ج10 - ف38

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء العاشر

 

38- (وداع العمل)

 

28 / 04 / 1948

 

يقول يسوع:

 

«إنّ الأسباب التي دفعتني للقيام بإلقاء الضوء وإملاء أحداث وكلمات تخصّني إلى يوحنّا الصغير [ماريا فالتورتا]، إضافة إلى فرح إكساب هذه النَّفْس-الضحيّة والـمُحِبّة معرفة دقيقة عنّي، هي أسباب عديدة.

 

إنّما الروح المحرّك لها كلّها هو حبّي للكنيسة، سواء الـمُعلِّمة أو تلك الـمُجاهِدة، والرغبة بمساعدة النفوس في ارتقائها نحو الكمال. فمعرفتي تساعد على الارتقاء. وكلمتي حياة هي.

 

أذكر الأسباب الرئيسية منها:

 

أولاً: الأسباب الّتي أمليتُها في 18 / 01 / 1947 الّتي ستضعها يوحنّا الصغير [ماريا فالتورتا] هنا حرفيّاً. هذا هو السبب الأهمّ، لأنّكم تهلكون وأنا أريد تخليصكم.

 

03 / 02 / 1947

 

يقول يسوع:

 

ا‏لسبب الأكثر عمقاً لهبة هذا العمل مِن بين الأسباب الأخرى الكثيرة الّتي تعلمها الناطقة بصوتي [ماريا فالتورتا]، هو أن تحصل الكنيسة، الممثّلة بنائبي، في هذه الأزمنة، حيث العصرنة المدانة مِن نائبي القديس بيوس العاشر1، تفسد لتولّد مذاهب أشد إيذاء على الدوام، على وسائل إضافيّة لمحاربة أولئك الّذين يُنكِرون:

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ثانياً: أن استنهض لدى الكَهَنَة والمؤمنين حبّاً حيويّاً حيال الإنجيل وحيال كلّ ما له علاقة بالمسيح. وقبل كلّ شيء محبّة متجدّدة لأُمّي، في الصلوات الّتي فيها سرّ خلاص العالم. فهي، أُمّي، المنتصرة على التنّين الملعون. أعينوا قدرتها بحبّكم المتجدّد لها وبإيمانكم المتجدّد ومعرفتكم بكلّ ما له صلة بها. هي مريم الّتي أعطت المخلّص للعالم. ومنها أيضاً سيحصل العالم بعد على الخلاص.

 

ثالثاً: منح المعلّمين الروحيّين ومرشدي النفوس العون في خدمتهم، بدراسة عالم الأرواح المختلفة الّتي عاشت حولي والأساليب المختلفة الّتي استخدمتُها لتخليصها.

 

فعبثيّة بالفعل هي إرادة اتّباع أسلوب وحيد مع جميع النفوس. حيث هو مختلف أسلوب جلب بارّ إلى الكمال الّذي يميل إليه تلقائيّاً، عن الّذي يجب اتّباعه مع مؤمن إنّما خاطئ، عن الّذي يجب استخدامه حيال وثنيّ. ولديكم منهم الكثير حتّى فيما بينكم، إذا ما توصّلتم للحكم، كما معلّمكم، بأنّها وثنيّة تلك الكينونات البائسة الّتي استبدلت الله الحقّ بأصنام السُّلطة والقوّة، أو الذهب، أو الشهوة، أو التبجّح بعلومها. ومختلفة هي الطريقة الّتي ينبغي استخدامها لتخليص المهتدين العصريّين، أي أولئك الّذين قَبِلوا الفِكر المسيحيّ ولكن ليس الانتماء إلى الجماعة المسيحيّة، بانتمائهم إلى الكنائس المنفصلة. لا ينبغي أن يُزدرى أحد، وعلى الأخصّ تلك النعاج الضالّة. أحبّوها واعملوا على إعادتها إلى الحظيرة الوحيدة كيما تتحقّق رغبة الراعي يسوع.

