟ لقد خلّصهم من اللصوص، قدّم لهم مسكناً بعدما أطعَمَهم وألبَسَهم، والآن يقبّلهم كما لو كانوا مِن صُلْبه.»
يسوع، الّذي وضع الأطفال أرضاً، على الدرجة الأعلى، قربه تماماً، يجيب الجميع، مجيباً على هذه الكلمات الأخيرة مجهولة المصدر: «الحقّ أنّهم بالنسبة لي أكثر ممّا لو كانوا أبناء مِن صُلْبي. فأنا أبٌ لنفسهم، وهذه هي ملك لي، ليس خلال الزمن العابر، بل خلال الأبديّة الّتي تدوم. ليتني كنتُ أستطيع القول عن كلّ إنسان بأنّه يجتذب منيّ، أنا الحياة، حياةً ليَخرج من موته!
لقد دعوتكم لهذا عندما حللتُ بينكم لأوّل مرّة، وأنتم ظننتم أنّكم كنتم تملكون الكثير من الوقت كي تعتزموا تلبية الدعوة. فقط واحدة أبدت تأهّباً لاتّباع النداء والمضيّ على درب الحياة: المخلوقة الأكثر إثماً من بينكم. ربّما، لأنّها شعرت بالضبط أنّها ميّتة، قد رأت نفسها ميتة، متعفّنة في إثمها، فقد تعجّلت الخروج من الموت. أنتم، لا تشعرون ولا ترون بأنّكم أموات، ولا تملكون استعجالها ذاك. إنّما مَن هو ذاك المريض الّذي ينتظر موته كي يتناول أدوية الحياة؟ فالميت لا يحتاج سوى إلى كفن وطيوب وقبر، حيث يرقد كي يعود تراباً بعد أن يصبح نتانة. فإن كانت نتانة لعازر، الّذي نظرتم إليه بعيون قد جحظت خوفاً ودهشة، قد استعادت الصحّة بفعل الأزليّ، لمقاصد حكيمة، فذلك يجب ألّا يغري أحداً للوصول إلى موت الروح قائلاً: "إنّ العليّ سيعيد إليّ حياة النّفس". لا تجرّبوا الربّ إلهكم. لكم أن تعودوا إلى الحياة. لم يعد هناك وقت للانتظار. إنّ الكرمة على وشك أن تُقطَف وتُعصَر. أَعِدّوا روحكم لخمر النعمة الّذي سيعطى لكم قريباً. ألا تفعلون ذلك حين يتعيّن عليكم المشاركة في مأدبة كبرى؟ ألا تُعِدّون معدتكم لتلقّي الأطعمة والخمور المختارة، بأن تَستَبِقوا المأدبة بانقطاع متعقّل يجعل الطعم صافياً والمعدة نشيطة لتذوّق الطعام والشراب واشتهائهما؟ ألا يفعل ذلك الكَرّام أيضاً كي يتذوّق الخمر الّذي أُعِدّ للتوّ؟ هو لا يُفسِد مذاق فمه في اليوم الّذي يريد أن يختبر فيه الخمرة الجديدة. إنّه يتنبّه، لأنّه يريد أن يستشعر بدقّة المزايا والعيوب، كي يصحّح هذه ويُنشّط تلك، ويُحسِن بيع بضاعته. وإن كان يُحسِن فِعل ذلك مَن هو مدعوّ إلى مأدبة كي يتذوّق بتلذّذ أكبر الأطعمة والخمور، وإن يفعل الكَرّام هكذا كي يُحسِن بيع خموره، أو ليجعل قابلةً للبيع تلك الّتي، بسبب عيوبها، قد رفضها المشتري، أفلا ينبغي أن يُحسِن الإنسان فِعل ذلك من أجل روحه، كي يتذوّق السماء، كي يربح الكنز ليستطيع دخول السماء؟
أَنصِتوا إلى نصيحتي. هذه نعم، أَنصِتوا إليها. إنّها نصيحة جيّدة. إنّها نصيحة بارّة من البارّ، الّذي عبثاً أُسيء نصحه، والّذي يريد تخليصكم من ثمار النصائح السيّئة الّتي تلقّيتموها. كونوا أبراراً كما أنا بارّ. وأَحسِنوا تقييم النصائح المعطاة لكم. فإن أحسنتم جعل أنفسكم أبراراً، فسوف تُحسِنون التقييم.
اسمعوا مَثَلاً. إنّه يُغلق حلقة تلك الأمثال الّتي قلتها في شيلوه ولِبونة، وهو كذلك يتحدّث عن النصائح المعطاة والمتلقّاة.
