ج6 - ف143
أَنَا هُوَ
ماريا فالتورتا
L'EVANGELO COME MI È STATO RIVELATO
THE GOSPEL AS REVEALED TO ME
بالفرنسية: {الإنجيل كما أوحي به إليّ}
L' ÈVANGLE TEL QU’IL M’A ÈTÈ RÈVÈLÈ
MARIA VALTORTA
الترجمة إلى اللغة العربية: فيكتور مصلح.
الجزء السادس/ القسم الثاني
143- (عِظَة صباحيّة في القرية التي على البحيرة)
27 / 06 / 1946
إنّها صبيحة منعشة، حيث الناس ينتظرون يسوع كي يَخرُج مِن منزل في القرية التي على البحيرة كي يبدأ عِظَته.
أعتقد بأنّ السكان لم يناموا سوى القليل هذه الليلة، لتأثّرهم الشديد بالمعجزات التي اجتُرحت، ولشعورهم بالبهجة بسبب وجود المسيح معهم، ولرغبتهم بألّا يَهدروا ولا حتّى دقيقة واحدة في حضرته. لقد ناموا في وقت متأخّر، بسبب الأحاديث الطويلة في المنازل، وبسبب استذكار الأحداث، وتفحّص فيما إذا كانت أرواحهم مفعمة بالإيمان، بالرجاء والمحبّة، وبالثبات في مواجهة الأحداث المؤلمة، تلك الفضائل التي أشاد بها المعلّم، والتي أعلَنَ بأنّها وسائل أكيدة لنيل نعمة الله في هذه الحياة وفي الحياة الآتية. وقد استيقَظوا باكراً خشية أن يَخرُج المعلّم ويَرحَل في الصباح الباكر دون أن يكونوا حاضِرين عند رحيله. وهكذا فإنّ المنازل قد فُتحت باكراً كي ما يَخرج سكّانها إلى الشوارع، حيث، وقد أدركوا أنّ كثيرين منهم، فِعليّاً كلّهم، تحثّهم الأفكار ذاتها، كانوا يقولون لبعضهم البعض: «حقّاً إنّها المرّة الأولى التي تحثّ فكرة واحدة فقط قلوبنا وتُوحّدها» وبمودّة متجدّدة ولطيفة وأخويّة، فإنّهم يَنطَلِقون كلّهم بانسجام تامّ صوب المنزل الذي يستضيف يسوع ويتجمّعون حوله، بلا ضوضاء، بصبر وأناة، عاقدين العزم على أن يتبعوا المعلّم حالما يَخرُج مِن المنزل.
الكثير مِن البستانيّين قد جَمعوا في بساتينهم الثمار التي لا يزال يكسوها الندى، وكي يحفظوها مِن الشمس التي تُشرِق، ومِن الغبار والحشرات، فقد قاموا بتغطيتها بأوراق الكروم النديّة، أو بأوراق تين كبيرة، حيث تكشف الفراغات فيما بينها عن تفاحات حمراء تبدو كما لو أنّ رسّاماً قد قام بتلوينها، وعن عناقيد عنب بلون الكهرمان أو العقيق اليمانيّ، أو عن ثمار تين طريّة ومدوّرة ومِن كلّ الأنواع، بعضها مغلقة بالكامل بقشرتها المجعّدة التي تحيط لُبّها الحلو برقّة، وبعضها منتفخة وملساء كما لو كانت مغطّاة بحرير قد مُسّد بعناية وزُيّن بحبيبات ماسيّة عند أطرافه السفليّة، وبعضها مفتوحة حيث تبتسم أليافها الشقراء، الزهريّة، والحمراء الغامقة، تبعاً لنوعها. وبعض الصيّادين قد أحضروا بعض الأسماك في سِلال، أسماكاً كانوا بالتأكيد قد اصطادوها خلال الليل، مضحّين بنومهم، لأنّ بعض الأسماك ما تزال حيّة وتَشهَق آخر شهقاتها المؤلمة وتختلج مِن العذاب، فيما شهقاتها واختلاجاتها الضعيفة تزيد مِن بريق ألوانها الفضّية أو تدرّجات اللون الأزرق الفاتح لبطونها وظهورها، وقد مُدّدت على طبقة مِن أوراق خضراء-رماديّة لأشجار صفصاف أو حور.