 

سيعترض البعض وهم يقرؤون هذا العمل قائلين: "لا يتّضح مِن الإنجيل بأنّ يسوع كان على تواصل مع رومانيّين أو يونانيّين، لذلك فإنّنا نرفض هذه الصفحات." كم مِن أمور لا تظهر في الإنجيل، أو بالكاد تتبدّى مِن وراء ستائر سميكة مِن الصمت، الّتي كان قد أسدَلَها الإنجيليّون، بسبب عقليّتهم العبرانيّة العصيّة على الكسر، على أحداث لم يكونوا قد أيّدوها! أتظنّون بأنّكم تعرفون كلّ ما عملتُه؟

 

الحقّ أقول لكم بأنّه ولا حتّى بعد قراءة هذا الإيضاح لحياتي العامّة وقبوله، سوف تعرفون كلّ شيء عنّي. قد كنتُ لأقتل يوحنّاي الصغير [ماريا فالتورتا]، بإجهاد أن تكون مُؤرِّخة كلّ أيّام رسالتي، وكلّ الأعمال المنجزة في كلّ يوم مِن تلك الأيّام، لو كنتُ قد جعلتُها تعرف كلّ شيء كي تنقله كلّه إليكم! "ومِن ثمّ هناك "أمور أُخَرُى صَنَعَهَا يَسُوعُ، إِنْ كُتِبَتْ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، فَأَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ لن يسع الْكُتُبَ الْمَكْتُوبَةَ." يقول يوحنّا. وبعيداً عن المغالاة، فالحقّ أقول لكم إنّه فيما لو كان ينبغي كتابة كلّ أعمالي المنفردة، كلّ تعاليمي الخاصّة، تكفيراتي وصلواتي لتخليص نَفْس، لكان الأمر يتطلّب قاعات إحدى مكتباتكم، وإحدى أضخمها، لتتّسع للكُتُب الّتي تتكلّم عنّي. والحقّ أقول لكم كذلك إنّه سيكون أكثر إفادةً لكم بكثير إحراق علوم كثيرة عديمة الفائدة، مُغبرّة ومُـسَمِّمة، لإفساح المجال لكُتُبي، عن أن تعرفوا القليل جدّاً عنّي، وتعبدوا هكذا لهذه الدرجة تلك المطبوعات الملوَّثة تقريباً دوماً بالشهوانيّة والهرطقة.

 

رابعاً: إعادة صور ابن الإنسان ومريم إلى حقيقتهما، ابنيّ آدم الحقيقيّين لجهة الجسد والدم، إنّما آدم البريء. ومثلنا، هكذا كان ينبغي أن يكونوا أبناء الإنسان –بمعنى الإنسان، أي المخلوق ذي الطبيعة المزدوجة، الروحيّة، الّتي هي على صورة الله ومثاله، والطبيعة المادّيّة- لو أنّ الأبوان الأوّلان لم يحطّا مِن قدر إنسانيّتهما الكاملة، كما تعلمون أنّهما فَعَلا. حواسّ مثاليّة، أي خاضعة للمنطق رغم رهافتها العظيمة. بقولي الحواسّ أُضَمِّن المعنويّة مع تلك الجسديّة. محبّة تامّة وبالتالي كاملة، للزوج الّذي لا تربطه الشهوانيّة، بل فقط رباط المحبّة الروحيّة، وللابن. المحبوب جدّاً، المحبوب بكلّ كمال امرأةٍ كاملة حيال الابن المولود منها. هكذا كان على حوّاء أن تحبّ: مثل مريم، أي ليس لما هو متعة جسديّة كان الابن، بل لأنّ هذا الابن كان ابناً للخالق، وإتمام الطاعة لأمره بتكثير الجنس البشريّ.

 

والمحبوب بكلّ اتّقاد مؤمنة كاملة، الّتي تَعلَم بأنّ ابنها هذا، لا مجازياً، بل حقيقةً، هو ابن لله. ولأولئك الّذين يعتبرون أنّ محبّة مريم ليسوع هي محبّة عاطفيّة جدّاً، أقول بأن يضعوا باعتبارهم مَن كانت مريم: المرأة الّتي بلا خطيئة وبالتالي بلا عيب في محبّتها حيال الله، حيال الوالدين، حيال الزوج، حيال الابن، حيال القريب، وأن يأخذوا بعين الاعتبار ما كانت تراه تلك الأُمّ فيَّ، إلى جانب رؤيتها لابن أحشائها، وأخيراً أن يأخذوا بعين الاعتبار خلفيّة مريم. أصل عبريّ، أصل شرقيّ، وزمان بعيد جدّاً عن الأزمنة الحاضرة. لذلك، فمن هذه العناصر يتأتّى تفسير بعض التضخيمات اللفظيّة للحبّ الّتي يمكن أن تبدو بالنسبة لكم مبالغاً فيها. فالأسلوب الشرقيّ والعبرانيّ، هو أسلوب مُنَمَّق ومُفَخَّم، حتّى في اللغة الـمَحكيّة. وكلّ كتابات ذلك الزمن وذلك الأصل تبرهن على ذلك، وتوالي العصور لم يغيّر مِن الأسلوب الشرقيّ كثيراً.

