ج7 - ف166
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء السابع / القسم الأول
166- (أحد أَحكَام يسوع)
12 / 08 / 1946
«لستُ مسروراً على الإطلاق بالمكوث هنا مع هذا الرجل الذي انضمَّ إلينا...» يُتمتِم بطرس الموجود مع يسوع في بستان كثيف.
لا بدّ أنّ الوقت هو ما بعد ظهيرة السبت، ذلك أنّ الشمس ما تزال عالية في الأفق، في حين أنّ الوقت كان الغَسَق عندما وَصَلوا إلى القرية.
«سنغادر بعد الصلوات. إنّه السبت. لم يكن ممكناً لنا السير، وهذه الراحة قد أفادتنا. لن يتوجّب علينا التوقّف مجدّداً حتّى السبت المقبل.»
«لكنّك لم تسترح كثيراً. كلّ هذا الكمّ مِن المرضى!...»
«كُثُر الآن يُسبّحون الربّ. ولأوفّر عليكم سيراً كثيراً، كنتُ لأبقى هنا ليومين، كي أمنح الناس الذين شفيتُهم الوقت كي يَحملوا النبأ إلى ما وراء الحدود، لكنّكم لم تريدوا.
«لا! لا! أودُّ أن أبتعد في الحال. و... لا تثق بالناس كثيراً يا معلّم. إنّكَ تتكلّم وتتكلّم! إنّما هل تَعلَم أنّ كلّ كلمة مِن كلماتكَ تستحيل سمّاً ضدّكَ على بعض الشفاه؟ لماذا أَرسَلوه إلينا؟»
«أنتَ تَعلَم ذلك.»
«نعم، إنّما لماذا بقي؟»
«إنّه ليس الأول الذي يبقى معنا بعد أن يتقرَّب منّي.»
بطرس يهزّ رأسه، إنّه ليس مقتنعاً. وهو يُتمتِم: «جاسوس!... جاسوس!...»
«لا تدن يا سمعان. فقد تندم يوماً على حكمكَ الآنيّ...»
«أنا لا أدين. أنا خائف عليكَ. وهذه محبّة. والعليّ لن يعاقبني لأنّني أحبّكَ.»
«أنا لا أقول بأنّكَ قد تندم على ذلك، بل على إساءة التفكير بأخ لكَ.»
«إنّه أخ لأولئك الذين يكرهونكَ. وبالتالي فهو ليس أخاً لي.»
مِن وِجهة نظر بشريّة فإنّ منطقه صحيح، لكنّ يسوع يُعلّق: «إنّه تلميذ لغَمَالائيل، وغَمَالائيل ليس ضدّي.»
«إنّما هو ليس معكَ كذلك.»
«مَن ليس ضدّي هو معي، حتّى لو لم يَبدُ أنّه كذلك. لا يمكن التوقّع مِن غَمَالائيل، أعظم ملفان (عالِم لاهوت) لإسرائيل، اليوم، بئر المعرفة الرابّـيّة، منجم حقيقيّ حيث كلّ... خامات العِلم الرابّيّ، أن يتخلّى عن كلّ شيء في الحال كي يتقبّلني. ياسمعان، مِن الصعب حتّى بالنسبة لكم جميعاً أن تتقبّلوني، متخلّين عن كلّ ماضيكم...»
«لكنّنا تقبّلناكَ!»