البحيرة، في تلك الأثناء، قد تحوَّلَت مِن المسحة الحليبيّة الخفيفة التي كانت تُلوّن الماء عند الفجر -مسحة نقيّة جدّاً، أريد القول ملائكيّة، خالصة، مِن فرط ما هو الماء الذي عند الضفّة البرّاقة ساكن، بالكاد خرير خفيف على الحصى- إلى اللّون اللحميّ المتألّق، أريد القول إلى المسحة اللحميّة للفجر، الذي يُلوِّن الماء بالأحمر، بفعل انعكاس الغيوم الورديّة على البحيرة. ومِن ثمّ تصبح البحيرة بلون زُرقة السماء في نور الفجر الصافي، وتستعيد الحياة والخفقان مِن جديد، بأمواجها التي تنشط وتندفع ضاحكة ومتحوّلة إلى زَبَد عند الضفّة، ثمّ تعود كي ترقص مع أمواج أخرى، مُزيِّنة صفحة البحيرة بأكملها بشرائط خفيفة وناصعة البياض مُلقاة على الماء الأزرق الحريريّ، الذي يُموّجه نسيم الصباح. ثمّ ها هو أوّل شعاع شمس يلمس الماء هناك، نحو تراقية، حيث تَلَوَّن الماء بالأخضر الـمُزرقّ بسبب الأَحرَاج الخضراء التي تنعكس فيه، ويتّخذ مسحة ذهبيّة، ويسطع مثل مرآة محطّمة قد ضربتها الشمس، وهذه المرآة تتوسّع أكثر فأكثر، صابغة بلون الذهب والياقوت الأصفر الماء الذي لا يزال أزرقاً، طاغيةً على المسحة الورديّة للغيوم التي تنعكس في الماء، مغلّفة عارضات القوارب الأخيرة العائدة إلى الميناء بعد الصيد، وعوارض أولى القوارب التي تَخرُج، فيما الأشرعة، في الضوء الظافر للشمس الآخذة في الشروق، هي ناصعة البياض كأجنحة الملائكة، مقابل سماء زرقاء وتلال خضراء. إنّ بحيرة الجليل البديعة بضفافها الخصبة تلك تذكّرني ببحيرة غاردا، وسلامها الروحانيّ يذكّرني ببحيرة تراسيمينو، إنّها جوهرة فلسطين، المنطقة الأكثر استحقاقاً في أغلب حياة يسوع العامّة!
يَظهَر يسوع عند باب المنزل الـمُضيف ويبتسم، رافعاً ذراعيه كي يُبارك السكّان الصّبورين الذين ينتظرونه.
«ليكن السلام مع جميعكم.
أكنتم تنتظرونني؟ أكنتم تخافون مِن أن أهرب دون أن أودّعكم؟ إنّني دائماً أفي بوعودي. إنّني معكم اليوم كي أُبشّركم، وسأبقى معكم كما وَعدتُ، كي أُبارك منازلكم، بساتينكم وقواربكم، كي تتقدّس كلّ عائلة، وكي تتقدّس أعمالكم أيضاً. إنّما، تذكّروا، أنّ إرادتكم الصالحة يجب أن تُسانِد بركتي حتّى تكون مثمرة. وأنتم تعلمون أيّة إرادة صالحة يجب أن تمتلكها العائلة بحيث يكون المنزل الذي يأويها مقدّساً. الزوج يجب أن يكون ربّ العائلة، إنّما ليس مستبدّاً، لا بالزوجة، ولا بالأولاد والخُدّام، وهو في ذات الوقت يجب أن يكون الـمَلِك. الـمَلِك الحقّ بالمعنى التوراتيّ للكلمة.