 

وأنتم، بعد مضيّ عشرين قرناً، عندما قتل فساد الحياة حبّاً عظيماً كهذا، أكنتم تتوقّعون أنّ عليكم أن تجدوا في هذه الصفحات مريم الناصريّة كأنّها امرأة لامبالية وسطحيّة مِن زمانكم؟ مريم هي مريم، وابنة إسرائيل اللطيفة، الطاهرة، الـمُحِبّة، عروس الله، وأُمّ الله البتول، لا يمكن تغييرها إلى امرأة متعالية بإفراط وبشكل مَرَضيّ، أو إلى امرأة أنانيّة جليديّة مِن عصركم.

 

وأقول لأولئك الّذين يعتبرون حبّ يسوع لمريم عاطفيّاً جدّاً، أن يضعوا في اعتبارهم أنّ الله كان في يسوع، وأن الله الواحد والثالوثيّ كان ينال تعزيته بحبّه مريم، الّتي كانت تعوّضه عن ألم الجنس البشريّ كلّه، والّتي كانت الوسيلة الّتي مكّنت الله مِن أن يتمجّد مجدّداً بخليقته الّتي تمدّ سماواته بساكنين لها. وأخيراً، ليضعوا في اعتبارهم أنّ كلّ حبّ سوف يصبح آثماً حين، وفقط، حينما يخالف النظام، أي حين يجري عكس مشيئة الله والواجب الّذي ينبغي إتمامه.

 

والآن تأمّلوا: هل فَعَلَ حبّ مريم ذلك؟ هل فَعَلَ حبّي ذلك؟ أهي أعاقتني، بحبّ أنانيّ، مِن إتمام كامل مشيئة الله؟ هل مِن خلال محبّة فوضويّة لأُمّي، تنكّرت ربّما لرسالتي؟ لا. فمحبّتي ومحبّتها لم يكن لهما سوى رغبة واحدة: أن تتمّ مشيئة الله مِن أجل خلاص العالم. فالأُمّ قامت بكلّ وداع لابنها، والابن قام بكلّ وداع لأُمّه، مُسَلِّمةً الابن لصليب التعليم العامّ ولصليب الجلجلة، والابن سَلَّم الأُمّ للعزلة والمعاناة، كي تكون شريكة في الفداء، دونما أيّ اعتبار لإنسانيّتنا الّتي كانت تتمزّق، وقلبانا اللذان كانا يتحطّمان مِن الألم. هل ذلك ضعف؟ هل هي نزعة عاطفيّة؟ إنّه الحبّ الكامل، أيا أيّها البشر الّذين لا تعرفون كيف تحبّون، ولم تعودوا تدركون الحبّ وصوته!

 

وهذا العمل يهدف أيضاً لإنارة نقاط كان اجتماع ظروف معقّد قد غطّاها بالظلام، وبالتالي شَكَّل مناطق عاتمة في سطوع اللوحة الإنجيليّة، ونقاط تبدو كأنّها شروخ، وما هي إلّا نقاط أضحت عاتمة، بين فصل وآخر، نقاط مِن الصعب فكّ رموزها، وحيث في إجلائها يكمن المفتاح للفهم التامّ لمواقف محدّدة كانت قد نشأت، وبعض أساليب قويّة كان عليّ اتّخاذها، والمتعارضة مع تحريضاتي المستمرَّة على المغفرة، الوداعة والتواضع، وأيضاً حالات حزم حيال خصوم متعنّتين لا شيء كان يمكنه هدايتهم. تذكّروا جميعاً، أنّ الله، وبعد أن يكون قد استخدم كلّ رحمته، صوناً لمقامه، فهو يُحسِن أيضاً أن يقول: "كفى" لأولئك الّذين، بسبب صلاحه، يعتقدون بأنّه يُسمح لهم استغلال طول أناته واختباره. الله لا يُستَهزأ به. إنّه كلام قديم وحكيم.

