ج6 - ف121

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء السادس/ القسم الثاني

 

121- (يسوع والعشّ الساقط)

 

16 / 06 / 1944

 

أرى يسوع مرتدياً ثوباً أبيضاً، واضعاً رداءه الأزرق الغامق على كتفيه، فيما يسير عبر درب حراجيّ. إنّه حراجيّ لأنّ هناك أشجار وشجيرات على كِلا الجانبين. هناك معابر ضيّقة تخترق التشابك الأخضر، إنّما لا بدّ أنّه ليس مكاناً منعزلاً أو بعيداً عن القرى المأهولة، لأّنهم يُصادِفون أناساً آخرين بين الحين والآخر. أُخمّن أنّها درب تَصِل بين قريتين قريبتين مِن بعضهما، وهي ممتدَّة عَبْر حقول الفلاحين. إنّها منطقة منبسطة، ويمكن رؤية الجبال في المدى. لا أعرف أيّ مكان هو هذا.

 

يسوع، الذي كان يتحدّث إلى رُسُله، يتوقّف ويُنصِت، يتلفّت حوله، ثم يَسلك مَسلكاً ضيّقاً بين التشابكات الخضراء، ويتوجّه نحو مجموعة كبيرة مِن الأشجار الصغيرة والشجيرات. ينحني ويبحث. ثمّ يَعثُر على ما يبحث عنه. هناك عشّ بين الأعشاب. لا أدري فيما إذا كان قد سقط بفعل العاصفة، كما قد يتبادر إلى الذهن بسبب التربة الرطبة والأغصان التي لا تزال تَقطر، مثلما يحدث عادة بعد عاصفة، أم إنَّ شخصاً ما قد عَبث به وتركه هناك، كي لا يُقبَض عليه متلبّساً. إنَّني لا أعرف. أستطيع فقط أن أرى عشّاً صغيراً متشابكاً مع القشّ، ومليئاً بالأوراق الجافّة المتساقطة مِن النباتات، ومليئاً أيضاً بالصوف، وفيه خمسة عصافير صغيرة، عمرها لا يتجاوز بضعة أيّام، تتخبّط وتُزقزق: إنّها حمراء اللون، بلا ريش، إنّها بشعة إلى حدّ ما بسبب مناقيرها الفاغرة وعيونها الجاحظة. وعالياً، فوق شجرة، هناك أبواها اللذان يصيحان بيأس.

 

يسوع يلتقط العشّ الصغير بحذر. يضعه في باطن إحدى يديه ويبحث عن المكان الذي كان فيه، أو عن مكان حيث يمكن وضعه فيه بأمان. يجد تشابكاً مِن أغصان العلّيق، وهي متراصّة جدّاً بحيث تبدو كما لو أنّها سلّة صغيرة، وهو غائر كثيراً في الدّغل بحيث يكون العشّ فيه بأمان. وبعدما أعطى العشّ لبطرس -والرّسول الكبير في السنّ والممتلئ، يبدو مضحكاً مع العشّ الصغير بين يديه الخشنتين القصيرتين- يسوع يطوي أكمام ثوبه الطويلة والواسعة، وبدون أن يكترث للأشواك التي تخدش ذراعيه، يعمل على جعل الملجأ أكثر تقعّراً، وبالتالي محميّاً أكثر. لقد تمّ إنجاز ذلك. يأخذ العشّ ويضعه في التجويف، ويُثبّته بعيدان طويلة وأسطوانيّة كان قد التقطها مِن بين الأعشاب، والتي تبدو كما الإبَر. العشّ بأمان الآن. يسوع يقف جانباً ويبتسم. ثمّ يطلب مِن أحد الرُّسُل، الذي يعلّق صرّته على كتفه، أن يعطيه قطعة خبز، ثمّ يفتّت بعضها على الأرض وبعضها على حجر. يسوع سعيد الآن. يستدير كي يعود إلى الدرب الرئيسيّ، فيما العصفوران يطيران بزقزقة فَرَح نحو العشّ الذي تمّ إنقاذه.

 

مجموعة قليلة العدد مِن الرجال متوقّفين عند طرف الدرب. يسوع يجدهم بمواجهته وينظر إليهم. تختفي ابتسامته ويصبح وجهه صارماً، يمكنني القول متجهّماً، فيما كان عطوفاً عندما كان يلتقط العشّ، وسعيداً جدّاً عندما جَعَلَه بأمان.

 

يسوع يتوقّف. إنّه يتابع النَّظر إلى الشهود غير المتوقَّعين. يبدو أنّه ينظر إلى الأفكار الخفيّة لقلوبهم. إنّه لا يستطيع أن يتقدّم أكثر لأنّ المجموعة قد سدّت الدّرب. إنّه صامت.

 

لكنّ بطرس لا يبقى صامتاً. يقول: «دعوا المعلّم يمرّ»

 

«اصمت أيّها الناصريّ» يُجيب واحد مِن المجموعة. «كيف سَمَحَ معلّمكم لنفسه بدخول أراضيَّ وإنجاز عمل يدويّ فيها يوم سبت؟»

 

يسوع ينظر إليه بشكل مباشر وبتعبير غريب. إنّها ابتسامة وبذات الوقت ليست ابتسامة. وإذا كانت ابتسامة، فهي ليست ابتسامة رضى. بطرس كان على وشك أن يردّ. لكن يسوع يَسأَل: «مَن أنتَ؟»

 

«مالِك هذا المكان. جيوقانا بن زكّاي.»

 

«الكاتب المشهور. مِن أجل ماذا تلومني؟»

 

«مِن أجل انتهاككَ للسبت.»