أتذكرون الفصل الثامن مِن كتاب الملوك الأوّل؟ شيوخ إسرائيل قد اجتمعوا معاً وذهبوا إلى الرامة، حيث يعيش صموئيل، وقالوا له: "هوذا أنتَ قد شِخْتَ، وابناكَ لم يسيرا في طريقكَ. فالآن اجعل لنا مَلِكاً يقضي لنا كسائر الشعوب." فالـمَلِك، إذن، يعني قاضياً، ويجب أن يكون قاضياً عادلاً كي لا يجعل رعاياه بؤساء، لا هنا على هذه الأرض: بسبب الحروب، والتعسّف في استعمال السُّلطة، والضرائب الكبيرة والمجحفة، ولا في الحياة الأبديّة: بمملكة متساهلة مع الرذيلة والمجون. الويل للملوك الذين يَفشلون في مهامّهم، والذين يَصمّون آذانهم عن أصوات رعاياهم، والذين يَعمون أعينهم عن شرور الأمّة، والذين يُصبِحون مسؤولين عن معاناة الشعب مِن خلال تشكيل تحالفات مناقضة للعدالة، ولغرض وحيد هو تعزيز سلطتهم بمساعدة أولئك الحلفاء! إنّما الويل أيضاً لأولئك الآباء الذين يُقصّرون في واجباتهم، الذين هم عُميٌ وصُمٌّ عن احتياجات ونقائص أفراد عائلاتهم، والذين يُسبّبون الفضائح أو الآلام لعائلاتهم تلك، والذين ينحطّون بترتيب اتّفاقات زواج باطلة كصفقات، في سبيل الدخول بتحالفات مع عائلات قويّة وغنيّة، دون الأخذ بعين الاعتبار أنّ غاية الزواج، إلى جانب الإنجاب، هي رفع شأن الرجل والمرأة وتعزيتهما، إنّه واجب، إنّه مسؤوليّة، لا صفقة، إنّه ليس بليّة، إنّه ليس مهانة لا للزوج ولا للزوجة، إنّه محبّة، لا كراهية.
لذلك، فإنّ ربّ العائلة، يجب أن يكون عادلاً دون قسوة أو متطلّبات مُفرِطة، ودون تسامح وضعف زائِدَين. ولكن إذا كان يتحتّم عليكم الإفراط في أحد الأمرين، فاختاروا الثاني، لأنّ الله، وبالنظر للأمر الثاني، قد يقول لكم: "لماذا كنتم طيّبين جدّاً؟" ولن يدينكم، لأنّ الإفراط بالطيبة هو بحدّ ذاته عقاب مِن خلال الأفعال المتعجرفة التي يسمح الآخرين لأنفسهم بممارستها حيال الأشخاص الطيّبين، في حين أنّ الله سوف يدينكم دوماً لقسوتكم، التي هي انعدام المحبّة للقريب الـمُقَرَّب.
ولتكن الزوجة في المنزل عادلة مع زوجها، مع أولادها والخُدّام. عليها إطاعة، احترام، تعزية زوجها ومساعدته. عليها أن تكون مطيعة، شريطة ألّا تنطوي طاعتها على قبول ضمنيّ بالخطيئة. يجب أن تكون الزوجة مطيعة لا ذليلة. احذرن أيّتها الزوجات، إنّ أوّل مَن يدينكنّ بعد الله على التسامح تجاه آثام معيّنة، هو زوجكنّ ذاته، الذي حثّكنّ على هكذا طاعة. إنّها ليست دوماً رغبات حُبّ، بل هي أيضاً اختبار لفضيلتكنّ. حتّى وإن لم يفكّر بذلك ساعتها، فقد يأتي يوم يقول فيه الزوج لنفسه: "إنّ زوجتي شهوانيّة جدّاً" ومِن ثمّ قد يبدأ بالتشكيك في إخلاصها. كُنَّ عفيفات في علاقاتكنّ الزوجيّة. تصرّفن بحيث تَفرض عفّتكنّ على أزواجكنّ ذاك التحفّظ الذي يحتفظ به المرء تجاه الأمور النقيّة، وسوف ينظرون إليكنّ كنظيرات لهم، لا كَإماء أو خليلات يُبقونهنّ "للمتعة" ويرموهنّ عندما لا يعدن محبوبات. إنّ الزوجة الفاضلة -أي الزوجة التي تحتفظ حتّى بعد الزواج بذاك "الشيء" العذريّ بتصرّفاتها، بكلامها، بطريقة إيصال محبّتها- يمكنها أن ترتقي بزوجها مِن الأحاسيس إلى المشاعر، حيث يتجرّد الزوج مِن الشهوانيّة ويُصبح بحقّ "واحداً" مع زوجته، فيعاملها بذات الاحترام الذي يتعامل به الإنسان مع جزء مِن نفسه، وهذا عادل، لأنّ الزوجة "عَظْم مِن عظامه ولحم منه" وما مِن إنسان يُسيء معاملة عَظْمه أو لحمه، بل هو على العكس يحبّهما، بحيث يَنظُر الزوج والزوجة إلى بعضهما، مثل الزوجين الأوّلين، فلا يريان بعضهما في عريهما الجنسيّ، بل لِيُحبّا بعضهما بالروح، دونما خجل مُذلّ.
