الدفاتر: 10 / 05 / 1943
دفاتر 1943
ماريا فالتورتا
I QUADERNI - THE NOTEBOOKS - LES CAHIERS
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
(10 / 05 / 1943)
الّذي يعتني بحديقتي قدّم لي زنبقة. قبلاً بنفسج. بنفسجاتي العزيزات الّتي اقتُلِعت كلّها بسبب عنف الآخرين، والّتي نمت تلقائيّاً، بعد أكثر مِن ثلاث سنوات مِن عدم وجودها، في أحواض الزهور في الشرفة.
ولكن طالما أنّها بنفسج، فما مِن شيء يدعو للدهشة، أليس كذلك؟ فالهواء نفسه يمكنه أن يحمل البذور؛ عصفور صغير يمكنه أن يدعها تسقط مِن منقاره... إنّما زنبقة! فلا يمكن للزنبقة أن تنبت إلاّ انطلاقاً مِن بصلة، وبصلة الزنبق كبيرة الحجم وثقيلة جدّاً على جناح الهواء أو منقار عصفور ليحملها. ومع ذلك، فقد نبتت في حوض الشرفة.
كثيرون قد يقولون عنّي مجنونة، ولكنّني أصرّ بأن زنبقة تنمو بهذه الطريقة تُعتبر معجزة، وأرى في هذا النموّ المعجز لطفاً حلواً وإجابة عزيزة مِن يسوعي. فهو يعلم إلى أيّة درجة أحبّ الزنبق وكم تألّمتُ لرؤيتي إيّاها تُقتَلَع مِن أحواض فنائي. هو يعلم أنّني أحبّها كزهرة وكرمز ويعلم أيّ خوف، أي أسف كان يعتريني في عمق القلب لمجرّد التفكير أنّ زنبقتي قد لا تكون بعد ناصعة لم يمسّها عيب. وهو، مِن قليل مِن التربة المهملة، الضئيلة والقاسية، وقد أضحت عقيمة، جعل زنبقة تنبت.
هو يمكنه فِعل ذلك بالتأكيد، هو مَن خلق زنابق الوادي والذي يذكرها بحبّ جمّ في إنجيله! فلماذا يجب أن أشكّ بمصدر هذه الزهرة؟ يسوع هذا ذاته، الّذي منح لتيريزيا الصغيرة الثلج مِن أجل يوم ارتدائها للثوب الرهبانيّ، ألا يستطيع منح ماريا زهرة ثلج واحدة؟ الويل إذا ما يد بشريّة قصفتها لي! سيبدو لي ذلك تدنيساً وسيسبّب لي ألماً مبرّحاً.
أكتب أيضاً ما قد لا يكون بالنسبة لآخرين سوى تفاهة، بينما هو بالنسبة لي على العكس أمر بالغ العمق. فهو كذلك ملاطفة أخرى مِن إلهي، لطف منه هو الّذي يقوّيني ويكرّر عذوبة شعور1 الثاني مِن آذار [مارس] الماضي، شعور مُعاش مجدّداً، وإن يكن بشكل أخف، هذه الأيّام.
آه! الجنّة! ما ستكونين إذا ما مجرّد ملامستكِ بشكل طفيف هنا يؤدّي إلى كلّ هذه الغبطة؟
أنا متعبة، منهكة، وقلبي مضطرب بسبب أمور كثيرة.
أفكّر بأقاربي في كالابريا... كتبتُ لهم كثيراً في هذه الأيّام الأخيرة، لأحدّثهم بصراحة عن الله وواجبات المسيحيّ تجاه الموت. أفكّر بكلوتيلد المشلولة... أفكّر بباولا، بجوزيف ونظرياته... المجنونة، أفكّر بالجميع. كيف سيموتون، إذا كان عليهم أن يموتوا؟ فلتنزل اليد الّتي زرعت الزنابق والبنفسج لماريّا المسكينة على تلك القلوب وتجذبها إليها…
رئيسة دير الترابيست تكتب لي وأكتب لها. أنا مسرورة لأنّني صلّيتُ وأصلّي هكذا مِن أجل وحدة الكنائس. كنتُ أجهل أنّه يُصلّى مِن أجل ذلك. يسوع، معلّمي الأوحد، قادني،كالعادة، حتّى في هذا. تماماً كما قادني إلى خادمته، الأخت م. غابرييلا2. أشعر بحق أنّه يمسك بيدي ويقودني إلى حيث يمكنني أن أجد خيراً أو نفوساً، كونها أصبحت في المجد، فبإمكانها مساعدتي، بمذاهب قداستها، للارتقاء في عملي التقديسيّ.
يمكنني التأكيد بأنّه لم يحصل لي أبداً أنّني سعيتُ لمعرفة "حياة" لا أجد فيها بعض التشابه مع حياتي. تشابه أعظم وأكمل، إنّما الذي يظلّ: تشابهاً. لقد قرأتُ عن كثير مِن "الحيوات"، ولكن بالنسبة إليّ، فقد حرصتُ على الدوام على اعتماد تلك الّتي تقدّم نقاط تماسّ بحياتي المسكينة؛ والتي بفعل ما يترجّع منها في داخلي –بينما الأخرى لا تُحدث فيّ سوى إعجاب عقيم ولا شيء أكثر- أدرك أنّني أنا كذلك على ذات المسار (ولو أبعد إلى الخلف) مِن اضطرام الحبّ، التضحية، والثقة.
في حياة الأخت "غابرييلا"، أجد جملاً مشابهة للّتي لي، حتّى في أدقّ الكلمات. وهذا يؤثّر فيّ كثيراً. أشعر أنّه حيث يملك يسوع كمعلّم مطلق على ذواتنا، فإنّ النفوس، كما القيثارات الّتي تلمسها اليد ذاتها، تصدح بالنغم ذاته... بأكثر أو أقلّ قوّة بحسب درجة كمالها، إنّما دوماً بالعلامات ذاتها.
----------
1 – انظر نص (13 / 05 / 1943).
2 – الأخت ماريّا غابرييلا، ترابيست في غروتاغيرراتا (1914 – 1939)