ج7 - ف183

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء السابع / القسم الأول

 

183- (في الهيكل. "أنا معكم لوقت قليل بعد")

 

05 / 09 / 1946

 

مِن دون الاكتراث على الإطلاق ببغض الآخرين، يسوع يعود إلى الهيكل لليوم الثالث. مع ذلك يُفترض أنّه لم ينم في أورشليم، لأنّ نعليه يبدوان مغبرّين كثيراً. ربّما أمضى الليل على التلال الّتي تحيط بأورشليم. ويُفتَرَض أنّه كان معه أخواه يعقوب ويوضاس بالإضافة إلى يوسف (الرّاعي) وسليمان. يلتقي مع الرُّسُل والتلاميذ الآخرين عند السور الشرقيّ للهيكل.

 

«لقد أتوا، أتعلم؟ إلينا كما إلى التلاميذ المعروفين أكثر. حسناً أنّكَ لم تكن هناك!»

 

«علينا فِعل ذلك على الدوام.»

 

«لا بأس. إنّما سنتحدّث عن ذلك لاحقاً. هيّا بنا»

 

«حشد كبير قد تقدّمكَ وتقدّمنا مشيداً بمعجزاتكَ. كم فيه مَن هم مقتنعون ويؤمنون بكَ! أخواكَ كانا على حقّ بهذا» يقول يوحنّا الرسول.

 

«لقد ذهبوا للبحث عنكَ حتّى عند أناليا، أتعلم؟»

 

«وفي قصر يُوَنّا. لكنّهم لم يجدوا سوى خُوزي... وبمزاج! لقد طردهم كما الكلاب، قائلاً إنّه لا يريد جواسيس في منزله وأنّه قد نال كفايته منهم. قد قال لنا ذلك يوناثان، الّذي هو مع السيّد» يقول دانيال (الرّاعي).

 

«أتعلم؟ كان الكَتَبَة يريدون تفريق أولئك الّذين ينتظرونكَ بإقناعهم بأنّكَ لستَ المسيح. إنّما هم أجابوا: "هو ليس المسيح؟ ومَن تريدونه إذن أن يكون؟ أيستطيع أبداً أيّ إنسان آخر أن يجترح المعجزات الّتي يجترحها هو؟ أربّما قد اجترحها الآخرون الّذين ادّعوا بأنّهم المسيح؟ لا، لا. قد يظهر مائة وألف محتال، ربّما مُختَلَقون مِن قبلكم، والّذين يقولون بأنّهم المسيح. إنّما لا يمكن لأحد ممّن سيأتي أن يجترح أبداً معجزات كما تلك الّتي يجترحها هو، وبمقدار تلك الّتي يجترحها هو". ولأنّ الكَتَبَة والفرّيسيّين كانوا يزعمون أنّكَ تجترحها لأنّكَ بعلزبول، فهم قد ردّوا: "آه! إذن فقد كان عليكم أن تجترحوها مدوّية، لأنّكم بالتأكيد بعلزبولات مقارنة بالقدّيس"» يروي بطرس، ويضحك، ويضحكون كلّهم مستذكرين ردّ الجمع وفضيحة الكَتَبَة والفرّيسيّين الّذين رحلوا ساخطين.

 

إنّهم الآن داخل الهيكل ويحيط بهم على الفور جمع أكثر عدداً ممّا كان عليه في الأيّام الماضية.

 

«سلام لكَ يا ربّ! سلام! سلام!» يصيح الإسرائيليّون.

 

«سلاماً يا معلّم!» يقول الوثنيّون لتحيّته.

 

«ليأتِكم السلام والنور» يجيب يسوع بتحيّة وحيدة.

 

«لقد كنّا نخشى أن يكونوا قد أمسكوا بكَ، أو أنّكَ لن تأتي بدافع الاحتراس أو الاشمئزاز. وكنّا سننتشر للبحث عنكَ في كلّ مكان» يقول كُثُر.

 

ليسوع ابتسامة شاحبة ويَسأَل: «إذن ألا تريدون أن تفقدوني؟»

 

«وإذا ما فقدناكَ يا معلّم، فمن سيمنحنا التعاليم والنِّعم الّتي تمنحها لنا؟»

 

«تعاليمي ستبقى فيكم وستفهمونها أكثر بعد حينما أكون قد رحلت… وبغيابي مِن بين البشر لن تتوقّف النِّعم مِن النزول على أولئك الّذين سوف يُصلّون بإيمان.»

