ج2 - ف104

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الثاني / القسم الثاني

 

104- (العودة إلى منطقة المياه الحلوة)

 

15 / 04 / 1945

 

يَجتاز يسوع مع تلاميذه حقول منطقة المياه الحلوة الـمُنبَسِطة. اليوم مُمطِر والمكان مُقفِر. الوقت هو الظَّهيرة، ذلك أن طَيف الشمس الذي يَظهَر، بين الفِينة والفِينة، مِن وراء سِتار الغيوم الرماديّة، يَهبط عموديّاً. يسوع يتحدّث إلى الاسخريوطيّ، ويُكَلِّفه بالذهاب إلى البلدة لشراء ما لا بدّ منه. وعندما يبقى وحيداً يَلحَق به أندراوس، وبِخَجَله الـمَعهود، يقول بِتُؤدة: «هل تَسمَعني يا معلّم؟»

 

«نعم، تعال معي، ولنَسِر.» ويُطيل مَدى خطواته يتبعه الرَّسول، تفصلهما عن الآخرين بضعة أمتار.

 

«لم تَعُد المرأة هنا يا معلّم!» يقول أندراوس بحزن. ويَشرَح «لقد لاحَقوها فَهَرَبَت. وهي مجروحة وتنزف. وقد رآها الوكيل. لقد استَبَقتُ الأمور بقولي إنّني ذاهب لرؤية ما إذا كان هناك فخّ. ذلك أنّني كنتُ أريد الذهاب مباشرة للبحث عنها. كنتُ آمُل جَلبَها إلى النور! لقد صَلَّيتُ كثيراً، خلال الأيّام الـمُنصَرِمة، مِن أجل هذه النيّة!... الآن هي هارِبة! وسوف تَضيع. لو كنتُ أَعلَم أين هي، لكنتُ لَحِقتُ بها... ولا أقول ذلك للآخرين، ولكنّني أقوله لكَ أنتَ لأنّكَ تفهمني، وتَعلَم أنّ بحثي عنها خالٍ مِن المؤثِّرات الحسّيّة، إنّما هو فقط رغبة عارِمة للغاية، إلى درجة القَلَق، لجلب أخت لي إلى الخلاص...»

 

«أعرف ذلك يا أندراوس، وأقول لكَ: رغم كلّ الذي حَدَثَ سوف تتحقّق رغبتكَ. فأبداً لا تَضيع صلاة مِن أجل نِيّة كهذه. فالله يتقبّلها، وسوف تَخلص.»

 

«أنتَ تقول ذلك؟ آه! إنّ ألمي يخفّ!»

 

«ألا تريد أن تعرف ما الذي ستكونه؟ ألا تهتمّ حتّى لكونكَ لستَ أنتَ مَن سيجلبها إليَّ؟ ألا تتساءل كيف ستتصرّف؟» ويبتسم يسوع بِلُطف مع إشراق نور في عينيه الزرقاوين؛ إنّه ينحني صوب التلميذ الذي يسير إلى جانبه، وتُشرِق عليه ابتسامة ونَظرة، هي إحدى أسرار يسوع في غزو القلوب.

 

يَنظُر إليه أندراوس بعينيه الكستناويّتين ويقول: «يكفيني أن أَعلَم أنّها أتت إليكَ. ثمّ، إن كنتُ أنا أو أيٌّ آخر فماذا يُضير؟ أمّا كيف ستتصرّف؟ فهذا تعرفه أنتَ، وليس مِن الضروريّ أن أعرفه أنا. إنّني أكتفي بما تؤكِّده لي، وأنا سعيد به.»

 

