ج6 - ف89

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء السادس/ القسم الأول

 

89- (في بِتّير)

 

12 / 03 / 1946

 

يسوع، يتبعه الغيور يجرّ الحمار الذي تمتطيه إليز مِن اللجام، يَطرق باب حارس بِتّير. لم يسلكوا الطريق التي سلكوها في المرّة السابقة وَوَصلوا إلى ممتلكات يُوَنّا في القرية الصغيرة الممتدّة على المنحدر الغربي للجبل الذي يقوم عليه القصر.

 

الحارس الذي تعرّف على الربّ يُسرِع في فتح الحاجز الـمُشبّك الذي بجانب بيته على مصراعيه، وهو يطلّ على الحديقة التي تسبق السكن. إنّه مَطلَع موقع الأحلام الذي هو حدائق ورود يُوَنّا. رائحة نافذة لورود غضّة وخلاصة الورد تعبق في جوّ الغسق الحارّ، وعندما هبّ نسيم المساء القادم مِن الشرق هازّاً شجيرات الورد الـمُزهِرة، الرائحة النافذة تزداد، تُنعِش أكثر، تُصبِح أكثر وضوحاً، ذلك أنّه يَرِد مِن الجوانب المزروعة بشجيرات الورد ويُهيمن على عطر الخلاصة الثقيل الخارج مِن سقيفة قليلة الارتفاع على الجدار الغربي للملكيّة.

 

يشرح الحارس: «معلّمتي هنا. تأتي كلّ مساء في الوقت الذي يجتمع الذين يقطفون الخُلاصة. تُحدّثهم، تسألهم، تعتني بهم وتُشدّد عزيمتهم. آه! كم هي طيّبة، معلّمتنا! هي كذلك على الدوام. إنّما مذ أَصبَحَت تلميذتكَ!... سوف أناديها الآن. إنّها مرحلة الأعمال الكثيرة، والقاطفون الاعتياديّون لا يكفون، رغم أنّ خُدّاماً وخادمات جدداً قد استقدَمَتهُم منذ الفصح. انتظرني، يا ربّ...»

 

«لا، أنا أذهب. فليبارككَ الله ويمنحكَ السلام.» يقول يسوع رافعاً يده ليبارك الحارس العجوز الذي استمع بأناة حتائذ. وبعد مغادرته، يتوجّه إلى السقيفة المنخفضة والواسعة.

 

ولكنّ وقع الخطوات على أرض الممرّ القاسية تجعل ماتياس الفضوليّ قليلاً يرفع رأسه، فيصرخ ويخرج، ذراعاه مفتوحتان ومرفوعتان في دعوة للعناق الذي يرغب. «يسوع هنا! يسوع هنا!» يهتف وهو يجري. وما أن وصل إلى ذراعيّ الربّ الذي يُقبّله، تتقدّم يُوَنّا وسط خُدّامها.

 

«الربّ!» تهتف بدورها، وترتمي على ركبتيها إجلالاً له مباشرة في المكان الذي هي فيه. تَسجُد ثمّ تنهض، بوجه يلوّنه التأثّر بصبغة أرجوانيّة شبيهة ببتلة وردة متفتّحة. ثمّ تُقبِل صوب يسوع لتجثو مجدّداً لتقبيل قدميه.

 

«السلام لكِ يا يُوَنّا. أكنتِ تريدين رؤيتي؟ ها أنا أتيتُ.»

 

«كنتُ أريد رؤيتكَ... نعم، يا ربّ...» تصبح يُوَنّا شاحبة وجادّة. يلاحظ يسوع ذلك.

 

«انهضي يا يُوَنّا. هل خُوزي بخير؟»

 

«نعم، يا ربّي.»

 

«ومريم الصغيرة، التي لا أراها هنا؟»

 

«هي كذلك، يا ربّ... لقد ذَهَبَت مع استير لجلب علاج لخادم مريض.»

 

«أمن أجل هذا الخادم أرسلتِ في طلبي؟»

 

«لا، يا ربّ... بل مِن... أجلكَ.» يبدو جليّاً أنّ يُوَنّا لا تريد الكلام بحضور الناس الذين أحاطوا بهم.