 

«آه! يا معلّم! إنّما أتريد حقّاً الرحيل؟ قل أين تذهب ونحن سوف نلحق بكَ. نحن بحاجة ماسّة إليكَ!»

 

«المعلّم يقول ذلك كي يرى إن كنّا نحبّه. إنّما أين تريدون أن يذهب رابّي إسرائيل إن لم يكن في إسرائيل، هنا؟»

 

«الحقّ أقول لكم إنّني معكم لوقت قليل بعد، وأنا ذاهب إلى أولئك الّذين أَرسَلَني الآب إليهم. بعدها سوف تبحثون عنّي ولن تجدوني. وحيث أنا أكون لن تستطيعوا أنتم المجيء. إنّما الآن دعوني أذهب. اليوم لن أتكلّم هنا في الداخل. لديَّ فقراء ينتظرونني في مكان آخر ولا يستطيعون المجيء لأنّهم مرضى جدّاً. بعد الصلاة سأذهب إليهم.» وبمساعدة تلاميذه يشقّ طريقاً له صوب باحة الإسرائيليّين.

 

أولئك الّذين يبقون يتبادلون النّظر فيما بينهم.

 

«إلى أين إذاً سوف يذهب؟»

 

«إلى صديقه لعازر بالتأكيد. إنّه مريض جدّاً»

 

«أنا كنتُ أقول: أين سيذهب، ليس اليوم، إنّما حينما سيتركنا إلى الأبد. ألم تسمعوا أنّه قال بأنّنا لن نستطيع إيجاده؟»

 

«ربّما سيذهب لجمع إسرائيل، مبشّراً المشتّتين منّا بين الأمم. فالشتات يأملون مثلنا بالمسيح.»

 

«أو أنّه سيذهب كي يعلّم الوثنيّين لجذبهم إلى ملكوته»

 

«لا. لن يكون الأمر هكذا. فسوف نستطيع إيجاده دوماً، حتّى لو كان في أسيا البعيدة، أو في وسط أفريقيا، أو في روما، في الغال، في إيبيريا، أو في تراقية، أو لدى السارماتيّين. إن هو قال بأنّنا لن نجده حتّى لو بحثنا عنه، فذلك إشارة إلى أنّه لن يكون في أيّ مِن تلك الأماكن.»

 

«إنّما بالفعل! ما الّذي يعنيه بقوله هذا: "سوف تبحثون عنّي ولن تجدوني، وحيث أنا أكون لن تستطيعوا أنتم المجيء"؟ أنا أكون… ليس: أنا سأكون… أين هو إذن؟ أليس هو ها هنا بيننا؟»

 

«أنا أقول لكَ يا يوضاس! هو يبدو بشراً، لكنّه روح!»

 

«لكن لا! بين التلاميذ هناك أولئك الّذين رأوه وَليداً. لا بل، أكثر مِن ذلك بعد! لقد رأوا أُمّه حبلى به قبل ميلاده ببضع ساعات»

 

«إنّما أيكون إذن ذاك الطفل بحقّ، وقد غدا الآن رجلاً؟ مَن يؤكّد لنا أنّه ليس كائناً آخر؟»

 

«إيه! لا. هو يمكن أن يكون آخر ويمكن للرّعاة أن يخطئوا. إنّما أُمّه! إنّما إخوته! إنّما بلدة بأكملها!»

 

«هل تَعَرَّف الرّعاة إلى الأُمّ؟»

 

«بالتأكيد نعم...»

 

«إذاً… لماذا يقول: "حيث أنا أكون أنتم لن تستطيعوا المجيء"؟ بالنسبة لنا هو المستقبل: لن تستطيعوا. بالنسبة إليه هو الحاضر: أكون. أليس لهذا الإنسان مستقبل إذاً؟»

 

«لا أدري ما أقول لكَ. هو الأمر كذلك.»

 

«أنا أقول لكم: إنّه مجنون.»

 

«أنتَ مَن هو كذلك، أيا جاسوس السنهدرين.»