«لا. أَتَعلَم ماذا يعني تَقَبُّلي، أنا؟ يعني ليس فقط أن تحبّوني وتتبعوني. فهذا يعود إلى حدّ كبير لاستحقاقات الإنسان الذي هو أنا، وهذا يَجذب تعاطفكم. أن تتقبَّلوني يعني أن تتقبّلوا عقيدتي، الـمُشابِهة لتلك القديمة التي هي الشريعة الإلهيّة، إنّما التي هي مختلفة تماماً عن هذه الشريعة، عن هذه الكَومة مِن القوانين البشرية التي تمّ تكديسها عبر العصور، مُكوِّنة رموزاً وَصِيَغاً لا شيء فيها إلهيّ. أنتم، كلّ المتواضعين في إسرائيل، وبعض ذَوي الشأن المستقيمين جدّاً، تَشتَكون وتَنتَقِدون الدقائق الشكليّة للكَتَبَة والفرّيسيّين، تَشَدُّدهم وقسوتهم... إنّما أنتم أيضاً لستم معصومين. إنّها ليست غلطتكم. فعلى مرّ العصور، أنتم العبرانيّين قد تشرّبتم ببطء... الأبخرة البشرية التي لأولئك الذين عَكَّروا الشريعة الإلهيّة فائقة الطبيعة والنقيّة. تَعلَم ذلك. حين يُواصِل إنسان العيش لسنوات بأسلوب مختلف عن ذاك الذي لوطنه الأُمّ، لأنّه في بلد ليس بلده، وأولاده وأحفاده يعيشون هناك، فيحدث أن تنتهي ذريته لتصبح مثل سكّان المكان الذي هم فيه. إنّهم يتأقلمون جدّاً بحيث يفقدون حتّى مظهرهم الجسديّ الأصليّ، إضافة إلى الأَعرَاف الأخلاقيّة، وللأسف، دِين أسلافهم كذلك... إنّما ها هم الآخرون. هيّا بنا إلى المعبد.»
«هل ستتحدّث؟»
«لا. أنا مجرّد مؤمن. لقد تحدّثتُ هذا الصباح مِن خلال المعجزات...»
«شَريطة ألّا يكون ذلك مُضرّاً بكَ...» بطرس مستاء وقَلِق حقّاً، لكنّه يتبع المعلّم الذي انضمّ إلى الرُّسُل الآخرين، والذي يتقابل على الطريق مع الرجل الذي مِن جيسكالا وآخرين، هم ربّما مِن القرية.
في المعبد، رئيس المعبد يلتفت إلى يسوع باحترام قائلاً: «أتودّ أن تشرح الشريعة أيّها الرابّي؟»
لكنّ يسوع يرفض، وكمؤمن عاديّ يتبع كلّ الطقوس، مُقَبِّلاً كما الآخرين اللفافة التي قَدَّمَها له المساعد (أدعوه هكذا لأنّني لا أعرف أيّ اسم أُطلقه على مساعد رئيس المعبد)، ومُنصِتاً إلى شرح المقطع المختار. ومع ذلك، وعلى الرغم مِن أنّه لا يتحدّث، إلّا أنّ مظهره هو بالفعل مَوعِظة، نَظَراً للطريقة التي يُصلّي بها... كُثُر ينظرون إليه. تلميذ غَمَالائيل لا يحيد نظره عنه ولو للحظة. والرُّسُل المرتابون لا يَغفلون عن التلميذ.
يسوع لا يلتفت إلى الوراء حتّى عندما يثرثر بعض الأشخاص عند عتبة المعبد متسبّبين بتشتيت التركيز لدى العديد مِن الناس. لكنّ الطقوس تنتهي والناس يخرجون إلى ساحة المعبد. ومع أنّ يسوع كان أقرب إلى آخر المعبد، إلّا أنّه كان أحد الأخيرين الذين خرجوا، ويمضي باتّجاه المنزل كي يأخذ كيسه ويغادر. أناس كُثُر مِن القرية يتبعونه ومِن بينهم تلميذ غَمَالائيل، الذي ناداه في لحظة معيّنة ثلاثة رجال كانوا يستندون إلى جدار أحد المنازل. فيتحدّث إليهم ومِن ثمّ يَشقّ طريقه معهم نحو يسوع.
«يا معلّم، هؤلاء الرجال يرغبون بالتحدّث إليكَ» يقول لافتاً انتباه يسوع الذي كان يتحدّث مع بطرس وابن عمّه يوضاس.
«كَتَبَة! كنتُ قد قُلتُ ذلك!» يصيح بطرس المضطرب أصلاً.