 

خامساً: معرفة تعقيد آلامي ومدّتها الطويلة بدقّة، الّتي بلغت ذروتها في الآلام الدمويّة الّتي تمّت خلال بضع ساعات، والّتي استنفذتني بعذاب يوميّ امتدّ لأعوام وأعوام، والّتي كانت تتعاظم باطّراد، مضافاً إليها آلام أُمّي، الّتي ظلّ سيف الألم مخترقاً قلبها لذات المدّة. وأحثّكم، مِن خلال هذه المعرفة، على أن تحبّونا أكثر.

 

سادساً: إظهار قدرة كلمتي وتأثيراتها المختلفة، بحسب فيما إذا مَن يتلقّاها كان منتمياً إلى جماعة ذوي الإرادة الصالحة، أو إلى جماعة أصحاب الإرادة الشهوانيّة، الّتي هي ليست صالحة أبداً.

 

الرُّسُل ويهوذا: ها هما الـمَثَلان المتناقضان. فالرُّسُل، كانوا مليئين بالنواقص، جَلِفين، جَهَلَة، عنيفين، إنّما كانوا يملكون إرادة صالحة. أمّا يهوذا، المتعلّم أكثر مِن أغلبهم، الّذي هذّبته الحياة في العاصمة وفي الهيكل، إنّما كان ذا إرادة سيّئة. لاحظوا تطوّر الرُّسُل في الصلاح وارتقاءهم. ولاحظوا تطوّر الثاني في الشرّ وانحداره.

 

ليلاحظوا، هذا التطوّر في الكمال مِن قِبَل الأحد عشر الصالحين، خصوصاً أولئك الّذين لِعَيب في الرؤية العقليّة، قد اعتادوا على تشويه حقيقة القدّيسين، جاعلين مِن الإنسان الّذي يبلغ القداسة مِن خلال صراعٍ قاسٍ، قاسٍ جدّاً ضدّ القوى الثقيلة والظلاميّة، كائناً غير طبيعيّ بلا مشاعر ولا أحاسيس، وبالتالي بلا استحقاقات. ذلك أنّ الاستحقاق يتأتّى بالضبط مِن الانتصار على المشاعر الفوضويّة والتجارب الّتي يتمّ السيطرة عليها بفضل محبّة الله، لبلوغ الغاية النهائيّة: التمتّع بالله للأبد. وليلاحظه أيضاً أولئك الّذين يَدَّعون أن معجزة الاهتداء ينبغي أن تأتي فقط مِن الله. إنّ الله يمنح وسائل الاهتداء، لكنّه لا يُرغِم إرادة الإنسان، وإن لم يُرِد الإنسان، فعبثاً امتلاكه ما يكون بالنسبة لآخر مفيداً في الاهتداء.

 

ليتأمّل، أولئك الّذين يتفحّصون، في التأثيرات المتعدّدة لكلمتي، ليس فقط على الإنسان البشريّ، بل أيضاً على الإنسان الروحانيّ. ليس فقط على الإنسان الروحانيّ، بل أيضاً على الإنسان البشريّ. لأنّ كلمتي الّتي تُستَقبَل بإرادة صالحة، تُبدّل الواحد والآخر، بإيصالهما نحو الكمال الخارجيّ والداخليّ.

 

إنّ الرُّسُل، بسبب جهلهم وتواضُعي، كانوا يُعامِلون ابن الإنسان بإلفة مُفرِطة -معلّم صالح في وسطهم، لا أكثر، معلّم متواضع وصبور كان مسموحاً التعامل معه بحريّة مبالغ فيها في بعض الأحيان، إنّما لم يكن ذلك قلّة احترام مِن قبلهم: بل كان جهلاً، وكان معذوراً- الرُّسُل المتشاجرون في ما بينهم، الأنانيّون، الغيورون في حبّهم ومِن حبّي، نافذو الصبر مع الشعب، المتكبّرون قليلاً لكونهم "الرُّسُل"، التوّاقون إلى القدرات الخارقة الّتي تُميّزهم أمام الجمع كالمتمتّعين بقدرات مدهشة، يتغيّرون على مهل إنّما بشكل مستمرّ إلى بشر جدد، مسيطرين في البدء على ميولهم كي يقتدوا بي وكي يُسعِدوني، ثمّ، إذ يدركون أكثر فأكثر ذاتي الحقيقيّة، يغيّرون أساليبهم ومحبّتهم إلى أن يروني، يحبّوني ويعاملوني كربّ إلهيّ. هل يا ترى، عند انتهاء حياتي على الأرض، ظلّوا رفاق الأزمنة الأولى السطحيّين والـمَرِحين؟ هل هم، خصوصاً بعد القيامة، أولئك الأصدقاء الّذين يُعامِلون ابن الإنسان كصديق؟ لا. إنّهم خُدّام الـمَلِك أوّلاً. ومِن ثمّ هم كَهَنَة الله. مختلفون كلّهم، ومتبدّلون تماماً.

