ج7 - ف180
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء السابع / القسم الأول
180- (يسوع في بيت عنيا مِن أجل عيد المظالّ)
02 / 09 / 1946
إنّ الخُضرة المتنوعة للأرياف الّتي تحيط ببيت عنيا تَظهَر للعيان حالما يتمّ اجتياز قمّة رابية ووطء منحدرها الجنوبي، الّذي ينحدر عبر درب متعرّج صوب بيت عنيا. إنّ الأخضر الفضّيّ لأشجار الزيتون، والأخضر الزاهي لشجر التفّاح، الموشّى هنا وهناك باصفرار أولى الأوراق، والأخضر النادر والأكثر اصفراراً للكروم، والأخضر الداكن والكثيف لأشجار السنديان والخروب، المختلط مع بُنّي الحقول، المحروثة للتوّ وتنتظر البِذار، والأخضر النَّضِر للمروج حيث ينبت عشب جديد، وذاك الذي للمَباقِل الخصيبة، يشكّلون سجّادة متعدّدة الألوان لِمَن يُشرِف على بيت عنيا ومحيطها مِن الأعلى. وتَشمخ فوق الخضرة أدناها، سَعَفُ النخيل، الأنيقة على الدوام والتي تذكّر بالشرق.
إنّ بلدة عين شمس الصغيرة، المتجمّعة وسط الخضرة والـمُنارة كلّياً بالشمس الّتي توشك على الغروب، سرعان ما يتمّ اجتيازها، كذلك النبع غزير المياه، الواقع إلى الشمال قليلاً حيث تبدأ بيت عنيا، ومِن ثمّ ها هي طلائع المنازل وسط الخُضرة…
وَصَلوا بعد مسير كثير، ورحلة شاقّة. ورغم تعبهم الشديد، فإنّهم يَبدون وقد استعادوا النشاط لمجرّد كونهم قرب منزل بيت عنيا الصديق.
البلدة ساكنة، تكاد تكون خاوية. لا بدّ أنّ كثيرين مِن قاطنيها قد غادروا إلى أورشليم مِن أجل العيد. لذلك يمرّ يسوع مِن دون أن يُلاحَظ حتّى وصوله قرب بيت لعازر. وفقط حين يصبح قرب حديقة المنزل البُور، حيث كان هناك الكثير مِن الطيور طويلة الساقين، يلتقي برجلين يتعرّفان إليه ويحيّيانه ومِن ثمّ يَسأَلان: «أتذهب إلى لعازر يا معلّم؟ حسناً تفعل، إنّه مريض جدّاً. إنّنا آتيان مِن هناك بعد أن جلبنا له حليب أُتُننا (جمع أتان)، الغذاء الوحيد الذي ما تزال معدته تهضمه، مع القليل مِن عصير الفاكهة والعسل. الأختان لا تفعلان شيئاً سوى البكاء. وقد أُنهِكَتا مِن السهر والألم... وهو لا يفعل شيئاً سوى التّوق إليكَ. أظنُّ أنه مِن المفروض أن يكون قد مات، إلّا أنّ التوق لرؤيتكَ مجدّداً قد أبقاه على قيد الحياة إلى الآن.»
«إنّني ذاهب في الحال. ليكن الله معكما.»
«و... ستشفيه؟» يَسأَلان بفضول.
«مشيئة الله سوف تتجلّى عليه ومعها قدرة الربّ» يجيب يسوع تاركاً الاثنين في حيرة، ويسرع نحو بوّابة الحديقة.
يراه أحد الخدّام ويهرع ليفتح، إنّما مِن دون أيّ هتاف فَرَح. وحالما تُفتَح البوّابة، يركع إجلالاً ليسوع ويقول بصوت حزين: «حسناً مجيئكَ يا ربّ! وليكن وصولكَ علامة فرح لهذا المنزل الباكي. لعازر، سيّدي...»
«أَعلَم. استسلموا كلّكم لمشيئة الربّ. فهو سوف يكافئ تضحيتكم بإرادتكم لمشيئته. اذهب واستدعِ مرثا ومريم، أَنتَظِرهما في الحديقة.»
الخادم يمضي مسرعاً ويسوع يتبعه على مهل، بعدما أن يقول للرُّسُل: «إنّني ذاهب إلى لعازر، أنتم ارتاحوا، فإنّكم بحاجة لذلك...»