 

«أنا جاسوس؟ إنّني يهوديّ معجب به. ألم تقولوا بأنّه ذاهب إلى لعازر؟»

 

«لم نقل شيئاً، أيّها الجاسوس العجوز. إنّنا لا نعرف شيئاً. وحتّى لو كنّا نعرف فلن نخبركَ. اذهب وقل لِمَن أرسلوكَ أن يبحثوا عنه بأنفسهم. جاسوس! جاسوس! مأجور!...»

 

الرجل يتنبّه إلى أنّ الأمور تأخذ منحىً سيّئاً وينسلّ بعيداً.

 

«إنّما نحن نبقى هنا! لو خرجنا، لكنّا رأيناه. اركض بذاك الاتّجاه! اركض بهذا الاتّجاه!... قولوا لنا أيّ طريق سلك. قولوا له بألّا يذهب إلى لعازر.»

 

أولئك الّذين لديهم سيقان خفيفة ينطلقون بسرعة… ويعودون… «لم يعد هناك… لقد اختلط بالجمع ولا أحد يُحسِن القول...»

 

الجمع، خائب الأمل، يتفرّق على مهل.

 

لكن يسوع هو أقرب بكثير مما يعتقدون. إذ بخروجه مِن أحد الأبواب، قد دار حول قلعة أنطونيا وخرج مِن المدينة عبر باب الغَنَم، نزولاً إلى وادي قدرون، الّذي يوجد ماء قليل في منتصف مجراه. يسوع يجتازه قافزاً على الحجارة الّتي تبرز مِن الماء، وينطلق إلى جبل الزيتون، الّذي أشجاره كثيفة جدّاً في هذا الموضع، وما تزال مختلطة بالأحراش الّتي تجعل كئيباً، أحسبه جنائزيّاً، هذا الجزء مِن أورشليم، المحشور بين الأسوار الرماديّة للهيكل الّذي يهيمن بكلّ كتلة جَبَله مِن هذا الجانب، وجبل الزيتون مِن الجانب الآخر. وأبعد إلى الجنوب فإنّ الوادي ينفرج ويتّسع، إنّما هنا فهو حقّاً ضيّق، ضربة ظفر مخلب عملاق قد حفرت ثلماً عميقاً بين جبلي موريا والزيتون.

 

يسوع لا يذهب نحو جَثْسَيْماني، إنّما يذهب تماماً باتّجاه معاكس، صوب الشمال، سائراً دوماً على الجبل الّذي يتوسّع بعدها مستحيلاً وادياً برّيّاً، حيث، وبأكثر قُرباً إلى مجموعة تلال واطئة أخرى وهي أيضاً برّيّة وحصويّة، يتدفّق السيل الّذي يشكّل قوساً شمال المدينة. ومحلّ أشجار الزيتون تحلّ هناك شجيرات عقيمة، شائكة، ملتوية، مشعّثة، متداخلة مع أشواك تُلقي مجسّاتها في كلّ اتّجاه. مكان حزين جدّاً، منعزل جدّاً، فيه شيء ما مِن مكان جهنّمي، غامض. بضعة قبور، ولا شيء آخر. ولا حتّى برص. غريبة هي هذه العزلة المتباينة مع ازدحام المدينة، القريبة جدّاً والممتلئة جدّاً بالناس والصخب. هنا، ما عدا قرقرة الماء على الحصى وحفيف الريح وسط الأشجار النابتة بين الحجارة، لا يُسمَع أيّ صوت. إنّه يفتقر حتّى إلى نغمة الطيور البهيجة، الكثيرة جدّاً وسط أشجار زيتون جَثْسَيْماني وجبل الزيتون. بالأحرى إنّ الريح القويّة الّتي تأتي مِن الشمال الشرقيّ، مُثيرة زوابع صغيرة مِن الغبار، تدفع ضوضاء المدينة، والصمت، صمت مكان موت، يسود في الموضع، الباعث على الانقباض، المخيف إلى حدّ ما.

 

«إنّما هل نمضي حقّاً مِن هنا؟» بطرس يَسأَل إسحاق.

 

«نعم. نعم. بالإمكان الذهاب كذلك عبر طريق آخر، بالخروج عبر باب هيرودس، والأفضل عبر باب دمشق. إنّما مِن المستحسن أن تعرفوا الدروب المعروفة أقلّ. لقد جلنا كلّ الأرجاء المحيطة كي نتعرّف إليها ونطلعكم عليها. هكذا يمكنكم الذهاب حيث تريدون، في الجوار، دون عبور الطرق المعتادة»

 

«و… هل يمكن الوثوق بأهل نوبة؟» يَسأَل أيضاً بطرس.