 

يُدرِك يسوع ذلك ويقول: «حسناً. فلنذهب لرؤية ورودكِ...»

 

«المفروض أنّكَ تَعِب، يا ربّ. أنتَ بحاجة لأن تأكل... أنتَ عَطِش...»

 

«لا. فلقد توقّفنا أثناء الحرّ في أحد بيوت التلاميذ الرُّعاة. فأنا لا أشعر بالتعب...»

 

«إذن هيّا بنا... يوناثان، رتّب كلّ شيء للربّ ومرافقيه... انزل، يا متّيا...» تأمر القيّم الذي يقف باحترام إلى جانبها، والولد الذي جَعَلَ مِن ذراعيّ يسوع عشّاً له، ومُداعِباً، يجعل رأسه البنّي الصغير في تقعّر عنق يسوع كفرخ يمام تحت الجناح الوالديّ. يتنهّد الصبيّ مِن المعاناة، ومع ذلك يتأهّب للطاعة.

 

ولكنّ يسوع يقول: «لا. سوف يذهب معنا ولن يزعجنا. سيكون الملاك الصغير الذي لا يمكن القيام أمامه بأيّ فِعل أو حديث مُشكِّك، والذي يحول دون خلق أيّ وسواس في القلوب مهما بلغ مِن الخفّة. هيّا بنا...»

 

«يا معلّم، هل ندخل، إليز وأنا، إلى البيت، أم تريدنا إلى جانبكَ؟» يَسأَل الغيور.

 

«اذهبا أنتما كذلك.»

 

تقود يُوَنّا يسوع عبر ممرّ واسع يجتاز الحديقة. يتوجّهان صوب حدائق الورد الهابطة والصاعدة على السفوح المتقابلة التي تُشكِّل الموقع الـمُزهِر للتلميذة. تحسبها تريد حقيقة العزلة، حيث لا وجود إلاّ لشجيرات الورد والأشجار والعصافير على الأغصان، تتزاحم على مكان للنوم أو تمضي في آخر مشوار إلى أعشاشها.

 

الورود التي ما تزال الليلة أزراراً وتتفتّح غداً لتقع تحت ضربات المقصّ، يفوح منها عَبَق عِطر قبل استراحتها تحت الندى. يتوقّفان في وادٍ صغير بين طيّتين مِن الأرض تتشكّل عليهما ضفائر ضاحكة مِن جهة مِن الورود اللحميّة اللون، ومِن الأخرى مِن الورود الحمراء كبقع الدم أثناء تخثّره. توجد هنا صخرة يمكن أن تكون مقعداً أو مسنداً لوضع سِلال القاطِفين. وفي العشب وعلى الصخرة بتلات وورود مجعّدة تشهد لعمل اليوم.

 

يُوَنّا، بيدها المزيّنة بالخواتم، تُخلّص المقعد مِن هذه البقايا وتقول: «اجلس، يا معلّم. عليَّ أن أتحدّث إليكَ... مطوّلاً.»

 

يجلس يسوع، ومتّيا يركض هنا وهناك على العشب إلى أن يصبّ اهتمامه على متابعة ضفدع ضخم أتى يسترطب في العشيّة، ويبتعد وهو يصرخ ويقفز مِن الفرح، وهو يمضي ويعود خلف الضفدع، إلى أن يلهيه مأوى لصرصار الليل يشرع في نقبه بعود صغير.

 

«يا يُوَنّا، أنا هنا لأستمع إليكِ... وأنتِ لا تتكلّمين؟» يَسأَل يسوع بعد برهة صمت، ويكفّ عن مراقبة الصبيّ لينظر إلى التلميذة الواقفة أمامه، واجمة وصامتة.

 

«نعم، يا معلّم. ولكن... صعب جدّاً... وأظنّه مؤلماً في سماعه...»

 

«تكلّمي ببساطة وثقة...»