الأختان تبلغان العتبة، وتتعرّفان على الربّ بصعوبة، مِن فرط ما هي متعبة أعينهما مِن السهر والدموع، والشمس الّتي تبهر العينين تزيد مِن الصعوبة الّتي تعانيان بها لرؤيته، في هذه الأثناء، خدّام آخرون، يخرجون مِن باب جانبيّ لملاقاة الرُّسُل واصطحابهم معهم.
«مرثا! مريم! هذا أنا. ألا تتعرّفان عليَّ؟»
«آه! المعلّم!» تصيح الأختان وتهرعان نحوه، مرتميتين عند قدميه وخانقتين النحيب بصعوبة. قبلات ودموع تنهمر على قدميّ يسوع، كما قبلاً في منزل سمعان الفرّيسيّ.
إنّما هذه المرّة يسوع لا يبقى دون حراك كما آنذاك لتلقّي مطر دموع مرثا ومريم. الآن هو ينحني ويلمس رأسيهما، يلاطفهما ويباركهما بهذه الحركة، ويرغمهما على النهوض قائلاً: «تعاليا، لنذهب تحت تعريشة الياسمين. هل يمكنكما ترك لعازر؟»
وبالإيماء أكثر منه بالكلام، ووسط النحيب، تقولان بأن نعم. ويمضون إلى تحت التعريشة الظليلة، تحت الإيراق الكثيف والظليل الذي عليه بعض نجمات زهرات ياسمين مثابرة، تبيّض وتنشر عطرها.
«تكلّما إذن...»
«آه! يا معلّم! أنتَ تأتي إلى منزل شديد الحزن! ونحن مخبولتان مِن الألم. فحين قال لنا الخادم: "أحدهم يطلبكما" لم نفكّر بكَ. وعندما رأيناكَ، لم نعرفكَ. ولكن أترى؟ أعيننا قد أحرقها البكاء. لعازر يحتضر!...» ويُستَأنَف البكاء مُقاطِعاً كلمات الأختين اللتين تكلّمتا بالتناوب.
«وقد أتيتُ...»
«كي تشفيه؟! آه! ربّي!» تقول مريم، مشرقة بالأمل عبر الدموع.
«آه! أنا كنتُ أقول ذلك! لو أنّه يأتي...» تقول مرثا ضامّة اليدين في حركة فرح.
«آه! مرثا! مرثا! ما الذي تعلمينه عن صنائع الله وقراراته؟»
«واحسرتاه يا معلّم! ألن تشفيه؟!» تصيحان معاً عائدتين مجدداً إلى معاناتهما.
«أقول لكما: تحلّيا بإيمان بالربّ بغير حدود، وثابرا على التحلّي به رغم كلّ تلميح وكلّ حَدَث، وسوف تريان أموراً عظيمة حين لن يعود لقلبيكما أيّ دافع كي يأمل برؤيتها. ما الذي يقوله لعازر؟»
«ثمّة صدىً لكلماتكَ في كلامه. هو يقول لنا: "لا تشكّا برأفة وقدرة الله، مهما يحصل، هو سوف يتدخّل لخيركما ولخيري ولخير كثيرين، لخير كلّ أولئك الّذين مثلي ومثلكما سيعرفون البقاء أوفياء للربّ." وعندما يكون قادراً على فِعله، فإنّه يشرح لنا الكتابات المقدّسة، إنّه لا يقرأ سِواها هذه الأيّام، ويحدّثنا عنكَ، ويقول بأنّه سوف يموت في زمن فَرَح، لأنّ عهد السلام والغفران قد ابتدأ. لكنّكَ ستسمعه... إذ إنّه يقول أيضاً أموراً أخرى تُبكينا أكثر ممّا نفعل على أخينا...» تقول مرثا.
