ج3 - ف6

أَنَا هُوَ

ماريا فالتورتا

L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO

THE GOSPEL AS REVEALED TO ME

بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}

L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ

MARIA VALTORTA

الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.

 

الجزء الثالث / القسم الأول

 

6- (وَداع أهالي سيخار)

 

25 / 04 / 1945

 

يقول يسوع للسامريّين في سيخار: «قبل أن أغادركم، إذ إنّ هناك أبناء آخرين أُبشّرهم، أودُّ أن أفتح لكم دروب الرجاء الـمُنيرة وأضعكم فيها قائلاً: اذهبوا، عالِـمين جيّداً أنّكم ستبلغون الهدف. واليوم، لن أتّخذ حزقيّال العظيم مِثالاً، بل إنّما التلميذ الـمُفضَّل إرميا النبيّ العظيم للغاية.

 

باروك يتحدّث مِن أجلكم. في الحقيقة إنّه يتحدّث مِن أجل نفوسكم جميعها إلى الله الأعظم الذي يُقيم في السماوات. لستُ أقول فقط نفوس السامريّين، بل إنّما نفوسكم جميعاً، يا سُلالة الشعب المختار الذين اقترفتم خطايا كثيرة، ومِن أجل نفوسكم كذلك يا أيّها الوثنيّون الذين تتكهّنون بوجود إله مجهول وسط الآلهة العديدة التي تعبدونها، إله تتكهّن نفسكم أنّه الوحيد والحقيقيّ، أمّا ثقلكم فيقف حائلاً بينكم وبين البحث والعمل على معرفته كما تريد نفسكم. فعلى الأقلّ قد أُعْطِيَت لكم شريعة وجدانيّة أيّها الوثنيّون عابِدو الأصنام، لأنّكم بَشَر، ولدى الإنسان جوهر مَصدره، الله، يُسمّى الروح، وهو يحدّثكم على الدوام وينصحكم بالارتقاء ويدفعكم إلى حقيقة حياة مقدَّسة، وأنتم قد انحدرتم به ليكون عبداً لجسد آثِم، بتحطيم الشريعة الوجدانيّة البشريّة، تلك التي كنتم تملكونها وأصبحتم، حتّى بشريّاً، خَطَأَة، مُنتَقِصين مِن فِكر معتقداتكم وذواتكم إلى مستوى حيوانيّ يجعلكم دون البهيمة مُستوى. ومع ذلك اسمعوا. اسمعوا جميعكم. فتُدرِكوا أكثر وتتصرّفوا بالتالي، بقدر ما تعرفون أكثر، بحسب قانون وجدان فائق الطبيعة أُعطيَ لكم مِن الإله الحقّ.

 

تلك هي صلاة باروك التي ينبغي أن تكون في قلوبكم الـمُتواضِعة تَواضُعاً نبيلاً، لا خُنوعاً وجُبناً، بل إنّما معرفة دقيقة بظروفها الخاصة البائسة، والرغبة المقدّسة في إيجاد الوسيلة لتُطوِّرها روحيّاً. هي ذي إذن صلاته: "أنظر إلينا يا ربّ مِن مسكنكَ المقدَّس، أَمِل بأذنيكَ وأَنصِت إلينا. افتح عينيكَ وفَكِّر أنّ ليس الأموات الذين في الجحيم وقد انفَصَلَت روحهم عن الجسد، هم الذين سيُنصِفون الله ويكونون له فخراً، بل إنّما هي النَّفْس الـمُبتَلاة بِعِظَم مصائبها، التي تمضي واهِنة وقد انحنى ظَهرها، وتبدو محطّمة مُنهارة، هي النَّفْس الجائعة إليكَ، يا الله، تلك هي التي تمجّدكَ وتُنصِفكَ". ويبكي باروك بتَواضُع، وينبغي أن يبكي معه كلّ الأبرار وهم يَرَونَ ويُسمّون المصائب باسمها، تلك التي جَعَلَت مِن الشعب القويّ شعباً حزيناً ومُنقَسِماً وخاضعاً. "لم ننصت لصوتكَ وقد حَقَّقتَ كلامكَ الذي نَطَقَ به خدّامكَ، الأنبياء... وها هي ذي رُفات آبائنا ومُلوكنا قد أُخرِجَت مِن قبورها وتعرَّضَت لحرارة الشمس وصقيع الليل، وقد هَلَك سكّان المدن بآلام رهيبة مِن الجوع والسيف والطاعون. أمّا الهيكل الذي كان فيه التضرُّع إلى اسمكَ فقد أَعَدتَه إلى الحالة التي هو فيها اليوم بسبب جُور إسرائيل ويهوذا."

