ج7 - ف189
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء السابع / القسم الأول
189- (يسوع، الفرّيسيّون، الزّانية)
20 / 03 / 1944
أرى داخل نطاق الهيكل، أي واحدة مِن الباحات الكثيرة المحاطة بأروقة. وأرى كذلك يسوع، المتدثّر جيّداً بمعطفه الّذي يغطّي ثوبه، وهو ليس أبيضاً وإنّما أحمر داكن. (يبدو أنّه مِن قماش صوفيّ ثقيل)، إنّه يتحدّث إلى الجمع الّذي يحيط به.
يبدو أنّه يوم شتويّ، لأنّ الجميع متدثّرون جيّداً، فالطقس بالأحرى بارد، لأنّه وبدلاً مِن البقاء ساكنين، فإنّ الجميع يسيرون بسرعة كما كي يتدفّأوا. هناك ريح تحرّك المعاطف وتثير غبار الباحات.
إنّ المجموعة الّتي تحتشد حول يسوع، التي هي الوحيدة الواقفة بثبات، فيما الآخرون، الّذين هم حول هذا المعلّم أو ذاك يروحون ويجيئون، تنفتح لتسمح بمرور رَهْط كَتَبَة وفرّيسيّين يشوّرون وينفثون سمّاً أكثر مِن أيّ وقت. ينضحون سمّاً مِن نظراتهم، مِن وجوههم المحمرّة، مِن أفواههم، يا لهم مِن أفاعٍ! وهم يقتادون، بالأحرى يجرّون امرأة في حوالي الثلاثين مِن العمر، شعثاء، غير مرتّبة في هندامها كما لو قد أسيئت معاملتها، وباكية. يُلقون بها عند قدميّ يسوع كأنّها كومة مِن الخِرَق أو جثّة هامدة. وهي تلبث هناك، متكوّرة على نفسها، وجهها مستند إلى ذراعيها، اللتين تخفيانه وتشكّلان وسادة بين وجهها والأرض.
«يا معلّم، هذه قد تمّ القبض عليها بالزنا المشهود. زوجها كان يحبّها، لم يكن يُنقِص عليها شيئاً. قد كانت مَلِكَة في بيتها. وهي خانته لأنّها خاطئة، فاسقة، جاحدة، مدنِّسة. زانية هي، وبالتالي يجب رجمها. موسى قال ذلك. في شريعته، هو يأمر بأنّ اللواتي كهذه يجب أن يُرجَمن مثل حيوانات نجسة. نجسات هنّ. لأنّهنّ يخنّ الوفاء الزوجيّ والرجل الّذي يحبّهنّ ويرعاهنّ، لأنّهنّ مثل أرض لا تشبع أبداً، هنّ جائعات دوماً للشهوة. أسوأ مِن البغايا هنّ، لأنّهنّ مِن دون عضّة الحاجة يقدّمن أنفسهنّ كي يغذّين فجورهنّ. فاسدات هنّ. مُعدِيات هنّ. يجب أن يُحكَم عليهنّ بالموت. موسى قد قال ذلك. وأنتَ، يا معلّم، ماذا تقول بهذا الخصوص؟»
يسوع، الذي كان قد توقّف عن الكلام عند الوصول الصاخب للفرّيسيّين، والّذي كان قد نظر إلى الرّهْط الحاقد نظرة مخترِقة، والّذي مِن ثمّ أَخفَضَ نظره إلى المرأة الذليلة، المرميّة عند قدميه، يصمت. لقد انحنى، مع بقائه جالساً، ويكتب بإصبع على حجارة الرواق، الّتي غطّاها الغبار الّذي أثارته الريح بطبقة تراب. أولئك يتكلّمون، وهو يكتب.
«يا معلّم؟ إنّنا نكلّمكَ. أَنصِت إلينا. أَجِبنا. ألم تفهم؟ هذه المرأة قد أُمسِكت بزنا مشهود. في بيتها. في سرير زوجها. هي قد لطّخته بشهوتها»
يسوع يكتب.
«إنّما هذا الرجل أبله! ألا تَرَون أنّه لا يفهم شيئاً، ويخطّ رموزاً على الغبار مثل مجنون بائس؟»
«يا معلّم، لأجل سمعتكَ الطيّبة، تكلّم. لتجب حكمتكَ على استفساراتنا. نكرّر لكَ: هذه المرأة لم يكن ينقصها شيء. كانت تملك الملابس، الطعام، المحبّة. وخانت»
يسوع يكتب.
«لقد كذبت على الرجل الّذي وثق بها. بفمها الكَذوب قامت بتحيّته، وبابتسامة رافَقَته إلى الباب، ومِن ثمّ فتحت الباب السرّيّ وأدخلت عشيقها. وبينما كان رجلها غائباً ويعمل مِن أجلها، فهي، كما بهيمة نَجِسة، قد تمرّغت في شبقها»
«يا معلّم، إنّها مدنِّسة للشريعة بالإضافة إلى الفراش الزوجيّ. متمرّدة، مدنِّسة، مجدّفة.»