يُمرّر يسوع يده خلف كَتِفيه، ويَسحَبه إليه في عِناق ودّي يَجعَل أندراوس يَنتَشي. ويتكلّم وهو ممسك به بهذا الشكل: «تلك هي مزيّة الرَّسول الحقيقيّ. فأنتَ ترى، يا صديقي، أنّ حياتكَ وحياة الرُّسُل المستقبليّين ستكون هكذا على الدوام. سَتَعرفون أحياناً أنّكم ”مُـخَلِّصون“. ولكن، في أغلب الأحيان، ستُخَلِّصون، دون عِلم منكم، الأشخاص الذين كنتم تتمنّون خلاصهم بالأكثر. وفي السماء فقط سترونهم آتين لملاقاتكم أو الصعود إلى الملكوت الأزليّ، أولئك الذين كنتم ستُخَلِّصونهم. وفرحكم كطوباويّين يزداد مع كلّ شخص مُخَلَّص. وأحياناً تعرفون ذلك على الأرض. وتلك هي الـمَسَرّات التي أمنحكم إيّاها لأبثّ فيكم نشاطاً وحيويّة أعظم لغزوات أخرى. ولكن طوبى للكاهِن الذي لن يحتاج إلى مُحَرِّض كهذا لكي يقوم بأداء واجبه! طوبى لِمَن لا يغتمّ لعدم رؤيته الانتصارات، ولا يقول: "لن أفعل شيئاً بعد الآن، لأنّني لا أنال الرضى". إن إشباع رغبة الرَّسول التي تُعتَبَر التشجيع الوحيد في العمل، ينمّ عن غياب التأهيل الرَّسوليّ، ويُدنّي مستوى الرسالة التي هي أمر روحانيّ إلى مستوى بشري اعتياديّ. ويجب عدم الوقوع مُطلَقاً في وَثنيّة الكهنوت. فليس لكم أن تُعبَدوا أنتم، بل العبادة للربّ إلهكم هي. له وحده مجد الذين قد خُلِّصوا. وعليكم أنتم العمل مِن أجل الخلاص، في انتظار مجد كونكم "مُخَلِّصين"، في زمن السماء. ولكنّكَ كنتَ تقول لي إنّ الوكيل رآها. اروِ لي.»

 

«في اليوم الثالث، بعد مغادرتنا، أتى الفرّيسيّون يبحثون عنكَ. وطبيعيّ أنّهم لم يَجِدونا. داروا البلدة وبيوت القرية متظاهِرين أنّهم متلهِّفون لرؤيتكَ. ولكنّ أحداً لم يصدّق ذلك. فنـزلوا في الفندق، بعدما أخلوه مِن جميع نزلائه، بحجّة أنّهم لم يكونوا يريدون احتكاكاً بغرباء مجهولين قد يُدنِّسونهم. وكانوا في كلّ يوم يذهبون إلى البيت. وبعد بضعة أيام، وَجَدوا المسكينة التي كانت تأتي يوميّاً إلى هناك، أملاً بإيجادكَ والحصول على السلام. فَطَارَدوها حتّى ملجئها في إسطبل الوكيل. ولكنّهم لم يُهاجِموها مباشرة، لأنّه خَرَجَ إليهم مع أبنائه مُتَسَلِّحين بالهراوات. إنّما فيما بعد، عند المساء، حينما خَرَجَت، عادوا ومعهم آخرون، وتَبِعوها حتّى النبع، حيث رَجَموها بالحجارة مُطلِقِين عليها تسمية "عاهِرة"، مُشيرين إليها بالبَنان ليحتَقِرها أهل البلدة. وظَلَّت تهرب منهم حتّى أَدرَكوها وأساؤوا مُعامَلَتَها، فنـزعوا عنها الوِشاح والمعطف ليراها الجميع، وضَرَبوها فارِضين سلطتهم على رئيس المَجْمع ليَلعَنها ويَرجُمها، ويَلعنكَ أنتَ أيضاً، لأنّكَ السبب في مجيئها إلى البلدة. إلّا أنّه أبى فِعل ذلك، وها هو الآن ينتَظِر الحرم مِن السنهدرين. ولقد انتَزَعَها الوكيل مِن أيدي أولئك الأوغاد وأَسعَفَها. إلّا أنّها رَحَلَت ليلاً تاركة سِواراً وقُصاصة مِن رِقّ كَتَبَت عليها: "شكراً لكَ. صَلِّ مِن أجلي". ويقول الوكيل إنّها شابّة ورائعة الجمال، بالرغم مِن شُحوبها ونُحولها. ولقد بَحَثَ عنها في القرية كلّها لأنّ جراحها كانت بَليغة، ولكنّه لم يُعثَر لها على أثر. وهو لا يَعلَم كيف تَمَكَّنَت مِن الذهاب بعيداً. وقد تكون ماتت في مكان ما... دون التمكّن مِن النّجاة بنفسها...»

 

«لا.»