يسوع يحيّي بعمق الرجال الثلاثة الذين يحيّونه ويَسأَل: «ماذا تريدون؟»
أكبرهم سنّاً يقول: «حيث إنّكَ لم تأتِ، فقد جئنا نحن. وكي لا يعتقد أحد بأنّنا قد انتَهَكنا السبت، فإنّنا نُعلِم الجميع بأنّنا قطعنا المسافة على ثلاث مراحل زمنية مختلفة. الأولى حتّى آخر ضوء خلال فترة الغروب. الثانية، مِن ستّ غلوات، فيما كان القمر يُنير الدروب. الثالثة انتهت للتوّ ولم تتعدَّ المسافة المسموح بها. نقول ذلك لأجل نفوسكم ونفوسنا، إنّما مِن أجل روحنا فإنّنا نسألكَ حكمتكَ. هل لديكَ عِلم بما جرى في بلدة جيسكالا؟»
«لقد أتيتُ مِن كفرناحوم. لا أَعلَم شيئاً.»
«اسمع. إنّ رجلاً كان بعيداً عن منزله لفترة طويلة بسبب العمل، قد عَلِم، عندما عاد، أنّ امرأته لم تكن مخلصة له أثناء غيابه، إلى حدّ أنّها أَنجَبَت طفلاً، الذي لم يكن ممكناً أن يكون مِن زوجها، حيث أنّه كان غائباً لأربعة عشر شهراً. الرجل قَتَلَ زوجته سرّاً. إنّما كان قد تمّ التبليغ عنه مِن قِبَل رجل كانت قد أَعلَمَتهُ الخادمة، وقد تمّ إعدامه عملاً بشريعة إسرائيل. العشيق، الذي وفقاً للشريعة يجب أن يُرجَم، قد لجأ إلى قادش وهو حتماً سوف يُحاوِل الذهاب إلى أمكنة أخرى. والطفل غير الشرعيّ، الذي أراد الزوج قتله كذلك، لم يُسلّم مِن قِبَل المرأة التي كانت تُرضِعه، وقد ذَهَبَت إلى قادش كي تطلب مِن الأب الحقيقيّ للطفل أن يعتني بابنه، ذلك أنّ زوج الـمُرضِعة لم يشأ الاحتفاظ بالطفل غير الشرعيّ في منزله. لكنّ الرجل صَدَّها ورَفَضَ ابنه قائلاً بأنّه سوف يعيق هروبه. ما هو رأيكَ في المسألة؟»
«لا أعتقد أنّه بالإمكان الحُكم بعد الآن. فكلّ حُكم، صائباً كان أم خاطئاً، قد سَبَقَ أن صَدَر.»
«أيّ مِن الأحكام، برأيكَ، هو عادل وأيّها هو جائر. هناك خلاف فيما بيننا بشأن عقوبة القاتل.»
يسوع يُحدّق بهم، الواحد تلو الآخر. ثمّ يقول: «سوف أتكلّم. إنّما أوّلاً أَجيبوا على أسئلتي، مهما كانت وطأتها. وكونوا صادقين. هل الرجل الذي قَتَلَ زوجته هو مِن المنطقة؟»
«لا. لقد استقرّ هنا بعد زواجه مِن المرأة التي هي مِن هنا.»
«هل الزاني هو مِن هنا؟»
«نعم.»
«كيف عرف الرجل المخدوع أنّه كان كذلك؟ هل كانت الخطيئة مُعلَنة؟»
«لا، ونحن لا نَعلَم كيف تمكّن الرجل مِن معرفة الأمر. المرأة كانت قد غابت لأشهر قائلة، كي لا تبقى وحيدة، بأنّها ذاهبة إلى بتولمايس [عَكّا] إلى بعض الأقارب، وقد عادت قائلة بأنّها جَلَبَت معها طفل قريبة لها قد ماتت.»
«هل كان مَسلَكها سيّئاً عندما كانت في جيسكالا؟»
«لا. على العكس كلّنا كنا متفاجئين مِن علاقتها مع مرقص.»
«قريبي ليس خاطئاً. لقد تمّ اتّهامه إنّما هو بريء» يقول أحد الثلاثة الذي لم يكن قد تكلّم أبداً بعد.
«أكان قريبكَ؟ مَن أنتَ؟» يَسأَل يسوع.
«كبير شيوخ جيسكالا. لهذا أردتُ موت القاتل، لأنّه لم يَقتُل فقط، بل قَتَلَ بريئة» ويَنظُر بتجهُّم إلى الرجل الثالث، الذي هو تقريباً في الأربعين مِن العمر، والذي يُجيب: «الشريعة تقول بأنّ القاتل يُقتَل.»
«أنتَ قد أردتَ موت المرأة والزاني.»