 

«هل تعرف سفر تثنية الاشتراع يا جيوقانا بن زكّاي؟»

 

«أتسألني، لي أنا؟ أنا الرابّي الإسرائيليّ الحقّ؟»

 

«أعلم ما الذي تريد أن تقوله لي: تقصد أنَّني، باعتباري لستُ كاتباً، وإنَّما جليليّ مسكين، لا يمكن أن أكون "رابّي". لكنّني أسألكَ مجدّداً: "هل تعرف سفر تثنية الاشتراع؟"»

 

«بالتأكيد أعرفه أفضل منكَ.»

 

«بمعناه الحرفي... بالتأكيد، إذا رغبتَ بأن تفكّر بهذه الطريقة. إنّما هل تعرفه بمعناه الحقيقيّ؟»

 

«ما قيل قد قيل. وليس هناك سوى معنى واحد.»

 

«حقّاً، ليس هناك سوى معنى واحد. وهو معنى المحبّة، أو، إذا لم تكن تريد أن تقول عنه محبّة، فهو معنى الرحمة، وإذا كان يضايقكَ أن تقول عنه ذلك، فقل: معنى الإنسانيّة.

 

فسفر تثنية الاشتراع يقول: "إذا رأيتَ نعجة أخيكَ أو ثوره ضالَّين، حتّى ولو لم يكونا في متناول اليد، فعليكَ ألّا تتقاعس، وعليكَ أن تعيدهما إليه، أو عليكَ أن تبقيهما حتّى يأتي في إثرهما." ويقول: "إذا رأيتَ حمار أخيكَ أو ثوره يسقطان، فلا تدّعي بأنّكَ لم ترهما، بل ساعده في جعلهما ينهضان مجدّداً." وقيل: "إذا وجدتَ عشّاً على شجرة أو على الأرض، وكانت الأُمّ تحضن الصغار أو البيض، فعليكَ ألّا تأخذ الأُمّ (لأنّها مكرّسة للإباضة) ويمكنكَ أخذ الصغار فقط."

 

وأنا كنتُ أنا قد رأيتُ عشّاً على الأرض، وكانت الأُمّ تبكي عليه. وأشفقتُ عليها لأنّها كانت أُمّاً. وأعدتُ لها صغارها. ولا أعتقد بأنَّني كنتُ أنتهك السبت بمنحي العزاء لأُمّ.

 

يتوجّب علينا ألّا نترك نعجة أخ تضلّ، والشريعة لا تقول إنّ إنهاض حمار يوم السبت هو خطيئة. إنّها فقط تقول بأنّه يجب علينا أن نكون رحماء تجاه إخوتنا وإنسانيّين تجاه الحمار، الذي هو مخلوق مِن مخلوقات الله. وبرأيي أنّ الله كان قد خَلَقَ الأُمّ كي تُنجِب، وبأنّها كانت قد أطاعت مشيئة الله، وأنَّ منعها مِن تربية ذريتها هو عرقلة لإطاعتها لمشيئة الله. إنّما أنتَ لم تفهم ذلك. فأنتَ ورفاقكَ تأخذون بالمعنى الحرفي، لا الروحي. أنتَ ورفاقكَ لا تفكّرون بأنّكم تنتهكون السبت مرّتين، لا وبل ثلاث مرّات، بالحطّ مِن قدر الكلمة الإلهيّة وجعلها بمرتبة العقليّة الإنسانيّة القاصِرة، وبعرقلتكم لمشيئة الله، وبافتقادكم للرحمة تجاه قريبكم. إنّكم تجرحون بتوجيه الملامات، ولا تأخذون بعين الاعتبار أنّ التكلّم حيث لا يجدر الكلام هو خطيئة. وكلّ تلك الأمور، التي هي أيضاً مِن قبيل العمل، إنّما عمل لا هو مفيد، ولا ضروريّ، ولا صالح، ألا تبدو لكم أنّها هي كذلك انتهاك للسبت.

 

انصِت إليَّ يا جيوقانا بن زكّاي. كما أنّه لم تكن لديكَ اليوم رحمة تجاه عصفورة، ووفقاً للتطبيقات الفرّيسيّة كنتَ لتدعها تموت حزناً، وكنتَ لتدع ذريتها تهلك على نحو بائس، تاركاً إيّاها تحت رحمة الأفاعي والناس الأشرار، فأيضاً في الغد لن تكون لديكَ رحمة تجاه أُمّ، وسوف تجعلها تموت ميتة بائسة، وسوف تتسبّب بمقتل ذريّتها، قائلاً بأنّه كان مِن الصائب القيام بذلك بدافع الاحترام لشريعتكَ، شريعتكَ أنتَ، لا شريعة الله. لتلك الشريعة التي ابتدعتَها أنتَ وأمثالكَ كي تَضطَهِدوا الضعفاء، بحيث أنتم الأقوياء تظلّون مسيطِرين. إنّما انظر. الضعفاء دائماً ما يجدون مُخلّصاً. فيما المتكبّرون، أي أولئك الذين هُم أقوياء وفقاً لشريعة العالم، سوف يُسحَقون تحت وزن شريعتهم الثقيلة.

 

وداعاً يا جيوقانا بن زكّاي. تذكّر هذا الساعة واحرص على ألّا تنتهكَ سبتاً آخر بالرضى عن جريمة قد ارتُكِبَت.»

 

ويَرمق يسوع بنظرة صاعقة الرجل العجوز المتَّقد غضباً، والذي اصطبغ وجهه بالأحمر بفعل غضبه، وفيما يَنظُر إليه مِن أعلى إلى أسفل، لأنّ الكاتب قصير وبدين، ويسوع كما لو أنّه نخلة بالمقارنة معه، فإنّ يسوع يَعبُر مِن أمامه ماشياً على العشب، لأنّ الكاتب لا يتنحّى جانباً.