ج1 - ف34
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء الأول
34- (مريم تتحدث عن ابنها)
02 / 04 / 1944
أرى مريم تَغزل بسرعة، تحت العريشة حيث ينمو العنب. المفروض أنّ وقتاً قد مضى لأنّ ثمّار التفّاح بدَأَت تأخذ لونها الأحمر على الشجر، والنحل يطنّ قرب ثمر التين الذي نَضَج.
لقد أضحَت أليصابات ضخمة جدّاً وثقلت مشيتها. ومريم تنظر إليها بحنان. وحتّى مريم نفسها عندما تنهض لتلمّ الـمِغزَل الواقع بعيداً تبدو مكوَّرة مِن الجانبين وقد تبدَّلَت تعابير وجهها. لقد نضَجَت أكثر، فقد كانت شابّة صغيرة وهي الآن امرأة.
بدأ النهار يميل، وتَدخُل المرأتان إلى الداخل حيث أُشعِلت المصابيح. وفي انتظار العشاء مريم تنسج.
«ولكن ألا يتعبكِ حقّاً هذا؟» تسأل أليصابات وهي تشير بإصبعها إلى عمل النسيج.
«لا، اطمئني.»
«أمّا أنا فهذه الحرارة تتعبني. لم أكن أعاني، ولكن الحَمْل الآن أصبح ثقيـلاً على كُليَتَيّ العجوزتين.»
«تشجّعي، فقريباً ستلدين بالسلامة. وكم ستكونين سعيدة آنئذ! أمّا أنا فلستُ أرى ساعة أمومتي. ابني! يسوعي! كيف سيكون؟»
«جميلاً مثلكِ يا مريم.»
«آه! لا! بل أجمل! هو الله وأنا خادمته. ولكن قصدي مِن القول كان: "هل سيكون أشقراً أم أسمراً؟ هل ستكون عيناه كسماء ساكنة أم مثل أيائل الجبال؟ إنّي أتصوَّره أجمل مِن الشاروبيم، بشعر ذهبيّ وعينين بلون بحر الجليل عندما تبدأ النجوم ترتفع في أفق السماء، وفم صغير وأحمر مثل رمّانة انفَلَقَت على أُمّها، ووجنتين ورديّتين تماماً مثل هذه الوردة الشاحبة، ويدين كأنّهما في كُمّ زنبقة، وهما صغيرتان للغاية، وجميلتان للغاية، وقدمين صغيرتين تكادان تكونان على قدر ملء تجويف الكفّ وناعمتين لطيفتين ومخمليّتين، بل هما أكثر نعومة مِن تويج زهرة. انظري، إنّني أُسقِط الفكرة التي أُكوّنها عنه على كلّ الجمالات التي توحيها لي الأرض. وأَسمَع صوته. عندما يبكي، صغيري، سيبكي قليلاً فقط مِن الجوع أو الوَهَن، وسوف يُسبّب ذلك ألماً كبيراً لأُمّه التي لن تستطيع... آه! لا، لن تستطيع رؤيته يبكي دون أن يُطعَن قلبها. سيكون صراخه مثل الثّغاء الذي يَصِلنا مِن هذا الحَمَل الصغير المولود حديثاً وهو يفتّش عن ضرع أُمّه، ولكي ينام يبحث عن دفء جزّتها. ضحكته تملأ قلبي المتعلّق بوليدي نشوة سماويّة. سأُصبح عاشقة له، لأنّه إلهي، وحبّي له كعاشقة لن يتعارض مع تكريسي ذاتي للبتوليّة. ستكون ضحكته مثل هديل زغلول حمام صغير سعيد مُشبَع وراض في دفء عشّه. أفكّر في خطواته الأولى... عصفور يُنطنِط على حقل مُزهِر. والحقل سيكون قلب أُمّه الذي يحمي قدميه الورديّتين الصغيرتين بكلّ حبّه لكي لا يُواجِه أيّ شيء يمكنه أن يجعله يتألّم. كم أحبّ وَلَدي! ابني! ويوسف أيضاً سوف يحبّه!»