«هكذا هي الشريعة.»
«إن لم يكن هناك سبب آخر، لما كان أحد قد تكلّم.»
الجَّدَل يَحتَدِم بين الـمُتخاصِمَين اللذين يَنسَيان أمر يسوع تقريباً. لكنّ الذي تكلّم أولاً، أكبرهم سنّاً، يَفرض الصمت قائلاً بحياديّة: «لا يمكن إنكار أنّ جريمة قتل قد ارتُكِبت، كما لا يمكن إنكار أنّه كان هناك ذنب. المرأة اعترفت به لزوجها. إنّما لِنَدَع المعلّم يتكلّم.
«أنا أقول: كيف عَرف الزوج بالأمر؟ وأنتم لم تجيبوا على سؤالي»
الرجل الذي يُدافِع عن المرأة يقول: «لأنّ أحدهم كان قد تكلّم حالما عاد الزوج.»
«في هذه الحالة أقول أنّ نَفْس ذاك لم تكن طاهرة» يقول يسوع خافضاً جفنيه كي يخفي نَظَرَهُ ويمنعه مِن الاتّهام.
لكنّ الرجل ذا الأربعين عاماً، والذي أراد موت المرأة والزاني يصيح: «أنا لم أكن أشتهيها.»
«آه! لقد وَضَح الأمر الآن! أنتَ هو مَن تكلّم! لقد شككتُ بالأمر، لكنّكَ الآن فضحتَ نفسكَ! أيّها القاتل!»
«وأنتَ تُشجّع على الزنى. فلو لم تُنبّهه، لما هَرَبَ. لكنّه قريبكَ! هكذا تُطبّق العدالة في إسرائيل! لهذا السبب تُدافِع أيضاً عن ذكرى المرأة: كي تُدافِع عن قريبكَ. ولو لم يكن هناك سواها، لما كنتَ قد قلقتَ بشأنها.»
«وماذا عنكَ، إذاً؟ أنتَ يا مَن حَرَّضَ الرجل ضدّ المرأة للانتقام مِن صدّها لكَ؟»
«وأنتَ، الشاهد الوحيد ضدّ الرجل؟ أنتَ الذي كنتَ تَدفَع لخادمة في ذاك المنزل كي تكون عَوناً لكَ؟ شهادة شخص واحد ليست شرعيّة: هي الشريعة التي تقول ذلك.» صَخَب رهيب!
يسوع والرجل العجوز يُحاوِلان تهدئة الاثنين اللذين يمثّلان مصلحتين واتّجاهين متضاربين، واللذين يَكشفان عن كراهية غير قابلة للشفاء بين عائلتين. وينجحان في ذلك بمشقّة، والآن هو يسوع الذي يتكلّم بهدوء ومَهابة، يبدأ بالدفاع عن نفسه مِن اتّهام أحد المتخاصِمَين له، الذي قال: «أنتَ يا مَن تحمي الزانيات...»
«أنا لا أقول فقط إنّ الزنا الناجز هو جريمة ضدّ الله والقريب، إنّما أقول: حتّى مَن يشتهي بـِخِسَّة امرأة رجل آخر هو زانٍ في قلبه ويرتكب الخطيئة. أمر مُريع هو أن يُعدَم كلّ رجل يشتهي امرأة رجل آخر! على الراجمين عندئذ إبقاء الحجارة في أيديهم على الدوام. وإذا ما بَقِيَت الخطيئة بلا عقاب مِن الناس على الأرض، فسوف تكون محلّ تكفير في الحياة التالية، لأنّ العليّ قال: "لا تزنِ ولا تشتهِ امرأة قريبكَ."، وكلمة الله واجبة الإطاعة. حينذاك، أقول أيضاً: "الويل لِمَن يتسبّب بفضيحة ومَن يَشي بجاره." وفي هذه الحالة فإنّ الجميع قد أَخَلّوا. مِن جهة الزوج: هل كان حقّاً أمراً ضروريّاً بالنسبة له أن يترك امرأته لوقت طويل؟ هل كان دائماً يعاملها بتلك المحبّة التي تَكسَب قلب القرين؟ هل فَحَصَ ذاته كي يتحقّق فيما إذا كان قد أساء هو إلى امرأته قبل أن تسيء هي إليه؟ إنّ شريعة الثأر تقول: "العين بالعين، والسنّ بالسنّ." لكنّها إذا ما قالت ذلك فكي تُوجِب إصلاحاً. فهل يجب أن يأتي فقط مِن طرف واحد؟ أنا لا أُدافِع عن الزانية. لكنّني أقول: "كَم مرّة كان قد أمكَنَها اتّهام زوجها بتلك الخطيئة؟"»
يَتهامَس الناس: «هذا صحيح! هذا صحيح!» ويؤيّدون كذلك الرجل العجوز الذي مِن جيسكالا وتلميذ غَمَالائيل.
