ج7 - ف201

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء السابع / القسم الأول

 

201- ("الذين يحبّونني يرحلون")

 

26 / 09 / 1944

 

«انهضوا، ولنمضِ. سنذهب مجدّداً إلى النهر ونبحث عن قارب. اذهب أنتَ، يا بطرس، مع يعقوب. كي يوصلنا حتّى ضواحي بيت عَبرة. سنتوقّف يوماً واحداً عند سليمان ومِن ثمّ...»

 

«إنّما ألم نكن ذاهبين إلى الناصرة؟»

 

«لا. لقد قرّرتُ خلال الليل. إنّني آسف لأجلكم. إنّما ينبغي لي أن أعود إلى الوراء.»

 

«أنا سعيد!» يصيح مارغزيام. «سوف أبقى بعد معكَ!»

 

«نعم، رغم أنّكَ ترى إلى جانبي، أيّها الطفل المسكين، أيّاماً حزينة جدّاً!»

 

«لأجل ذلك أُحبّ البقاء معكَ. كي أمنحكَ محبّةً. لا أريد سوى ذلك. لا أطلب أكثر مِن ذلك.»

 

يسوع يقبّله على جبهته.

 

«هل سنعاود المرور مِن بيت عَبرة؟» يَسأَل متّى.

 

«لا. سنعبر النهر بقارب أحد الصيّادين.»

 

يعود بطرس مع يعقوب. «ما مِن قارب، يا معلّم، حتّى المساء… و… هل عليَّ أن أقول ذلك؟»

 

«قُله.»

 

«لقد مرّ مِن هنا البعض… لا بدّ أنّهم دفعوا جيّداً أو وجّهوا تهديدات شديدة… لا أعتقد أنّكَ ستجد قارباً في المساء أيضاً...إنّهم عديمو الرحمة...» يتنهّد بطرس.

 

«لا يهمّ. لننطلق… والربّ سيعيننا.»

 

إنّ الفصل رديء، مطر، طين. الطريق مُوحلة على طول الضفّة، إضافة إلى المطر هناك ندى الليل، الوافر على طول النهر. لكنّهم يمضون بالرغم مِن ذلك على المرتفع الضيق مِن الأرض الّذي يحاذي الطريق، الأقلّ وحلاً والأقلّ عرضة لقطرات المطر الخفيفة إنّما المتواصلة، بفضل صفّ مِن أشجار حور تحمي بعض الشيء، لكن فقط حينما لا تُسقِط هبّة ريح كلّ قطرات المطر المحتجزة بين الأغصان دفعة واحدة.

 

«إيه! ولكن هذا وقته!» يقول توما بنبرة فلسفيّة، وهو يرفع ثوبه.

 

«إنّه وقته!» يؤكّد برتلماوس ويتنهّد.

 

«سوف نجفّف أنفسنا في مكان ما. لن يكونوا كلّهم… مثارين ضدّنا» يقول بطرس.

 

«سوف نستطيع دوما العثور على قارب… لم يُحسَم الأمر!» يضيف يعقوب بن حلفى.

 

«لو كان معنا مال لوجدنا كلّ شيء. لكنّه لم يشأ أن أذهب لأبيع في أريحا!» يقول يهوذا الاسخريوطيّ.

 

«اصمت! أرجوك. إنّ المعلّم حزين جدّاً! اصمت!» يقول يوحنّا متوسّلاً

 

«سأَصمَت. وحتّى أنّني لستُ سوى مغتبط لما أَمَرَ به. فهكذا لا يمكن أن يقال أنّني أنا هو مَن أرسل أولئك الصدّوقيين الّذين مِن ضواحي أريحا» وينظر إلى بطرس، إنّما بطرس مستغرق ولا يرى ولا يجيب بشيء.

 

يمضون، يمضون تحت رذاذ مطر خفيف كما الضباب في يوم رماديّ. مِن وقت لآخر يتحدّثون فيما بينهم. ولكنّهم يَبدون كما لو أنّهم يتحدّثون إلى أنفسهم، حيث تبدو الكلمات كما خاتمة حِوار مع مُحاوِر خفيّ.