ولتكن الزوجة صبورة وعطوفة تجاه زوجها. لتعتبره بمثابة أوّل أولادها، لأنّ المرأة هي دوماً أُمّ، والرجل يحتاج دوماً لأُمّ صبورة، حكيمة، حنونة، معزّية. ومُبارَكَة هي المرأة التي تعرف كيف تكون رفيقة، وبذات الوقت، أُمّاً لزوجها كي تعضده، وابنة له كي يرشدها. يجب أن تكون الزوجة فاعلة. فالعمل، وبالإضافة إلى أنّه يُبعد الأفكار الـمُشوِّشة، فهو مفيد للاستقامة، وأيضاً مُربِح مادّيّاً. عليها ألّا تُعذّب زوجها بِغِيرة تافهة، والتي لا تَخدم أيّ هدف. هل الزوج مُخلص؟ إنّ غِيرة غبيّة سوف تُخرجه مِن المنزل وتعرّضه لخطر الوقوع في شِراك بغيّ. هل هو غير مخلص وغير مستقيم؟ إنّ غضب زوجة غيورة لن يُصلحه، إنّما تصرّفها باتّزان، دونما ضغينة وفظاظة، سِعة صدرها ومحبّتها، تلك التصرفات الحسنة، ستجعله يفكّر ويعود إلى رشده. تعلّمن كيف تَفُزن مجدّداً بأزواجكنّ، عندما تبعدهم نزوة عنكنّ، بفضيلتكنّ، تماماً كما فزتنّ بهم في شبابكنّ بجمالكنّ، وكي تستمدّنّ القوّة لهكذا أعباء، ولتقاومن الألم الذي قد يجعلكنّ ظالمات، فأحببن أولادكنّ وفكرنّ بخيرهم.
المرأة لديها كلّ شيء في أولادها: الفرح، إنّهم تاج مَلَكيّ لساعات المرأة السعيدة، حيث هي حقّاً مَلِكة منزلها وزوجها، وبلسم في الساعات المؤلمة، حيث تكون خيانة أو تجارب أخرى مؤلمة في الحياة الزوجيّة قد أَلهَبت جبينها، وفوق ذلك قد وَخَزَت قلبها بأشواك المملكة الحزينة للزوجة الشهيدة. هل أنتنّ محبطات جدّاً لدرجة أنكنّ ترغبن في العودة إلى عائلاتكنّ، أو بالطلاق، أو أن تجدن العزاء برفيق مخادع ومتعطّش لأنثى، إنّما يتصنّع الإحساس بالشفقة على قلب الزوجة التي تمّت خيانتها؟ لا أيّتها النسوة، لا! إنّ للأولاد، الأولاد الأبرياء، الذين أَربَكَهم وأَحزَنَهم في فجر حياتهم جوّ المنزل الذي فقد صفاءه أو اتّزانه، إنّ لهم حقوقاً على أُمّهم، على أبيهم، على سلوى منزل، بحيث إذا ما غَفَت فيه إحدى المحبّتين، فإنّ الأخرى تبقى يَقِظة كي تسهر عليهم. إنّ عيونهم البريئة تنظر إليكنّ، إنّها تتفحّصكنّ وهي تُدرك أكثر ممّا أنتنّ تعتقدن، وهم يُشكّلون أرواحهم تبعاً لما يَرَونه ويُدركونه. لا تكنّ أبداً سبب عار لأولادكنّ الأبرياء، بل اتّخذنهم كملجأ، كحصن مِن ماس نقيّ ضدّ ضعف الجسد وشِراك الأفاعي.