يُتابِع يسوع: «...أنا أقول: لماذا، ذاك الذي تَسبَّبَ بهذه الفاجعة بدافع انتقام، لم يَخَف مِن الله؟ هل كان ليرغب أن يَحدُث كلّ ذلك في عائلته؟ أنا أقول: الرجل الذي هَرَبَ، والذي بعد أن تمتَّعَ وسَبَّبَ المآسي، فهو الآن يتنصّل مِن الطفل البريء، هل يعتقد أنّه بهروبه سوف يفلت مِن الـمُنتَقِم الأزليّ؟ هذا ما أقوله. وأقول أيضاً: إنّ الشريعة قد فرضت رجم الزّناة وإعدام القَتَلَة. إنّما سيأتي اليوم حيث الشريعة، اللازمة لاحتواء عنف وشَبَق البشر غير الـمُحصَّنين بنعمة الرب، سوف تتعدّل، وإذا بقيت الوصايا: "لا تقتل ولا تزن"، فإنّ العقوبات ضدّ هاتين الخطيئتين سوف تخضع لعدالة أسمى مِن عدالة الكراهية والدم. عدالة، إذا ما قورنت بها العدالة الزائفة على الدوام وغير المستحقّة للقضاة البشريّين، الزناة كلّهم، وربّما لمرّات عدّة، إن لم يكونوا حتّى قَتَلة، فسوف تكون أقلّ مِن لا شيء. أتكلّم عن عدالة الله، الذي سوف يَسأَل البشر أيضاً عن دوافع الشهوات الفاجرة التي يتولّد عنها الانتقام، الوشايات، جرائم القتل، وبالأخصّ سوف يَسأَلهم عن المبرر لإحجامهم عن منح الفرصة للمذنبين كيّ يكفّروا عن أنفسهم، وعن سبب فرضهم على الأبرياء حَمْل عبء خطايا الآخرين. إنّهم كلّهم مخطئون في هذه الحالة. الكلّ. حتّى القضاة المدفوعين بأسباب مُتعارِضة لثأر شخصيّ. واحد فقط هو بريء. وشَفَقَتي تَنصَبّ عليه. أنا لا أستطيع العودة. إنّما مَن منكم سوف يكون رحيماً بالطفل وبي أنا الذي أتألّم لأجله؟» ويَرمق يسوع الجمع بنظرة ترجٍّ حزينة.
كُثُر يقولون: «ما الذي تريده؟ تذكّر: إنّه ابن زنا.»
«هناك امرأة في كفرناحوم تدعى سارة. إنّها مِن أَفِيقَ. هي واحدة مِن تلميذاتي. خذوا الطفل لها وقولوا: "يسوع الناصريّ يَعهَد به إليكِ". وحينما المَسيّا، الذي تنتظرونه، يؤسّس ملكوته ويُعلِن عن شرائعه، التي لا تُلغِي كلمة سيناء، بل تُكمّلها مِن خلال المحبّة، فإنّ الأطفال غير الشرعيّين لن يبقوا بعد دون أُمّ، لأنّني سأكون الأب لِمَن ليس لديهم أب، وسوف أقول للمؤمنين بي: "أَحِبّوهم لأجلي." وأمور أخرى سوف تتغيّر، لأنّ المحبّة سوف تحلّ محلّ العنف.
