ج7 - ف163

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء السابع / القسم الأول

 

163- (وداع المؤمنين قليلي العدد في كورازين)

 

06 / 08 / 1946

 

لم يكن الفجر قد بَزَغَ بعد حينما يتلاقى يسوع مع الأحد عشر رسولاً وفي وسطهم النجار الصغير يوسف، الذي ينطلق كالسهم ما أن يرى يسوع، ويلتصق بركبتيه ببساطة مَن لا يزال طفلاً. يسوع ينحني ليُقبّل جبهته، ومِن ثمّ، وفيما هو يمسك بيده، يمضي لملاقاة بطرس والآخرين.

 

«السلام لكم. لم أكن أتوقّع أن ألاقيكم هنا.»

 

«استيقَظَ الصبيّ فيما كان لا يزال الوقت ليلاً. وقد أراد أن يأتي خشية أن يَصِل متأخّراً» يَشرَح بطرس.

 

«أُمّه ستكون هنا قريباً مع الأولاد الآخرين. هي تريد أن تحيّيكَ» يُضيف يوضاس بن حلفى.

 

«كذلك ستأتي المرأة التي كانت مُشوَّهة، ابنة إسحاق، وأُمّ إيليا، وآخرون كنتَ قد شفيتَهم. لقد استضافونا...»

 

«والآخرون؟»

 

«يا ربّ...»

 

«إنّ كورازين تحتفظ بقسوة روحها. لقد فهمتُ. لا يهمّ. إنّ البذور الصالحة قد زُرعت ولسوف تَنبت يوماً ما... بفضل هؤلاء...» ويَنظُر إلى الصبيّ.

 

«هل سيكون تلميذاً ويهدي الناس؟»

 

«إنّه تلميذ، ألستَ كذلك يا يوسف؟»

 

«نعم. ولكنّني لا أجيد الكلام، وبما أَعلَمه، هم لا يُنصِتون إليَّ.»

 

«لا يهمّ. ستتكلّم مِن خلال طيبتكَ.»

 

يسوع يُمسِك وجه الولد الصغير بيديه الطويلتين، ويُكلّمه منحنياً قليلاً فوق وجهه المرفوع إلى الأعلى.

 

«إنّني راحل يا يوسف. كن طيّباً، وكن عاملاً نشيطاً. اغفر للذين لا يحبّونكَ. كُن ممتنّاً لِمَن يُحسِنون إليكَ. وتذكّر على الدوام: إنّ الله حاضر في أولئك الذين يساعدونكَ، لذلك تَقَبَّل كلّ عون باحترام، دونما المطالبة به، ومِن دون القول: "سوف أتراخى بما أنّ هناك مَن يعتني بي."، ومِن دون الاستهتار بالعون الذي تلقّيتَه. اعمل، لأنّ العمل مقدّس، ولأنّكَ، أنتَ الطفل، الرجل الوحيد في عائلتكَ. وتذكّر أنّ مساعدة أُمّ يعني تكريمها. تذكّر أنّ كونكَ مثالاً حسناً لإخوتكَ الصغار، والسَّهَر على شرف أخواتكَ واجب هو. تمنّى الحصول على ما هو حتميّ واعمل للحصول عليه، لكن لا تحسد الغنيّ، ولا تشتهِ الثروات كي تكون كثير التنعُّم. تذكّر أنّ معلّمكَ قد علّمكَ لا فقط كلمة الله، بل أيضاً حبّ العمل، التواضع والمغفرة. كُن صالحاً على الدوام يا يوسف، ويوماً ما سوف نكون معاً مجدّداً.»

 

«إنّما ألن تعود بعد أبداً؟ إلى أين أنت ذاهب يا ربّ؟»

 

«إنّني ذاهب إلى حيث تريد مشيئة الآب الذي في السموات. فيجب أن تكون مشيئته دوماً أقوى مِن مشيئتنا، وأعزّ علينا مِن تلك التي لنا، لأنّها مشيئة كاملة على الدوام. وأنتَ أيضاً، في حياتكَ، لا تجعل مشيئتكَ تتقدّم على مشيئة الله. كلّ المطيعين سوف يلتقون في السماء، وسيكون إذّاك عيد عظيم. أعطني قبلة أيّها الصبيّ.»

