ج1 - ف12

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الأول

 

12- (ألم يضع الابن حكمته ذاتها على شَفَتيّ والدته؟)

 

29 / 08 / 1944

 

يقول يسوع:

 

«إني أسمع تعليقات أساتذة المماحكة: "كيف تستطيع طفلة لم تتجاوز عامها الثالث أن تتكلّم هكذا؟ إنّها مبالغة." لا يفكّر المرء أنّه يجعل منّي ظاهرة فريدة حين يَنسب إلى طفولتي سلوك البالغين.

 

لا يتأتّى الذكاء لجميع الناس بالطريقة ذاتها وفي العمر نفسه. لقد حدَّدَت الكنيسة سن السابعة لبداية تحمّل المسؤوليّة، لأنّه العمر الذي يستطيع فيه الطفل، حتّى ولو كان متخلّفاً، أن يميّز، أقلّه بشكل بدائيّ، بين الخير والشرّ. ولكنّ هناك أطفالاً يستطيعون التمييز قبل هذه السنّ بكثير، بل وفرض ذواتهم وإرادتهم بحجّة متطوّرة بما فيه الكفاية. فالأطفال: "إيميلدا لامبرتيني، وروز دي فيتيربِه، ونيللي أورغان، ونينوليتا" أكبر مثال لكم يا جهابذة التشدّد يقودكم إلى الاقتناع بأنّ أُمّي استطاعت أن تفكّر وتتكلّم بالطريقة إيّاها. لم أُورِد سوى أربعة أسماء لا على التعيين مِن بين ألوف الأطفال القدّيسين الذين يقطنون جنّتي بعد أن فكّروا كالبالغين على الأرض على مدى قليل أو كثير مِن السنوات.

 

ما تراه يكون الرشد؟ إنّه هبة مِن الله. يستطيع أن يمنحها بالمقدار الذي يشاء ولمن يشاء ومتى يشاء. فالرشد هو أيضاً مِن الأمور التي تجعلنا نتشبّه بالله أكثر: إنّه روح موهوب بالذكاء والرشد. فالرشد والذكاء هما مِن المواهب المجّانيّة الممنوحة للإنسان في الجنّة الأرضيّة، وكم كانت حيويّة النعمة غير المنقوصة والفاعلة حين كانت لا تزال حيّة في نفس الأبوين الأوّلين!

 

جاء في سفر يشوع بن سيراخ: "كلّ حكمة إنّما هي مِن لدن الربّ الإله، وقد كانت لديه على الدوام قبل كلّ الدهور". أيّة حكمة إذاً كان يملكها البشر لو ظلّوا أبناء الله؟

 

الثغرات الحاصلة في ذكائكم هي الثمّرة الطبيعيّة للسقطة التي ارتُكِبَت ضدّ النعمة والشرف. وبفقدان النعمة أُبعِدَت الحكمة عدّة قرون مثل نيزك يختبئ داخل ضبابيّة عملاقة، فلم تعد تصلكم بانعكاسات صافية، ولكن عبر قتامات تصبح أكثر كثافة دائماً بفعل إخلالكم المتكرّر بالأمانة.

 

ثمّ أتى المسيح وأعاد النعمة إليكم هبة عظمى مِن محبّة الله. ولكن هل تجيدون الحفاظ على هذه الجوهرة نقيّة طاهرة؟ أبداً. فعندما لا تحطمونها بإرادتكم الشخصيّة بارتكاب الخطيئة، تُلطِّخونها بخطايا مستديمة، مع كونها أقلّ فداحة: إهمال، تعلّقات دَنِسة بميول، وإن لم تكن مرتبطة مباشرة بالرذائل الرئيسيّة السبع، فإنّها تُبهِت صفاء نور النعمة وفعاليّتها. وبعد ذلك، ولتعتيم الوضوح الرائع للذكاء الذي مَنَحَه الله للأبوين الأوّلين، كانت قرون وقرون مِن الفساد قد فَعَلَت فِعلها في إضعاف القوى الجسديّة والقدرات العقليّة.

 

إلاّ أنّ مريم لم تكن فقط الطاهرة، حوّاء الجديدة التي خُلِقَت ثانية لمسرّة الله، بل كانت حوّاء الفائقة، رائعة الباري تعالى، كانت الممتلئة نعمة، إنّها أُمّ الكلمة في فكر الله.

 

يقول يشوع بن سيراخ: "نبع الحكمة هي الكلمة". ألم يضع الابن حكمته الذاتيّة على شفتي والدته؟

 

إذا كانت شفتا نبيّ مُكلَّف بقول كلمات يوحي بها إليه الكلمة، الذي هو الحكمة ذاتها، لينقلها للبشر، قد طُهّرتا بجمرة متأجّجة، فهل يَحجب الحبّ عن عروسته التي ما تزال طفلة، والتي يُفتَرَض أنّها ستحمل الكلمة في أحشائها، دقّة ورفعة اللغة؟ فالأمر لم يعد متعلّقاً بطفلة، وفيما بعد بامرأة، ولكنّه يتعلّق بخليقة سماويّة مُندَمِجة بحكمة الله ونوره العظيم.

 

ليست المعجزة قائمة في الذكاء الخارق الذي ظَهَرَ لدى مريم منذ الطفولة، كما كان فيما بعد فيَّ أنا؛ إنّما المعجزة هي في فعل احتواء الذكاء اللامتناهي الذي كان يكمن فيها دون أن يُبهِر الجموع أو يثير الانتباه الشيطانيّ.

 

سوف أتكلّم أيضاً عن هذا الموضوع الذي يدخل في تصنيف "الذكريات" التي يحتفظ بها القدّيسون عن الله.