ربّما كنتم تتوقّعون أن أُعارِض الشريعة عندما سألتموني. ولهذا كنتم تبحثون عنّي. قولوا لأنفسكم ولِمَن أرسلكم بأنّني جئتُ كي أُكمّل الشريعة، لا كي أنقُضها. قولوا لأنفسكم وللآخرين أنّه لا يمكن مطلقاً لِمَن يُبشّر بملكوت الله أنّ يُعلّم أنّ ما في ملكوت الله مُرعِب، وبالتالي مِن غير الممكن قبوله. قولوا لأنفسكم وللآخرين أنّه يجب تَذَكُّر سفر تثنية الاشتراع: "سوف يُقيم لكَ الربّ إلهكَ نبيّاً مِن وسطكَ، مِن إخوتكَ. له تَسمَع. حسب ما طَلَبتَ مِن الربّ إلهكَ في حوريب وقُلتَ: 'لا أعود أَسمَع صوت الربّ إلهي، ولا أرى هذه النار العظيمة أيضاً لئلّا أموت'. وقال لي الربّ: 'لقد أَحسَنوا فيما تَكَلَّموا، وسوف أُقيم لهم نبيّاً مثلكَ، مِن إخوتهم، وأَجعَل كلامي في فمه، فيكلّمهم بكلّ ما أُوصيه به. ومَن لا يريد سماع الكلام الذي يتكلّم به باسمي، فسوف أُطالِبه'."
إنّ الله قد أَرسَلَ لكم كلمته كي يتكلّم مِن دون أن يقتلكم صوته. كان الله قد تحدّث كثيراً للإنسان، وقد كان أكثر ممّا استحقّ الإنسان سماعه منه. قد قيل الكثير عبر شريعة سيناء وبواسطة الأنبياء. إنّما كان ما يزال هناك الكثير كي يُقال، والله قد أبقاه لنبيّه في زمن النعمة، لِمَن وَعَدَ به شعبه، الذي فيه كلمة الله، والذي مِن خلاله سوف تتمّ المغفرة. هو مؤسّس ملكوت الله، وسوف يَصوغ الشريعة بقواعد جديدة للمحبّة، لأنّ زمن المحبّة قد حلّ. وهو لن يطلب مِن العليّ الانتقام ممّن لا يُنصِتون إليه، وإنّما فقط سيلتمس أن تُذيب نار الله القلوب المتحجّرة، وأن تتمكّن كلمة الله مِن اختراقها، وأن يُرسي فيها الملكوت الذي هو ملكوت الروح، تماماً مثل مَلِكها الذي هو مَلِك روحيّ. ولكل مَن يحبّ ابن الإنسان، فإنّ ابن الإنسان سوف يمنح الطريق، الحق، والحياة كي يمضي إلى الله، كي يعرفه ويحيا الحياة الأبديّة. لكلّ مَن يَقبَل كلمتي سوف تنفتح منابع النور، وبفضلها يَعرِف المعنى المحتجب لكلام الشريعة، ويُدرِك أنّ التحريمات ليست تهديدات، بل دعوة مِن الله الذي يريد للبشر أن يكونوا سعداء لا هالِكِين، أن يكونوا مبارَكِين لا ملعونِين.
مرّة أخرى قمتم باستغلال مسألة مَقضيّة، كما لا تَقضي بها القَداسة، جَعَلتُموها أداة تحرٍّ كي تُمسِكوا بي خاطئاً. أمّا أنا فأَعلَم بأنّني لا أُخطئ. وأنا لا أخاف مِن الإفصاح عمّا في ذهني، الذي هو: الرجل القاتل قد كَفَّر، بالعار أولاً، ومن ثمّ بالموت، لجعله الكَسب هدفاً لحياته. والمرأة كَفَّرت عن خطيئتها بموتها، -وهذا قد يفاجئكم ولكنّها الحقيقة- واعترافها بُغية جعل زوجها يتحلّى بالشفقة تجاه الطفل البريء، قد خَفَّفَ مِن ثِقل خطيئتها في عينيّ الله. أمّا الآخرون: أنتَ وأنتَ، وذاك الذي هَرَبَ حتّى دونما شفقة تجاه طفله، فَمُذنِبون أكثر مِن الاثنين الأوّلين. أتتذمّران؟ إنّكم لم تُكفِّروا بالموت، وليست لكم الظروف الـمُخفِّفة التي للزوج المخدوع، أو تلك التي للمرأة التي تمّ إهمالها والتي اعترفت بخطيئتها. كلّكم قد خطئتم، كلّكم باستثناء مُرضِعة الطفل البريء: خطيئة رفض هذا البريء كما لو أنّه شرّ مخزٍ. عرفتم قتل القاتل، وقد كان بوسعكم قتل الزُّناة. ما هو عدالة قاسية قد عرفتم أن تفعلوه، وكنتم لتعرفون فعله. إنّما ولا واحد عرف أن يفتح ذراعيه للإشفاق على الطفل البريء. ولكنّكم لستم مسؤولين بشكل مُطلَق. إنّكم لا تَعلَمون... إنّكم لا تَعلَمون أبداً ما تفعلون بالضبط وما الذي يتوجّب فِعله. وفي هذا عذركم.
