ج6 - ف132
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء السادس/ القسم الثاني
132- (سبت جديد في الناصرة)
21 / 05 / 1946
إنّه سبت آخر في الناصرة. أو بالأحرى، بداية سبت جديد، لأنّ ميرتا ونُعْمي تَصِلان مع الفتى هابيل، تماماً عندما يبدأ مغيب شمس يوم الجمعة. إنّهما تنزلان عن حماريهما الصغيرين، اللذين أخذهما هابيل بعيداً، بالتأكيد إلى إسطبل، ربمّا إلى ذاك الإسطبل الذي للسائِسَين الصَديقَين اللذين مِن الناصرة، واللذين أصبحا تلميذين. المرأتان تَدخُلان عبر باب المشغَل، الذي تُرِك مفتوحاً لتهوية الغرفة الكبيرة، حيث حرارة الموقد المتواضع قد انضمّت إلى حرارة الصيف الشديدة منذ وقت ليس بالطويل.
توما يرتّب أدواته، وسمعان يكنس نشارة الخشب، فيما يسوع ينظّف الأوعية مِن الغراء والدهان.
«السلام لكَ يا معلّم، ولكم أيّها التلاميذ» تحيّي المرأتان، تنحنيان كثيراً ما أن تدخلا، ومِن ثمّ، وبعد أن تعبرا المدخل، تسجدان عند قدميّ يسوع.
«السلام لكما. إنّكما وفيّتان جدّاً كي تأتيا في هذا الحرّ!»
«آه! إنّه لا شيء! هنا يشعر المرء أنّه بحال جيّدة بحيث ينسى كلّ شيء. أين أُمّكَ؟»
«إنّها هناك، تُنهي ثوباً لأوريا. يمكنكما الدخول.»
تمضي المرأتان مع أكياسهما، ويمكن سماع صوتيهما الواضحين، إنّما العميقين إلى حدّ ما، واللذين يختلطان مع الصوت الصاخب أكثر منه الحادّ لأوريا، ومع الصوت الفضّي لمريم.
«سوف تكونان سعيدتين الآن!» يقول توما.
«نعم. إنّهما امرأتان صالحتان» يُجيب يسوع.
«يا معلّم، إنّ ميرتا لم تحتفظ فقط بابنها، لكنّها حظيت بابنة أخرى. وفقط بما يزيد قليلاً عن السنة...» يقول الغيور.
«نعم! بأكثر قليلاً مِن سنة! لقد مضى بالفعل أكثر مِن سنة منذ أن اهتدت مريم التي للعازر. كيف يمضي الوقت! يبدو كما لو كان في الأمس... كم مِن الأمور قد حدثت خلال السنة الماضية! الخلوة الجميلة قبل الاختيار! ثمّ يوحنّا الذي مِن عين دور! ثمّ مارغزيام! ثمّ دانيال بن ناحيم، ثمّ مريم التي للعازر، ومِن ثمّ سِنْتيخي... إنّما أين هي سِنْتيخي؟ إنّني أفكّر بها غالباً ولا أفهم لماذا...» توما يتوقّف عن الحديث مع نفسه، لأنّ يسوع وسمعان لا يجيبانه، بل على العكس فهما يخرجان إلى البستان كي يغتسلا ومِن ثمّ ينضمّا إلى التلميذات.
يمكننا مجدّداً رؤية... هابيل الذي مِن بيت لحم الجليل الذي يعود ويجد توما الذي كان ما يزال مستغرقاً بالتفكير، أمام المكان حيث يعمل عادةً، تائهاً في أفكاره، فيما يتلمّس تُحَف صياغته الصغيرة.
«هل وجدتَ عملاً؟» يَسأَل التلميذ منحنياً فوق تلك الأشياء الصغيرة.
«آه! لقد أسعدتُ جميع نساء الناصرة. ما كنتُ أبداً لأظنّ بأنّه هناك هذا الكمّ مِن المشابك، الأساور، العقود والزنابق التي بحاجة إلى إصلاح. كان عليَّ أن أطلب مِن متّى أن يجلب لي المعدن مِن طبريّا. لديَّ زبائن أكثر... ها! ها! (يضحك بسعادة) ممّا كان لأبي. صحيح أنّني لا أطلب مالاً...»