 

يا أبناء الآب، لا تقولوا: "إنّ هيكلنا وهيكلكم متساويان في انتصابهما وجمالهما". لا. فالشجرة التي شَطَرَتها الصاعقة مِن القمّة إلى الجذر لا تعيش. وإن عاشت فَعَيش خامِل بائِس مُحاوِلَةً الحياة بالنَّسغ الصاعد مِن الجذور، وهي تعمل على ألّا تموت، ولكنّها ستكون دَغلاً دون ثمار، ولن تكون أبداً الشجرة الوَارِفة الغنيّة بالثمار السليمة واللذيذة. ولكنّ التفكُّك الذي بدأ مع الانفصال يتفاقم أكثر فأكثر طالما البنيان المادّيّ لا يبدو مُخرّباً، بل إنّما مظهره ما يزال جميلاً وجديداً، ويفتّت النُّفوس التي تسكنه. ثمّ ستأتي الساعة التي تنطفئ فيها كلّ شُعلة فائقة الطبيعة، ويُفتَقَد في المعبد الهيكل الذي مِن معدن ثمين، الذي، مِن أجل استمراريّته، ينبغي له المحافظة على حالة اندماج دائم بإيمانِ ومحبّةِ كَهَنَته، تلك هي حياته. وهو إذا ما تَجلَّدَ وانطفأ وتَلطَّخَ وامتلأ بالموتى، يصبح نتانة وتَفَسُّخاً يتنازع عليها الغربان الغرباء وسَيل العقاب الإلهيّ لتجعل منه خراباً.

 

يا أبناء إسرائيل، صَلّوا، وأنتم تبكون، معي أنا مُخلِّصكم. وليكن صوتي حافظاً لأصواتكم، وليَلِج، وهو القادر، حتّى عرش الله. والذي يصلّي مع المسيح، ابن الآب، يَسمَعه الله، أبو الابن. فلنصلِّ مع صلاة باروك السابقة اللائقة: "والآن أيّها الربّ القدير، يا إله إسرائيل، فليصرخ إليكَ كلّ روح مُفعَم قَلَقاً وكلّ نَفْس مُنقَبِضة. استمع أيّها الربّ وارحَم. فإنّكَ إله رحيم، ارحمنا لأنّنا أخطأنا إليكَ وأمامكَ. فإنّكَ ثابت إلى الأبد، ونحن نَفنَى على الدوام! أيّها الربّ الكليّ القُدرة، إله إسرائيل استمع إلى صلاة أموات إسرائيل وأبنائهم الخاطئين أمامكَ. فإنّهم لم يُنصِتوا إلى صوت الربّ إلههم وقد التَصَقَت بنا شرورهم. لا تلتفت إلى ظُلم آبائنا، بل تذكّر قُدرتكَ واسمكَ... كُن رحيماً لكي نبتهل إلى هذا الاسم ونتّعظ مِن ظلم آبائنا".

 

صَلّوا هكذا، واتَّعِظوا حقيقة بعودتكم إلى الحكمة الحقيقيّة التي هي حكمة الله، والموجودة في سفر وصايا الله وفي الشريعة التي تدوم إلى الأبد، والتي جئتُ الآن، أنا مسيح الله، أحملها بشكلها الجديد البسيط وغير القابل للتغيير، إلى مساكين العالم، مع الإعلان لهم عن البشرى الحسنة، زمن الفِداء والمغفرة والحبّ والسلام. ومن يؤمن بهذا الكلام يَنَل الحياة الأبديّة.

 

أغادركم يا أهالي سيخار، يا مَن كنتم صالحين مع مسيح الله، أترككم مع سلامي.»

 

«ابقَ بَعد!»

 

«عُد مرّة أخرى!»

 

«لن يكلّمنا أحد بمثل ما كَلَّمتَنا.»

 

«فلتكن مباركاً أيّها المعلّم الصالح.»

 

«بارِك ابني.»

 

«صلِّ مِن أجلي فأنتَ القدّيس.»

 

«اسمح بالاحتفاظ بأحد أهدابكَ كبركة.»

 

«اذكر هابيل.»

 

«اذكرني، أنا تيموتي.»

 

«وأنا يوري Jorai.»

 

«جميعكم، جميعكم، فليحلّ السلام فيكم.»

 

ويُرافِقونه حتّى خارج المدينة، بضعة مئات مِن الأمتار. ثمّ يعودون ببطء، ببطء...