«تعال يا ربّ. إنّ كل دقيقة تمضي مُنتَزَعة هي مِن رجاء لعازر. كان يعدّ الساعات... قائلاً: "ومع ذلك سوف يكون في أورشليم مِن أجل العيد وسيأتي..." نحن، نحن اللتان نعلم أموراً كثيرة لا نقولها لِلعازر كي لا نؤلمه،كان لدينا أمل ضئيل، لأنّنا ظننّا بأنّكَ لن تأتي كي تفلت ممّن يبحثون عنكَ... مرثا كانت تعتقد بذلك كثيراً. أنا لا لأنّني... لو كنتُ مكانكَ، لكنتُ تحدّيتُ الأعداء. أنا لستُ مِن أولئك اللواتي يخفن الرجال. والآن ما عاد بي خوف ولا حتّى مِن الله. لِعِلمي كم هو طيّب تجاه النُّفوس التائبة...» تقول مريم وهي تنظر إليه بنظرتها الـمُحِبة.
«ألا تخافين مِن أيّ شيء يا مريم؟» يَسأَل يسوع.
«مِن الخطيئة... مِن ذاتي... لديَّ دوماً خوف مِن معاودة السقوط في الشرّ. أظنُّ أنّه مِن المفروض أن يكرهني الشيطان بشدّة.»
«إنّكِ على حقّ. أنتِ واحدة مِن النُّفوس الأكثر كُرهاً مِن قِبَل الشيطان. لكنّكِ أيضاً إحدى أكثرها محبّة مِن قِبَل الله. تذكّري ذلك.»
«آه! إنّني أتذكّره. وتلك الذكرى هي قوّتي! أتذكّر ما قُلتَه في منزل سمعان. قُلتَ: "لقد غُفِر لها كثيراً لأنّها أحبّت كثيراً."، ولي: "قد غُفِرَت خطاياكِ. إيمانكِ قد خلّصكِ. اذهبي بسلام." لقد قلتَ "الخطايا". لا الكثير منها. كلّها. ولذلك أعتقد بأنّكَ قد أحببتني، أيا إلهي، بلا حدّ. ذلك أنّه، إذا ما كان إيماني الزهيد آنذاكَ، الّذي تبدّى في نَفْس مثقلة بالخطايا، قد نال منكَ الكثير، أفلا يكون إيماني الحالي قادراً على حمايتي مِن الشرّ؟»
«نعم يا مريم. كوني متيقّظة وانتبهي لنفسكِ. إنّه تواضع واحتراس. إنّما آمني بالربّ. إنّه معكِ.»
يَدخلون المنزل. مرثا تذهب إلى أخيها. مريم تريد خدمة يسوع، لكنّ يسوع يريد أوّلاً الذهاب إلى لعازر. ويَدخلون إلى الغرفة المعتمة، حيث تُستهلكَ الأضحية.
«يا معلّم!»
«صديقي!»
ذِراعا لعازر الهزيلان يمتدّان للأعلى، وذراعا يسوع تنخفضان لمعانقة جسد الصديق الواهن. عناق طويل. ثمّ يعاود يسوع إضجاع المريض على الوسائد ويتأمّله بإشفاق. لكنّ لعازر يبتسم. إنّه مسرور. في وجهه المنهك الّذي لا ينبض فيه بالحياة سوى عينيه الغائرتين، وقد أوقدهما فرح وجود يسوع هناك.
«أترى؟ لقد أتيتُ. وكي أبقى معكَ لوقت طويل.»
«آه! لا يمكنكَ، يا ربّي. لا يقال لي كلّ شيء. لكنّني أَعلَم ما يكفي كي أقول لكَ بأنّكَ لا تستطيع ذلك. وإلى الألم الذي يسبّبونه لكَ يضيفون ألمي، حصّتي، بعدم السماح لي بأن تفيض روحي بين ذراعيكَ. إنّما أنا، الّذي أحبّكَ، فلا يمكنني بدافع الأنانيّة أن أستبقيكَ بقربي، تحت الخطر. بالنسبة لكَ... لقد تدبّرتُ الأمر... عليكَ أنّ تبدّل المواضع باستمرار. كلّ منازلي مفتوحة لكَ. لدى الحرّاس تعليمات وكذلك القيّمين على أراضيَّ. إنّما لا تذهب للمكوث في جَثْسَيْماني. إنّ المكان تحت مراقبة شديدة. أَقصد المنزل. لأنّه بين أشجار الزيتون، خصوصاً تلك الّتي في الأعلى، يمكنكَ الذهاب، وعبر دروب عدّة، دون أن يعرفوا ذلك. مارغزيام، أتعلم بأنّه هنا؟ مارغزيام قد تمّ استجوابه مِن قِبَل البعض بينما كان في المعصرة مع مرقس. كانوا يريدون معرفة أين كنتَ، وإذا ما كنتَ تأتي. الصبيّ أجاد الإجابة: "إنّه إسرائيليّ وسوف يأتي. مِن أين لا أَعلَم. إذ كنتُ قد تركتُه في ميرون." وبذلك فقد منعهم مِن أن يقولوا بأنّكَ خاطئ، ولم يكذب.»