 

فليتأمّل ذلك الّذين سيجدون طبيعة الرُّسُل، والّتي كانت، تماماً كما وُصِفَت، قويّة، ويحكمون بأنّها ضدّ الطبيعة. أنا لم أكن حَبْراً صعباً ولا مَلِكاً متكبّراً، لم أكن المعلّم الّذي يحكم على البشر الآخرين بأنّهم غير أهل له. لقد أشفقتُ. لقد أردتُ أن أُشكّل مستعملاً مواد فظة [خام]، أن أملأ بكلّ أنواع الكمالات أواني فارغة، أن أُثبت أنّ الله قادِر على كلّ شيء، ومِن حجر يقيم ابناً لإبراهيم، ابناً لله. ومِن عدم معلّماً، لإفحام المعلّمين المتكبّرين بعلمهم، الّذي غالباَ ما يكون فاقداً لأريج عِلمي.

 

سابعاً: وأخيراً: أن أجعلكم على بيّنة مِن سرّ يهوذا، ذاك السرّ الّذي هو سقوط روح غمره الله بالخيرات على نحو فائق الطبيعة. سرّ هو في الحقيقة غالباً ما يتكرّر، وهو الجرح الّذي يؤلم قلب يسوعكم.

 

أن أُعرّفكم كيف يسقط الناس، متحوّلين مِن خدّام وأبناء لله إلى شياطين وقتلة الله الّذين يقتلون الله فيهم بقتل النعمة، كي أمنعكم مِن الدوس في مسالك منها يتمّ السقوط في الهاوية، وكي أُعَلّمكم كيف تتصرّفون في سبيل لجم الحِملان المـتهوّرة الّتي تتدافع نحو الهاوية. استخدموا ذكاءكم لدراسة الوجه المهول ومع ذلك الشائع ليهوذا، والمعقّد حيث تهيج كالحَيّات كلّ الرذائل الرئيسيّة الّتي تجدونها والّتي عليكم محاربتها في هذا الشخص أو ذاك. إنّه الدرس الأكثر أهمّية الّذي عليكم تعلّمه، لأنّه سيكون الدرس الأكثر إفادة في رسالتكم كمعلّمين روحيّين ومرشدين للنفوس. كم مِن أشخاص، في كلّ جوانب الحياة، يقلّدون يهوذا، واهبين أنفسهم للشيطان، مواجهين الموت الأبديّ!

 

سبعة أسباب، كما أنّ الأقسام هي سبعة:

 

 

ينبغي التقيّد بالتقسيم المحدّد أعلاه، والّذي هو التقسيم الصحيح.

 

والآن؟ ماذا تقولون لمعلّمكم؟ لا توجّهوا الكلام لي. بل تكلّموا في قلوبكم، وفقط إذا تمكّنتم من فِعل ذلك، فتكلّموا مع يوحنّا الصغير [ماريا فالتورتا]. ولكنّكم لن تتكلّموا في أيّ مِن الحالتين بذاك العدل الّذي أودّ رؤيته فيكم. لأنّكم سوف تتكلّمون مع يوحنّا الصغير [ماريا فالتورتا] لتُحزِنوها، دائِسين المحبّة حيال أختكم في المسيحيّة، وأداة الله. الحقّ أقول لكم مرّة أخرى بأنّه ليس فرحاً هادئاً أن يكون المرء أداة لي: إنّه تعب وجهد متواصلان، إنّه معاناة بمجمله، لأنّ العالم يعطي تلاميذ المعلّم ما كان قد أعطاه للمعلّم: الألم، وينبغي أقلّه على الكَهَنَة، وخصوصاً الزملاء، أن يساعدوا هؤلاء الشهداء الصغار الّذين يتقدّمون تحت وطأة صلبانهم... ولأنّكم في قلوبكم، وأنتم تحدّثون أنفسكم، تحملون شكوى كبرياء، غيرة، ريبة وأشياء أخرى. إنّما أنا سوف أجيبكم على شكاويكم ودهشاتكم الـمُستَنكِرة.