«أتخسر كلّ شيء؟»
«لا. آخذ فقط قيمة المعدن. عملي أقدّمه كهديّة.»
«إنّكَ كريم.»
«لا. أنا حكيم. أنا لستُ متكاسلاً. إنّني أعطي مثالاً للاجتهاد والتجرّد مِن المال... إنّني أُبشّر... بِصَمت! أعتقد أنّني بهذا أبشّر أكثر، دونما رواية مَثَل، دون التفوّه ولو بكلمة في المعبد، أكثر ممّا لو تكلّمتُ باستمرار. ومِن ثمّ... إنّني أتدرّب قليلاً. لقد أخذتُ عهداً على نفسي بنشر إيماننا عن طريق عملي عندما سيكون عليَّ أن أذهب وأبشّر غير المؤمنين بيسوع. وأنا أدرّب نفسي.»
«إنّكَ حكيم كصائغ وكرسول على حدّ سواء.»
«إنّني أجهد كي أكون كذلك مِن أجل يسوع. إذن فقط حظيتَ بأخت. أَحسِن معاملتها، أتعلم؟ إنّها كحمامة صغيرة في عشّها. إنّني أقول لكَ ذلك، لأنّني أعتدتُ بحكم مهنتي أن أتعامل مع النساء. إنّها حمامة بريئة كانت قد رُوِّعت بشدّة مِن قِبَل صقر، والتي تبحث عن أجنحة أموميّة وأخويّة كي تدافع عنها. ولو أنّ أُمّكَ لم تكن لتريدها، لكنتُ طلبتها لأختي التوأم. طفل أكثر، طفل أقلّ! إنّ أختي طيّبة جدّاً، أتعلم؟»
«أُمّي طيّبة كذلك. لقد فَقَدَت ابنة صغيرة بعدما صارت أرملة. ربّما كان حليبها قد فسد بسبب حزنها الشديد على وفاة زوجها... إنّني بالكاد أتذكّر أختي الصغيرة... وربّما لم أكن لأتذكّرها مطلقاً لو لم تكن أُمّي تبكيها غالباً، وحيث أنّ لكلّ فتاة فقيرة في بيت لحم الحقّ ببعض الطعام والثياب في منزلنا، لذكرى المتوفّاة الصغيرة... وحيث إنّني كنتُ قد نشأت بصحبة أُمّي فقط، فقد انتهى بي المطاف إلى محبّة الفتيات الصغيرات محبّة كبيرة... أُدرك أنّ هذه ليست فتاة صغيرة... ولكنّني سأعتبرها هكذا، بسبب قلبها، فيما إذا هي كانت كما تقولون عنها أنتَ وأُمّي ونُعْمي...»
«يمكنكَ أن تكون متأكّداً. لندخل إلى الغرفة الأخرى.»
في الغرفة الأخرى، أي، في غرفة الطعام، توجد النسوة، يسوع والغيور. أمّا ميرتا، التي أتت يحدوها أمل كبير، فهي تستميل أوريا بأن تقيس عليها ثوباً كتّانيّاً كانت قد خاطته لها.
«إنّه يناسبكِ كثيراً» تقول وهي ترفعه عنها وتداعبها فيما تُسوّي لها ثوبها الذي تجعّد فيما كانت تقيس الثوب الجديد. «إنّه حقّاً يناسبكِ كثيراً. وكلّ شيء سيكون على ما يرام. سوف ترين يا ابنتي العزيزة... آه! ها هو عزيزي هابيل. تعال إلى هنا يا بنيّ. ها هي أوريا. سوف تكون الآن جزءاً مِن عائلتنا، أتعلم؟»
«أعلم يا أُمّي، وأنا سعيد معكِ.» إنّه ينظر إلى الفتاة... إنّه يدرسها...عيناه الدّاكنتان تُحدّقان وتَتُوهان في عينيها الزرقاوين الفاتحتين الواسعتين. إنّه راضٍ عن دراسته. إنّه يبتسم لها ويقول: «سوف نحبّ بعضنا في الربّ الذي خلّصنا، وسوف نحبّه ونجعله محبوباً. وأنا سوف أكون أخاً لكِ بالروح وبالإحساس. أعد بذلك في حضرة المعلّم وأُمّي» ومع ابتسامة جميلة ورقيقة لشابّ نقيّ، والمنطلق قُدُماً على درب الروحانيّة السامية، يمدّ لها يده السمراء القويّة.