ولتكن المرأة أُمّاً. والأُمّ الصالحة هي أخت كما هي أُمّ، هي صديقة كما هي أخت لأبنائها وبناتها. وهي قبل كلّ شيء الـمَثَل (القدوة) في كلّ شيء. عليها أن تعتني بأبنائها وبناتها، إصلاحهم بلطف، مساندتهم، دعمهم، توسيع مداركهم، وكلّ ذلك دونما تفضيل (تمييز)، لأنّ الأولاد مولودون كلّهم مِن ذات البذرة وذات الأحشاء، وإذا كان مِن الطبيعيّ أنّ يكون الأولاد الصالحون محبوبين كثيراً بسبب الفرح التي يمنحونه، فَمِن الـمُنصِف أنّ يحظى أيضاً الأولاد الذين ليسوا كذلك بالمحبّة، ولو كانت محبّة مؤلمة، آخذين بعين الاعتبار ألّا يكون الإنسان أكثر حَزماً مِن الله، الذي يحبّ ليس فقط الناس الصالحين، إنّما أيضاً أولئك الذين ليسوا كذلك، وهو يحبّهم كي يجعلهم صالحين، ويمنحهم الوسائل والوقت كي يكونوا كذلك، وهو صبور حتّى موت الإنسان، محتفظاً لنفسه بحقّ أن يصير ديّاناً عادلاً عندما لا يعود الإنسان قابلاً للإصلاح.
والآن دعوني أقول لكم شيئاً لا علاقة له بهذا الموضوع، إنّما مِن المفيد لكم أن تحفظوه في أذهانكم. إنّنا في الكثير مِن الأحيان، بل غالباً جدّاً، نسمع أناساً يقولون بأنّ الأشرار هُم أفضل حالاً مِن الصالحين، وبأنّ ذلك ليس عادلاً. بدايةً أقول لكم: "لا تحكموا وفقاً للمظاهر وبما لا تعرفون." فالمظاهر غالباً ما تخدع، وأحكام الله غير مُستَوعَبة على الأرض. سوف تُدركونها في الحياة الآتية، وسوف ترون أنّ الرفاهية المؤقّتة كانت قد مُنِحَت للأشرار لجذبهم إلى الصلاح، وكمكافأة للصلاح الضئيل الذي حتّى الأشخاص الأكثر شرّاً قد يفعلونه. ولكن عندما ترون الأشياء في النور الحقّ للحياة الآتية، فسوف تدركون بأنّ زمن الفرح للخاطئ كان أقصر مِن حياة ساق عشب قد بدأت تنمو في الربيع في حوض سيل حصويّ قد جفّفه الصيف، في حين أنّ لحظة مجد واحدة في السماء، بسبب الفرح الذي تمنحه للأرواح التي تنعم به، هي أعظم مِن أعظم حياة ظافرة قد عاشها إنسان قطّ. فإذاً، لا تَحسدوا رخاء الشرّير، بل اسعوا، بإرادتكم الصالحة، أن تفوزوا بكنز الأبرار الأبديّ.