 

«سننتهي إلى وجوب التوقّف في مكان ما.»

 

«كلّ الأمكنة متماثلة، لأنّهم يأتون إليها كلّها.»

 

«اضطهاد للاضطهاد، مِن الأفضل التوقّف في مدينة. أقلّه لا نتبلّل.»

 

«إنّما إلى ماذا يريدون أن يتوصّلوا؟»

 

«المسكينة مريم! لو أنّها كانت تعلم!»

 

«يا الله العليّ، إِحْمِ خدّامكَ!» وهكذا دواليك… ثمّ يتجمّعون ويتناقشون همساً.

 

يسوع إلى الأمام، وحده… وحده! إلى أن ينضمّ إليه مارغزيام مع الغيور.

 

«الآخرون نزلوا إلى الضفّة الرمليّة كي يروا إن كان هناك قارب… سوف نمضي أسرع. أتريدنا معكَ؟»

 

«تعاليا. عمّ كنتما تتحدّثان قبلاً؟»

 

«عن معاناتكَ.»

 

«وعن كراهية البشر. ما الّذي يمكننا فِعله كي نخفّف عنكَ وكي نكبح الكراهية؟» يَسأَل الغيور.

 

«بالنسبة لألمي هناك محبّتكم… بالنسبة للكراهية… ليس هناك سوى تحمّلها… هي مسألة تتوقّف مع توقّف حياة الأرض… وهذا التفكير يمنح الصبر والقوّة لتحمّلها. مارغزيام! أيّها الصغير! لِمَ أنتَ مضطرب؟»

 

«لأنّ هذا يذكّرني بدوراس...»

 

«أنتَ على حقّ. لقد حان الوقت كي أعيدكَ إلى المنزل...»

 

«لا! يا يسوع! لا! لماذا تريد أن تعاقبني على شرّ لم أفعله؟»

 

«ليس عقاباً. بل حمايةً… أنا لا أريدكَ أن تتذكّر دوراس. ما الّذي تستنهضه في داخلك هذه الذكرى؟ أَجِبْ...»

 

مارغزيام يبكي وهو حاني الرأس، ثمّ يرفع وجهه ويقول: «أنتَ على حقّ. إنّ روحي غير قادرة على أن ترى وتغفر، لا تزال غير قادرة. إنّما لماذا تبعدني؟ إن كنتَ تعاني، فهو سبب إضافيّ كي أبقى إلى جانبكَ. لقد عزّيتني، أنتَ، على الدوام! أنا ما عدتُ الطفل الأحمق الّذي كان يقول لكَ في العام المنصرم: "لا تُرِني ألمكَ" إنّني الآن رجل بحقّ. اسمح لي بأن أبقى! يا ربّ! آه! قل له ذلك أنتَ، يا سمعان!»

 

«المعلّم يعلم ما هو حسن لنا. وربّما… هو يريد أن يكلّفكَ بمهمّة ما… لا أدري… أُفصِح عمّا يجول في خاطري...»

 

«أحسنتَ القول. لكنتُ أبقيتُه، وبفرح كبير، إلى ما بعد عيد التكريس. إنّما… أُمّي وحيدة هناك. إنّ صخب الكراهية قويّ جدّاً. قد تخاف أكثر ممّا ينبغي. أُمّي وحيدة. وبالتأكيد هي تبكي. سوف تذهب إليها لتقول لها إنّني أهديها سلامي وإنّني أنتظرها منذ الآن، لما بعد عيد التكريس. ولن تقول شيئاً آخر، يا مارغزيام.»

 

«ولكن إن سَأَلَتني؟»

 

«آه! يمكنكَ ألّا تكذب بالقول… بأنّ حياة يسوعها مثل سماء شهر إيتامين (سبتمبر-أكتوبر) هذه، غيوم ومطر، وأحياناً عاصفة، إنّما لا تنعدم الأيّام المشمسة. كما البارحة. كما ربّما غداً. الصمت ليس كذباً. ستروي لها المعجزات التي رأيتَها. ستقول لها بأنّ إليز معي. بأنّ حنانيا استقبَلَني مثل أب. بأنّني في نوبة بمنزل إسرائيليّ صالح. الباقي… بالنسبة للباقي إلزم الصمت. ومِن ثمّ ستذهب إلى بورفيرا. وسوف تبقى هناك إلى أن أدعوكَ.»