 

تنـزلق يُوَنّا على العشب، وشبه جالسة على كعبيها بشكل منخفض عن يسوع الذي يجلس على الصخرة، جدّياً ومتزمّتاً، متحفّظاً كرجل أكثر ممّا لو كان مبتعداً لأمتار كثيرة وبعوائق متعدّدة، إنّما هو قريب كإله وصديق بفضل طِيب النّظرة والابتسامة. ويُوَنّا تنظر إليه، تنظر إليه في عذوبة غسق مساء مِن أيّار (مايو). أخيراً تتكلّم: «ربّي... قبل التكلّم... أنا في حاجة لأن أسألكَ... لمعرفة بما تفكّر... لأُدرك إذا ما كنتُ على خطأ في فهم معنى كلامكَ... فأنا امرأة، امرأة غبيّة... قد أكون حلمتُ... والآن فقط أنا أتنبّه... إلى أمور كما قلتَها أنتَ، كما هيّأتَها، كما تريدها لملكوتكَ... قد يكون خُوزي على حق وأنا مخطئة...»

 

«هل لامكِ خُوزي؟»

 

«نعم ولا، يا ربّ. لقد قال لي فقط، باسم سلطته الزوجيّة، بأنّه إذا كان الأمر كما جَعَلَته الأحداث الأخيرة يعتقد، فعليَّ أن أترككَ، ذلك أنّه، بحكم كَونه مِن أعيان هيرودس، فلا يمكنه السماح لزوجته بالتآمر ضدّ هيرودس.»

 

«ومتى إذن كنتِ متآمرة؟ ومَن يفكّر بالإساءة إلى هيرودس؟ فعرشه البائس المقزّز لا يساوي هذا المقعد وسط حدائق الورود. أنا أجلس هنا، ولكنّني لن أجلس أبداً على كرسيّه. فليكن خُوزي على يقين! فأنا لا رغبة لي لا بعرش هيرودس ولا حتى بعرش قيصر. فهذه ليست بعروشي وليست بممالكي.»

 

«آه! نعم، يا ربّ؟! يا لكَ مِن مبارك! أيّ سلام تمنحني! فمنذ أيّام وأنا أعاني مِن ذلك! يا معلّمي، القدّيس والإلهيّ، معلّمي الحبيب، معلّمي الأبديّ، كما فهمتُكَ، رأيتُكَ، أحببتُكَ، كما ظنّي بكَ، سامياً للغاية، سامياً جدّاً فوق الأرض، إلهيّ أنتَ للغاية، يا ربّي ومَلِكي السماويّ!» ويُوَنّا، إذ أَخَذَت يد يسوع، تُقبّل ظهرها باحترام، وهي جاثية كما في العبادة.

 

«ولكن ما الذي جرى؟ أمر أجهله، قادر على جعلكِ تضطربين هكذا، تعكّرين فيكِ صفاء صورتي المعنويّة والروحيّة؟ تكلّمي!»

 

«ماذا؟ يا معلّم، أبخرة الخطأ، الكبرياء، الجشع والمكابرة ارتفعت كفوهات الإنتان وشوَّشَت صورتكَ في ذهن الكثيرين والكثيرات... وحاوَلَت فِعل الشيء نفسه معي. أمّا أنا فإنّني يُوَنّا التي لكَ، نعمتكَ، يا الله! ولا أضيع. أقلّه هذا ما آمُله، عارفة كم هو صالح الله. ولكنّ ذلك ليس سوى جنين نَفْس يُصارع ليتشكّل، ويمكنه أن يموت بسبب خيبة أمل. ولكنّ الذي لا يعدو كونه أحداً يحاول وسط بحر هائج، مضطرب بتيّارات عنيفة، بلوغ الشاطئ، المرفأ، يحاول التطهّر، التعرّف على مواضع أخرى للسلام، للعدالة، فيمكن أن يسيطر عليه التعب إذا ما فقد الثقة بهذا الشاطئ، بهذه المواضع، ويستسلم للتيّارات، وللوحل. وأنا كنتُ حزينة، معذّبة بهذا الانهيار للنُّفوس، التي ألتمس لها النور. النُّفوس التي نشكّلها للنور الأبديّ هي أثمن لدينا مِن الأجساد التي نمنحها النور الأرضيّ. الآن أُدرِك معنى أن أكون أُمّاً لجسد وأن أكون أمّاً لنَفْس. يبكي المرء على ابن صغير مات، ولكنّ هذا هو ألمنا نحن فقط. أمّا مِن أجل روح جعلناه ينمو في نوركَ ويموت، فلا نتألّم نحن فقط، لكنّنا نتألّم معكَ، مع الله... ذلك أنّ ألمنا مِن أجل الموت الروحيّ لنَفْس هو أيضاً ألمكَ، ألم لله لانهائيّ... لستُ أدري إذا ما كنتُ أجيد التعبير...»