’أرسل ملك ابنه المحبوب لزيارة مملكته. إنّ مملكة هذا الملك كانت مقسّمة إلى أقاليم عديدة، كونها شاسعة جدّاً. وكانت لهذه الأقاليم معرفة مختلفة بملكها. بعضها كانت تعرفه جيّداً بحيث اعتبرت نفسها المفضّلة ولذلك انساقت إلى الكبرياء. ووفقاً لها، فهي وحدها الّتي كانت كاملة وعلى معرفة بالملك وما كان يريده الملك. وأقاليم أخرى كانت تعرفه، إنّما دون أن تعتبر نفسها حكيمة بسبب ذلك، وكانت تجهد لمعرفته دوماً أكثر. أقاليم أخرى كانت تعرف الملك، لكنّها كانت تحبّه على طريقتها، حيث شَرَّعت لنفسها شريعة خاصّة لم تكن الشريعة الحقّة للمملكة. ومن الشريعة الحقّة كانت قد أخذت ما يعجبها وضمن النطاق الّذي يروق لها، ومن ثمّ انتقصت حتّى هذا القليل بمزجه بشرائع أخرى مستمدّة من ممالك أخرى، أو شَرَّعتها لنفسها بنفسها، وهي لم تكن صالحة. نعم. لم تكن صالحة. وأقاليم أخرى بعد كانت تجهل أكثر ملكها، وبعضها كانت تعلم فقط أنّ هناك ملكاً. ليس أكثر. وحتّى هذا القليل الّذي كانوا يعرفونه كانوا يعتقدون بأنّه حكاية خرافيّة.
إنّ ابن الملك جاء ليزور مملكة أبيه كي يعطي كلّ الأقاليم المختلفة معرفة صحيحة بالملك، هنا بتقويم الكبرياء، هناك بإنهاض مَن حطّ من قدرهم، وفي مكان آخر بتصحيح المفاهيم الخاطئة، وإلى أبعد بعد بالإقناع بنزع العناصر الشائبة من الشريعة النقيّة، هنا بالتعليم لملء الفراغات، هناك بمحاولة إعطاء حدّ أدنى من المعارف والإيمان بهذا الملك الحقيقيّ الّذي كان كلّ إنسان تابعاً له. ابن الملك هذا كان يفكّر مع ذلك بأنّ الدرس الأول للجميع كان إعطاء المثل على برّ يتوافق مع الشريعة في الأمور الجوهريّة كما في الأمور الثانويّة على حدّ سواء. وكان كاملاً بحيث أنّ الناس ذوي الإرادة الصالحة كانوا يغدون أفضل، باتّباعهم أفعال ابن الملك كما أقواله، حيث إنّ أقواله وأفعاله كانت ذاتها من فرط ما كانت متطابقةً دونما تعارض.
ومع ذلك فإنّ أهل الأقاليم الّذين كانوا يعتبرون أنفسهم كاملين، فقط لأنّهم كانوا يعرفون حرف الشريعة حرفيّاً، إنّما لم يكونوا يملكون روحها، قد رأوا أنّ التقيّد بما كان يفعله ابن الملك وبما كان يحثّ على فعله، كان يُبرِز بوضوح أنّهم يعرفون حرف الشريعة، لكنّهم لم يكونوا يمتلكون روح شريعة الملك، وأنّ رياءهم كان لينكشف بذلك. حينئذ فكّروا بالتخلّص ممّا كان يُظهِرهم على ما كانوا عليه. ولفعل ذلك سلكوا طريقين، واحدة ضدّ ابن الملك، والأخرى ضدّ أتباعه. للأوّل، نصائح سيّئة واضطهادات. للآخرين، نصائح سيّئة وترهيب. هناك أمور كثيرة هي بمثابة نصائح سيّئة. هي نصيحة سيّئة القول: "لا تفعل هذا الأمر الّذي قد يؤذيك". بالتظاهر باهتمام عطوف، ونصيحة سيّئة التلويح بالاضطهاد، لإقناع المراد تضليله بالتخلّي عن رسالته. إنّها نصيحة سيّئة القول للأتباع: "دافعوا عن البارّ المضطهد بأيّ ثمن وبأيّة وسيلة"، وهي نصيحة سيّئة القول للأتباع: "إن حميتموه، فسوف تواجهون سخطنا."
لكنّني لا أتحدّث هنا عن النصائح المعطاة للأتباع. أتحدّث عن النصائح الّتي أعطيت لابن الملك، بطيبة خدّاعة، بكراهية مقيتة، أو بفم أدوات جاهلة، تمّ بدفعها للإيذاء جاعلين إيّاها تعتقد أنّها كانت تؤدّي خدمة.