 

مارغزيام يبكي بأكثر حدّة.

 

«لماذا تبكي هكذا؟ ألستَ مسروراً بالذهاب إلى مريم؟ أمس كنتَ كذلك...» يقول سمعان.

 

«بالأمس نعم. لأنّنا كنّا ذاهبين كلّنا. ومِن ثمّ أبكي لأنّني خائف ألّا أعود أراكَ… آه! يا ربّ! يا ربّ! أبداً لن تكون هناك بعد أيّام سعيدة كما كان الحال بالنسبة لي في هذه الأيّام!»

 

«سوف نرى بعضنا بعد، يا مارغزيام. أعدكَ بذلك.»

 

«متى؟ ليس قبل الفصح. المدّة طويلة!» يسوع يصمت. «أحقّاً لا تريدني قبل الفصح؟»

 

يسوع يطوّق بذراعه كتفيه اللذين لا يزالان هزيلين، ويجذبه إليه. «لماذا تريد أن تعرف المستقبل؟ اليوم نحن موجودون. غداً لن نعود موجودين. الإنسان، حتّى الأكثر غنىً ونفوذاً، لا يمكنه إضافة يوم واحد إلى أيّام حياته. فهي، ككلّ المستقبل، بين يديّ الله...»

 

«إنّما في الفصح يجب أن آتي إلى الهيكل. إنّني إسرائيليّ. لا يمكنكَ أن تجعلني أخطئ!»

 

«لن تخطئ. والخطيئة الأولى الّتي يجب أن تعدني بألّا ترتكبها أبداً هي خطيئة عدم الطاعة. سوف تطيع. دوماً. سوف تطيعني الآن، ومَن سيكلّمكَ باسمي فيما بعد. أتعدني بذلك؟ تذكّر أنّني أنا، معلّمكَ وإلهكَ، قد أطعتُ أبي، وسوف أطيع حتّى… النهاية.» يسوع مهيب وهو يقول هذه الكلمات الأخيرة.

 

مارغزيام، المفتون تقريباً، يقول: «سوف أطيع. أقسم على ذلك. أمامكَ وأمام الله الأزليّ.»

 

يسود صمت. ثمّ الغيور يَسأَل: «أيذهب هناك وحده؟»

 

«لا، بالتأكيد. مع تلاميذ. سوف نجد آخرين بالإضافة لإسحاق.»

 

«أترسل إلى الجليل إسحاق أيضاً؟»

 

«نعم. سيعود مع أُمّي.»

 

تتمّ مناداتهم مِن النهر. الثلاثة يتحرّكون، يعبرون الطريق ويمضون صوب الماء.

 

«أُنظر، يا معلّم. لقد وجدنا واحداً. ولا يريدون شيئاً. إنّهم أقرباء مُبرأ بمعجزة. إنّما ينقلون رملاً إلى تلك البلدة. ينبغي الذهاب إلى هناك سيراً، ثمّ يأخذوننا.»

 

«ليكافئهم الله. بحلول المساء سنكون عند حنانيا.»

 

بطرس، المسرور، يعاود الصعود صوب الطريق ويرى وجه مارغزيام المضطرب. «ما بكَ؟ ماذا فعل؟»

 

«لا شيء سيّئ، يا سمعان. لقد قلتُ له، لدى وصولنا إلى أوّل موضع أجد فيه تلاميذ، سأعيده إلى المنزل. وقد حزن لذلك.»

 

«إلى المنزل… نعم! ولكنّه أمر صائب… الفصل...» بطرس يفكّر. ثمّ ينظر إلى يسوع ويشدّه مِن كمّه، جاعلاً إيّاه ينحني حتّى فمه. يكلّمه في أُذُنه: «يا معلّم، لكن لماذا ترسله دون انتظار...»

 

«بسبب الفصل، لقد قلتَ ذلك.»