ونعود إلى ما يجب أن يكون عليه أفراد العائلة وقاطنو المنزل كي تبقى بركتي فاعلة فيه. أقول لكم يا أبنائي، أن تكونوا خاضعين لوالِدَيكم، أن تكونوا مُحترَمين ومطيعين، بحيث تكونون كذلك أيضاً مع الربّ إلهكم. لأنّكم إذا لم تعرفوا أن تطيعوا الوصايا البسيطة لأبيكم وأُمّكم، اللذين ترونهما، فكيف ستكونون قادرين على إطاعة وصايا الله، التي أُعطيَت لكم باسمه، إنّما الذي لم تروه ولم تسمعوه؟ وإذا لم تعرفوا أن تؤمنوا بذاك الذي يحبّ، كما يحبّ الأب والأُمّ، ولا يوصي إلّا بأمور صالحة، فكيف ستؤمنون بأنّ تلك الأمور، التي أُعطِيَت لكم كوصايا مِن عند الله، هي صالحة؟ الله مُـحِبّ، أتعلمون؟ وهو أب. وفقط لأنّه يحبّكم ويريدكم معه، أيّها الأبناء الأعزّاء، فهو يريدكم أن تكونوا صالحين. وأولّ مدرسة حيث تتعلّمون كيف تصبحون كذلك، هي عائلتكم. تتعلّمون هناك المحبّة والطاعة، ومِن هناك تبدأ بالنسبة لكم الدرب التي تصل إلى السماء. كونوا إذن صالحين، محترَمين، مطيعين. أحبّوا آباءكم حتّى عندما يؤدّبونكم، لأنّهم يفعلون ذلك لخيركم، وأحبّوا أُمّهاتكم إذا منعوكم مِن فِعل أمور هنّ يعلمن بحكم خبرتهنّ أنّها غير صالحة. أَكرِموا والِدَيكم، ولا تُخجِلوهما بأفعالكم السيّئة. الغرور ليس أمراً صالحاً، إنّما هناك غرور مقدّس، الغرور لقول: "لم أُحزِن أبي ولا أُمّي." إنّ هكذا سلوك، والذي يجعلكم تفرحون بصحبتهما فيما هما على قيد الحياة، هو السلام على الجرح الذي يُسبّبه لكم موتهما، في حين أنّ الدموع التي يتسبّب ابن بذرفها لوالِدَيه، تحرق قلب الابن الشرّير كما لو أنّها رصاص ذائب، وعلى الرغم مِن كلّ المساعي لتهدئة الجرح، فهو مؤلم، ويزداد الألم شدّة عندما تمنع وفاة الوالِدَين الابن مِن التعويض... آه! يا أبنائي، كونوا صالحين، دائماً، إذا ما أردتم أن يحبّكم الله.
وأخيراً، مقدّس هو ذاك البيت الذي، وبفضل صلاح أسياده، فإنّ الخُدّام أيضاً يصيرون صالحين. على السيّد أن يتذكّر بأنّ السلوك السيّئ يُثير الخُدّام ويُفسدهم، وعلى الخُدّام أن يضعوا في اعتبارهم بأنّ سلوكهم السيّئ يثير سخط الأسياد. ليلبث كلّ في مكانه، إنّما مرتبطاً بمحبّة القريب، لتجاوُز الفرقة القائمة بين الخُدّام والأسياد.
إذّاك سيحتفظ المنزل الذي كنتُ قد باركتُه بالبركة، والربّ سوف يقيم فيه. وكذلك فإنّ بركتي وحمايتي ستبقى مع القوارب، البساتين، أدوات العمل والصيد، عندما توجّهون حياتكم كصيّادين وبستانيّين، أي عاملين بقداسة في الأيّام المسموح بها العمل، ومُكرَّسين بقداسة لعبادة الله خلال السبوت، ولا تغشّوا في السعر أو الوزن، ولا تلعنوا أعمالكم، أيضاً لا تجعلوا العمل يسود حياتكم بتفضيله على الله. فإذا كان العمل يُكسبكم رزقكم، فإنّ الله يمنحكم السماء.
والآن لنذهب ونبارك المنازل، القوارب والمجاذيف، البساتين والمعاول، ومِن ثمّ سنذهب ونتحدّث قرب المكان حيث كان يوحنّا (الأبرص الذي شُفي)، قبل أن يذهب إلى الكاهن. لأنّني لن أعود إلى هنا مرّة أخرى، ومِن العدل أن يَسمَعني أقلّه لمرّة واحدة. خذوا بعض الخبز، السمك والفاكهة، سوف نأخذها إلى الأحراج، وسوف نأكل في حضور الأبرص الـمُبرأ، وسوف نعطيه أفضل الحصص، ليبتهج جسده، وليشعر منذ الآن أنّه أخ وسط المؤمنين بالربّ.»
وينطلق يسوع، يتبعه أهل القرية، وآخرون قَدِموا مِن بلدات مجاورة، حيث ربّما مضى بعض سكّان هذه القرية خلال الليل وهم يحملون خبر وجود المخلّص على هذه الضفّة.