 

«آه! جيّداً جدّاً. ولكن فليكن سردكِ منظّماً إذا أردتِ أن أُخفّف عنكِ.»

 

«نعم، يا معلّم. أنتَ أَرسَلتَ سمعان الغيور ويهوذا الاسخريوطيّ إلى بيت عنيا، أليس كذلك؟ مِن أجل تلك الفتاة الشابّة العبرانيّة التي سَلَّمَتها لكَ الرومانيّات وأرسلتَها أنتَ إلى نيقي...»

 

«نعم! وإذاً؟...»

 

«لقد أرادت تحيّة معلّماتها الصالحات ورافقها سمعان ويهوذا إلى قلعة أنطونيا. أتعلم ذلك؟»

 

«أعلم. وإذاً؟»

 

«يا معلّم... ينبغي لي أن أسبّب لكَ ألماً... يا معلّم، ألستَ حقّاً سوى مَلِك للروح؟ ألا تفكّر في ممالك أرضيّة؟»

 

«ولكن لا، يا يُوَنّا! كيف ما زال بإمكانكِ التفكير في ذلك؟»

 

«يا معلّم، لكي يكون لي فرح رؤيتكَ أكثر ألوهة مرّة أخرى، فقط إلهيّاً. بل بالتحديد لأنّكَ هكذا، ينبغي لي أن أُسبّب لكَ ألماً...يا معلّم، رجل اسخريوط لا يفهمكَ، ولا يفهم أولئك اللواتي يحترمنكَ كحكيم، كفيلسوف عظيم، كما فضيلة على الأرض، وهنّ معجبات بكَ ووعدن بحمايتكَ لذلك السبب. ومِن المستغرب أن تدرك الوثنيّات ما لا يدركه واحد مِن رسلكَ، بعد أن أمضى فترة طويلة جدّاً معكَ...»

 

«لقد أعمته الطبيعة البشريّة، الحبّ البشريّ.»

 

«تَجد له الأعذار... ولكنّه يؤذيكَ، يا معلّم. فبينما كان سمعان يتحدّث إلى بلوتينا، ليديا وفاليريا، تحدّث يهوذا إلى كلوديا باسمكَ، كسفير لكَ. كان يريد انتزاع وعود منها مِن أجل ردّ مَلِك اسرائيل. وطَرَحَت كلوديا عليه الأسئلة مطوّلاً... وهو تكلّم كثيراً. يفكّر بالتأكيد في أنّه على عتبة حلمه المجنون، حيث يتحوّل الحلم إلى واقع. يا معلّم، لقد أثار ذلك سخط كلوديا. إنّها ابنة روما... والامبراطورية في دمها... فكيف تريدها، هي بالتحديد، ابنة الأُمّة كلوديا، أن تسير ضدّ روما؟ لقد صُدِمَت مِن ذلك بعمق لدرجة أنّها شكّت بكَ وبقداستكَ وبمذهبكَ... لا يمكنها بعد تصوّر، وإدراك قداسة أصلكَ. ولكنّها ستتوصّل إلى ذلك لأنّ لها إرادة صالحة. ستتوصّل عندما تتأكّد. فأنتَ تبدو لها الآن متمرّداً، غاصباً، طمّاعاً وكاذباً... ولقد حاوَلَت بلوتينا والأخريات طمأنتها... ولكنّها تريد منكَ إجابة فوريّة.»

 

«قولي لها ألاّ تخاف. أنا مَلِك الملوك، الذي خَلَقَ الملوك ويدينهم، ولكن لن يكون لي عرش سوى عرش الحَمَل، المضحّى به أوّلاً ثمّ المنتَصِر في السماء. اجعليها تعرف ذلك دون تأخير.»