أوريا تتردّد، ومِن ثمّ، وقد احمرّت، تضع يدها اليسرى في اليد اليمنى الممدودة لها وتقول: «سنفعل ذلك. في الربّ.»
الرّاشدون يبتسمون…
«هنا يمكن الدخول دون قرع الأبواب...»
«ها هو سمعان بن يونا! هذه المرّة هو لم يستطع المقاومة...» يقول توما ضاحكاً بينما يهرع للخارج.
«نعم! لم أستطع المقاومة... السلام لكَ يا معلّم!» إنّه يُقبّل يسوع ويسوع يُقبّله. «ومَن يقدر على المقاومة؟» يرى مريم وينحني محيّياً إيّاها، ثمّ يستأنف: «إنّما، لإرضاء ضمائرنا، فقد مررنا بطبريّا وبحثنا عن يهوذا. لأنّ... كلّنا هنا، إيه؟! الآخرون سيأتون. ومارغزيام أيضاً... إذن كنتُ أقول إنّنا مررنا بطبريّا. كي! نعم! كي نبحث عن يهوذا في حال أنّ... أنّه فكّر بالمجيء إلى كفرناحوم، أقلّه في السبت الرابع... فلن يكون أمراً جميلاً فيما إذا كنّا كلّنا بعيدين... وقد عثرنا عليه... نعم! لا، بل إنّ إسحاق هو الذي عثر عليه، حيث كان قد ذهب كي يرى يوناثان...لأنّ إسحاق انتهى إلى المجيء إلى كفرناحوم لانتظاركَ مع لا أدري كم واحد آخر، والذين بقوا هناك كي يتعلّموا أكثر تحت الإشراف الجيّد لهَرْماس واستفانوس، ولابنكِ يا نُعْمي، وليوحنا، الكاهن... لكنّ إسحاق قد أتى معنا، لأنّه، هو أيضاً، سوف يموت إن لم يَرَكَ... يا لإسحاق المسكين! فيهوذا لم يُحسِن استقباله. ولكن لا بدّ أنّ إسحاق، وخلال مرضه الطويل، قد قضى على كلّ مشاعر نفاذ الصبر، الحقد والغضب... إنّه لا يبدي أيّ ردّ فعل! فحتّى لو صفعوه، فهو يبتسم... يا له مِن رجل مسالم! حسناً. لقد قال لنا: "لقد رأيتُ يهوذا. هو لن يأتي. لا تلحّوا." لقد فهمتُ. وقد سألتُه: "هل أجابكَ بوقاحة؟ أخبِرني. فأنا الرئيس ويجب أن أعلم..." فأجاب: "آه! لا" وتابَعَ: "هو لم يُجِب بوقاحة، إنّما بتعالٍ. ينبغي الإشفاق عليه..." فإذن، لنشفق عليه... ثمّ، ها نحن هنا. وأيضاً سعداء... وها هم الآخرون...» ومع الآخرين هناك يوضاس ويعقوب ابنيّ حلفى مع أُمّهما، وتلاميذ الناصرة: أَشِير، إسماعيل وسمعان بن حلفى، ومعهم أيضاً -وهو أمر نادر- يوسف بن حلفى.