 

«لا؟ لَم تَمُت؟ لم تَضلّ؟»

 

«رغبتها في الفداء أَضحَت مَغفِرة لخطاياها. وإذا ماتت فستكون قد غُفِر لها، لأنّها بَحَثَت عن الحقّ، ساحِقة الخطيئة بقدميها. ولكنّها لم تَـمُت. إنّها تتسلّق الـمَرَاقي الأولى لجبل الفِداء. أراها... منحنية تحت دموع النَّدامة، ولكنّ محنتها تزيدها قوّة باطّراد، بينما حِملها يخفّ. أراها. إنّها في طريقها للقاء الشمس. وعندما تَصعَد الـمُرتَقى كلّه، ستصبح في مجد الله - الشمس. إنّها ترتقي... فساعدها بصلاتكَ.»

 

«آه! ربي!» يكاد يكون أندراوس مذهولاً لإمكانيّة مساعدته نَفْساً على الخلاص.

 

يبتسم يسوع بلطف رائع للغاية: «ينبغي لنا فتح ذراعينا وقلبنا لرئيس المَجْمع الـمُضطَهَد، والمضيّ إلى الوكيل الصالح لمباركته. هيّا بنا الآن إلى الرفاق لنحدّثهم عن ذلك.»

 

ويَعودان أدراجهما ليَلحَقا بالعشرة الذين توقفوا جانباً، مُدرِكين أنّ حِوار أندراوس مع المعلّم سرّيّ. وفي تلك الأثناء، يَصِل الاسخريوطيّ وهو يجري، وكأنّه فراشة عملاقة تجري في الحقل، لسرعته في الجري، ومعطفه يطير خلفه، بينما هو مستسلم لحركات وإشارات مُتلاحِقة.

 

«ولكن ما به؟» يَسأَل بطرس. «هل أصابه مَسّ؟»

 

قبل أن يتمكّن أحد مِن الردّ، يَصِل الاسخريوطيّ إلى مسافة قريبة منهم، ويهتف وهو يَلهَث: «توقّف يا معلّم. اسمعني قبل ذهابكَ إلى البيت... هناك فخّ... آه! يا لهم مِن جُبَناء!...» ويركض. يلحق بالمجموعة: «يا معلّم، لم يعد بإمكاننا الذهاب إلى هناك! فالفرّيسيّون في البلدة، ويأتون إلى البيت كلّ يوم. إنّهم ينتظرونكَ ليُسيئوا إليكَ. هُم يَطردون الذين يأتون للبحث عنكَ. يُخيفونهم بحِرمانات فظيعة. ماذا تريد أن تفعل؟ فهنا أنتَ مُضطَهَد، وعَمَلكَ دون جدوى... فلقد رآني أحدهم وهاجَمَني، إنّه عجوز ذَميم، ذو أنف ضخم، وهو يعرفني لأنّه أحد الكَتَبَة في الهيكل. فهناك كَتَبَة كذلك. لقد هاجَمَني، وهو يَخمشني ويشتمني بصوته الذي يشبه صوت الصقر. لقد شَتَمَني وخَمَشَني كثيراً، انظر... (ويُشير إلى زِند وخدّ تَظهَر عليهما بوضوح آثار الأظافر) وقد تَرَكتُه يفعل. ولكن حينما اغتابَكَ أَمسَكتُ بِخِناقه...»

 

«ولكن يا يهوذا!» يَصرُخ يسوع.

 

«لا يا معلّم، لم أخنقه. لقد مَنَعتُه فقط مِن التجديف على اسمكَ، ثمّ تَرَكتُه يمضي. والآن هو هناك يموت مِن الخوف بسبب الخطر الذي تَعَرَّضَ له... إنّما نحن، فلنبتعد، أرجوكَ. مِن جهة أخرى، لم يعد أحد يجرؤ على المجيء إليكَ...»

 

«يا معلّم!»

 

«ولكن يا للهول!»

 

«يهوذا على حقّ.»

 

«إنّهم كالضِّباع، يَقِفون بالمرصاد!»

 

«يا نار السماء التي هَبَطَت على سادوم، لماذا لا تعودين؟»

 

«إنّما هل تَعلَم أنكَ كنتَ وَلَداً شجاعاً؟ ومِن المؤسف أنّني لم أكن هناك. كنتُ ساعدتُكَ.»

 

«آه! يا بطرس! لو إنّكَ كنتَ هناك لكان ذاك الصَّقر الصغير فَقَد ريشه وصوته للأبد.»

 

«ولكن ما الذي جرى معكَ... لكي لا تُكمِل فِعلتكَ للآخِر؟»

 

«لكن... كأنّه البرق في روحي. راوَدَتني فِكرة، لستُ أدري مِن أيّة أعماق مِن القلب: "المعلّم يدين العنف"، وتوقّفتُ. وهذا ما وَجَّهَ إليَّ ضربة أكثر عُنفاً مِن الصدمة التي تلقَّيتُها مِن الجدار الذي صَدَمَني به الكاتب عندما هاجَمَني. وأَصبَحَت أعصابي شِبه محطّمة... لدرجة أن لم تعد لي القوّة للضرب. ما أقسى السيطرة على الذات!...»