 

«ومِن ثمّ؟»

 

«يا سمعان، لا أريد ألّا أُصدِقكَ القول. ومِن ثمّ مِن المستحسن ألّا يُسمِّم مارغزيام قلبه...»

 

«معكَ حقّ، يا معلّم. تسميم القلب… هوذا! هذا هو بالضبط ما يحدث في النهاية.» يرفع صوته: «المعلّم على حقّ تماماً. سوف تذهب و… سنلتقي في الفصح. في النهاية… هو سرعان ما يحلّ… ما أن ينتهي شهر كاسلو (نوفمبر-ديسمبر)... آه! عاجلاً سيحلّ شهر نيسان (مارس-أبريل) الجميل. نعم، بالتأكيد! هو على حقّ...» صوت بطرس يصبح أقلّ وثوقاً. يعيد على مهل وبحزن: «معه حقّ...» ومُحدّثاً نفسه: «ما الّذي سيحدث مِن الآن وحتّى شهر نيسان؟» يضرب جبينه بيده في بادرة أسىً.

 

ويمضون، يمضون في النهار الرطب. تكفّ الأمطار عن الهطول حتّى اللحظة الّتي، والوحل يصل إلى الركبتين، يصعدون فيها إلى خمسة قوارب صغيرة رطبة وفيها آثار رمل، والّتي تنحدر مجدّداً متّبعة التيار. عندئذ يهطل المطر مجدّداً، ضارباً الماء الساكن للنهر الّذي يعكس الغيوم الرماديّة، راسماً دوائر كثيرة تتشكّل وتتفكّك باستمرار، في لعبة سطيحات صَدَفيّة.

 

المشهد يشبه الصحراء. عند الضفاف، في القرى الصغيرة جدّاً، لا يُرى أثر لحياة. المطر يُقفِل المنازل ويجعل الدروب مقفرة. وعليه، حينما ينزلون مِن الـمَراكِب عند أوّل الغسق حيث قرية سليمان الصغيرة، يجدون الدرب صامتاً وخاوياً، ويصلون إلى المنزل مِن دون أن يراهم أحد. يقرعون. ينادون. لا شيء. لا يُسمَع سوى هديل الحمام، وثغاء النعاج، وصوت المطر.

 

«لا يوجد أحد. ماذا نفعل؟»

 

«اذهبوا إلى منازل القرية، إلى منزل الصغير ميخائيل أوّلاً» يأمر يسوع.

 

وفيما يمضي الرُّسُل الأكثر شباباً إلى هناك سريعاً، فإنّ يسوع يبقى مع الأكبر سنّاً قرب المنزل، يراقبون ويعلّقون.

 

«كلّ شيء مقفل… كذلك البوابة مربوطة ومحكمة جيّداً. انظر! هناك حتّى مسمار كبير. والنوافذ مغلقة كما لِلَيل. يا له مِن حزن! ونواح النعجتين والحمام ذاك؟ أيكون مريضاً؟ ما رأيكَ في ذلك، يا معلّم؟»

 

يسوع يهزّ رأسه. إنّه متعب وحزين…

 

يعود الرُّسُل راكضين. أندراوس يصل أوّلاً، وبينما هو لا يزال على بُعد بضعة أمتار، يصيح: «لقد مات… حنانيا قد مات… لا يمكن الدخول إلى المنزل لأنّه غير مُطهّر بعد… هو في القبر منذ بضع ساعات. لو تمكنّا مِن المجيء البارحة… ستأتي المرأة، أُمّ ميخائيل.»

 

«إنّما ما الّذي يلاحقنا؟!» ينفجر برتلماوس.

 

«يا للعجوز المسكين! قد كان سعيداً جدّاً! قد كان في حال جيّدة جدّاً! لكن كيف؟ متى أصابه المرض؟» يتكلّمون كلّهم معاً.

 

تصل المرأة، وببقائها على مسافة مِن الجميع، تقول: «يا ربّ، السلام معكَ. منزلي مفتوح لكَ. إنّما… لا أدري إذا… لقد جهّزتُ الميت. لهذا أبقى بعيدة. مع ذلك أستطيع أن أدلّكَ على المنازل الّتي تستقبلكم.»