يحرّرون أنفسهم مِن أحمالهم. نثنائيل جلب بعض التفّاح، وفيلبّس جلب سلّة عنب أشقر مثل شعر أوريا. بطرس وابنا زَبْدي جلبوا بعض السمك المملّح. أمّا متّى، الذي ليس لديه منزل تعتني به نساء، وبالتالي فليس لديه شيء جيّد، فقد جلب جرّة مليئة بالتراب وبداخلها جذع نحيل، والذي ووفقاً للأوراق، يمكنني القول بأنّها شتلة ليمون أو برتقال أو نوع ما آخر مِن الحمضيّات. وهو يشرح: «إنّها نادرة... فقط مَن يذهب إلى قيرينا يمكنه الحصول عليها، وأنا أعرف رجلاً كان هناك، أحد جامعي الضرائب كما كنتُ أنا فيما مضى. إنّه الآن متقاعد في إيبّو. لقد ذهبتُ إليه كي أحصل على النبتة، لأنّها يجب أن تُزرع عندما يكون القمر جديداً (هلالاً). إنّ ثمارها جميلة وجيّدة، ولزهورها رائحة عَطِرة وتشبه نجمة شمع، نجمة مثل اسمكِ... هاكِ» ويقدّم النبتة لمريم.
«يا لها مِن مشقّة قد تكبّدتَها يا متّى، كلّ هذا الوزن! إنّني ممتنّة لكَ. حديقتي تصبح أكثر فأكثر جمالاً، الشكر لكم جميعاً. نبتة كافور بورفيرا، ورود يُوَنّا، نبتتكَ النّادرة يا متّى، نبتات الزهور الأخرى التي جلبها يهوذا الإسخريوطي... كم مِن أشياء جميلة، كم أنتم كلّكم لطفاء مع أُمّ يسوع!»
كلّ الرُّسُل متأثّرون، إنّهم فقط يتبادلون نظرات جانبيّة بين بعضهم البعض حين تذكر مريم اسم يهوذا.
«نعم. إنّهم يحبّونكِ. إنّما نحن أيضاً نحبّكِ» يقول يوسف بن حلفى بجدّية وَحِدّة.
«بالتأكيد! أنتم الأبناء الأعزّاء لقريبي العزيز حلفى ولمريم الطيّبة جدّاً. أنتم تحبّونني. وهذا طبيعي. فنحن أقرباء... هؤلاء بالمقابل، هم ليسوا مِن دمنا، ومع ذلك فهم مثل أبناء بالنسبة لي، مثل إخوة بالنسبة ليسوع، لشدّة ما يحبّونه ويتبعونه...»
يوسف ينتهز الفرصة في الحال، إنّه يتنحنح باحثاً عن كلمات... إنّه يجدها... ويقول: «بالتأكيد! إنّما إن لم أكن معهم بعد، فهذا بسبب أنّني أفكّر أيضاً بالنتائج عليه، عليكِ... و... و... حسناً! أنا أيضاً أحبّكم، وبخاصّة أنتِ، أيّتها المرأة المسكينة، حيث إنّكِ تُرِكتِ وحيدة تماماً لوقت طويل... وقد أتيتُ كي أقول ليسوع بأنّني مسرور كونه تذكّر أيضاً احتياجات أُمّه وأَنجَزَ ما كان ضروريّاً هنا...» وممتلئاً بالرضى لكونه "عميد" العائلة، وبأنّه تبعاً لذلك في مركز يسمح له بأن يَمتَدِح ويوبّخ، فإنّه يتفضّل بالمديح على يسوع مِن أجل كلّ أعمال النجارة، الدهان والأعمال الأخرى التي أُنجِزت في ذاك الشهر: «هكذا يجب أن تجري الأمور! الآن يمكننا رؤية أنّ لهذه المرأة ابناً! وأنا مسرور مِن أن أتمكّن مِن القول بأنّني قد عثرتُ مجدّداً على عزيزي الحكيم يسوع الذي ليوسف. أحسنتَ!»
والحكيم يسوع الذي ليوسف، الكلمة الإلهي المطلق الحكمة، المحجوز في جسد كأجسادنا، وبكلّ وداعة وتواضع، يتقبّل المديح الممزوج بـ... النصيحة المتسلِّطة لقريبه يوسف، بابتسامة لطيفة، بحيث تُساعِد على كبح أيّ ردّ فِعل غير ملائم مِن الرُّسُل دفاعاً عن يسوع.