 

في أمسية العشاء الأخير، قلتُ للأحد عشر الّذين كانوا يحبّوني: "حين سيأتي الروح المعزّي، سوف يُذكّركم بكلّ ما قلتُه لكم." وعندما كنتُ أتكلّم، كان حاضراً دوماً في ذهني، إضافةً إلى الّذين كانوا متواجدين، كلّ الّذين عليهم أن يصبحوا تلاميذي بالروح، الّذين لديهم رغبة ومشيئة صادقة ليصيروا كذلك. إنّ الروح القدس، الّذي بنعمته، يبثّ فيكم مَلَكَة تَذكُّر الله، جاذباً النفوس مِن بلادة الخطيئة الأصليّة ومحرّراً إيّاها مِن الظلمة الّتي، بسبب الإرث الـمُحزِن لآدم، تغلّف بصيرة الأرواح الّتي خلقها الله كي تتمتّع بالرؤية والمعرفة الروحيّة، ويتمّم عمله كمعلّم، "مُذَكِّراً" قلوب الّذين يقودهم، والّذين هم أبناء الله، بما قلتُه، والّذي يشكّل الإنجيل. والتذكّر هنا يعني إنارة روحه. لأنّ تذكّر كلمات الإنجيل لا يعني شيئاً، إن لم يُفهم الروح.

 

وروح الإنجيل، الّذي هو محبّة، يمكن جعله مفهوماً بالمحبّة، أي بالروح القدس. الّذي مع كونه الكاتب الحقيقيّ للإنجيل، فهو أيضاً مفسّره الوحيد، فوحده كاتب عمل ما، يعرف روحه ويفهمه، حتّى ولو لم ينجح في إفهامه للّذين يقرؤونه. إنّما حيث لا ينجح كاتب بشريّ، لأنّ كلّ كمال بشريّ غنيّ بالثغرات، ينجح الروح الكلّي الكمال والحكمة. فالروح القدس وحده، كاتب الإنجيل، هو أيضاً الّذي يُذكّر به ويشرحه ويكمّله في أعماق نفوس أبناء الله.

 

"إنّ المعزّي، الروح القدس، الّذي سيرسله إليكم الآب باسمي، سوف يعلّمكم كلّ شيء، وسوف يُذكّركم بكل ما قلتُه لكم." (يوحنا 14 - 26)

 

"ثمّ حين سيأتي روح الحقّ، فهو يعلّمكم كلّ حقّ؛ لأنّه لن يكلّمكم مِن نفسه، بل سيقول كلّ ما سمعه، وسوف يُعلِن لكم ما سيأتي. هو سيمجّدني، لأنّه سيتلقّى ممّا هو لي ويعلنه لكم. كلّ ما للآب هو لي؛ لهذا قلتُ بأنّه سيتلقّى ممّا هو لي وسيعلنه لكم." (يوحنا 16 / 13 - 14 - 15)

 

بحيث بعدئذ إذا ما اعترضتم، بأنّه كون الروح القدس هو الكاتب الحقيقيّ للإنجيل، فغير مفهوم لماذا لم يُذَكّر بكلّ ما قيل في هذا العمل وما يوضح يوحنّا أنّه قد حدث بالكلام الّذي يختم إنجيله، فأنا أجيبكم بأنّ أفكار الله مختلفة عن أفكار البشر، وبأنّها دوماً عادلة ومُحكَمَة.

 

وأيضاً: إذا اعترضتم بأنّ الوحي قد أُمسِك مع الرسول الأخير، ولم يكن ما يضاف، لأنّ الرسول نفسه يقول في الرؤيا: "إذا زاد أحد شيئاً على هذا، فإن الله سوف يُنزل عليه الضربات المكتوبة في هذا السفر" (رؤيا 22 - 18)، وبأنّه يُفهَم أنّ ذلك يمكن أن يشمل كلّ الوحي، الّذي كانت رؤيا يوحنّا قد كلّلته، فأجيبكم بأنّ هذا العمل لم يضف شيئاً إلى الوحي، بل أعاد ملء الثغرات، الّتي حدثت لأسباب طبيعيّة ومشيئات فائقة للطبيعة. وإذا ما أنا أردتُ أن أُسرَّ بإعادة تشكيل لوحة محبّتي الإلهيّة كما يفعل مرمّم الفسيفساء، الّذي يعيد القطع التالفة أو الناقصة، لأعيد إلى تلك اللوحة جمالها الكامل، وإن كنتُ قد قرّرتُ القيام بذلك في هذا العصر الّذي تحثّ فيه الإنسانيّة الخطى صوب هاوية الظلام والهول، فهل يمكنكم منعي مِن ذلك؟