 

«نعم، يا معلّم، سأذهب إليهنّ بنفسي. قبل مغادرتهنّ لأورشليم، ذلك أنّ كلوديا مستاءة لدرجة أنّها لن تبقى أكثر في قلعة أنطونيا... لكي لا ترى... أعداء روما، على حدّ قولها.»

 

«مَن قال لكِ ذلك؟»

 

«بلوتينا وليديا. لقد جاءتا... وكان خُوزي حاضراً...  منذئذ... جَعَلَني في مأزق. إمّا أن تكون مَسيّا الروحانيّ، وإمّا أهجركَ للأبد.»

 

يبتسم يسوع ابتسامة متعبة تبدو على وجهه الشاحب مِن الألم الذي سبّبته رواية يُوَنّا، ويقول: «ألا يأتي خُوزي إلى هنا؟»

 

«غداً هو السبت، وسيكون هنا.»

 

«وأنا سأُطمئِنه. لا تخافي. لا يخافنّ أحد. لا خُوزي على مركزه في البلاط، ولا هيرودس مِن تعدّيات محتملة، ولا كلوديا مِن أجل حبّ روما، ولا أنتِ مِن أن تكوني مخدوعة، ومِن إمكانيّة الابتعاد... لا يخافنّ أحد... أنا الوحيد الذي ينبغي لي أن أخاف... وأتألّم...»

 

«يا معلّم، لم أشأ أن أُسبّب لكَ هذا الألم. ولكنّ الصمت كان سيُحسَب خداعاً... يا معلّم، كيف ستتصرّف مع يهوذا؟... أنا أخاف مِن ردود فعله... مِن أجلكَ، دائماً مِن أجلكَ...»

 

«بالحقيقة. سأجعله يُدرِك أنّني أعرف وأستنكر فعلته وعناده.»

 

«سوف يكرهني إذ يُدرِك أنّكَ منّي أنا علمتَ...»

 

«أتتألّمين مِن ذلك؟»

 

«كرهكَ يؤلمني، وليس كرهه. أنا امرأة، ولكنّي في خدمتكَ أنا أكثر شجاعة منه. أنا أخدمكَ لأنّني أحبّكَ، لا لأكسب منكَ كرامات. وإذا ما فقدتُ غداً الثروات، حبّ زوجي، وحتّى حرّية حياتي، فإنّني أحبّكَ أكثر، لأنّني، حينذاك، لا يبقى سواكَ أحبّه ويحبّني.» تقول يُوَنّا ذلك باندفاع وهي تنهض.

 

كذلك يسوع ينهض ويقول: «بوركتِ، يا يُوَنّا، مِن أجل هذا الكلام. وكوني في سلام. فلا كُره يهوذا ولا حبّه يمكنهما تغيير ما كُتِب في السماء. ستكتمل رسالتي كما هو مقرّر. فلا يكن لكِ مطلقاً تأنيب مِن ضمير. كوني مطمئنّة مثل متّيا الصغير الذي، بعد عمله في بناء بيت لصرصار الليل هو أجمل بحسب رأيه، نام وجبهته على بتلات الورود وهو يبتسم... ظانّاً أنّه على الورود. ذلك أنّ الحياة جميلة مع البراءة. أنا كذلك أبتسم، حتّى ولو كانت حياتي البشريّة لا ورود فيها، بل بتلات سقطت أوراقها، ذابلة. أمّا في السماء فستكون لي كلّ ورود الذين خلصوا... تعالي. يهبط الليل. بعد قليل لا نعود نرى الدرب.»

 

تمضي يُوَنّا لتأخذ الصبيّ بين ذراعيها.

 

«دعيه... أنا آخذه. انظري كيف يبتسم! بالتأكيد هو يحلم بالسماء، بأُمّه وبكِ... أنا أيضاً، في محنتي التي لكلّ ساعة، أحلم بالسماء، بأُمّي وبالتلميذات الصالحات.»

 

ويتوجّهان صوب البيت على مهل...