ويوسف، وبعدما ابتدأ، وقد رأى أنّهم يستمعون إليه، فإنّه لا يتوقّف، بل يتابع: «أنا آمل بأنّ الناصرة، ومِن الآن فصاعداً لن ترى مجدّداً امرأة مسكينة مهجورة، بينما يَترك ابنها بتهوّر الدروب المطروقة ليسلك دروباً خطيرة، سواءً في أهدافها أم في نتائجها. سوف أتحدّث إلى أصدقائي، وإلى رئيس المعبد... سوف نغفر لكَ... آه! الناصرة سوف تكون سعيدة بأن تفتح ذراعيها لكَ، لابن قد عاد... كمثال على الفضيلة لكلّ السكّان. وغداً سوف آخذكَ بنفسي إلى المعبد و...»
يسوع يرفع يده فارضاً الصمت، ويقول بهدوء إنّما بحزم شديد: «سوف أذهب بالتأكيد إلى المعبد، كمؤمن، تماماً كما ذهبتُ إلى هناك في السُّبوت المنصرمة. إنّما ليست هناك ضرورة كي تُرافِع لأجلي. لأنّني سوف أنطلق مجدّداً بعد مغيب الشمس بساعة كي أُبشّر، حيث أنّ واجبي هو إطاعة العليّ.»
خذلان سيّئ ليوسف!... خذلان سيّئ جدّاً!... كلّ طيبته تنهار، وكلّ تعصّبه العدائيّ يظهر مجدّداً: «حسناً! إنّما لا تبحث عنّي ساعة الحاجة. لقد قمتُ بواجبي، ومصائبكَ المحتومة لن تقع عليَّ. وداعاً. لا مكان لي هنا. لأنّني لا أستطيع أن أفهمكَ ولا أنتَ تستطيع فهمي. إنّني راحل، دون ضغينة، إنّما بحزن شديد... ليحمكَ الله كما يحمي أولئك... الساذجين... المختلّين... وداعاً يا مريم! تشجّعي أيّتها الأُمّ المسكينة!»
«وداعاً يا يوسف. إنّما يجب أن أتشجّع مِن أجلكَ، لا بسببه. لأنّكَ أنتَ مَن هو خارج درب الله، وأنتَ هو مَن يحزنني» تقول مريم بهدوء إنّما بثقة بالنَّفْس.
«إنّكَ مغفّل، هذا ما أنتَ عليه! ولو لم تكن ربّ الأسرة، لكنتُ ضربتكَ، أيّها المخلوق مِن دمي إنّما ليس مِن روحي...» تصرخ مريم التي لحلفى. وكانت لتقول أكثر، لكنّ مريم ترجوها: «اصمتي! حبّاً بي.»
«سوف أصمت. نعم. لكن... أخبريني فيما إذا كان عليَّ أن أرى شقيّاً آخر مثله وسط أبنائي!...»
في تلك الأثناء كان الشقيّ قد رحل، بينما مريم التي لحلفى الطيّبة تفضي بكلّ ما في قلبها تجاه ذاك الابن العنيد. وتنتهي إلى التنفيس عن مشاعرها عن طريق الانفجار بالبكاء، وتُعبّر عن ألمها الأعظم فيما تشهق: «ولن أحظى به معي في السماء، لن أحظى به! سوف أراه في العذابات! آه! يا يسوع! اعمل معجزة!»
«نعم يا مريم! لا تبكي! ستأتي ساعته أيضاً. ربّما الساعة الحادية عشرة. لكنّها ستأتي. أؤكّد لكِ. لا تبكي...» يقول يسوع معزّياً إيّاها... وما أن يتوقّف بكاؤها، يقول للرُّسُل والتلاميذ: «لنذهب إلى بستان الزيتون فيما تُعِدّ النسوة حاجياتهنّ. سوف نتحدّث فيما بيننا.»