«أشكركَ يا لعازر. سوف أستمع لكَ. إلّا أنّنا سنلتقي غالباً بالرغم مِن ذلك.» ما زال يتأمّله.
«أتنظر إليَّ يا معلّم؟ أترى كيف أضحيتُ؟ مثل شجرة تعرّت مِن الأوراق في الخريف، إنّني أتعرّى ساعة بعد ساعة مِن لَحمي، مِن القوّة وساعات الحياة. لكنّني أقول الحقيقة بقولي، إذا ما كان يؤسفني بأن لا أعيش كفاية لرؤية انتصاركَ، فإنّني سعيد بالمغادرة كي لا أرى الكراهية الّتي تتزايد حولكَ، وأنا العاجز بحالتي هذه عن كبحها.»
«لستَ عاجزاً، لستَ كذلك على الإطلاق. إنّكَ تتدبّر احتياجات صديقكَ حتّى قبل أن يصل. لديَّ منزليّ سلام، ويسعني القول، إنّهما عزيزان عليَّ بالتساوي: ذاك الذي في الناصرة وهذا. وإن كانت هناك أُمّي: المحبّة السماوية العظيمة تقريباً بقدر السماء لابن الإنسان، فهنا لديَّ محبّة البشر لابن الإنسان، المحبّة الوَدودة، المفعمة إيماناً وإجلالاً... شكراً يا أصدقائي!»
«ألن تأتي أُمّكَ أبداً؟»
«في بداية الربيع.»
«آه! إذن فأنا لن أراها ثانيةً...»
«بلى، سوف تراها. أنا أقول لكَ ذلك. عليكَ أن تصدّقني.»
«أؤمن بكلّ شيء يا ربّ، حتّى ما تدحضه الوقائع.»
«مارغزيام أين هو؟»
«في أورشليم مع التلاميذ. لكنّه يأتي إلى هنا في المساء. بعد قليل مِن الآن. والرُّسُل أليسوا معكَ؟»
«إنّهم هناك مع مكسيميانوس، الّذي يغيث تعبهم وإنهاكهم.»
«هل سرتم كثيراً؟»
«كثيراً. دونما توقّف. سأروي لكَ... الآن ارتح. أبارككَ للآن.» ويسوع يباركه وينسحب.
الرُّسُل الآن مع مارغزيام ومع كلّ الرّعاة تقريباً، الذين يتحدّثون عن لجاجة الفرّيسيّين للاستعلام عن يسوع. ويقولون بأنّ ذلك قد أثار شكوكهم، لدرجة أنّ تلاميذهم قد فكّروا بحراسة كلّ الطرق التي تقود إلى داخل أورشليم لتحذير المعلّم.
«بالفعل» يُنوّه إسحاق «إنّنا منتشرون على طول كلّ الطرق على بُعد بضع غلوات مِن الأبواب، وبالدّور نقضي ليلة هنا. هذه الليلة دورنا.»
«يا معلّم» يقول يهوذا وهو يضحك «يقولون بأنّه عند باب يافا قد كان نصف السنهدرين، وكانوا يتشاجرون فيما بينهم لأنّ البعض قد تذكّر كلامي في عين غنيم، آخرين أَقسَموا بأنّهم عَلِموا بأنّكَ قد كنتَ في دوتان، آخرين قالوا بأنّهم على العكس قد رأووكَ في أفرايم، وذلك جعلهم حانقين لعدم معرفتهم أين كنتَ...» ويَضحك للخديعة الّتي أوقع بها أعداء يسوع.
«غداً سوف يرونني.»
«لا. غداً نذهب نحن. هذا مناسب. نذهب كلّنا جماعة، جاعلين أنفسنا مرئيّين جيّداً.»
«لا أريد، ستكذب.»