 

ربّما يمكنكم القول بأنّكم لستم بحاجة إلى ذلك، أنتم الّذين غشّى الضباب أرواحكم، وغدت صمّاء، ضعيفة، حيال الأنوار، الأصوات والدعوات الآتية مِن العلاء؟

 

بالحقيقة عليكم مباركتي لتزويدكم بأنوار جديدة إضافة إلى النور الّذي لديكم، والّذي ما عاد يكفيكم مِن أجل "رؤية" مخلّصكم. مِن أجل رؤية الطريق، الحقّ والحياة، والشعور بتلك المشاعر الروحيّة لأبرار زمني تنهض فيكم، لتتوصّلوا مِن خلال هذه المعرفة إلى تجدُّد أرواحكم في المحبّة، الّتي ستكون خلاصاً لكم، لأنّها ارتقاء نحو الكمال.

 

لا أقول إنّكم "موتى"، بل نيام، متهوّمون، تشبهون الأشجار في سبات الشتاء. الشمس الإلهيّة تمنحكم إشراقاتها. استيقظوا وباركوا الشمس الّتي تهب نفسها، استقبلوها بفرح، كي تدفئكم، مِن السطح وحتّى الأعماق، لتوقظكم، لتكسوكم بالزهور والثمار.

 

انهضوا. تعالوا إلى هبتي.

 

"خذوا وكلوا. خذوا واشربوا" قلتُ للرُّسُل.

 

"لو كنتِ تعرفين عطيّة الله، ومَن هو الّذي يقول لكِ: ‘‘أعطيني لأشرب’’ لكنتِ أنتِ تطلبين منه، وهو كان ليعطيكِ الماء الحيّ" قد قلتُ للسامريّة.

 

وأقول ذلك الآن أيضاً: للعلماء كما للسامريّين. لأنّ كلتا الفئتين المتناقضتين تحتاجان إلى ذلك، وبحاجة لذلك مَن هم بين الاثنين. للعلماء لئلاّ يكونوا سيّئي التغذية، ومجرّدين مِن القوّة حتّى لأنفسهم، ومِن غذاء فائق للطبيعة لأولئك الّذين يفترون في معرفة الله، الله-الإنسان، المعلّم والمخلّص. وللسامريّين لأنّ النفوس تحتاج إلى ماء حيّ حين تهلك بعيداً جدّاً عن الينابيع. وللّذين هم بين الأوّلين والآخرين، ويُشكّلون النسبة الأكبر والّذين ليسوا في حالة الخطيئة الجسيمة، إنّما أيضاً الّذين يلبثون مِن دون إحراز أيّ تقدّم، كَسَلاً أو فُتوراً، انطلاقاً مِن مفهوم خاطئ عن القداسة، الّذين يفكّرون بشكل خاصّ ألّا يكونوا مُدانين، أن يكونوا ملتزمين، الّذين يضلّون في متاهة ممارسات سطحيّة، إنّما الّذين لا يجرؤون على التقدّم خطوة على طريق البطولة الشاقة، شديدة الانحدار، لكي، بهذا العمل، يحصلون على دفع مبدئيّ للخروج مِن هذا الجمود والشروع في طريق البطولة.

 

أنا مَن يقول لكم هذا الكلام. أقدّم لكم هذا الطعام والشراب الحيّ هذا. إنّ كلمتي حياة هي. وأنا أريدكم في الحياة، معي. وأنا أضاعف كلمتي لأوازن نتانة الشيطان الّتي تُدَمِّر قوى الروح الحيويّة.

 

لا ترفضوني. إنّني متعطّش لأن أهب نفسي لكم، لأنّني أحبّكم. إنّه عَطَشي الّذي لا يُروى. بي رغبة متّقدة كي أتواصل معكم لأعدّكم لوليمة العرس السماويّ. وأنتم تحتاجونني كي لا تضعفوا، لتلبسوا الثوب الـمُزيّن لعرس الحَمَل، لاحتفال الله العظيم، بعد أن تكونوا قد تغلّبتم على المحنة في هذه الصحراء المليئة بالأشراك، الأشواك والحيّات، الّتي هي الأرض، لتعبروا وسط النيران مِن دون أن تُلحِق بكم الأذى، لتدوسوا على الزواحف، لتتجرّعوا السموم دون أن تموتوا، إذ تمتلكونني فيكم.