 

قبلة! إنّ الطفل يُمطره بالقبلات فيما يذرف دموعاً كثيرة، وهو متعلّق بعنق يسوع، هكذا تجده أُمّه، عندما تَصِل مِن كورازين، مع حشد أطفال وقلّة مِن الأشخاص الآخرين، الذين هم سبعة بمجملهم.

 

«لماذا يبكي ابني؟» تَسأَل الأُمّ بعد أن تحيّي المعلّم.

 

«لأنّ كلّ وداع مؤلم هو. لكن وإن انفصلنا فسنظلّ دوماً متّحدين إذا ما واظَبَت قلوبكم على محبّتي. تعرفون ماهية حبّكم لي وعلى ماذا يتوقّف. على القيام بما علّمتكم إيّاه، لأنّ مَن يفعل ما عَلَّمه إيّاه أحدهم، فإنّه يُظهِر بأنّه يكنّ له أسمى التقدير، والتقدير هو دائماً محبّة. فافعلوا إذن ما علَّمتُكم إيّاه بالكلمة والمثال، وافعلوا ما سيُعلّمكم إيّاه تلاميذي باسمي. لا تبكوا. إنّ الزمن يمضي سريعاً، ولسوف نتّحد مجدّداً وبشكل أمثل. ولا تبكوا بدافع الأنانيّة. فَكِّروا بالكثيرين الذين لا يزالون ينتظرونني، بالكثيرين الذين سوف يموتون دون أن يَرَوني، بالكثيرين الذين سوف يحبّونني مِن دون حتّى أن يكونوا قد عرفوني. أنتم قد حظيتم بي أكثر مِن مرّة، فكان الإيمان والرجاء أكثر سهولة بالنسبة لكم بفعل محبّتنا المتبادلة. أمّا هُم، بالمقابل، فسيكون عليهم أنّ يتحلّوا بإيمان عظيم، إيمان أعمى، كي يكونوا قادرين على أن يقولوا: "إنّه حقّاً ابن الله، المخلّص، وكلامه حقّ." سيكون عليهم أن يتحلّوا بإيمان عظيم كي يكون لديهم الرجاء العظيم بالحياة الأبدية، والامتلاك الفوري لله بعد حياة برّ. سيكون عليهم أن يحبّوا ذاك الذي لم يعرفوه قطّ، الذي لم يَسمعوه مُطلقاً، الذي لم يَروه أبداً يجترح المعجزات. ومع ذلك، وفقط بمحبّتهم له على هذه الشاكلة، سينالون الحياة الأبديّة. باركوا الربّ الذي منحكم ملء نِعَمه بجعلكم تتعرّفون عليَّ. امضوا الآن. كونوا أوفياء لشريعة سيناء ولوصيّتي الجديدة بأنّ تحبّوا بعضكم جميعاً كإخوة، لأنّ الله موجود في المحبّة. وأحبّوا أيضاً أولئك الذين يكرهونكم، لأنّ الله كان أوّل مَن أعطاكم الـمَثَل في محبّة البشر، الذين بالخطيئة، يُظهِرون الكراهية لله. اغفروا دوماً كما غَفَرَ الله للبشر بإرساله كلمته الفادي كي يمحو الخطيئة، التي هي سبب الحقد والانفصال. الوداع. ليكن سلامي فيكم. ولتتذكّر قلوبكم أعمالي، كي تُحصّنها ضدّ كلام أولئك الذين سوف يحاولون إقناعكم بأنّني لستُ مخلّصكم. وحافِظوا على بركتي كي تقوّيكم في تجارب المستقبل.»

 

ويمدّ يسوع يديه مُبارِكاً فيما يتلو البركة الموسويّة على القطيع الصغير الذي يسجد عند قدميه. ثمّ يستدير ويمضي...