 

«نعم، يا امرأة. ليكافئكِ الله، ومعكِ مَن يتحلّى بالرحمة تجاه المسافرين. إنّما كيف مات الرجل؟»

 

«آه! لا أدري. لم يكن مريضاً. أوّل أمس كان بصحّة جيدة. نعم، بالتأكيد. كان ميخائيل قد جاء في الصباح ليأخذ النعجتين كي يضمّهما لنعاجنا. هكذا كان الاتّفاق. وأنا عند الساعة السادسة أحضرتُ له ثياباً كنتُ قد غسلتُها له. لقد كان إلى المائدة وكان يأكل، بصحّة جيدة تماماً. وفي المساء كذلك، كان ميخائيل قد أعاد النعجتين وجلب له إبريقي ماء، وهو أعطاه فطيرتين كان قد أعدّهما. أمس صباحاً، جاء ابني لأجل النعجتين. كان كلّ شيء مقفلاً كما الآن، ولم يُجب أحد على صيحات الصبيّ. وهو دفع البوابة، لكنّه لم يتمكّن مِن فتحها. كانت مقفلة بإحكام. عندئذ أصاب ميخائيل الذعر وهرع إليَّ. أنا وزوجي هرعنا ومعنا آخرون. فتحنا البوابة، وقرعنا باب المطبخ… دفعنا الباب… كان لا يزال جالساً قرب الموقد، رأسه محنيّ على الطاولة، كان المصباح لا يزال قريباً منه، إنّما مطفأ مثله، سكّين كبير عند قدميه، وعاء خشبيّ نصف محفور… أخذه الموت هكذا… كان يبتسم… كان في سلام… آه! أيّ وجه بارّ كان له! بل كان يبدو أجمل… أنا… كنتُ أهتمّ به منذ أمد قصير. لكنّني تعلّقتُ به… وأبكي...»

 

«إنّه في سلام. أنتِ نفسكِ قلتِ ذلك. لا تبكي! أين وضعتموه؟»

 

«كنّا نعلم أنّكَ تحبه كثيراً، فلذلك وضعناه في قبر بناه لاوي مؤخّراً. الوحيد، ذلك أنّ لاوي غنيّ. نحن لسنا أغنياء. هناك، في العمق، إلى ما وراء الطريق. الآن، إن أردتَ، نُطهّر كلّ شيء و...»

 

«نعم. سوف تأخذين النعجتين والحمام، والباقي احفظوه لي ولجماعتي. كي أتمكّن مِن الإقامة هناك في بعض الأحيان. ليبارككِ الله، يا امرأة. هيا بنا إلى القبر.»

 

«أتريد أن تقيمه مِن الموت؟» يَسأَل توما بدهشة.

 

«لا. بالنسبة إليه لن يكون ذلك فَرَحاً. هناك حيث هو، هو أكثر سعادة. علاوة على أنّه كان يرغب في ذلك...»

 

إنّما يسوع مغموم تماماً. يبدو أنّ كلّ شيء يساهم في زيادة غمّه. عند أبواب المنازل، نسوة ينظرن ويُلقين التحيّة مُعلّقات.

 

سرعان ما يصلون إلى القبر: هو مكعّب صغير مبنيّ حديثاً. يسوع يصلّي قربه. ثمّ يعود، بعينين مبلّلتين بالدموع، ويقول: «هيّا بنا… إلى منازل القرية. في منزلنا الصغير ما عاد هناك مَن ينتظرنا ليباركنا… أبتاه! إنّ الوحدة تلفّ ابنكَ، الفراغ يصبح أكثر اتّساعاً وأكثر قتامة. الذين يحبّونني يرحلون، ويبقى مَن يكرهونني… أبتاه! لتكن مشيئتكَ متمّمة ومباركة على الدوام...»

 

يعودون صوب القرية، واثنان هنا، ثلاثة هناك، يدخلون منازل مَن لم يلمسوا الميت، طلباً للمأوى واستعادة القوى.