 

وأقول لكم أيضاً: "خذوه، خذوا هذا العمل، و ’’لا تختموه‘‘، بل اقرأوه وأعطوه للآخرين ليقرؤوه ’’لأنّ الزمن قريب‘‘ (رؤيا يوحنا 22-10)". "ومَن هو مقدّس، فليتقدّس أكثر بعد" (رؤيا يوحنا 22-11).

 

لتكن نعمة ربّكم يسوع المسيح مع كلّ الّذين يرون في هذا الكتاب اقتراباً منّي، ويطلبون أن يتمّ ذلك، لحمايتهم، بصيحة المحَبّة: "تعال، أيّها الربّ يسوع!" (رؤيا يوحنا 22  / 20-21)، [الجملتين الأخيرتين مِن الإنجيل.]»

***

ثمّ لي بشكل خاصّ يقول يسوع:

 

كمدخل لهذا العمل ضعي الفصل الأول مِن إنجيل يوحنا، مِن الآية (1) إلى الآية (18) ضمناً، كما هو مكتوب حرفيّاً. فيوحنا كتب هذه الكلمات، كما أنتِ كتبتِ كلّ الكلام الوارد في هذا العمل، بإملاء مِن روح الله. ليس هناك شيء لإضافته أو لحذفه، كما لم يكن هناك شيء لإضافته أو حذفه مِن صلاة الأبانا، ولا مِن صلاتي بعد العشاء الأخير. كلّ كلمة منها هي حجر كريم إلهيّ، وينبغي ألاّ تمسّ. ليس هناك سوى أمر واحد يجب عمله بصددها: الصلاة بحرارة إلى الروح القدس كي ينيرها لكم بكلّ جمالها وحكمتها.

 

‏ومِن ثمّ عندما تَصِلين إلى النقطة الّتي تبدأ فيها حياتي العامّة، انقلي كذلك حرفيّاً الفصل الأوّل مِن إنجيل يوحنا، مِن الآية (19) إلى (28) ضمناً، والفَصل الثالِث مِن إنجيل لوقا مِن الآية (3) إلى (18) ضمناً، الواحِد تلو الآخر كما لو كانا فصلاً واحداً. لأنّ فيهما كلّ الجوهر، كلماتها قليلة العدد إنّما شديدة الدقة، وليس هناك شيء آخر ليُقال. ثمّ تضعين عِمادي وتمضين قُدُماً كما قلتُ، مِن حدث إلى آخر.

 

إنّ تعبكِ قد انتهى. الآن يبقى الحبّ والابتهاج بالمكافأة.

 

أنتِ أيا نَفْسي، ما الّذي عليّ أن أقول لكِ؟ أنتِ تسألينني بروحكِ التائهة في داخلي: "والآن، يا ربّ، ماذا ستفعل بي، أنا خادمتكَ؟".

 

يمكنني أن أقول لكِ: "سوف أحطّم الإناء الفخّاريّ لأستخرج منه الجوهر وأحمله إلى حيث أنا." وسيكون ذلك فرحاً لكلينا. لكنّني لا أزال أحتاج إليكِ لوقت قصير، لوقت قصير بعد، هنا، لأنشر عطوركِ الّتي هي رائحة المسيح الّذي يسكن فيكِ. وحينذاك سأقول لكِ كما ليوحنّا: "إذا أردتكِ أن تبقي حتّى آتي لأخذكِ، فما الّذي يهمّكِ مِن البقاء؟"

 

السلام لكِ يا صغيرتي، صوتي الّذي لا يعرف الكلل. السلام لكِ. سلام وبركة. المعلّم يقول لكِ: "شكراً". الربّ يقول لكِ: "كوني مباركة". يسوع، يسوعكِ، يقول لكِ: "سأكون دوماً معكِ، لأنّها بهجة لي أن أكون مع الّذين يحبّونني."

 

سلامي، يا يوحنّا الصغير [ماريا فالتورتا]. تعالي واستريحي على صدري.»

 

وبهذه الكلمات تنتهي أيضاً النصائح الخاصة بتحرير العمل، وبعد أن قُدّمت التفسيرات الأخيرة.

 

فياريجّيو في 28 / 04 / 1947

 

ماريا فالتورتا

----------

1- [Pascendi Dominici Gregis].

 

--- نهاية الجزء العاشر [الأخير]---