 

«بالحقيقة، كنتَ شجاعاً! أليس كذلك يا معلّم؟ أفلا تُعبِّر عن رأيكَ؟» بطرس سعيد للغاية مِن تصرّف يهوذا، لدرجة أنّه لم يَلحَظ تبدّل وجه يسوع الذي، بعد أن كان مُشرِقاً، أصبَحَ عابساً، ونظرته مظلمة، وقد زَمَّ شفتيه حتّى بدا فمه أكثر نعومة.

 

ثمّ فَتَحَ فاه ليقول: «أقول إنّني أتقزّز مِن طريقة تفكيركم، أكثر مِن تصرّفات اليهود. فهُم فَاقِدو الحظوة، يَمكثون في الظلمات. أمّا أنتم الذين مع النور، فإنكم قُساة مُحِبّون للانتقام، مُهَمهِمون وعنيفون، وتؤيّدون الشراسة مثلهم. أقول لكم إنّكم تُثبِتون لي على الدوام أنّكم ما زلتم كما كنتم عندما التقيتُكُم للمرّة الأولى. وهذا ما يؤلمني. أمّا بخصوص الفرّيسيّين فإنّكم تَعلَمون أنّ يسوع المسيح لا يَهرُب. وأمّا أنتم فانسَحِبوا، وسوف أواجههم أنا. فأنا لستُ جباناً. وعندما أتحدّث إليهم ولا أَتَوَصّل إلى إقناعهم، حينئذ سأنسَحِب. فلا ينبغي أن يُقال إنّني لم أحاول، بشتّى الطرق، أن أجذبهم إليَّ. فهم أيضاً أبناء إبراهيم. سأقوم بواجبي حتّى النهاية. فإنّ إدانتهم يجب أن تكون فقط مِن جرّاء سوء إرادتهم، وليس مِن جرّاء إهمالي حيالهم.» ويتوجه يسوع إلى البيت الذي يُرى سطحه خلف رتل مِن الأشجار العارية.

 

يَلحَق به الرُّسُل، مطأطئي الرأس، وهم يتحادثون فيما بينهم بهدوء.

 

ها هُم في البيت. يَدخُلون إلى المطبخ بصمت، ويَنهَمِكون حول الـمَوقِد. بينما يسوع يستغرق في أفكاره.

 

إنّهم على وشك تناول الطعام عندما حَضَرَ إلى الباب مجموعة أشخاص. «ها همُ» يُتمتِم الاسخريوطيّ.

 

يَنهَض يسوع على الفور ويذهب إليهم. إنّه مَهيب لدرجة أنّ المجموعة يتراجَعون للحظة. ولكنّ تحيّة يسوع تُطَمئِنهم: «السلام معكم، ماذا تريدون؟»

 

حينئذ اعتَقَدَ الجبناء أنّهم يَجرُؤون على كلّ شيء، ويُبلِّغونه باستعلاء: «باسم الشريعة المقدَّسة، نأمركَ بمغادرة المكان. أنتَ يا مَن يُبلبِل الضمائر ويَنقُض الشريعة، يا مَن تُفسِد مدن اليهوديّة الساكِنة. ألا تخاف مِن عقاب السماء، أنتَ يا مَن تُقلِّد البارّ وتُعمِّد في الأردن وتحمي العاهِرات؟ اخرج مِن أرض اليهوديّة المقدّسة‍! فلا يَدنوَنّ نَفَسُكَ مِن سور المدينة المقدّسة بعد.»

 

«أنا لا أقوم بأيّ عمل شرّير. بل إنّني أُعلِّم كما رابّي، وأَشفي كما مجترح للمعجزات، وأَطرد الشياطين كما طارد للأرواح الشرّيرة. وكلّ هذه الفئات موجودة أيضاً في اليهوديّة. والله الذي يريدهم يجعلكم تحترمونهم وتجلّونهم. وأنا لا أَطلُب الإجلال. بل أطلب منكم فقط أن تتركوني أفعل الخير لأولئك الذين لديهم عاهة في جسدهم أو في رأسهم أو في روحهم. فلماذا تمنعونني مِن ذلك؟»

 

«إنّ بِكَ مَسّاً مِن الشيطان، فانصَرِف.»