عندما جاء إليَّ تلميذ غَمَالائيل هذا، قال لي: "تعال. يريدون سؤالكَ بشأن حَدَث لا تزال نتائجه قائمة." النتائج هي الطفل البريء. إذن؟ الآن وقد عرفتم رأيي، فهل ستُغيّرون حكمكم حيث لا يزال قابلاً للتغيير؟ لقد قُلتُ لهذا الرجل: "أنا لا أدين. أنا أغفر." وغَمَالائيل قال: "وحده يسوع الناصريّ يحكم هنا بالعدل." وأنا، كما قُلتُ لهذا الرجل، كنتُ لأنصح الجميع، فأقول للجميع، بالانتظار قبل البتّ بمسألة حسّاسة إلى أن تكون الانفعالات قد هدأت. أمور كثيرة قد تتغيّر دونما انتهاك للشريعة. إنّ المسألة قد سبق أن حُسِمت. وليغفر الله لأولئك الذين تابوا أو الذين سوف يتوبون. ليس لديَّ شيء آخر لأقوله. أو بالأحرى، ما زال لديَّ أمر واحد: ليغفر الله لكم مرّة أخرى إخضاعكم ابن الإنسان للتجربة.»
«ليس أنا يا معلّم! ليس أنا! أنا... أنا أُحِبّ الرابّي غَمَالائيل كما يحبّ تلميذٌ معلّمَه: أكثر مِن أب. أكثر، لأنّ الرابّي يَصقل الفِكر، الذي هو أعظم مِن الجسد. و... أنا لا أستطيع ترك رابّيَّ كي أتبعكَ. إنّما، هاكَ، كي أحييّيكَ، فلا أجد سوى كلمات نشيد يهوديت. إنّها تُزهِر مِن أعماق قلبي لأنّني لَمَستُ العدالة والحكمة في كلامكَ كلّه. "أدوناي، أيّها الربّ، عظيم أنتَ وبَهيّ في قدرتكَ. لا أحد بمقدوره أن يتجاوزكَ. ما مِن أحد يمكنه مقاومة صوتكَ. الذين يخافونكَ سيكونون دائماً في حضرتكَ!" سيّدي، سوف أذهب إلى كفرناحوم قاصِداً المرأة التي ذَكَرتَها (سارة التي مِن أَفِيقَ)... وأنتَ صلِّ لأجلي ليذوب حَجَري، وكي تخترقه الكلمة التي تؤسّس ملكوت الله فينا... الآن قد فهمتُ. إنّنا مخطئون. ونحن التلاميذ، الأقلّ ذَنباً...»
«ما الذي تقوله أيّها الأحمق؟» يُقاطِع بِحدّة شيخ جيسكالا مخاطباً تلميذ غَمَالائيل.
«الذي أقوله؟ أقول بأنّ معلّمي على حقّ. وأنّ مَن يُقدّم له مملكة زائلة ليجرّبه هو شيطان، لأنّه نبيّ حقّ للعليّ والحكمة تتكلّم بشفتيه. قُل لي يا معلّم، ما الذي ينبغي لي فِعله؟»
«تَأمَّل.»
«لكن...»
«تَأمَّل. إنّكَ ثَـمَرَة غير ناضجة. وأنتَ أيضاً بحاجة إلى تَطعيم. سأصلّي لأجلكَ. أنتم، تعالوا...» ومع رُسُله الحاملين أكياسهم، ينطلق تاركاً خلفه كلّ التعليقات.