ج2 - ف74

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الثاني / القسم الثاني

 

74- (يسوع وأُمّه في بيت يُوَنّا امرأة خُوزي)

 

13 / 02 / 1945

 

أرى يسوع يتوجّه صوب بيت يُوَنّا امرأة خُوزي، وعندما يتعرّف البوّاب على القَادِم، يُطلِق صرخة فَرَح تثير الضجّة في البيت كلّه. يَدخُل يسوع مبتسِماً ومبارِكاً.

 

تَهرَع يُوَنّا مِن الحديقة الـمُزهِرة، وترتمي على قدميّ المعلّم لتُقبّلهما. يُقبِل خُوزي أيضاً. ينحني أوّلاً انحناءة كبيرة، ثمّ يُقَبِّل طَرَف ثوب يسوع.

 

خُوزي رجل وسيم، في حوالي الأربعين مِن عمره. وهو ليس ضخماً جدّاً، ولكنّه ممتلئ الجسم، وشعره أسود، إنّما بَدَأَت تَظهَر فيه بعض الخيوط الفضيّة. عيناه حيويّتان وداكنتان، لونه باهت، ولحيته مربّعة سوداء ومُعتَنَى بها جيّداً.

 

يُوَنّا أكبر مِن زوجها. وهي لم تحتَفِظ مِن مَرَضها السَّابق سوى بامتشاقة متميّزة، مع كونها أقلّ هُزَالاً مِن ذِي قبل. إنّها تبدو كنخلة ممشوقة ومَرِنَة، يعلوها رأس بديع ذو عينين غائرتين، سوداوين، وجميلتين. شعرها الكثيف بلون القير (شديد السّواد) ممشّط بعناية. وجبهتها الملساء المنحسِرة، تبدو أكثر بياضاً تحت هذا اللون الداكن. الفم الصغير، المرسوم جيّداً، ينفرد بلونه الأحمر الطبيعيّ، وسط خدّين، شحوبهما لطيف، مثل تُويَجات بعض أزهار الكاميليا. إنّها امرأة رائعة الجمال... إنّها هي التي أعطت المال للونجين Longin في الجلجلة. هناك هي تبكي، مضطربة ومتّشحة بالكامل. بينما هنا، هي تبتسم ورأسها مكشوف. ولكنّها هي هي ذاتها.

 

«لأيّ شيء أُدين بفرح وجودكَ عندي، بضيافتي؟» يَسأَل خُوزي.

 

«لحاجتي إلى استراحة في انتظار أُمّي. إنّني قادم مِن الناصرة... وعليَّ استقدام أُمّي لتمكث معي لبعض الوقت. وسوف أمضي وإيّاها إلى كفرناحوم.»

 

«لماذا ليس في بيتي؟ أنا لستُ أهلاً، ولكن...» تقول يُوَنّا.

 

«بل أنتِ أهل لذلك، ولكنّ أُمّي ترافقها سلفتها، وهي أرملة منذ بضعة أيّام.»

 

«البيت كبير ويتّسع لأكثر مِن شخص. وأنتَ مَنَحتَني مِن الفَرَح ما يجعله مفتوحاً بأكمله لكَ. مُرني يا ربّ، يا مَن أبعَدتَ الموت عن هذا المسكَن وأَعَدتَ إليه وردتي الـمُزهِرة والمتفتّحة.» يقول خُوزي ذلك، تأكيداً على طلب زوجته. إنّه يحبّها كثيراً. أُلاحِظ ذلك مِن نظرته.

 

«أنا لا آمُر، بل أَقبَل. إنّها تَعِبة جدّاً، وقد عانَت كثيراً في الآونة الأخيرة. وهي تخاف عليَّ، وأودُّ أن أُبَيّن لها أنّ هناك مَن يحبّني.»

 

«آه! فلتأتِ إلى هنا، إذن. وسوف أحبّها كابنة لها وخادمة.» تهتف يُوَنّا.

 

يُوافِق يسوع، ويَخرُج خُوزي ليُصدِر أوامره بهذا الخصوص. وتَزدَوِج الرؤيا. يبقى يسوع في الحديقة الرائعة التي لخُوزي المنهَمِك في التحدّث إليه وإلى زوجته. وفي هذه الأثناء أرى وصول العَرَبَة المريحة والسريعة التي بها انطلق يوناثان ليأتي بمريم مِن الناصرة.

 

بحكم الطبيعة، هاجَت البلدة بسبب هذا الحَدَث. ويزداد الهَياج عندما تَصعَد مريم وسلفتها، اللتان عومِلَتَا مِن قِبَل يوناثان كَمَلِكَتَين، إلى العربة بعد أن أوكَلَتَا حلفى بن سارة بمفاتيح البيت. وتبتعد العربة، بينما يَثأر حلفى للدّناءة الـمُرتَكَبة بحقّ يسوع في المَجْمع بقوله: «السامريّون أفضل منّا! أَتَرَون كيف يَحتَرِم أحد خدّام هيرودس أُمّ يسوع ويُجلّها؟... ونحن! إنّني أَخجَل مِن كوني ناصريّاً.»