يسوع يكتب. يكتب ويمحو الكتابة بقدمه المحتذية نعله ويكتب أبعد، دائراً على مهل حول نفسه لإيجاد مكان. يبدو كطفل يلعب. لكنّ ما يكتبه ليس كلام لهو. لقد كَتَبَ تباعاً: "مرابٍ"، "مخادع"، "ابن عديم الاحترام"، "فاسق"، "قاتل"، "مدنّس للشريعة"، "سارق"، "شَبِق"، "مغتصِب"، "زوج وأب غير جدير"، "مجدِّف"، "متمرّد على الله"، "زانٍ". يكتب ويكتب فيما مُتَّهِمون جدد يتكلّمون.
«إنّما، الخلاصة، يا معلّم! حكمكَ. المرأة يجب أن تحاكم. لا يمكن بثقلها أن تلوّث الأرض. إنّ نَفَسَها هو سمّ يعكّر صفو القلوب»
يسوع ينهض. يا للرحمة! يا له مِن وجه! ومضات بروق تنقضّ على الـمُتَّهِمين. يبدو أطول قامة طالما جَعَلَ رأسه منتصباً. يبدو مَلِكاً على عرشه لشدّة ما هو صارم ومهيب. لقد سقط معطفه عن أحد كتفيه مشكّلاً حاشية خفيفة وراءه. لكنّه لا يكترث به.
وبوجه منقبض ودونما أيّ أثر لابتسامة على الفم أو في العينين، يغرز تينك العينين في وجوه الجمع، الذي يتراجع كما أمام نصلين مشحوذين جيّداً. يحدّق فيها الواحد تلو الآخر. بتفحّص مُركّز يبعث على الخوف. مَن يحدّق فيهم يسعون إلى التراجع والاختفاء وسط الجمع. وهكذا تتسع الدائرة وتتفتّت كأنّما قوة غامضة قد قوّضتها.
أخيراً يتكلّم. «مَن منكم بلا خطيئة لِيَرمِ المرأة بأوّل حجر». والصوت هو رعد تصحبه نظرات تقدح شرراً. يسوع، مصالباً ذراعيه على صدره، يلبث هكذا، منتصباً مثل قاضٍ، ينتظر. نظرته لا تمنح سلاماً. تفتّش، تخترق، تتّهم.
بدايةً واحد، ثمّ اثنان، ثمّ خمسة، ثمّ بمجموعات، يبتعد الحاضرون مطأطئي الرأس. ليس فقط الكَتَبَة والفرّيسيّون، بل كذلك أولئك الّذين كانوا قبلاً حول يسوع وآخرون كانوا قد اقتربوا ليسمعوا المحاكمة والإدانة، والّذين، هؤلاء أو أولئك، كانوا قد اتّحدوا معاً لإهانة المذنبة وليطلبوا الرجم.
يسوع يبقى وحيداً مع بطرس ويوحنّا. لا أرى الرُّسُل الآخرين.
يسوع يستأنف الكتابة، فيما يتمّ هروب المتَّهِمين، والآن يكتب: "فرّيسيّون"، "أفاعٍ"، "قبور نتانة"، "كَذَبَة"، "خَوَنَة"، "أعداء الله"، "شاتمو كلمته"...
حينما تفرغ الساحة كلّياً ويحلّ صمت مطبق، ولا يعود يبقى سوى صوت هفيف الريح وصوت نافورة عند زاوية، يسوع يرفع رأسه وينظر. وجهه قد هدأ الآن. إنّه حزين، إنّما لم يعد غاضباً. يلقي نظرة على بطرس، الّذي ابتعد بعض الشيء ليستند إلى عمود، ونظرة على يوحنّا، الّذي هو تقريباً خلف يسوع، ينظر إليه بنظرته الـمُحِبّة. ليسوع ظلّ ابتسامة فيما ينظر إلى بطرس وابتسامة أكثر حيويّة وهو ينظر إلى يوحنّا. ابتسامتان مختلفتان.
ثمّ ينظر إلى المرأة، الّتي لا تزال ساجدة وباكية عند قدميه. يراقبها. ينهض، يعيد تسوية المعطف كما لو كان على وشك الانطلاق. يشير إلى الرّسولين بأن يتوجّها نحو المخرج.
حينما يصبح وحيداً، ينادي المرأة. «يا امرأة، أنصتي إليَّ، أنظري إليَّ». يكرّر أمره، لأنّها لا تجرؤ على رفع وجهها. «يا امرأة، نحن وحدنا. أنظري إليَّ»
البائسة ترفع وجهاً يشكّل عليه البكاء والغبار قناع مَذَلّة.
«أين هم، يا امرأة، مَن كانوا يتّهمونكِ؟» يسوع يتكلّم على مهل، بجدّية مفعمة شفقة. إنّه يُبقي وجهه وجسمه مائلين قليلاً نحو الأرض، نحو ذلك البؤس، وعيناه مفعمتان تعبيراً متسامحاً ومُصلِحاً. «ألم يدنكِ أحد؟»
المرأة، بين تنهيدة وأخرى، تجيب: «لا أحد، يا معلّم»
«وكذلك أنا لا أدينكِ. امضي. ولا تخطئي بعد. اذهبي إلى بيتكِ. وأَحسِني أن يُغفَر لكِ، من قِبَل الله ومن قِبَل الـمُساء إليه. لا تستغلّي رأفة الربّ. امضي.»
ويساعدها على النهوض ممسكاً بيدها، لكنّه لا يباركها ولا يعطيها السلام. ينظر إليها وهي تمضي، رأسها منحنٍ ومترنّحة تحت وطأة خجلها، ومِن ثمّ، عندما اختفت، ينطلق بدوره مع التلميذين.