 

«الشتيمة ليست إجابة. سألتُكم لماذا تَسمَحون بذلك للآخرين؟»

 

«لأنّ بِكَ مَسّاً مِن الشيطان، فتَطرُد الشياطين وتجتَرِح المعجزات بمؤازرة الشياطين.»

 

«وطَارِدو الأرواح الشريرة الذين لديكم، بمؤازرة مَن إذن يفعلون ذلك؟»

 

«بواسطة حياتهم المقدّسة. أمّا أنتَ فخاطئ، ولكي تُعظِّم سلطتكَ تَستَخدِم العاهِرات، فالارتباط بهنّ يُنمِي مقدار القوّة الشيطانيّة. قداستنا طَهَّرَت منطقة تواطئُكَ، ولكنّنا لا نسمح بأن تبقى هنا وتجلب نساء أُخريات.»

 

«ولكن هل هذا البيت لكم؟» يَسأَل بطرس الذي جاء إلى جانب معلّمه وقد بدا مُثيراً للقلق.

 

«هو ليس بيتنا. ولكنّ اليهوديّة كلّها، وكلّ إسرائيل هي بين أيدي أطهار إسرائيل المقدَّسة.»

 

«يا لكم مِن كائنات، أنتم!» يقول الاسخريوطيّ وقد جاء إلى العَتَبَة، ثمّ أَتبَعَها بضحكة ساخِرة. ثمّ يَسأَل: «والآخَر، صديقكم، أين هو؟ هل ما زال يَرتَجِف؟ أيّها الخَسيسون، هيّا انصرفوا! وحالاً. وإلّا فسوف أجعلكم تندمون على...»

 

«اصمت يا يهوذا. وأنتَ يا بطرس، عُد إلى مكانكَ. واسمَعوا أنتم أيّها الكَتَبَة والفرّيسيّون. فلمصلحتكم ورحمة بنفسكم، أرجوكم ألّا تُحارِبوا كلمة الله. تعالوا إليَّ، فأنا لا أكرهكم. أُدرِك منطقكم وأرثي له. ولكنّني أودُّ لو أنقلكم إلى منطق جديد، مقدَّس، قادر على تقديسكم وإيصالكم إلى السماء. إنّما هل تعتقدون أنّني أتيتُ لمحاربتكم؟ آه! لا! لقد أتيتُ لأُخلِّصكم. لأجل هذا أتيتُ. إنّني أحملكم في قلبي. وأَطلُب منكم الحبّ والتفهُّم، بالضبط لأنّكم الأكثر حِكمة في إسرائيل، ينبغي لكم إدراك الحقيقة أكثر مِن الجميع. كونوا روحاً وليس جسداً. هل تريدون أن أرجوكم وأنا أجثو على ركبتيّ؟ الرّهان هو نفسكم، وهي هامّة لدرجة أنّني أضع ذاتي تحت أقدامكم لأَربَحها للسماء، وأنا متأكّد أنّ الآب لن يَنظُر إلى تَواضُعي هذا على أنّه خطأ. تكلّموا! قولوا لي كلمة أنا أنتظرها!»

 

«اللعنة! هذا ما نقوله.»

 

«حسناً، مفهوم. اذهبوا أنتم فقط وأنا كذلك سأذهب.» يَدور يسوع ويعود إلى مكانه، يحني رأسه على الطاولة ويبكي.

 

يُغلِق برتلماوس الباب لكي لا يرى دموعه أحد مِن أولئك المتوحّشين الذين شَتَموه، والذين يمضون وهم يتوعّدون ويُجدّفون على المسيح.

 

صَمت طويل، ثمّ يُلاطِف يعقوب بن حلفى رأس يسوعه قائلاً: «لا تبكِ. فنحن نحبّكَ، حتّى عِوَضاً عنهم.»

 

يَرفَع يسوع وجهه ويقول: «ليس مِن أجلي أبكي، بل مِن أجلهم هُم، الذين يَقتُلون نفوسهم صامّين آذانهم عن كلّ دعوة.»

 

«ماذا سنفعل يا رب؟» يَسأَل يعقوب الآخَر.

 

«سنذهب إلى الجليل. صباح الغد سنرحل.»

 

«أوليس اليوم يا ربّ؟»

 

«لا. ينبغي لي إلقاء التحيّة على الصالحين هنا. وأنتم سوف تأتون معي.»