ابن الملك سمع تلك النصائح، لقد كانت لديه أذنان، عينان، عقل وقلب. لم يكن بإمكانه إذن ألّا يسمعها، ألّا يراها، ألّا يفهمها ويُقيّمها. إنّما قد كان لابن الملك قبل كلّ شيء روح مستقيم لبارّ حقيقيّ، وعلى كلّ نصيحة، مُقدَّمة قصداً أو بشكل غير متعمّد لجعله يخطئ بتقديمه مثالاً سيّئاً لرعايا أبيه والتسبّب بألم لامتناه لأبيه، أجاب: "لا. إنّني أفعل ما يشاء أبي. إنّني أتبع شريعته. إنّ كوني ابن الملك لا يعفيني من أن أكون أوفى رعاياه في التقيّد بالشريعة. أنتم الّذين تكرهونني وتريدون ترويعي، اعلموا أنّ لا شيء يجعلني أنتهك الشريعة. وأنتم الّذين تحبّونني وتريدون تخليصي، اعلموا أنّني أبارككم لأجل نيّتكم هذه، إنّما اعلموا كذلك أنّ محبّتكم والمحبّة الّتي أكنّها لكم، حيث إنّكم أكثر وفاءً من أولئك الّذين يقولون عن أنفسهم 'حكماء'، يجب ألّا تجعلاني غير عادل في واجبي تجاه المحبّة الأعظم، الّتي يجب منحها لأبي".
هذا هو الـمَثَل يا أبنائي. وهو بغاية الوضوح بحيث يمكن لكلّ منكم أن يفهمه. ولدى الأرواح البارّة لا يمكن أن يرتفع سوى صوت واحد: "هو حقّاً البارّ، لأنّ ما من نصيحة بشريّة يمكن أن تقوده إلى طريق الخطأ".
نعم يا أبناء شكيم [نابلس]، ما من شيء يمكن أن يقودني إلى الخطأ. الويل إذا ما وقعتُ في الخطأ! الويل لي والويل لكم. فبدلاً من أن أكون مخلّصكم، سأكون خائناً لكم، وستكونون على حقّ بأن تكرهوني. لكنّني لن أفعل ذلك. إنّني لا ألومكم على أنّكم قبلتم إيحاءات وفكّرتم بتدابير مناهضة للبرّ. لستم مذنبين، حيث أنّكم فعلتم ذلك بروح محبّة. لكنّني أقول لكم ما قلتُه في البداية والنهاية، لكم أقوله: "إنّكم أعزّ إليّ ممّا لو كنتم أبناء مِن صُلْبي، لأنّكم أبناء روحي. لقد جلبتُ أرواحكم إلى الحياة، وسأفعل ذلك أكثر بعد. اعلموا، وليكن ذلك ذكرى لكم عنّي، اعلموا بأنّني أبارككم لأجل الفكر الّذي قد حملتموه في قلوبكم. إنّما انموا في البرّ، بأن تريدوا فقط ما يُكرّم الله الحقّ، الّذي ينبغي أن نمتلك تجاهه محبّة مطلقة لا تعطى لأيّ مخلوق آخر. تعالوا إلى هذا البرّ الكامل الّذي أعطيكم مثاله، برّ يدوس أنانيّات الرفاه الخاصّ، يدوس الخوف من الأعداء ومن الموت، يدوس كلّ شيء، ليعمل بمشيئة الله.
أَعِدّوا أرواحكم. فجر النعمة يبزغ. إنّ وليمة النعمة تُعَدّ. إنّ نفوسكم، نفوس مَن يبغون المجيء إلى الحقّ، هي في عشيّة عرسها، تحرّرها، فدائها. استعدّوا، بالبرّ، لعيد البرّ.»
يسوع يشير لأقارب الأطفال، القريبين منهم، بأن يدخلوا إلى المنزل معه، وينسحب بعد أن يحمل بين ذراعيه الأطفال الثلاثة، كما في البداية.
في الساحة تتقاطع التعليقات المتنوّعةً جدّاً. الأفضل يقولون: «إنّه على حقّ. لقد تمّت خيانتنا من قبل أولئك المبعوثين الكذبة.»
الأقلّ صلاحاً يقولون: «فإذن ما كان عليه أن يجاملنا. إنّه يجعلنا مكروهين أكثر بعد. لقد سخر منّا. إنّه يهوديّ حقيقيّ.»
«لا يمكنكم قول ذلك. إنّ فقراءنا يعرفون إعاناته. مرضانا يعرفون قدرته. أيتامنا يعرفون طيبته. لا يمكننا أن نتوقّع منه أن يرتكب خطيئة كي يجعلنا سعداء.»
«لقد خطئ بالفعل، لأنّه كَرِهَنا بجعلنا نكره...»
«مِن قِبَل مَن؟»
«مِن قِبَل الجميع. لقد سخر منّا. نعم. لقد سخر منّا.»
الآراء المختلفة تملاً الساحة، لكنّها لا تعكّر داخل المنزل حيث يسوع مع الوجهاء، مع الأطفال وأقاربهم.
مرّة أخرى يتأكّد الكلام النبوي: "هو سيكون حجر عَثْرَة."