«ولكن يجب أن تخبري يوسف بذلك!»
تتجهّم مريم وتتنهّد. «كان ينبغي لي أن أخبره... كنتُ أرغب أن تُعلِمه السماء بذلك لأنّ الحديث في هذا صعب جدّاً.»
«هل تريدينني أن أكلّمه؟ أن أجعله يأتي مِن أجل خِتان يوحنّا؟...»
«لا، فلقد تركتُ لله مهمة إعلامه بمصيره السعيد كمربّي ابن الله. وهو سيتدبّر الأمر. قال لي الروح هذا المساء: "اصمتي، اتركي لي المهمة، سوف أبرّركِ". وهو سيفعل، فالله لا يكذب أبداً، إنّه اختبار كبير، إنّما يمكن اجتيازه بمعونة الأزليّ. ولا يجوز لأحد سواكِ، أنتِ يا مَن باح لكِ الروح بذلك، أن يَعلَم مِن فمي بعطف الربّ حيال خادمته.»
«أنا قد التزمتُ الصمت دائماً حتّى حيال زكريّا الذي كان سيفرح كثيراً. إنّه الآن يعتقد أنّ أمومتكِ طبيعية.»
«أعلَم، ولقد أردتُ ذلك مِن قبيل الحيطة والحذر. فأسرار الله مقدّسة. ملاك الربّ لم يبح لزكريّا بأمومتي الإلهيّة. كان باستطاعته أن يفعل لو أراد الله ذلك، ذلك أنّ الله كان يَعلَم أنّ زمن تجسّد كلّمته في أحشائي وشيك. ولكنّ الله أخفى هذه الفرحة المشعّة عن زكريّا الذي رَفَضَ خصوبتكِ المتأخّرة باعتبارها مستحيلة. إنّني أَمتَثِل لإرادة الله. وكما رأيتِ، لقد عرفتِ أنتِ هذا السرّ الحيّ فيَّ... وهو لم يُلاحِظ شيئاً. وطالما لم يقع حجاب شكّه بما يخص قُدرة الله، فسيعيش بعيداً عن النور فائق الطبيعة.»
تتنهّد أليصابات وتلتزم الصمت.
يَدخُل زكريا، يُقدِّم لفائف لمريم، إنّها ساعة الصلاة قبل العشاء، ومريم هي التي تصلّي بصوت مرتفع بدل زكريّا. ثمّ يَجلسون إلى المائدة.
«عندما ترحلين مِن هنا، كم سنفتقد مَن يتلو لنا الصلوات!» تقول أليصابات وهي تَنظُر إلى زوجها الأبكم.
فتجيب مريم: «سوف تصلّي أنتَ آنذاك يا زكريّا.»
يهزّ رأسه ويكتب: «لن أستطيع الصلاة عن الآخرين، لقد أصبحتُ غير أهل لذلك منذ اللحظة التي شككتُ فيها بقُدرة الله.»
«زكريّا، سوف تصلّي، فالله غفور ويُسامح.»
يَمسَح العجوز دمعة ويتنهّد.
بعد العشاء، تعود مريم إلى أعمال النسيج، فتقول لها أليصابات: «هذا يكفي! إنّكِ تُجهِدين نفسكِ كثيراً.»
«إنّ زمن الولادة وشيك يا أليصابات، وأريد أن أصنع لابنكِ جِهازاً يليق بسابق الـمَلِك الذي مِن أصل داود.»
يَكتب زكريّا: «ممّن سيولَد؟ وأين؟»
تُجيب مريم: «حيث قال الأنبياء ومِن التي يختارها الله الأزليّ. كلّ ما يَصنعه ربّنا، تعالى، هو جيّد.»
يَكتب زكريا: «في بيت لحم إذن! قضاء يهوذا! سوف نذهب لتكريمه أيّتها المرأة. وأنتِ أيضاً ستأتين إلى بيت لحم مع يوسف.»
تخفض مريم رأسها فوق شغلها: «سوف آتي.»
وبهذا تنتهي الرؤيا.