«أقسم لكَ بأنّني لن أكذب. إن لم يقولوا لي شيئاً، لن أقول لهم شيئاً. وإذا ما سألونا فيما إذا كنتَ معنا، فسأجيب: "ألا تَرَون بأنّه غير موجود؟"، وإذا ما أرادوا معرفة مكانكَ فسأجيب: "ابحثوا عنه أنتم. كيف تريدون منّي أن أعرف أين هو المعلّم في هذه اللحظة؟" وبالفعل فأنا لا يمكنني بالتأكيد أن أعرف فيما إذا كنتَ في المنزل، هنا، أو في البساتين، أو لا أعلم أين.»
«يهوذا، يهوذا، لقد قلتُ لكَ...»
«وأنا أقول لكَ بأنّكَ على حقّ. لن تكون كي دوماً بساطة حمامة، وإنّما حكمة حيّة. أنتَ الحَمَامة، وأنا الحيّة. ومعاً سوف نشكّل ذاك الكمال الذي عَلَّمتَه.» إنّه يحاكي النبرة التي ليسوع عندما يُعلِّم، ويقول مقلّداً المعلمّ بإتقان: «"إنّني أرسلكم كغنم وسط الذئاب. فكونوا إذاً حكماء كالحيّات وبسطاء كالحمام... لا تهتمّوا بشأن كيفيّة الردّ، لأنّه في تلك اللحظة سَتُوضع على شفاهكم الكلمات، حيث لستم أنتم مَن تتكلّمون، بل الروح يتكلّم فيكم... وعندما سيضطهدونكم في مدينة، فاهربوا إلى أخرى إلى أن يأتي ملكوت ابن الإنسان..." إنّني أتذكّرها، والآن هو أوان تطبيقها.»
«أنا لم أقلها هكذا، وليس هذه فقط» يعترض يسوع.
«آه! حالياً يجب عدم تذكّر سوى هذه، وقَولها هكذا. أعرف ما تريد قوله. إنّما، ما لم يكن قد توطّد الإيمان بكَ، وهذا هو حَجَر في مُلككَ، فليس حسناً الاستسلام للأعداء. ولاحقاً... نقول ونفعل الباقي...»
وتعابير يهوذا متّقدة للغاية بالذكاءً والحنكة إلى حدّ أنّه يأسر الجميع، ما عدا يسوع الّذي يتنهّد. إنّه حقّاً الإنسان الـمُغوي الّذي لا يفتقر إلى شيء كي ينتصر على البشر.
يسوع يتنهّد ويفكّر... لكنّه يُذعِن، مع ملاحظة أنّ احتياطات يهوذا ليست شرّاً بكلّيتها. يهوذا يُفصّل كلّ خطّته مزهوّاً.
«إذن نحن سوف نذهب غداً وبعد غد حتّى ما بعد السبت. وسنبقى في كوخ خشبيّ، في وادي قدرون، مثل إسرائيليّين مثاليّين. هم سيتعبون مِن انتظاركَ... وعندئذ ستأتي. وفي غضون ذلك ستبقى هنا، بسلام، في استراحة. إنّكَ منهكَ، يا معلّمي. ونحن لا نريد ذلك. عندما تُغلَق الأبواب، أحدنا سيأتي كي يُعلِمكَ بكلّ ما يفعلون. آه! ستكون جميلة رؤيتهم خائبين!»
الكلّ يوافقون، ويسوع لا يبدي أيّة معارضة. ربّما التعب الشديد، ربّما الرغبة في منح لعازر التعزية، كلّ التعزية قبل الصراع الأخير، قد أسهما في هذا الرضوخ. وربّما أيضاً الضرورة الحقيقيّة للبقاء حرّاً، طالما أنّ كلّ الأعمال الضروريّة لم تُنجز بعد، كي لا يشكّ إسرائيل بطبيعته قبل الحكم عليه كمذنب... إنّه يقول ما هو أكيد: «فليكن. مع ذلك لا تسعوا للشجار وتجنّبوا الأكاذيب. بالأحرى اصمتوا، إنّما لا تكذبوا. الآن هيّا بنا، فمرثا تنادينا. تعال يا مارغزيام. أجدكَ بأفضل حال...» ويمضى وهو يتكلّم وذراعه حول كتفيّ التلميذ الشابّ.