 

«كما بأهل بيتكَ ذاته. إنّ توما، الشتاء الماضي، نيقوديموس على الدوام، الكاهن يوحنّا تلميذه، وآخرين قد جعلوا البلدة الصغيرة مكاناً يخصّه»

 

«وأنتَ فعلتَ أكثر مِن الجميع» يقول بينيامين (الرّاعي).

 

«آه! أنا!! إذن فالجميع قد ساهم، إذا ما كنتُ أنا قد تصرّفتُ. إنّما صَدِّقني يا معلّم، أنّه في كلّ محيط المدينة لديكَ مواضع آمنة...»

 

«كذلك راما...» يقول توما الّذي يحرص على مدينته. «إنّ أبي وصهري قد فكّرا بكَ مع نيقوديموس»

 

«إذاً عِمّاوس كذلك» يقول رجل هو ليس بجديد بالنسبة لي، إنّما لا أستطيع القول على وجه التحديد مَن يكون، وأيضاً لأنّني عرفتُ أكثر مِن عِمّاوس واحدة في اليهودية، مِن دون الحديث عن ذاك الموضع قرب تراقية.

 

«إنّها بعيدة للذهاب والعودة كما أفعل الآن. لكنّني لن أُفوّت الذهاب إلى هناك في بعض الأحيان»

 

«ومنزلي» يقول سليمان.

 

«وهناك أقلّه مرّة واحدة لتحيّة العجوز»

 

«هناك أيضاً بِتّير»

 

«وبيت صور»

 

«لن أذهب إلى بيوت النسوة التلميذات، إنّما عند الضرورة سأستدعيهنّ إليَّ»

 

«أنا لديَّ صديق وفيّ قرب عين روجل. إنّ منزله مفتوح لكَ. وما مِن أحد مِن أولئك الّذين يبغضونكَ، ليفكّر، بأنّكَ قريب منهم جدّاً هكذا» يقول استفانوس.

 

«إنّ بستانيّ الحدائق الـمَلَكيّة يمكن أن يستضيفكَ. إنّه صديق حميم لمَنَاين، الّذي تدبّر له هذا المركز… ومِن ثمّ… أنتَ قد شفيتَه يوماً...»

 

«أنا؟ لا أعرفه...»

 

«كان، في الفصح، مِن بين المساكين الّذين شفيتَهم عند خُوزي. إنّ ضربة منجل ملطّخ بالزبل كانت قد جعلت ساقه تتعفّن، وربّ عمله الأوّل قد طرده بسبب ذلك. وقد كان يتسوّل مِن أجل أولاده. وأنتَ شفيتَه. ثمّ استخدمه مَنَاين في الحدائق، حاصلاً له على ذلك المركز مِن أنتيباس في وقت مناسب. والآن هذا الرجل يفعل كلّ ما يقوله مَنَاين. ولأجلكَ عندئذ…» يقول متّياس (الرّاعي).

 

«لم أرَ أبداً مَنَاين معكم...» يقول يسوع محدّقاً مطوّلاً بمتّياس الّذي يتبدّل لونه ويضطرب. «تعال معي إلى الأمام»

 

التلميذ يتبعه.

 

«تكلّم!»

 

«يا ربّ… مَنَاين أخطأ… ويعاني كثيراً، ومعه تيمون وواحد آخر كذلك. لا يشعرون بسلام لأنّكَ...»

 

«لن يعتقدوا أنّ بي كراهية نحوهم...»

 

«آه! لا! إنّما… يهابون كلامكَ ومُحيّاكَ.»

 

«آه! يا للخطأ! بالضبط لأنّهم خطئوا يجب أن يأتوا للعلاج. أتعلم أين هم؟»

 

«نعم يا معلّم»

 

«إذن اذهب إليهم وقل لهم بأنّني أنتظرهم في نوبة.»

 

متّياس يمضي دونما إضاعة للوقت.

 

الدرب على الجبل يعلو بحيث تُرى أورشليم كلّها بالنَّظَر مِن الشمال… يسوع مع أتباعه يدير لها الظّهر، متّجهاً تماماً في الاتّجاه المعاكس للمدينة.