 

يَنشَب شجار حقيقيّ بين الفريقين. وهناك مَن تَرَكَ الفريق المعادي ليذهب إلى حلفى يَطرَح عليه ألف سؤال. «ولكن بالتأكيد!» يُجيب حلفى. «ضيوف على بيت الوالي، ولقد سَمِعتُم ما قاله القَيِّم على قصره: "معلّمي يتوسّل إليكِ أن تُشَرِّفي منـزله". أن تُشَرِّفي، هل تُدرِكون؟ هل تَفهَمون؟ وهو خُوزي الثريّ وذو السُّلطان، وامرأته الأميرة الـمَلَكيّة. أن تُشَرِّفي! بينما عندنا، أنتم بالأحرى رَمَيتُموها بالحجارة. يا للعار!»

 

لا يُجيب الناصريّون، ويتكلّم حلفى بأكثر حِدّة: «بكلّ تأكيد، حينما يكون هو لنا، فإنّنا نمتلك كلّ شيء! كما يمكننا الاستغناء عن أيّ سَنَد بشريّ. ولكن هل تبدو لكم صداقة خُوزي بلا طائل؟ هل يبدو لكم مُقته لنا مفيداً؟ إنّه والي الربع، هل تَعلَمون ذلك؟ هل يبدو لكم ذلك تافهاً؟ تَصَرَّفوا، تَصَرَّفوا كسامريّين مع المسيح! إنّكم تستجلبون لأنفسكم كرُه العُظَماء لكم. وحينئذ... آه! حينئذ أودُّ لو أراكم! دون عَون مِن السماء ولا مِن الأرض! حمقى أنتم! شرّيرون أنتم! بل كافرون!» ويَنهَمِر وابل مِن الشتائم والاتّهامات بغير توقّف، بينما يذهب الناصريّون خَجِلين مثل كلاب أصيبت بخيبة أمل. يبقى حلفى وحيداً مثل رئيس ملائكة ثائر عند مدخل بيت مريم…

 

...في وقت متأخّر مِن السهرة، عبر الطريق الرائعة التي تمتدّ على طول البحيرة، تَصِل عربة يوناثان تجرّها خَبَباً أحصنة قويّة. خُدّام خُوزي، وهم آنئذ عند الباب يترصّدون، يُنَبِّهون ويَهرَعون بالمصابيح التي تزيد إضاءة نور القمر البدر.

 

يَركض الزوجان خُوزي ويُوَنّا. ويَظهَر يسوع أيضاً مبتسماً، وخلفهم مجموعة الرُّسُل. عندما تهبط مريم، تنحني يُوَنّا حتّى تَصِل إلى الأرض، وتُحيّي: «الإكرام والإجلال لزهرة الذريّة الـمَلَكيّة، المجد والبركة لأُمّ الكلمة الـمُخَلِّص.» وينحني خُوزي انحناءة أكبر مِن أيّة انحناءة قام بها أمام هيرودس في البلاط ويقول: «لتكن مُبارَكَة الساعة التي أوصَلَتكِ إليَّ. فلتكوني مباركة يا أُمّ يسوع.»

 

تُجيب مريم بِلُطف وتَواضُع: «مبارك هو مُخَلِّصنا، ومباركون هُم الصَّالحون الذين يحبّون ابني.»

 

يَدخُل الجميع إلى البيت، وقد استُقْبِلوا بكلّ حفاوة. تُمسِك يُوَنّا بيد مريم وهي تبتسم لها قائلة: «سوف تَسمَحين لي بخدمتكِ، أليس كذلك؟»

 

«ليس أنا، بل هو. اخدميه هو وأحبّيه على الدوام. وبذلك تكونين قد وَفَيتِني كلّ شيء. العالم لا يحبّه... وهذا هو مصدر ألمي.»

 

«أعرف. تُرى لماذا هذه اللامبالاة من قِبَل قِسم مِن العالم، بينما يَبذل آخرون حياتهم مِن أجله؟»

 

«لأنّه رمز التناقُض للكثيرين، لأنّه هو النَّار التي تُطَهِّر المعدن. فالذهب يُنَقّى، بينما الشوائب تترسّب في القعر وتُرمَى. قيل لي ذلك عندما كان ما يزال صغيراً جدّاً... ويوماً بعد يوم تتحقّق النبوءة...»

 

«لا تبكي يا مريم. سوف نحبّه ونُدافِع عنه.» تقول يُوَنّا ذلك وتواسيها.

 

إلّا أنّ مريم تستمرّ بِسَكب دموعها الصامتة التي لا تراها سوى يُوَنّا، في الركن شبه الـمُظلِم، حيث تَجلسان.

 

وينتهي كلّ شيء.